المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الديات الديات جمع دية وأصلها مصدر مأخوذ من الودي وهو - المنهل الحديث في شرح الحديث - جـ ٤

[موسى شاهين لاشين]

الفصل: ‌ ‌كتاب الديات الديات جمع دية وأصلها مصدر مأخوذ من الودي وهو

‌كتاب الديات

الديات جمع دية وأصلها مصدر مأخوذ من الودي وهو دفع المال يقال وديت القتيل أديه وديا فحذفت فاء الكلمة وعوض عنها الهاء ثم غلب استعمال الدية شرعا في المال الواجب بالجناية على الحر في نفس أو فيما دونها

62 -

عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والمارق لدينه التارك للجماعة"

-[المعنى العام]-

يحرم النبي عليه الصلاة والسلام دماء المسلمين ويعظم شأنها ويوجب حقنها فلا يجوز قتل المسلم إلا بواحدة من ثلاث خصال أولاها أن يكون قد قتل مسلما عمدا عدوانا وظلما فإنه يقتل قصاصا والثانية أن يزني وهو محصن بالشروط اللازمة للرجم فإنه يقتل حدا والثالثة ارتداد المسلم وخروجه عن دينه القويم وما أبلغ الزجر عن هذه الخصال بهذا الأسلوب الحكيم

-[المباحث العربية]-

(عبد الله) هو ابن مسعود كما مر في حديث 49

ص: 225

(لا يحل دم امرئ) المراد لا يحل إراقة دمه أي كله وهو كناية عن القتل ولو لم يرق دما

(يشهد أن لا إله إلا الله) أن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وخبرها قوله (لا إله إلا الله) وجملة "يشهد إلخ" نعت ثان أتي به لبيان أن المراد بالمسلم هو الآتي بالشهادتين فهي صفة كاشفة وليست قيدا فيه إذ لا يكون مسلما إلا بذلك وقال في شرح المشكاة الظاهر أن "يشهد إلخ" حال جيء به مقيدا للموصوف مع صفته إشعارا بأن الشهادة هي العمدة في حقن الدماء

(إلا بإحدى ثلاث) الباء للسببية أي لا يحل إلا بسبب إحدى خصال ثلاث أو الملابسة متعلقة بمحذوف والتقدير إلا متلبسا بفعل إحدى ثلاث فيكون الاستثناء مفرغا ثم المستثنى منه يحتمل أن يكون الدم فيكون التقدير لا يحل دم امرئ مسلم إلا دما متلبسا بإحدى ثلاث ويحتمل أن يكون استثناء من امرئ فيكون التقدير لا يحل دم امرئ مسلم إلا امرءا متلبسا بإحدى ثلاث خصال فمتلبسا حال من امرئ وجاز لأنه تخصص بالوصف الذي هو "مسلم" وجعلها للسببية لا يحوج إلى هذا التكلف

(النفس بالنفس) أي النفس القاتلة مأخوذة بالنفس المقتولة فالباء للسببية والجار والمجرور متعلق يكون خاص وقال الشرقاوي النفس الأولى هي المقتولة والثانية هي القاتلة وعليه فالباء للمقابلة وهو كما ترى

(الثيب الزاني) بالياء على الأصل ويروى بحذفها اكتفاء بالكسرة كقوله تعالى {الكبير المتعال}

(التارك للجماعة) ال في الجماعة للعهد أي جماعة المسلمين وهذه صفة مفسرة للمفارق لدينه

-[فقه الحديث]-

أورد البخاري هذا الحديث تحت كتاب الديات لأن كل ما يجب فيه

ص: 226

القصاص يجوز العفو عنه على مال فتكون الدية أشمل وظاهر قوله "لا يحل" أنه يحل قتل من استثني، وهو كذلك وإن كان بعض من استثنى واجب القتل فإن الواجب والمستحب حلال وإنما عبر بهذا اللفظ ليقابل تحريم قتل غيرهم وليس معنى إهدار دم هؤلاء الثلاثة أن لكل إنسان الحق في قتلهم بل صاحب الحق الأول هو الولي بإذن الإمام وصاحب الحق بعده هو الإمام أو نائبه

-[ويستفاد من الحديث: ]-

1 -

جواز قتل المسلم بالكافر المستأمن والمعاهد لعموم قوله النفس بالنفس والجمهور على خلافه تخصيصا لهذا العموم بحديث لا يقاد مؤمن بكافر

2 -

جواز قتل الأب بابنه وليس كذلك تخصيصا لهذا العموم بقوله صلى الله عليه وسلم "لا يقاد الوالد بولده" ولأنه سبب في إحيائه فلا يكون الابن سببا في إفنائه

