الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الإصلاح بين الناس
16 -
عن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا
-[المعنى العام]-
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ليس الذي يأثم بكذبه ويعاقب عليه هو الذي يكذب ليصلح بين المتخاصمين فيبلغ كل فريق خيرا عن الفريق الآخر لأنه حينئذ لم يضر بكذبه أحدا بل نفع وأصلح وإنما الأعمال بالنيات
-[المباحث العربية]-
(أم كلثوم بنت عقبة) بن أبي معيط كانت تحت زيد بن حارثة ثم تزوجها عبد الرحمن بن عوف ثم تزوجها الزبير بن العوام ثم تزوجها عمرو بن العاص وهي أخت عثمان بن عفان لأمه وأسلمت وهاجرت وبايعت وكانت هجرتها سنة سبع
(ليس الكذاب) ليس المراد نفي الكذب بل نفي إثمه فالكذب كذب سواء كان في الإصلاح أو غيره
(الذي يصلح بين الناس) الموصول خبر ليس والجملة بعده صلته
وكان حق السياق أن يقول ليس من يصلح بين الناس كذابا لكنه ورد على سبيل القلب وهو جائز
(فينمي) بفتح الياء من نمى الحديث إذا رفعه وبلغه على وجه الإصلاح فإذا بلغه على وجه الإفساد والنميمة قيل نمى بالتشديد
(أو يقول خيرا) شك من الراوي
-[فقه الحديث]-
قال الطبري اختلف العلماء في هذا الباب فقالت طائفة الكذب المرخص فيه هو جميع معاني الكذب وأجازوا قول ما لم يكن لما فيه من المصلحة فإن الكذب المذموم إنما هو ما فيه مضرة للمسلمين ويحتج لذلك بما روى الترمذي لا يحل الكذب إلا في ثلاث: يحدث الرجل امرأته ليرضيها والكذب في الحرب والكذب ليصلح بين الناس فيحدث الرجل امرأته عن جمالها وعن حبه لها وعن اغتباطه بصنعها وتحدثه بمثل ذلك ويتحدث الرجل عن قوته وصبره ويخدع عدوه في خططه ويكيد له ويقاس على هذه الثلاثة أمثالها من كل ما فيه مصلحة وإن كان فيه إخبار بخلاف الواقع كما لو قصد رجل ظالم قتل رجل هو مختف عنده فله أن ينفي كونه عنده ويحلف على ذلك ولا يأثم ومنع بعضهم الكذب مطلقا فلا يجوز الإخبار عن شيء بخلاف ما هو عليه واختلف هؤلاء في تأويل ما ورد مما يبيح ظاهره الكذب فحمله بعضهم على التورية وطريق المعاريض كأن يقول للظالم دعوت لك أمس ويقصد أنه قال: اللهم اغفر للمسلمين ويعد زوجته بعطية ويريد إن قدر الله أو إلى مدة ويظهر من نفسه قوة في الحرب وإن كان ضعيفا ويؤيد هذا الحمل حديث إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب وحمله بعضهم على قول ما علم من الخير والسكوت عما علم من الشر فيسهل المصلح ما صعب ويقرب ما بعد بإبراز وجوه الخير والسكوت عما يحمله النزاع من شر ويحدث الرجل امرأته بأوجه حسنها ويصمت عما يؤذيها ويتكلم عن مناحي قوته
وقوة جيشه ويسكت عن نقاط الضعف أو يأتي بألفاظ تحتمل وجهين فلا يصل العدو إلى مأربه ولكن لا يخبر عن شيء على خلاف ما هو عليه وأما الكذب عند طلب ظالم لمختف ليقتله ونحوه فهو من باب احتمال أخف الضررين كالذي يضطر إلى الميتة فليأكل ليحيي نفسه
17 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت خصوم بالباب عالية أصواتهما وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء وهو يقول والله لا أفعل فخرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أين المتألي على الله لا يفعل المعروففقال أنا يا رسول الله وله أي ذلك أحب
-[المعنى العام]-
بينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة إذ سمع أصوات متخاصمين قريبين من باب حجرته يقول أحدهما للآخر رفقا بي وإمهالا لبعض حقك أو تنازلا عن شيء مما لك فإني قد أصابني في مالي كيت وكيت ويرد عليه صاحب الحق بقوله والله لن أرفق بك ولن أحط عنك ولن أمهلك وكره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسمع القطع بمنع الخير والحلف على ذلك اليمين فخرج مغضبا فقال أين المتجبر؟ ليقسم بالله ألا يفعل المعروف قال الدائن أنا يا رسول الله أعترف بخطئي وأعتذر وأتوب إلى الله
