المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الاستئذان الاستئذان طلب الإذن فيما لا يملكه المستأذن وهو واجب - المنهل الحديث في شرح الحديث - جـ ٤

[موسى شاهين لاشين]

الفصل: ‌ ‌كتاب الاستئذان الاستئذان طلب الإذن فيما لا يملكه المستأذن وهو واجب

‌كتاب الاستئذان

الاستئذان طلب الإذن فيما لا يملكه المستأذن وهو واجب لدخول مكان غير مملوك بنص الكتاب قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها} أي تستأذنوا وتسلمواوقرئ به وقيل معناه حتى تتنحنحوا وأصله طلب الإيناس ضد الإيحاش وظاهر الآية أن الاستئذان مقدم على السلام لكن جاء في السنة ما يفيد عكسه روى أبو داود "استأذن رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته فقال أألج فقال لخادمه أخرج لهذا فعلمه فقال قل السلام عليكم أدخل وأجمع العلماء بأن السلام يقدم إن وقعت عين المستأذن على صاحب المنزل وإلا قدم الاستئذان ويستأذن ثلاثا الأولى ليسمع والثانية ليستعد له المالك والثالثة ليأذن له فإن لم يوجد أحد من الآذنين فلا ينبغي الدخول بل ينبغي الصبر حتى يوجد من يأذن فإن وجد المالك ولم يأذن سواء قال أرجع صراحة أو فهم عدم الإذن منه بالقرائن وجب الرجوع وعدم الوقوف على الأبواب وأصل مشروعيته الاحتراز من وقوع النظر إلى ما لا يريد صاحب المنزل النظر إليه لو دخل بلا إذن ومن هذا يعلم أنه واجب ولو تحقق خلو المنزل من النساء كما يجب عند الاستئذان صرف البصر وكف الأذى وعدم التضييق على المارين وعدم احتقارهم والاستهزاء بهم فإن قيل له من ذا فلا يقل أنا ويسكت بل يذكر ما يبين عن شخصيته قال النووي إذا لم يقع التعريف إلا بأن يكفي المرء نفسه لم يكره ذلك وكذا لا بأس أن يقول أنا الشيخ فلان إذا لم يحصل التمييز إلا بذلك أما الاستئذان في دخول بيت يملكه فهو مشروع إن كان

ص: 189

فيه أهله ليتأهبوا له فلا يصادف حالا يكرهها

52 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يسلم الصغير على الكبير والمار على القاعد والقليل على الكثير"

-[المعنى العام]-

شرع الله السلام بين عباده ليستأنسوا فلا يستوحش مسلم من مسلم ولينمو الود وتزداد المحبة والتآلف وقد بين الرسول الكريم في هذا الحديث من يطلب منه البدء بالسلام لئلا يكون للناس حجة ولئلا يلقي بعضهم التبعة على بعض فقال ليسلم الصغير سنا على الكبير والمار ماشيا أو راكبا على القاعد والمضطجع والقليل عددا على الكثير

-[المباحث العربية]-

(يسلم الصغير على الكبير) خبر في معنى الأمر وقد ورد صريحا بلفظ "ليسلم" والسلام مصدر سلم وهو اسم من أسماء الله تعالى بمعنى أنه ذو السلامة من كل آفة ونقيصة ويطلق بمعنى التحية وهو المراد هنا والصغر والكبر أمر نسبي وهما إذا أطلقا أطلقا انصرفا إلى السن وقد يحملان على المقام الديني أو الدنيوي

