المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌غزوة الطائف 64 - عن عبد الله بن عمرو رضي الله - المنهل الحديث في شرح الحديث - جـ ٣

[موسى شاهين لاشين]

الفصل: ‌ ‌غزوة الطائف 64 - عن عبد الله بن عمرو رضي الله

‌غزوة الطائف

64 -

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف فلم ينل منهم شيئا قال إنا قافلون إن شاء الله فثقل عليهم وقالوا نذهب ولا نفتحه وقال مرة نقفل فقال اغدوا على القتال فغدوا فأصابهم جراح فقال إنا قافلون غدا إن شاء الله فأعجبهم فضحك النبي صلى الله عليه وسلم

-[المعنى العام]-

عاد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من غزوة حنين التي سنتكلم عنها في الحديث التالي وحبس الغنائم بمكان يدعى الجعرانة وكان مالك بن عوف النضري قائد الكفار في حنين قد دخل الطائف بعد أن انهزم في حنين وكان له حصن في ضواحيها فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإدراكه وغزو الطائف وفي طريقه هدم حصن مالك بن عوف ووصل الطائف في شوال سنة ثمان من الهجرة ودخل ثقيف أهل الطائف مدينتهم وأغلقوا على أنفسهم أسوارها المنيعة وتحصنوا بها وقد جمعوا بالداخل قوت سنة حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت ثقيف قوما رماة صعدوا الأسوار ومن ثقوب أخذوا يرمون المسلمين بالنبال ولا تنالهم نبال المسلمين بعد بضعة عشر يوما من حصار غير مفيد والمسلمون يقدمون الشهداء استشار الرسول صلى الله عليه وسلم خبراء

ص: 258

القوم فقال نوفل بن معاوية الديلي يا رسول الله هم ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك فكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في العودة وقال إنا قافلون إن شاء الله وقويت عزيمته على ذلك حين جاءه أصحابه يقولون يا رسول الله أحرقتنا نبال ثقيف فادع عليهم فقال اللهم اهد ثقيفا ثم قال لأصحابه مرة ثانية إنا قافلون إلى المدينة غدا إن شاء الله فلم يعجبهم هذا القرار وثقل عليهم وعز عليهم أن يرجعوا دون فتح الطائف وهم في كثرة وقوة فقال قائلهم نأتي إلى هنا ونحاصرهم ويعلم بنا العرب ثم نعود كما جئنا وأحس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الغالبية لا تستريح لقرار العودة فرأى أن يدركوا بأنفسهم أن القرار حكيم وضروري فقال لهم لكم ما تشاءون اغدوا للقتال فأصبحوا يرمون رجال الأسوار بالنبال دون إصابة وحاولوا فتح أبواب الحصن وكانت ثقيف مستعدة لهذه المحاولة بقطع الحديد المحمي التي ألقتها من فوق الأسوار على المسلمين فأصيب منهم الكثير وجاءوا يشكون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنا راجعون غدا إن شاء الله فأعجبهم القرار وأعلنوا الرضا

به والموافقة عليه فتبسم صلى الله عليه وسلم وعادوا إلى الجعرانة فقسم الغنائم كما سيأتي في الحديث التالي وشاء الله لأهل الطائف أن يسلموا بعد عام

-[المباحث العربية]-

(الطائف) بلد كبير مشهور كثير الأعناب والنخيل على بعد نحو مائتي ميل من مكة من جهة الشرق أشهر سكانها قبائل ثقيف

(إنا قافلون) راجعون من حيث جئنا أي غدا إن شاء الله

(فثقل عليهم) أي اشتد وعظم عليهم أمر الرجوع

(وقالوا نذهب ولا نفتحه) الكلام على الاستفهام التعجبي أو الإنكاري أي لا ينبغي أن يقع ذلك والمعنى نذهب عن الطائف ولا نفتحه لا يكون ذلك

(وقال مرة نقفل) بضم الفاء أي قال ذلك مرة أخرى قبل اعتراضهم

ص: 259

أي قال ذلك مرتين فاعترضوا فقال بعد الاعتراض

(اغدوا على القتال) الغدو السير أول النهار أي سيروا للقتال غدا صباحا كعادتكم

(فغدوا) على القتال بالنبال ومحاولة فتح الحصن

(فأصابهم جراح) شديدة من النبال ومن قطع الحديد المحمي

(فقال) معطوف على محذوف أي فشكوا إليه فقال

(فأعجبهم) ضمير الفاعل يعود على قرار العودة المفهوم من المقام

(فضحك النبي صلى الله عليه وسلم كان ضحكه صلى الله عليه وسلم تبسما ولذا جاء في رواية أخرى في الصحيح فتبسم

