الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الأدب
42 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي قال "أمك" قال ثم من قال "أمك" قال ثم من قال "أمك" قال ثم من قال "أبوك"
-[المعنى العام]-
سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولى الناس بصحبته الحسنة فأجابه صلى الله عليه وسلم بأن أحق الناس بالمواساة والإحسان أمك قال الرجل ثم من في المرتبة الثانية قال صلى الله عليه وسلم أمك أيضا في المرتبة الثانية قال صلى الله عليه وسلم أمك أيضا في المرتبة الثالثة قال الرجل ثم من في المرتبة الثالثة قال الرجل ثم من في المرتبة الرابعة قال صلى الله عليه وسلم أبوك في المرتبة الرابعة ثم الأقرب فالأقرب
-[المباحث العربية]-
(جاء رجل) هو معاوية بن حيدة
(بحسن صحابتي) صحابة وصحبة مصدران بمعنى واحد وهو المصاحبة والكلام من إضافة الصفة إلى الموصوف أي بصحبتي الحسنة
(أمك) خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ لخبر محذوف أي أحق
الناس بحسن صحابتك أمك وروي بالنصب بإضمار فعل تقديره الزم أو احفظ أمك
(ثم من) مبتدأ والخبر محذوف والجملة معطوفة على جملة محذوفة والتقدير قال أحق الناس أمك ثم أحق الناس أمك وفي رواية بدون عاطف مع الأم في المرتين وذكره مع الأب
-[فقه الحديث]-
في الحديث دلالة على أن محبة الأم والشفقة عليها ينبغي أن تكون ثلاثة أمثال محبة الأب لأنه صلى الله عليه وسلم كررها ثلاثا وذكر الأب في الرابعة وكأن ذلك لصعوبة الحمل ويتبعه الوضع ثم الرضاع ويتبعه الفطام فهذان تنفرد بهما الأم وتشقى ثم تشارك الأب في التربية وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين} فسوى بينهما في الوصاية وخص الأم بالحمل والفصال قال بعضهم ومن أسباب تقديم الأم على الأب ضعفها وعجزها فهي في حاجة إلى من يدافع عنها ويكفيها متاعب الحياة في الكبر هذا وتفضيل الأم على الأب في البر والطاعة، رأي جمهور العلماء حتى قال ابن بطال: إن لها ثلاثة أمثال ما للأب من البر وذهب بعض الشافعية إلى أن الأبوين سواء في الحق والبر وأجاب عن الحديث بأن التكرار للحث على عدم التهاون في حقها استنادا على ضعفها وشدة شفقتها والغرض من حسن الصحبة الطاعة والبر والإحسان ولو كان الأبوان كافرين إلا أن يأمرا بمعصية الله فقد قيل للحسن ما بر الوالدين قال تبذل لهما ما ملكت وتطيعهما فيما أمراك ما لم يكن معصية وهذا ما نص عليه التنزيل قال تعالى {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا} وروي أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال كنت رجلا بارا بأمي فلما أسلمت
قالت يا سعد ما هذا الذي أحدثت لتدعن دينك أو لا آكل ولا أشرب ولا يظلني سقف حتى أموت فتعير في فيقال لك يا قاتل أمك قال فقلت يا أماه لا تفعلي فإني لا أترك ديني هذا فمكثت يوما وليلة لا تأكل فلما أصبحت جهدت فمكثت يوما آخر وليلة كذلك فلما رأيت ذلك منها قلت تعلمين والله يا أماه ولو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا فكلي إن شئت أو لا تأكلي فلما رأت ذلك أكلت والمعنى في الوصية بالوالدين أنهما سبب في وجود الإنسان ربياه صغيرا وقاما على رعايته كبيرا فمن لم
يشكرهما بحسن صحبتهما كان جاحدا لكل من أنعم عليه من باب أولى ولا يظن أحد بالغ في برهما أنه أدى حقهما فقد أخرج الطبراني أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني حملت أمي على عنقي فرسخين في رمضاء شديدة لو ألقيت فيها قطعة لحم لنضجت فهل أديت شكرها فقال صلى الله عليه وسلم "لعله أن يكون بطلقة واحدة.