3 -

أن الجماعة لا يقتلون بالواحد لقوله "النفس بالنفس" بالإفراد وقد روي هذا عن أحمد والجمهور على خلافه مراعاة لحكمة القصاص وهي صون الدماء إذا لو لم يقتص من الجماعة لقتلوا مجتمعين وحينئذ تهدر الدماء ويكثر الفساد

4 -

جواز قتل الحر بالعبد لأن كلا نفس وبهذا قال الحنفية وخصص الجمهور هذا العموم بقوله "كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد"

5 -

أن المرأة حكمها في الردة حكم الرجل لاستواء حكمها في الزنا وبهذا قال الجمهور ومنع بعضهم قتل المرتدة بناء على أن هذه الدلالة دلالة اقتران وهي ضعيفة في الاستدلال

6 -

إن تارك الصلاة لا يقتل بتركها لأنه ليس من الثلاثة وبهذا قال الحنفية ومن وافقهم وقال الجمهور يقتل حدا لا كفرا بعد الاستتابة لأنهم

ص: 227

ادخلوه في التارك لدينه المفارق للجماعة من ناحية أن المفارق لدينه إما أن يفارقه كله وهو المرتد وأما أن يفارق بعضه كتارك الصلاة وإنما لم يقتل تارك الزكاة لإمكان انتزاعها منه قهرا ولم يقتل تارك الصيام لإمكان منعه من المفطرات وقال أحمد وبعض المالكية إن تارك الصلاة يكفر ولو لم يجحد وجوبها وتمسكوا بظواهر أحاديث وردت في تكفيره وحملها الجمهور على التارك المستحل جمعا بين الأخبار

7 -

أن الصائل لا يجوز قتله وليس كذلك بل يباح قتله في الدفع ويجاب بأنه داخل في المفارق لدينه التارك للجماعة أو المراد لا يحل تعمد قتله إذا اندفع بدون ذلك إذ الصائل يجب دفعه بالأخف ولا يقتل إلا مدافعة

8 -

جواز وصف الشخص بما كان عليه ولو انتقل عنه لاستثنائه المرتد من المسلمين وهو باعتبار ما كان.

ص: 228

63 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أبغض الناس إلى الله ثلاثة ملحد في الحرم ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه"

-[المعنى العام]-

يعظم النبي صلى الله عليه وسلم جريمة ثلاثة من عصاة المسلمين ويجعلهم أكثر العصاة بغضا إلى الله في الدنيا وفي الآخرة الأول الذي يفعل المعاصي ويرتكب الكبائر داخل الحرم المكي غير آية بقداسة ذلك المكان ولا بوعيد الله لمن ينتهك حرمته حيث قال {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} والثاني الذي يحيي شعائر الجاهلية وعاداتها وآثامها بعد أن قطع الله ذلك وأزاله بالإسلام الحنيف والثالث الذي يطلب القصاص من رجل ليس عليه ذنب هذا القصاص فهو يريد إهدار دم حرمه الله بغير حق وجدير بالمسلم أن يبتعد عما يغضب الله من هذه الأمور وغيرها

-[المباحث العربية]-

(أبغض) أفعل تفضيل بمعنى المفعول من البغض ومثله أعدم من العدم إذا افتقر قال في الصحاح وقولهم ما أبغضه إلى شاذ لا يقاس عليه والبغض من الله إرادة إيصال المكروه

(الناس) المراد بهم عصاة المؤمنين فهؤلاء الثلاثة أبغضهم إلى الله فلا يرد أن المشرك أبغض منهم جميعا

(ملحد) هو خبر مبتدأ محذوف تقديره أحدهم ملحد أي مائل عن القصد والإلحاد العدول عن القصد واستشكل عليه بأن مرتكب الصغيرة مائل عن القصد أيضا ودفع بأن هذه الصيغة في عرف الشرع تستعمل في الخروج عن الدين فإذا وصف بها المسلم كان المراد تعظيم الذنب ولذلك

ص: 229

أوردها بالجملة الإسمية المشعرة بثبوت الصفة وبتنكير التعظيم فالمراد من يفعل كبيرة

(في الحرم) أل فيه للعهد والمراد الحرم المكي لأن سبب الحديث أن رجلا قتل رجلا بالمزدلفة في غزوة الفتح

(مطلب) بضم الميم وتشديد الطاء مفتعل من الطلب وأصله "متطلب" فأبدلت التاء طاء وأدغمت في الطاء أي المبالغ في الطلب أو المتكلف له