-[فقه الحديث]-

يرجع العلماء أسباب عدم النيل من ثقيف وعدم فتح الطائف إلى

1 -

أنهم كانوا قد أحكموا سورا عاليا حول بلدتهم وأحكموا أبوابه

2 -

وأنهم جعلوا عليه منافذ علوية محصنة للرمي منها على الخارج

3 -

واستعانوا ببعض المهرة من الرماة من الكفار من غير أهل الطائف

4 -

وأنهم كانوا مشهورين بالشجاعة والقوة

5 -

وأنهم جعلوا مواشيهم ترتع في موضع بعيد مأمون

6 -

وأن النبي صلى الله عليه وسلم حينما بدأ يقطع أعنابهم ويحرق نخيلهم سألوه أن يدعها لله وللرحم حيث إن الجدة العليا لأمه صلى الله عليه وسلم كانت من ثقيف فتركها رسول الله صلى الله عليه وسلم

7 -

أنهم خافوا إن نزلوا أو استسلموا أن يقتل مقاتلتهم ويسبي ذراريهم كما فعل ببني قريظة فقاتلوا قتال المستميت

8 -

قال بعضهم لم يؤذن له صلى الله عليه وسلم في فتح الطائف كيلا يستأصل

ص: 260

المسلمون أهله انتقاما على سوء معاملتهم للرسول صلى الله عليه وسلم حين عرض عليهم نفسه فأغروا به الصبية والسفهاء أهـ

وفي هذا نظر لأنه صلى الله عليه وسلم حينما طلب منه في الحصار أن يدعو عليهم دعا لهم ولأنه ساعة أوذي طلب لهم المغفرة والهداية

-[ويؤخذ من الحديث: ]-

1 -

حرصه صلى الله عليه وسلم وشفقته بأمته ورحمته بقومه حيث أمرهم بالرحيل حماية لهم من الضرر

2 -

أن الإمام لا يضره أن ينزل على رأي الرعية حتى يستبين لهم وجه الصواب

3 -

أنه يشرع احتمال أخف الضررين فقد حملهم صلى الله عليه وسلم بعض الأذى من أجل أن لا يندموا ويرتابوا في صحة القرار

4 -

سماحته صلى الله عليه وسلم حين استسلموا ورجعوا إلى قبول رأيه فلم يعنفهم بل لم يعتب عليهم رفضهم واعتراضهم

5 -

أن الرجوع إلى الحق والصواب خير من العناد والتمادي في غير المصلحة

ص: 261

65 -

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال جمع النبي صلى الله عليه وسلم ناسا من الأنصار فقال إن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصيبة وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم قالوا بلى قال لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت وادي الأنصار أو شعب الأنصار

-[المعنى العام]-

في رمضان على رأس ثمان سنين ونصف السنة من هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فتحت له مكة بعد أن سار إليها في عشرة آلاف مسلم أقام بها خمسة عشر يوما ثم بلغه أن هوازن وثقيفا قد جمعوا جموعهم بواد يسمى حنين قريب من الطائف يريدون قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار بجموعه التي فتحت مكة بل تبعه كثير ممن قرب عهدهم بالإسلام من أهل مكة جيش لم يسبق له مثيل في كثرة عدده وعدده حتى أعجب المسلمون بكثرتهم وقال قائلهم لن نغلب اليوم من قلة ولم يحسبوا أن هوازن جمعت من الأعداء ضعف عددهم وأنهم أهل الأرض وأدرى بشعابها وأهل خبرة في الحرب وقوة وبأس لقد صفوا الخيل ثم المقاتلة ثم النساء من وراء ذلك ثم الغنم ثم النعم ثم أخذوا المسلمين على غرة ففر المؤلفة قلوبهم وتبعهم كثير من جيش المسلمين حتى قيل إنه لم يثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم سوى أقل من مائة رجل فقال صلى الله عليه وسلم لعمه العباس ناد أصحاب الشجرة فنادى فرجع الناس وحملوا على المشركين فهزموهم واستاقوا السبي والغنم والنعم غنائم كثيرة يحتاج حصرها وتوزيعها إلى وقت طويل فأمر صلى الله عليه وسلم بجمعها وحفظها في الجعرانة وأقام عليها حرسا حتى يرجع هو وأصحابه من الطائف فلما عاد من الطائف أخذ يوزع غنائم حنين فقسمها بين قريش والمهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئا وفاز المؤلفة قلوبهم من مسلمي الفتح بأكبر نصيب، فقد أعطى أبا سفيان مائة من الإبل وأعطى صفوان بن