43 -
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه" قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه قال "يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه"
-[المعنى العام]-
بين الشرع في الحديث السابق ما ينبغي من بر الوالدين ومن العناية بالأم بصفة خاصة ويبين في هذا الحديث ما ينبغي أن يتقي من عقوقهما وإيذائهما بأي نوع من أنواع الإيذاء قل أو كثر قصد أو لم يقصد ووجها به أو لم يواجها به فيقول صلى الله عليه وسلم إن من أكبر الذنوب أن يشتم الرجل والديه ويستعظم الصحابة هذا الفعل القبيح ويستبعدونه لأن الطبع السليم يأباه فيقول قائلهم أو يحدث ذلك يا رسول الله وكيف يحدث فيقول صلى الله عليه وسلم ليس شرطا أن يتعاطى سبهما مباشرة فقد يتسبب فيه فيسب أبا رجل آخر فيسب هذا الآخر أباه ويزيد المسبوب شتم أم الساب أو يسب أمه فيسب أمه فمن فعل ذلك فكأنما سب والديه فما أرفع آداب الإسلام وما أبعد المسلمين عنها في هذا العصر الذي نسمع فيه عن ضرب الأمهات وذبح الأباء من أجل عرض حقير فاللهم العفو والعافية في الدين والدنيا يا رب العالمين
-[المباحث العربية]-
(إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه) المصدر المنسبك من أن والفعل اسم أن والجار والمجرور خبرها واللعن من الله الطرد من الرحمة والإبعاد عن الخير ومن الخلق الدعاء بذلك وقد لا يقصد الدعاء بذلك بل يقصد مطلق السب والشتم وهو المراد هنا
(وكيف يلعن الرجل والديه) كيف اسم استفهام مبني على الفتح في محل النصب على الحال والاستفهام استبعادي والمعنى على أية حال يلعن الرجل والديه نستبعد أن يحدث ذلك
-[فقه الحديث]-
يدل الحديث على أن الكبائر متفاوته بعضها أكبر من بعض وهو رأي الجمهور ويدل كذلك على انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر وهو
قول عامة الفقهاء وقيل ليس في الذنوب صغيرة بل كل ما نهي عنه فهو كبيرة وهو منقول عن ابن عباس وحمل على تميزه عن تسمية معصية الله صغيرة وإن كانت الذنوب من حيث ذاتها تنقسم إلى صغائر وكبائر وفي تحديد أكبر الكبائر أحاديث كثيرة منها "أكبر الكبائر ثلاثة الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقول الزور" وزيد في رواية "ومنع فضل الماء" وفي أخرى "اليمين الغموس" وفي أخرى "وقتل النفس المؤمنة بغير حق والفرار من الزحف" والتحقيق أنه أمر نسبي فكل كبيرة إذا قيست بما هو دونها كانت أكبر منها وفي ضابط الكبيرة قيل هي كل ذنب ختمه الله بنار أو لعنة أو غضب وقيل هي ما ورد فيه حد وقيل هي ما ورد فيه وعيد شديد وقيل غير ذلك وإنما كان السب من أكبر الكبائر لأنه نوع من العقوق وهو إساءة للوالدين وكفران لحقوقهما في مقابلة إحسانهما وإذا كان التسبب في لعن الوالدين من أكبر الكبائر فالتصريح بلعنهما أشد ولم يذكر العلماء للعقوق ضابطا يعتمد عليه وغاية ما قيل فيه أن ما يحرم في حق الأجانب فهو حرام في حقهما وما يجب للأجانب فهو واجب لهما وحكى الغزالي أن أكثر العلماء على وجوب طاعتهما في الشبهات بل قال بعض المالكية أنهما إذا نهيا عن سنة راتبة المرة بعد المرة أطاعهما وإن كان ذلك على الدوام فلا طاعة لهما لما فيه من إماتة الشرع
-[ويؤخذ من الحديث: ]-
1 -
سد الذرائع
2 -
وأن من آل فعله إلى محرم حرم عليه ذلك الفعل وإن لم يقصد ذلك المحرم والأصل في ذلك قوله تعالى (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) ومن هنا استنبط العلماء منع بيع الحرير لرجل يتحقق أنه يلبسه ومنع بيع العصير لمن يعتقد أنه يتخذه خمرا ومنع بيع السلاح لمن يتيقن أنه سيقطع به الطريق
3 -
وعظم حق الأبوين
4 -
والعمل بالغالب لأن الذي يسب أبا الرجل يجوز أن يسب الآخر أباه ويجوز ألا يفعل
5 -
وجواز مراجعة الطالب لشيخه فيما يشكل عليه
6 -
أن الأصل يفضل الفرع بأصل الوضع ولو فضله الفرع ببعض الصفات.