(ليهريق) بضم الياء وفتح الهاء ويجوز إسكانها أي يريق

(سنة الجاهلية) طريقة أهل الجاهلية الذميمة

-[فقه الحديث]-

في الحديث إشارة إلى أن عقاب الكبيرة الواقعة في الحرم أشد من عقابها في غيره وظاهر سياق الحديث أن فعل الصغيرة في الحرم أشد من فعل الكبيرة في غيره وهو مشكل فيتعين أن المراد بالإلحاد فعل الكبيرة ويؤخذ ذلك من سياق الآية فإن الإتيان بالجملة الإسمية يفيد ثبوت الإلحاد ودوامه والتقييد بالظلم والتصريح بالظرفية وتنوين التعظيم في الحاد أي من يكون إلحاده عظيما وجعل بعضهم من خصوصيات الحرم أن يعاقب ناوي الشر فيه أخذا من قوله تعالى {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} بل قال ابن مسعود ما من رجل يهم فيه بسيئة إلا كتبت عليه وسنة الجاهلية اسم جنس يعم جميع ما كان عند أهل الجاهلية والمراد هنا ما جاء الإسلام بتركه من الطيرة والكهانة وأخذ الجار بجاره وأن يكون له الحق عند شخص فيطلبه من غيره والمراد من المطلب دم امرئ الطالب الذي ترتب على طلبه المقصود وهو هنا الإراقة لأن من طلب ولم ينل مقصوده المترتب عليه لا يكون بهذه المنزلة أو ذكر الطلب ولم يذكر الفعل ليكون الزجر عن الفعل بطريق الأولى واحترز بقوله {بغير حق} عمن يطلب بحق كطلب القصاص من القاتل عدوانا

ص: 230

-[ويؤخذ من الحديث: ]-

1 -

الترهيب الشديد من هذه الخصال الثلاث

2 -

حرمة الحرم المكي وعظم الذنب فيه

3 -

أن العزم المصمم عليه يؤاخذ به ولا سيما في حرم مكة.

64 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لو اطلع في بيتك أحد ولم تأذن له خذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جناح"

-[المعنى العام]-

يحفظ النبي عليه الصلاة والسلام حرمة البيوت وعورات الناس من أن يطلع عليها الأجانب عنهم بغير إذنهم فيهدر قيمة المعتدي ويحكم بأنه لو رمى صاحب البيت من ينظر إلى حرماته وعوراته بحصاة ففقأ عين الناظر فلا قصاص ولا دية ولا مؤاخذة

-[المباحث العربية]-

(خذفته) بالخاء والذال ثم فاء أي رميته بحصاة بأن جعلتها بين

ص: 231

إبهامك وسبابتك قاله في المصباح وقيل هو أن تجعلها على طرف الإبهام وترميها بطرف السبابة وفي بعض النسخ (فحذفته) بالحاء المهملة قال الطبري وهو خطأ لأن في نفس الخبر الرمي بالحصاة وهو بالمعجمة جزما قال في الفتح ولا مانع من استعمال المهملة في ذلك مجازا

(ففقأت عينه) أي قلعتها أو أطفأت ضوءها

(ما كان عليك من جناح) من زائدة لتأكيد النفي وفي رواية بدونها وجناح اسم كان والمراد منه الإثم والمؤاخذة والحرج

-[فقه الحديث]-

في الحديث احتراز عمن اطلع بإذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه فإنك تؤاخذ في ذلك أما من انتهك حرمة بيتك بغير إذن ففقأت عينه فليس عليك إثم وفي رواية صححها ابن حبان والبيهقي (فلا قود ولا دية) وهذا مذهب الشافعية وعبارة النووي ومن نظر إلى حرمة في داره من كوة أو ثقب فرماه بخفيف كحصاة فأعماه أو أصاب قرب عينه فجرحه فمات فهدر بشرط عدم محرم وزوجة للناظر اهـ والمعنى فيه المنع من النظر وإن كانت حرمة مستورة أو منعطفة لعموم الإخبار ولأنه لا يدري متى تستتر ومتى تنكشف فيحسم باب النظر وخرج بالدار المسجد والشارع ونحوهما وبالثقب الباب والكوة الواسعة والشباك الواسع العيون وبقرب عينه ما لو أصاب موضعا بعيدا عنها فلا تهدر في الجميع ومحل ذلك ما لم يقصر صاحب الدار وكان الناظر مجتازا فنظر غير قاصد وذهب المالكية إلى القصاص وخرجوا الحديث مخرج التغليظ واعتلوا بأن المعصية لا تدفع بالمعصية ورد بأن المأذون فيه إذا ثبت الإذن لا يسمى معصية وهل يشترك الإنذار قبل الرمي أولا وجهان أصحهما أنه لا يشترط

-[ويؤخذ من الحديث: ]-

1 -

محافظة الشارع على حرمات المنازل

ص: 232

2 -

المنع من الاطلاع في بيت الأجنبي ولو كان الناظر امرأة

3 -

إباحة الدفاع عن المحارم ولو أدى إلى فقء العين

4 -

وفيه مشروعية الاستئذان

5 -

وجواز رمي من يتجسس وحاول الوقوف على عورات الناس وأحوالهم.

ص: 233