-[فقه الحديث]-

يتناول شرح الحديث النقاط التالية

1 -

حكم إلقاء السلام والرد عليه

2 -

لفظهما المطلوب شرعا وحكم ألفاظ التحيات الجارية

3 -

المواطن التي لا يشرع فيها

4 -

بيان المطالب بالبدء بالسلام والحكم إذا لم يبدأ

ص: 190

5 -

متفرقات وهذا هو التفصيل

أولا إفشاء السلام سنة عينية للواحد كفاية للجماعة على من يعرف وعلى من لا يعرف نعم ذكر الماوردي أن من مشى في الشوارع المطروقة كالسوق لا يسلم إلا على بعض من لقي لأنه لو سلم على الكل لتشاغل عن المهم الذي خرج لأجله ولشغل الناس عن مصالحهم وخرج بذلك عن العرف والمألوف كما قال لو دخل شخص مجلسا فإن كان الجمع قليلا يعمهم سلام واحد فسلم كفاه ولو كان كثيرا ينتشر فيهم السلام يبتدئ أول دخوله بمن شاهدهم وتتأدى سنة السلام في حق جميع من يسمعه وهل يستحب أن يسلم على من جلس عندهم ممن لم يسمعه وجهان أما رد السلام فواجب على من سمعه على الكفاية إن قام به البعض سقط الإثم عن الباقين واختص بالثواب من قام بالرد وإلا أثموا جميعا ولو سلم جمع مترتبون على واحد فرد مرة واحدة قاصدا جميعهم أجزاه ما لم يحصل فاصل ضار والظاهر وجوب الرد على من سمع السلام من المذياع أو قرأه في كتاب لأن السلام دعاء بالأمن والرحمة فإذا حيا المذيع السامعين بهذه التحية لزمهم أن يحيوه وأن يدعوا له بأحسن منها أو يردوها نعم يشترط إسماع المسلم الرد حيث أمكن لما في ذلك من تطييب الخاطر وشرح الصدر ومقابلة الإحسان بالإحسان ويشترط كون الرد على الفور فإن أخره ثم رد لم يعد جوابا وكان آثما بتركه

ثانيا أما لفظه المطلوب شرعا فهو السلام عليكم فإن كان واحدا صح أن يخاطبه بالإفراد والأفضل الجمع ليتناول الملائكة ويقصدهم ليردوا عليه فينال بركة دعائهم وهذا أقل ألفاظه وأكمل منه زيادة ورحمة الله وبركاته اقتداء بقوله عز وجل {رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت} ويكره أن يقول المبتدئ عليك السلام فقد روى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الموتى فإن قالها استحق الجواب على الصحيح والأفضل الأكمل في الرد أن يقول عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ويأتي بالواو قال النووي فلو حذفها جاز وكان

ص: 191

تاركا للأفضل ولو اقتصر علي وعليكم السلام اجزأه ولو اقتصر على عليكم لم يجزه قال النووي لو قال وعليكم بالواو ففي إجزائه وجهان فالمماثلة بين الرد والتحية واجبة والزيادة مندوبة ولا يعد نحو صبحك الله بالخير أو قواك الله أو مرحبا أو أهلا وسهلا أو نحو ذلك مما هو شائع في أيامنا لا يعد ذلك تحية شرعية ولا يستحق قائله جوابا والدعاء له بنظيره حسن إلا أن يقصد بإهماله له تأديبه لتركه سنة السلام

ثالثا واستثنى ممن يسلم عليهم

1 -

الكافر فلا يسلم عليه ابتداء لقوله صلى الله عليه وسلم لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه ورخص بعض العلماء ابتداء أهل الكتاب بالسلام إذا دعت إليه داعية ونصوا على جواز الدعاء لهم بطول البقاء ولو سلم يهودي أو نصراني أو مجوسي فلا بأس بالرد عليه لكن لا يزيد في الجواب على قوله وعليك وإذا سلم على رجل ظنه مسلما فبان كافرا استحب أن يرد سلامه فيقول رد علي سلامي والمقصود من ذلك أن يوحشه

2 -

والفاسق لا يسلم عليه عند الجمهور بل يسن تركه على مجاهر بفسقه قال النووي إلا أن خاف ترتب مفسدة في دين أو دنيا إن لم يسلم ولا يجب رد سلام الفاسق زجرا له ولغيره

3 -

ولا يسلم الرجل على المرأة الشابة الأجنبية ويحرم عليها ابتداؤه ويكره له رد سلامها والفرق أن ردها يطمعه فيها أكثر بخلاف رده عليها ويدخل في المسنون سلام امرأة على امرأة وسلام محرم عليها وسلام الرجل على عجوز لا تشتهى وقال بعضهم لا يسلم الرجل على النساء مطلقا إذا لم يكن منهن ذات محرم

4 -

ولا يسلم على المشتغل بالأكل حال مضغه وبلعه ويشرع قبل وضع اللقمة في الفم إذا علم أن ذلك لا يؤذيه