44 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا وأنزل في الأرض جزءا واحدا فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه"
-[المعنى العام]-
يعلم كل منا رحمة الأم بولدها وتعاطف الوحش على ابنه وحضانة الطير لفراخه وما هذا التراحم المنبث بين الخلق جميعا بالنسبة إلى رحمة الله بعباده إلا كجزء واحد من مائة جزء أمسك الله عنده وادخر لعباده تسعة وتسعين ومنحهم هذا الجزء ليتراحموا فيما بينهم فمن نزعت من قلبه
الرحمة للمخلوقين عامة ولأصوله خاصة حرم رحمة الخلق ورحمة أرحم الراحمين
-[المباحث العربية]-
(مائة جزء) في رواية (في مائة جزء) فتجعل في متعلقة بمحذوف لإفادة ظرفية الجنس في أنواعه قصدا إلى المبالغة وقال الكرماني "في" زائدة لأن المعنى يتم بدونها
(وأنزل في الأرض) وكان القياس أن يقال وأنزل إلى الأرض ولكن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض أو ضمن أنزل معنى وضع للمبالغة يعني أنزلها في جميع الأرض
(يتراحم الخلق) التفاعل ليس على بابه أي يرحم بعضهم بعضا أو على بابه من حيث أن الراحم ينبغي أن يرحم
(حتى ترفع الفرس حافرها) الحافر للفرس كالظلف للشاة والفعل بالنصب في جميع النسخ
(خشية أن تصيبه) المصدر الصريح مفعول لأجله والمنسبك من أن والفعل مجرور بالإضافة
-[فقه الحديث]-
قال المحدثون أن رحمة الله عبارة عن القدرة المتعلقة بإيصال الخير والقدرة صفة واحدة والتعليق غير متناه فحصره في مائة على سبيل التمثيل تسهيلا للفهم وتقليلا لما عندنا وتكثيرا لما عند الله وقيل العدد على الحقيقة وخص بذلك لمناسبة عدد درج الجنة التي هي محل الرحمة فكانت كل رحمة بإزاء كل درجة وهذا الرأي لا يلتفت إليه والأول جدير بالقبول وإنما خص الفرس بالذكر لأنها أشد الحيوان المألوف نفورا ولما فيها من الخفة والسرعة في التنقل فإذا تجنب ذلك أن يصل الضرر منها إلى ولدها رحمة به كان غيرها من باب أولى
-[ما يؤخذ من الحديث: ]-
1 -
الحث على التراحم بين الخلق وإن كان عريزيا بين الأصول والفروع
2 -
وبعث الرجاء في واسع الرحمات على إلا يخل ذلك بالخوف المطلوب قال تعالى {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون}
3 -
قال ابن أبي جمرة فيه إدخال السرور على المؤمنين لأن العادة أن النفس يكمل فرحها بما وهب لها.
45 -
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى"
-[المعنى العام]-
يشبه الرسول الكريم صفة المؤمنين التي ينبغي أن يتخلقوا بها بصفة الجسد الواحد فكما أن الجسد إذا مرض عضو من أعضائه تأثر جميعه ومرض كله وكما أن الدماغ يتأثر بشوكة في أصبح القدم مع تباعد ما بينهما ينبغي أن يتأثر المؤمنون بما يصيب أحدهم مهما بعد وكما تعطف اليد على اليد لتغسل إحداهما الأخرى ينبغي أن يتعاون المؤمنون علىتحصيل خيري الدنيا والآخرة وكما يشد بعض البنيان بعضا وتتماسك أعضاء الجسد
لتؤدي مهمتها ويدافع بعضها عن بعض ينبغي أن يتكاتف المؤمنون ليعيشوا في قوة ومنعه