ولخصمي ما أحب إن شاء الإمهال أمهلت وإن شاء التنازل تنازلت وإن شاءهما فعلت فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عذره ورضي عن حسن استعداده
-[المباحث العربية]-
(صوت خصوم) الخصوم بضم الخاء جمع خصم بفتحها قال الجوهري الخصم يستوي فيه الجمع والمفرد والمذكر والمؤنث لأنه مصدر ومنه قوله تعالى {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب} ومن العرب من يثنيه ويجمعه ومنه قوله تعالى {هذان خصمان}
(عالية أصواتهما) عالية يجوز فيه الجر والنصب أما الجر فعلى أنه صفة الخصوم وأما النصب فعلى الحال من خصوم لتخصصه بمتعلق الجار والمجرور أو من ضميره المستكن في متعلق الجار والمجرور وأصواتهما بالرفع فاعل عالية لأن اسم الفاعل يعمل عمل فعله والتثنية فيه باعتبار الخصمين المتنازعين والجمع في خصوم باعتبار من حضر من أنصار الطرفين أو التثنية باعتبار طرفي الخصومة والجمع باعتبار تعدد أفراد كل طرف كقوله تعالى {هذان خصمان اختصموا في ربهم} أو على أن الجمع ما فوق الواحد
(وإذا أحدهما يستوضع الآخر) إذا للمفاجأة وأحدهما مرفوع بالابتداء ويستوضع خبره وهو العامل في إذا على الصحيح ومعنى يستوضع يطلب أن يضع عنه من دينه شيئا
(ويسترفقه في شيء) أي يطلب منه أن يرفق به في الاستيفاء والمطالبة
(والله لا أفعل) مفعوله محذوف تقديره لا أفعل شيئا من الحطيطة أو الرفق
(أين المتألي على الله) بضم الميم وفتح التاء والهمزة واللام المشددة المكسورة أي الحالف المبالغ في اليمين وأين خبر مقدم والمتألي مبتدأ مؤخر وضمن لفظ متألي معنى حاكم فعداه بعلى
(أنا يا رسول الله) الضمير خبر مبتدأ محذوف أي المتألي أنا
(فله أي ذلك أحب) أي فلخصمي أي الأمرين أحب الحط أو الرفق والجار والمجرور خبر متقدم وأي مبتدأ مؤخر أي مضاف واسم الإشارة مضاف إليه والإشارة إلى المذكور من الرفق أو الحط وجملة أحب على أنها فعل صلة أي وعلى أنها اسم خبر مبتدأ محذوف أي هو أحب والجملة صلة أي
-[ويؤخذ من الحديث: ]-
1 -
الحض على الرفق بالغريم والإحسان إليه بالوضع عنه
2 -
الزجر عن الحلف على ترك فعل الخير نعم يرد عليه قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي قال والله لا أزيد على هذا ولا أنقص أفلح إن صدق إذ لم ينكر عليه حلفه على ترك الزيادة وهي من فعل الخير وأجيب بأن قصة الأعرابي كانت في مقام الدعوة إلى الإسلام والاستمالة إلى الدخول فيه فكان صلى الله عليه وسلم حريصا على ترك حضهم على ما فيه نوع مشقة بخلاف حال من تمكن في الإسلام فيحضه على الازدياد من نوافل الخير وقد أجابوا عن تكفير الرجل المتألي عن يمينه الذي حنث فيه بأنه يحتمل أنه كفر ولم يرد ويحتمل أن يمينه كانت قبل نزول الكفارة قال النووي ويستحب لمن حلف ألا يفعل خيرا أن يحنث فيكفر عن يمينه
3 -
سرعة فهم الصحابة لمراد الشارع وطواعيتهم لما يشير إليه وحرصهم على فعل الخير
4 -
الصفح عما يجري بين المتخاصمين من اللغط ورفع الصوت عند الحاكم
5 -
جواز سؤال المديون الحطيطة من صاحب الدين خلافا لمن كرهه من المالكية واعتل بما فيه من تحمل المنة وقال النووي لا بأس بالسؤال
بالوضع والرفق لكن بشرط ألا ينتهي إلى الإلحاح وإهانة النفس أو الإيذاء ونحو ذلك
6 -
الشفاعة إلى أصحاب الحقوق وقبول الشفاعة في الخير