5 -

ولا على مشتغل بجماع

ص: 192

6 -

ولا على من كان في الخلاء

7 -

أو في الحمام

8 -

أو كان نائما

9 -

أو مصليا

10 -

أو مؤذنا

11 -

أو مستمعا للخطبة

12 -

أو في درس العلم

13 -

أو مكشوف العورة

14 -

أو معه امرأة شابة

15 -

ولا يسلم الخصم على القاضي ولو سلم على هؤلاء لا يستحق الرد

رابعا والبدء بالسلام مطلوب من الداخل على أهل المنزل لأنه هو الذي يتوقع منه الشر فإذا ابتدأ بالسلام أمن منه ذلك وأنس إليه ويشبهه القادم على الجالس والمار على القاعد والراكب على الماشي فإذا لم توجد هذه الأوصاف كأن حصل التساوي مشيا أو ركوبا طلب من المفضول بنوع ما إن يبدأ الفاضل من باب معرفة حق الفاضل وتوقيره والتواضع له فالصغير يسلم على الكبير والقليل يبدأ الكثير ولو تزاحمت جهات البداءة بالسلام كأن مر كبير على صغير فالمعتبر المرور كما قال النووي فالوارد يبدأ سواء كان صغيرا أم كبيرا ولو استوى المتلاقيان كأن كانا ماشيين أو راكبين وقد استويا في السن بدأ الأدنى منهما الأعلى قدرا في العلم أو الدين ولا ينظر إلى أعلاهما قدرا من جهة الدنيا إلا أن يكون سلطانا يخشى منه فإن استويا في القدر كذلك فكل منهما مأمور بالابتداء وخيرهما الذي يبدأ بالسلام فإن سلم كل على الآخر مرتبا كان الثاني جوابا فإن سلم كل على الآخر معا لزم كلا منهما الرد قال بعضهم إن هذه المناسبات لم تنصب منصب العلل

ص: 193

الواجبة الاعتبار حتى لا يجوز أن يعدل عنها فلو ابتدأ الماشي فسلم على الراكب لم يمتنع لأنه ممتثل للأمر بإظهار السلام وإفشائه غير أن مراعاة ما ثبت في الحديث أولى لأنه دال على الاستحباب ولا يلزم من ترك المستحب الكراهة بل يكون خلاف الأولى فلو لم يسلم المأمور بالابتداء فبدأه الآخر كان الأولى تاركا المستحب والآخر فاعلا للسنة

خامسا ومن المسائل المتفرقة التي تتعلق بالسلام

1 -

أنه يشرع التسليم على الصبيان فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله إذ فيه تدريب لهم على تعلم السنة ورياضة لهم على آداب الشريعة ليبلغوا متأدبين بآدابها هذا إذا لم يكن الصبي وضيئا يخشى منه الافتتان ولو سلم الصبي على البالغ وجب عليه الرد على الصحيح

2 -

والتسليم بالإشارة وحدها لا يكفي حيث أمكن النطق والسماع بل ورد الزجر عنه في حديث "لا تشبهوا باليهود والنصارى فإن تسليم اليهود الإشارة وتسليم النصارى بالأكف" وتكفي من الأخرس الإشارة والظاهر أنها تكفي وحدها مع البعد الذي لا يبلغه الصوت ويجب في الرد على الأصم الجمع بين اللفظ والإشارة ولو أتى بالسلام بغير اللفظ العربي جاز وهو -مع القدرة على العربي- من باب ترك المستحب وليس بمكروه وفي استحقاقه الجواب خلاف

3 -

والمصافحة بأخذ اليد باليد سنة مجمع عليها عند التلاقي لأنها مما يولد المحبة ومن تمامها أخذ الكف بين الكفين ومن آدابها ألا ينزع يده حتى يكون البادئ بها هو الذي ينزع يده ولا يصرف وجهه حتى يكون هو الذي يصرفه ويستثنى من المصافحة المرأة الأجنبية والأمرد الحسن

4 -

قال ابن بطال اختلف الناس في المعانقة والتقبيل فكرههما مالك لما رواه الترمذي "قلنا يا رسول الله أينحني بعضنا لبعض قال لا قلنا أفيقبل بعضنا بعضا قال لا قلنا أفيصافح بعضنا بعضا

ص: 194

قال نعم" والجمهور على أنهما لا بأس بهما عند القدوم من السفر

5 -

وأفتى البعض بكراهة الانحناء بالرأس أو الظهر وتقبيل الرأس أو اليد ولا سيما لنحو غني. وندب ذلك لنحو صلاح أو علم أو شرف لأن أبا عبيدة قبل يد عمر رضي الله عنهما وأنكر مالك تقبيل اليد وأنكر ما ورد فيه وهو محمول على ما إذا كان على وجه التكبر

6 -

والقيام على وجه البر والإكرام جائز ولا ينبغي لمن يقام له مهما كان كبيرا أن يعتقد استحقاقه لذلك حتى إن ترك القيام له حنق أو عاتب أو شكا

-[ويؤخذ من الحديث: ]-

1 -

مشروعية السلام

2 -

ما ينبغي للكبير من التقدير والإجلال والدعاء بالذكر الجميل

3 -

حرص الإسلام على التآلف والتعاطف بين أفراده.

ص: 195