بفضل هذه الصفات ساد المسلمون وعزوا وقهروا وحكموا ويتناسيها والبعد عنها ضعفوا وذلوا وقهروا وحكموا فما أوضح النار لذي عينين {إنما يتذكر أولوا الألباب}
-[المباحث العربية]-
(ترى المؤمنين في تراحمهم) الخطاب لكل من يتأتى له الخطاب والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من المؤمنين والتراحم من باب التفاعل الذي يستدعي اشتراك الجماعة في أصل الفعل والرحمة رقة القلب وفي للسببية أو للظرفية المجازية
(وتوادهم) أي تحابهم وأصله تواددهم فأدغمت الدال في الدال وهو تفاعل من الود
(وتعاطفهم) أي تعاونهم كما يعطب الثوب على الثوب والحبل على الحبل ليقويه قال بعضهم هذه الألفاظ الثلاثة متقاربة في المعنى لكن بينها فرق لطيف أما التراحم فالمراد به أن يرحم بعضهم بعضا بأخوة الإيمان لا بسبب شيء آخر ويكون ممن الأعلى للأدنى غالبا وأما التواد فالمراد به التواصل الجالب للمحبة كالتزاور والتهادي ويكون بين المتقاربين غالبا وأما التعاطف فالمراد به إعانة بعضهم بعضا في الملمات والشدائد ويكون من الأدنى إلى الأعلى وبالعكس فالأوصاف الثلاثة تربط بين طوائف المؤمنين في حالات الشدة وحالات الرخاء
(كمثل الجسد) الكاف اسم بمعنى مثل مفعول ثان لترى على جعلها علمية وحال على جعلها بصرية أي ترى المؤمنين في حالة كذا وكذا مشبهين صفة الجسد ووجه الشبهة التوافق والتأثر بالتعب والراحة قال القاضي عياض تشبيه المؤمنين بالجسد الواحد تمثيل صحيح وذلك بأن شبهت الهيئة الحاصلة من الجسد وأعضائه وارتباط كل عضو بالآخر بجامع
مشاركة المجموع للفرد وارتباط كل بالآخر والغرض من ذلك هو التنبيه على عظم نتيجة التعاطف والحث على التمسك بالاتحاد والتآلف
(إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده) أصل الضمائر إذا اشتكى الجسد ألم عضو تداعى لهذا العضو سائر جسده ففاعل "اشتكى" يعود على الجسد وضمير "له" و"جسده" يعودان على العضو ومعنى "تداعى" دعا بعضه بعضا إلى المشاركة في الألم ومنه قولهم تداعت الحيطان أي تساقطت أو كادت أن تتساقط
(بالسهر والحمى) والمراد من الحمى الألم والحرارة التي تنبث في جميع البدن فالمعنى إذا تألم عضو من الجسد تأثرت جميع الأعضاء بسبب السهر والألم الذي يسري من مركز الإحساس إلى سائر البدن
-[فقه الحديث]-
ظاهر الحديث يتعارض مع ما نراه من تقاطع وتدابر بين المسلمين ولهذا قال العلماء إن المراد من الحديث بيان الشأن والحالة التي ينبغي أن يكونوا عليها ليستحقوا وصف الإيمان أي من علامات إيمان المرء أن يشعر بالألم الذي يحل بإخوانه المؤمنين فإذا فقد هذا الشعور فقد علامة الإيمان ومن فقد علامة الإيمان يخشى عليه فقدان الإيمان نفسه
-[ويؤخذ من الحديث: ]-
1 -
جواز ضرب الأمثال لتقريب المعاني للأفهام
2 -
تعظيم حقوق المسلمين
3 -
الحض على تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم وملاطفة بعضهم بعضا.