ص: 262

أمية مائة وأعطى عيينة بن حصن مائة وأعطى مالك بن عوف مائة وأعطى الأقرع بن حابس مائة وغيرهم أعطي مائة مائة. فغضب الأنصار وتكلموا فيما بينهم. قال أحدهم: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله وقال آخر: إذا كانت الشدة ندعى لها، ويعطى الغنيمة غيرنا وقال ثالث والله إن هذا لهو العجب إن قريشا حديثة إسلام لم تحارب للدعوة بعد بل ما زالت سيوفنا تقطر من دمائهم لدفاعهم عن الكفر يعطون ولا نعطى؟ غفر الله لرسوله.

وبلغ كل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم في قبة ثم خطبهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا معشر الأنصار ما حديث بلغني عنكم أقلتم كذا وكذا قالوا نعم فقال أما والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدقتم لو شئتم قلتم أتيتنا مكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك وطريدا فآويناك وعائلا فواسيناك وخائفا فآمناك فقالوا بل المن علينا لله ولرسوله بماذا نجيبك يا رسول الله فقال إن قريشا حديثو العهد بالإسلام قريبو عهد بجاهلية وقريبو عهد بمصيبة وهزيمة في مكة وذل وصغار فأردت أن أجبرهم وأن أتألفهم أما يرضيكم أن ترجع قريش بالإبل والشاة وترجعون أنتم برسول الله قالوا بلى يا رسول الله قال فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا رضينا يا رسول الله ولا حاجة لنا بالدنيا قال صلى الله عليه وسلم لو سلك الناس طريقا وسلك الأنصار طريقا آخر لسلكت طريق الأنصار ولولا الهجرة وفضلها لتمنيت أن أكون امرءا من الأنصار

-[المباحث العربية]-

(جمع النبي صلى الله عليه وسلم ناسا من الأنصار) في رواية فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم ولم يدع معهم غيرهم وفي رواية فدخل سعد بن عبادة فذكر له ما جال في نفوس قومه فقال له صلى الله عليه وسلم فأين أنت من ذلك يا سعد قال ما أنا إلا من قومي قال فاجمع لي قومك فخرج فجمعهم

(إن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصيبة) في بعض الروايات حديثو

ص: 263

عهد بالجمع أي قريبون من الجاهلية وقريبون من هزيمتهم وفتح بلادهم وقتل أقاربهم في سابق الغزوات

(وإني أردت أن أجبرهم) بفتح الهمزة وسكون الجيم وضم الباء من الجبر ضد الكسر وفي رواية أجيزهم بضم الهمزة وكسر الجيم بعدها ياء فزاي أي أعطيهم وأثيبهم

(أما ترضون) الهمزة للاستفهام التقريري أي حمل المخاطبين على الإقرار بما بعد النفي أي ارضوا ليقولوا رضينا وقد قالوها فعلا فقد جاء في رواية أنهم قالوا يا رسول الله قد رضينا وفي روايتنا قالوا بلى

(أن يرجع الناس بالدنيا) المراد من الناس من أعطوا من الغنائم من قريش والمراد من الدنيا الغنيمة وفي رواية بالشاة والبعير وفي رواية أن يذهب الناس بالأموال

(وترجعون برسول الله إلى بيوتكم) وفي رواية تحوزونه إلى بيوتكم

(لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا) الوادي هو المكان المنخفض وقيل الذي فيه ماء والشعب بكسر الشين اسم لما انفرج بين جبلين وقيل الطريق في الجبل

-[فقه الحديث]-

تطلق المؤلفة قلوبهم شرعا على ناس أسلموا إسلاما ضعيفا وعلى كفار قريبين من الإسلام وعلى مسلمين لهم أتباع كفار ليتألفوهم وعلى مسلمين أول ما دخلوا في الإسلام ليتمكن الإسلام من قلوبهم قال الحافظ ابن حجر والمراد هنا الأخير لقوله في بعض الروايات فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم وظاهر الحديث أن العطية التي أعطاها قريشا كانت من جميع الغنيمة وقال القرطبي الإجراء على أصول الشريعة يفيد أن العطاء المذكور كان من الخمس فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي في هذه الغزوة ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم

ص: 264

وقيل إنما كان تصرفا في الغنيمة لأن الأنصار كانوا قد انهزموا فلم يرجعوا حتى وقعت الهزيمة على الكفار فرد الله الغنيمة لنبيه فهو خاص بهذه الواقعة

