المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الحدود الحدود جمع حد وهو لغة المنع وشرعا عقوبة مقدرة - المنهل الحديث في شرح الحديث - جـ ٤

[موسى شاهين لاشين]

الفصل: ‌ ‌كتاب الحدود الحدود جمع حد وهو لغة المنع وشرعا عقوبة مقدرة

‌كتاب الحدود

الحدود جمع حد وهو لغة المنع وشرعا عقوبة مقدرة على مرتكب المعصية وإنما جمعه لاشتماله على أنواع وهي حد الزنا وحد القذف وحد الشرب وحد السرقة وفي كون الحدود زواجر أو جواير رأيان والراجح أنها جوابر لأن الله أكرم من أن يعاقب على ذنب مرتين

61 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده"

-[المعنى العام]-

يحذر الرسول صلى الله عليه وسلم من السرقة قليلها وكثيرها فيقول إن السارق مستحق للطرد من رحمة الله لأنه ألغى عقله وفقد كرامته وعصى ربه وباع ثمينا ببخس باع يده التي يبطش بها والتي لا تقابل بمال بشيء حقير قد يكون أساسه بيضة رخيصة أو حبلا تافها فما أهون نفسه عليه وما أحقر ما سعى إليه وما أشقاه وما أبعده عن رحمة الله

-[المباحث العربية]-

(لعن الله السارق) اللعن الطرد من الرحمة ويحتمل أن يكون المراد به هنا الإهانة والخذلان

(يسرق البيضة) قيل المراد بها بيضة الحديد وهي الخوذة التي تلبس

ص: 221

على رأس الجند عند الحرب لوقايتهم وقيل المراد بها بيضة الحيوان

-[فقه الحديث]-

قبل أن نشرح الحديث نتكلم بإيجاز عن مذاهب الفقهاء في المقدار الذي نقطع من أجله يد السارق

1 -

فالظاهرية يقولون بالقطع في القليل والكثير ولا نصاب له استدلالا بظاهر قوله تعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} وبظاهر الحديث الذي معنا

2 -

والحنفية على أنه لا يقطع في أقل من عشرة دراهم (تعادل خمسة وعشرين قرشا مصريا تقريبا) ودليلهم أن قيمة المجن الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت إذ ذاك عشرة دراهم يروى ذلك عن ابن عباس وغيره

3 -

والمالكية على أنه لا يقطع في أقل من ربع دينار إذا كان المسروق ذهبا (والدينار بالوزن درهم وثلاثة أسباع درهم بميزاننا) وإذا كان فضة فنصابه ثلاثة دراهم لأن ربع الدينار في صدر الإسلام كان يعادل ثلاثة دراهم وإن كان غيرهما قوم بالدراهم

4 -

والشافعية على أن المعتبر في القطع هو ربع الدينار فلو تباعدت النسبة بين الذهب والفضة كما في أيامنا لم تقطع اليد فيما قيمته أدنى من ربع دينار من الذهب الخالص وإن ساوى عشرين درهما من الفضة أو أكثر (ربع الدينار يساوي في أيامنا خمسين قرشا مصريا باعتبار أن ثمن الدرهم من الذهب مائة وأربعون قرشا)

من هذا العرض السريع يتضح أن المذاهب الأربعة متفقة على تحديد نصاب للقطع لا ينطبق على بيضة الدجاجة ولا على الحبل التافه ولهذا احتاج الحديث إلى توجيه قال فيه بعضهم إن المراد من البيضة بيضة الحديد التي هي خوذة المحارب ومن الحبل حبل السفينة ونحوه وكل منهما يزيد على النصاب وقال بعضهم إن التأويل لا يجوز عند من يعرف صحيح كلام العرب إذ ليس من كلام العرب والعجم أن يقولوا قبح الله

ص: 222

فلانا عرض نفسه للضرب في عقد جوهر وإنما العادة في مثل هذا أن يقال لعنه الله تعرض لقطع اليد في بيضة حقيرة وفي حبل رث وعلى هذا فالحديث محمول على المبالغة في التنبيه على عظم ما خسر وتحقير ما حصل فحقيقة البيضة والحبل غير مقصود كقوله صلى الله عليه وسلم "من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاه" فمن المعلوم أن مفحص القطاة وهو قدر ما تحتضن به بيضها لا يتسع للجبهة فلا يتصور أن يكون مسجدا ومنه "تصدقن ولو بظلف محرق" وقال الخطابي إن الحديث من باب التدريج لأنه إذا استمر ذلك به لم يأمن أن يؤديه ذلك إلى سرقة ما فوقه حتى يبلغ فيه القطع فتقطع يده فليحذر هذا الفعل وليتركه قبل أن تملكه العادة

ومعنى ذلك أن في الحديث حذفا اعتمادا على المعلوم من الأحاديث الأخرى والأصل يسرق البيضة فيعتاد السرقة فيسرق النصاب فتقطع يده وقال بعضهم لما نزل قوله تعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} مطلقا غير مقيد قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث على ظاهر ما نزل ثم أعلمه الله أن القطع لا يكون إلا في ربع دينار فصاعدا فأخبر الأمة بذلك في الأحاديث الأخرى ومعنى ذلك أن الحديث الذي معنا منسوخ وقد استدل بهذا الحديث على جواز لعن الفاسق غير المعين من العصاة مطلقا إذ لا ينبغي تعيير أهل المعاصي ومواجهتهم باللعن وإنما ينبغي أن يلعن في الجملة من قبل فعلهم ليكون ذلك ردعا وزجرا عن انتهاك شيء منها ويحتمل أن لا يراد به حقيقة اللعن بل التنفير فإذا وقعت من معين لم يلعن بعينه لئلا يقنط وييأس ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لعن النعيمان بعد أن أقيم عليه الحد وأجاز بعضهم لعن من لم يقم عليه الحد سواء سمي وعين أم لا ما دام على الحالة الموجبة للطرد من رحمة الله فإذا تاب منها وطهره الحد فلا لعنة تتوجه إليه.

ص: 223