46 -
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما زال يوصيني جبريل بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"
-[المعنى العام]-
يوصي الرسول صلى الله عليه وسلم بالجار فيقول أوصاني جبريل بالجار وكرر وصيته مرة بنفي الإيمان عمن لا يأمن جاره بوائقه ومرة يعتبر إكرام الجار علامة من علامات الإيمان بالله واليوم الآخر ومرة يصف من يؤذي جاره بالخيبة والخسران ومرة يطلب الإهداء إليه وعدم احتقار الجارة لهدية جارتها ولو فرسن شاة فلم يزل يوصيني بأن أوصيكم بالجار حتى ظننت أنه سيأتيني من قبل الله بشرعة توريث الجار في جاره وجعله شريكا له في ماله
-[المباحث العربية]-
(حتى ظننت أنه سيورثه) أي ظننت أنه يأمرني عن الله بتوريث الجار من جاره وهذا خارج مخرج المبالغة في شدة حفظ حق الجار وقيل معناه ظننت أنه سينزل منزلة من يرث في البر والإحسان والأول أظهر
-[فقه الحديث]-
إطلاق الجار في الحديث يشمل المسلم والكافر والعابد والفاسق والصديق والعدو والغريب والمواطن والضار والنافع وقريب الدار
وبعيدها واختلف في حد الجوار فعن علي رضي الله عنه من سمع النداء فهو جار وقيل من صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار وعن عائشة حق الجوار أربعون دارا من كل جانب وقيل لأعرابي النجدة يا جاري فقال نعم جوار ورب الكعبة قال القرطبي يطلق الجار ويراد به المجاور في الدار وهو الأغلب وهو المراد من الحديث ولا يغيب عنا أنه إذا أكد حق الجار مع الحائل بين الشخص وبينه فإنه يكون آكد حق من لا حائل بينه ولا جدار كالزوجة والخدم في المنزل والزملاء في العمل بل قال ابن أبي جمرة ينبغي أن يراعى حق الحافظين اللذين يكتبان على الإنسان أعماله فإنه يؤذيهما إيقاع المخالفات وللجار مراتب بعضها فوق بعض فقد أخرج الطبراني مرفوعا "الجيران ثلاثة جار له حق وهو المشرك له حق الجوار وجار له حقان وهو المسلم له حق الجوار وحق الإسلام وجار له ثلاثة حقوق وهو مسلم له رحم له حق الجوار وحق الإسلام وحق الرحم" وروى البخاري عن عائشة قالت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي قال "إلى أقربهما منك بابا"
وتفترق الحال في حق معاملة الجار باختلاف الصلاح وغيره ويشمل جميع الأنواع أن تعامله بطلاقة الوجه وإرادة الخير والموعظة بالحسنى والدعاء له بالهداية وترك الإضرار به أما حق الجار الصالح والتوصية به فقد وردت بها أحاديث كثيرة وأشملها ما أخرجه الطبراني "قالوا يا رسول الله ما حق الجار على الجار قال إن استقرضك أقرضته وإن استعانك أعنته إن مرض عدته وإن احتاج أعطيته وإن افتقر عدت عليه وإن أصابه خير هنأته وإن أصابته مصيبة عزيته وإذا مات اتبعت جنازته ولا تستطيل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه ولا تؤذيه بريح قدرك إلا أن تغرف له منها وإن اشتريت فاكهة فاهد له وإن لم تفعل فأدخلها سرا ولا تخرج بها ولدك ليغيظ ولده"
-[ويؤخذ من الحديث: ]-
1 -
تأكيد حق الجار
2 -
إن من أكثر من شيء من أعمال البر يرجى له الانتقال إلى ما هو أعلى منه
3 -
إن الظن إذا كان في طريق الخير جاز ولو لم يقع المظنون بخلاف ما إذا كان في طريق الشر
4 -
جواز الطمع في الفضل إذا توالت النعم
5 -
جواز التحدث عما يقع في النفس من أمور الخير.
47 -
عن ثابت بن الضحاك -وكان من أصحاب الشجرة- رضي الله عنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من حلف على ملة غير الإسلام فهو كما قال وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة ومن لعن مؤمنا فهو كقتله ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله"
-[المعنى العام]-
جمع هذا الحديث من الآداب ومحاسن الأخلاق خمسا
1 -
ألا يحلف بملة غير ملة الإسلام لئلا يتشبه بأصحابها
2 -
وألا ينذر ما لا يملك إذ لا فائدة من هذا النذر وكأنه يعبث مع
الله
3 -
وألا يحاول الإنسان التخلص من الحياة بأية وسيلة لئلا يعذب بنفس الوسيلة عذابا دائما في الآخرة
4 -
وألا يتعدى على المؤمن باللعن
5 -
ولا بالقذف بالكفر فمن فعل ذلك بالمؤمن فكأنما قتله {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما}