أما قول من قال من الأنصار فقد اعتذر عنه رؤساؤهم بأن ذلك كان من بعض أتباعهم لما شرح لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خفي عليهم من الحكمة مما صنع رجعوا إليه مذعنين ورأوا أن الغنيمة العظمى هي ما حصل لهم من عود الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بلادهم

وقال صلى الله عليه وسلم ما قال تطييبا وتواضعا وإنصافا وإلا ففي الحقيقة أن الحجة البالغة والمنة الظاهرة له عليهم ولذا جاء في بعض روايات الصحيح أنه قال لهم ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي وكنتم متفرقين فألفكم الله بي وعالة فأغناكم الله بي وكلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمن

-[ويؤخذ من الحديث: ]-

1 -

أن للإمام تفضيل بعض الناس على بعض في مصارف الفيء والغنيمة للمصلحة

2 -

أن من طلب حقه من الدنيا لا لوم عليه

3 -

تسلية من فاته شيء من الدنيا بما حصل له في الآخرة من ثواب

4 -

العمل على الهداية وتأليف القلوب وإزالة ما يعلق بالنفوس

5 -

حسن أدب الأنصار في عدم الجدل والمماراة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

6 -

إقامة الحجة على الخصم وإقناعه بالحق

7 -

فيه مناقب عظيمة للأنصار

8 -

ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من حلم وحسن معاملة

ص: 265

66 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أنا نائم أتيت بخزائن الأرض فوضع في كفي سواران من ذهب فكبرا علي فأوحي إلي أن انفخهما فنفختهما فذهبا فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما صاحب صنعاء وصاحب اليمامة

-[المعنى العام]-

في سنة تسع من الهجرة وفدت وفود العرب إلى المدينة لتسلم وتتزود من معارف الإسلام على يد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن هذه الوفود وفد بني حنيفة الذين كانوا يسكنون اليمامة بين مكة واليمن كان الوفد بضعة عشر رجلا وفيهم مسيلمة وأسلموا وعادوا إلى بلادهم وفي العام التالي جاء وفد كبير آخر من بني حنيفة على رأسه مسيلمة.

وكان لمسيلمة شأن بين قومه فكان يدعى رحمان اليمامة وشاء الله له أن يكون مثل إبليس حمله غروره أن يفكر في مشاركة محمد صلى الله عليه وسلم في الرسالة أو أن يخلفه فيها بعد

ص: 266

وفاته وأذاع هذا الفكر الخبيث بين جماعته حين قدم على رأس وفد وجعل يقول إن جعل لي محمد الأمر بعده تبعته وفي المدينة طلب مقابلة محمد صلى الله عليه وسلم فذهب صلى الله عليه وسلم إليه في رحله ومعه ثابت بن قيس الخطيب المسلم المشهور المعروف بخطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعة من جريد فقال مسيلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسألك أن تجعل لي الخلافة بعدك وكان صلى الله عليه وسلم قد رأى في منامه أن خزائن الأرض قد وضعت بين يديه وأنه وضع في كفيه سواران من ذهب فكرههما وعظم عليه طرحهما فأوحى الله إليه في المنام أن ينفخهما فنفخهما فذهبا فلما سمع من مسيلمة ما سمع تذكر الرؤيا ووقع في نفسه أن مسيلمة أحد السوارين وأنه شر على الإسلام يخدع الناس لكنه صلى الله عليه وسلم لا يقتل بالظنة ثم إن وفد بني حنيفة قوم كثير ثم ماذا يقال عنه إذا أساء إلى رءوس الوفود قد أحسن القول والفعل لمسيلمة لكنه قال له لو سألتني الجريدة التي في يدي ما أعطيتكها فضلا عن الخلافة وإني لأظنك الذي رأيت في منامي ولن تعدو أن تتخطى أمر الله فقد رأيت ضياعك وهلاكك ولن أطيل الكلام معك ولكني سأترك لك ثابت بن قيس يجيبك وعاد صلى الله عليه وسلم وعاد مسيلمة إلى اليمامة ليكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا يقول فيه من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله أما بعد فإن الأرض بيني وبينك لي نصفها ولك نصفها فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين وأعلن مسيلمة النبوة وادعى أن قرآنا ينزل عليه وخدع الكثير من قومه فآمنوا به وسمع أن امرأة