-[المباحث العربية]-
(وكان من أصحاب الشجرة) أي شجرة الرضوان بالحديبية وهذه الجملة معترضة لبيان فضل الراوي والتوثيق من روايته
(من حلف على ملة غير الإسلام) الملة الدين والشريعة وهي هنا نكرة في سياق الشرط فتعم جميع الملل وعلى بمعنى الباء وغير الإسلام صفة ملة أي من حلف بملة مغايرة للإسلام والحلف بالشيء حقيقة في الإقسام به وقد يطلق على التعليق لمشابهته اليمين في قصد المنع وغيره كأن يقال إن فعل كذا كان كذا فالمعنى على الأول من أقسم بملة غير الإسلام كأن قال واليهودية مثلا وعلى الثاني علق ملة غير الإسلام على شيء كأن يقول إن فعل كذا فهو يهودي أو نصراني
(فهو كما قال) الفاء داخلة على جواب الشرط والضمير مبتدأ والجار والمجرور متعلق بمحذوف هو الخبر وما مصدرية أو موصولة والعائد محذوف أي فهو مثل قوله أو كالذي قاله
(وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك) أي وفاء نذر والجار والمجرور "فيما لا يملك" متعلق بنذر أو محذوف صفة له
(ومن قتل نفسه بشيء) أعم عن الحديدة والسم والتردي من الجبل المذكور في حديث 41
(ومن لعن مؤمنا فهو كقتله) ضمير "هو" يعود على مصدر دل عليه الفعل أي فلعنه كقتله
-[فقه الحديث]-
اشتمل هذا الحديث على خمسة أحكام
الأول الحلف على ملة غير الإسلام
الثاني النذر فيما لا يملك
الثالث قتل الإنسان نفسه
الرابع لعن المؤمن
الخامس قذف المؤمن بالكفر
أما الأول فإن من أقسم بملة غير ملة الإسلام فإما أن يكون معظما لها وإما أن يكون غرضه تأكيد ما أقسم عليه دون تعظيم للمقسم به فإن كان الأول فمعنى "فهو كما قال" فهو كافر وإن كان الثاني فمعناه فهو يشبه من يعظم تلك الملة فهو آثم أو فهو معرض نفسه لاستحقاق مثل عذاب من اعتقد ذلك ومن علق ملة غير الإسلام على شيء كأن قال إن فعلت كذا أو إن لم أفعل كذا أو إن كنت فعلت كذا فأنا على اليهودية أو النصرانية مثلا فأما أن يقصد حقيقة التعليق بأن يؤيد الاتصاف بذلك على تقدير حصول المعلق عليه فهو كافر سواء علق على أمر وقع أو على أمر لم يقع لأن التعليق على واقع يشبه التنجيز ولأن إرادة الكفر كفر وأما ألا يقصد حقيقة التعليق بأن القصد الابتعاد مثلا -وهو الأغلب- فهو غير كافر لكن يحرم عليه ذلك ولا كفارة عليه وتلزمه التوبة لأنه صلى الله عليه وسلم جعل عقوبته في دينه ولم يوجب في ماله شيئا حيث قال "من حلف فقال في حلفه والعزى فليقل لا إله إلا الله"
وأما الثاني فمثله أن يقول إن شفى الله مريضي تصدقت بدار فلان مثلا فليس عليه الوفاء بشيء من هذا النذر لأنه لا يملكها ولا يملك إجبار
صاحبها على بيعها له بخلاف ما لو قال فعلي عتق رقبة وهو يملك ثمنها فإنه يعتبر مالكا لرقبة بالقوة
وأما الثالث فقد مضى الكلام عليه في الحديث رقم 41
وأما الرابع فالمراد أن لعن المؤمن كقتله في التحريم أو في العقاب والتقييد بالمؤمن للتشنيع وقيل للاحتراز عن الكافر فيجوز لعنه إذا كان غير معين كقولنا لعن الله الكفار وأما الشخص المعين فلا يجوز لعنه ما دام حيا لجواز أن يوفقه الله للهداية
وأما الخامس فالمراد أن من رمى مؤمنا بالكفر كأن قال له يا كافر أو أنت كافر كقتله في قطع المنفعة لأن القاتل يقطع عن المقتول منافع الدنيا والرامي للمؤمن بذلك يقطعه عن منافع الآخرة وقيل فهو كقتله في إثم لأنه بنسبته له إلى الكفر يحكم بقتله فكأنه قتله بناء على أن المتسبب كالفاعل والأولى حمل هذا والذي قبله على التغليظ والتخويف وهو كثير في الاستعمال كأن تسمع تأنيب زميل لزميله بكلمة جارحة فتقول له أنت قتلته بهذه الكلمة كذلك يحرم رمي المؤمن بالفسق فإن قصد نصحه سرا جاز ما لم يؤد ذلك إلى عناد الفاسق وإصراره على ذلك الفعل كما في طبع كثير من الناس وخصوصا إذا كان الآمر دون المأمور في المنزلة
-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم: ]-
1 -
مجانسة العقوبات الأخروية للجنايات الدنيوية
2 -
وأن جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الإثم لأن نفسه ليست ملكا له بل لله تعالى
3 -
النهي عن سباب المؤمن ولعنه.