من بني تميم تدعى سجاحا تدعي النبوة أيضا وأن جماعة من قومها آمنوا بها فأرسل إليها وتزوجها واجتمع قومها وقومه على طاعته وفي هذه الأثناء ادعى النبوة في اليمن رجل آخر يدعى الأسود العنسي وتابعه كثير من قومه وخرج بهم إلى صنعاء فغلب عامل الرسول صلى الله عليه وسلم عليها وملكها وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فأوله بالسوار الثاني

فأما ما كان من أمر الأسود العنسي فقد قتل قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بليلة

ص: 267

واحدة وأما ما كان من أمر مسيلمة فقد أرسل إليه أبو بكر بجيش كبير في حروب الردة فقضى عليه وعاد الإسلام من جديد إلى ربوع الجزيرة العربية بعد أن اختفى منها حتى لم تكن تقام الجماعة فيها إلا في مسجدين مسجد المدينة ومسجد عبد القيس

-[المباحث العربية]-

(أتيت بخزائن الأرض) أي في المنام ورؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وحي وتأويل خزائن الأرض فتح الله على أمته من كنوز كسرى وقيصر وخيرات الأرض ومعادنها وما أصابهم من غنى وملك بعده صلى الله عليه وسلم

(فوضع في كفي سواران من ذهب) وضع بالبناء للمجهول وكفي بالإفراد ومن بيانية والسوار ما يوضع في اليد حول المعصم وهو بكسر السين ويجوز ضمها وفي رواية إسواران بكسر الهمزة وسكون السين وهو تثنية إسوار وهي لغة في السوار وظاهر الرواية أن السوارين لم يلبسا في اليدين في المعصمين بل كانا مجموعين في كف واحدة لكن الرواية الأخرى في البخاري تقول رأيت في يدي بالتثنية سوارين من ذهب مما يقتضي وضع سوار في كل يد

(فكبرا علي) بضم الباء أي عظما وثقلا وفي رواية للبخاري ففظعتهما وكرهتهما وفي رواية أخرى له أيضا فأهمني شأنهما والفظيع الأمر الشديد

(فأوحى الله إلي) يحتمل أن يكون من وحي الإلهام أو على لسان الملك

(فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما) تأويل الرؤيا اجتهاد منه صلى الله عليه وسلم والرواية صريحة في أن الكذابين كانا حينئذ موجودين بكذبهما لكن جاء في رواية أخرى للبخاري فأولتهما كذابين يخرجان مما يدل على أنه إخبار بغير واقع سيقع وقد جمع بينهما بأن الكذابين كانا موجودين لكن أمرهما وشيوع كذبهما لم يكن خرج بعد أما رواية يخرجان بعدي فالمراد منها

ص: 268

خروج شوكتهما ومحاربتهما والمراد من البينية في أنا بينهما بينية الدعوة الصادقة والداعية الصادق بين كذابين وليست بينية مكانية لأن اليمامة بين مكة وصنعاء والمدينة في الطرف البعيد عنها

(صاحب صنعاء وصاحب اليمامة) أي الأسود العنسي ومسيلمة وكلمة صاحب بالنصب بدل من الكذابين وبالرفع خبر لمبتدأ محذوف أي هما صاحب صنعاء وصاحب اليمامة والصاحب الملازم من المصاحبة والصحبة

-[فقه الحديث]-

إنما أول النبي صلى الله عليه وسلم السوارين بالكذابين لأن الكذب وضع الشيء في غير موضعه فلما رأى في ذراعيه سوارين من ذهب وليسا من لبسه لأنهما من حلي النساء عرف أنه سيظهر من يدعي ما ليس له وأيضا في كونهما من ذهب والذهب مشتق من الذهاب يشير إلى أنه شيء يذهب ولا يبقى وتأكد ذلك بالوحي بنفخهما فطارا فعرف أنه لا يثبت لهما أمر إذ النفخ يشير إلى حقارة أمرها لأن شأن الذي ينفخ فيه فيذهب بالنفخ أن يكون في غاية الحقارة والمراد الحقارة المعنوية لا الحسية.

-[ويؤخذ من الحديث: ]-

1 -

في الحديث علم من أعلام النبوة وأن أمة الإسلام ستفتح عليها خزائن الأرض وقد كان ما أخبر به

2 -

قال الحافظ ابن حجر ويؤخذ منه منقبة عظيمة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم تولى نفخ السوارين بنفسه حتى طارا أما الأسود فقتل في زمنه وأما مسيلمة فكان القائم عليه حتى قتله أبو بكر الصديق قام مقام النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك

3 -

ويؤخذ منه أن السوار وسائر آلات أنواع الحلي اللائقة بالنساء تعبر للرجال بما يسوؤهم ولا يسرهم إذا رؤي في المنام

ص: 269