48 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا"
-[المعنى العام]-
هدي نبوي كريم وتشريع سماوي حكيم يحذرنا من ظن السوء ومن الاتهام بغير تحقق وبغير دليل "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث" وينهانا عن أن نتبع خاطر السوء أو نحاول أن نتحقق الظن السيئ بأية حاسة من حواسنا "ولا تحسسوا ولا تجسسوا" ويرشدنا إلى الابتعاد عن كل ما يحدث الشقاق والضغائن لا ترفعوا ثمن السلعة لإيقاع الغير من غير رغبة لكم في شرائها ولا تتمنوا زوال نعمة إخوانكم فإن تمنيكم لن يزيلها ولن يثمر هذا الحسد إلا تآكلا في قلب الحاسد وإلا أسى في نفسه وكمدا وابتعدوا عن أسباب التباغض وعن أسباب التقاطع وتمسكوا بأواصر المحبة وتآلف القلوب فإنكم جميعا عباد الله وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها بالإسلام وكنتم أعداء فأصبحتم بنعمة الإيمان إخوانا فلا ترتدوا بعد هذا كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض واتقوا الله إن الله تواب رحيم
-[المباحث العربية]-
(إياكم والظن) أصله احذروا تلاقي أنفسكم والظن ثم حذفوا الفعل وفاعله وأقاموا عنه لفظ "ايا" ثم حذفوا المفعول به وهو "تلاقي" ثم
حذف المضاف وهو "أنفس" فانفصل الضمير وانتصب فصار "إياكم" و"الظن" معطوف على هذا الضمير المنصوب
(فإن الظن أكذب الحديث) الفاء تعليلية والمراد من الحديث حديث النفس والمراد بالكذب لازمه وهو سوء الأثر
(ولا تحسسوا ولا تجسسوا) الأولى بالحاء من الحس وهو الإدراك بإحدى الحواس الخمس والثانية بالجيم من الجس وهو اختبار الشيء باليد فهو عطف الخاص على العام وقيل كلاهما بمعنى واحد فذكر الثاني للتأكيد كقولهم بعدا وسحقا والمراد لا تبحثوا عن عيوب الناس ولا تتبعوها
(ولا تناجشوا) من النجش وهو أن يزيد في السلعة أكثر من ثمنها دون أن يقصد شراءها بل ليغرر غيره فيوقعه فيها وكذلك في النكاح
(ولا تحاسدوا) الحسد تمني الشخص زوال النعمة عن مستحقها أما تمني مثل ما للغير فهو غبطة محمودة وأما تمني زوال النعمة عن ظالم استعمل النعمة في ظلم الناس فإنه لا يسمى حسدا
(ولا تباغضوا) أي لا تتعاطوا أسباب البغض لأن البغض نفسه لا يكتسب ابتداء
(ولا تدابروا) أصل التدابر أن يعطي كل واحد من المتدابرين أخاه دبره وقفاه والمراد هنا إعراض البعض عن البعض قال الهروي التدابر التقاطع يقال تدابر القوم أي أدبر كل واحد عن صاحبه والتفاعل في الأربعة ليس على بابه حتى يشترط وقوعه من متعدد بل النهي متوجه على الفعل ولو كان من جانب واحد
(وكونوا عباد الله إخوانا) عباد الله منصوب على النداء أو على الاختصاص "إخوانا" خبر "كونوا" أو "عباد الله" خبر أول "إخوانا" خبر ثان ويصح أن يكون "عباد الله" خبرا و"إخوانا" بدلا منه قال الحافظ هذه الجملة تشبه النتيجة لما تقدم كأنه قال إذا تركتم هذه المنهيات كنتم إخوانا
مفهومه إذا لم تتركوها تصيرون أعداء
-[فقه الحديث]-
اشتمل هذا الحديث على جمل من الفوائد والآداب التي لا يستغنى عنها أولها الظن وليس المراد التحذير من العمل بالظن الذي هو محل الاجتهاد ومناط الأحكام الشرعية غالبا وهو إدراك الحكم إدراكا راجحا عن دليل شرعي بل المراد التحذير من ظن السوء بالمسلم من غير دليل أو من الظن الذي يضر بالمظنون به ومصداق ذلك قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم} وقد استشكل وصف الظن بأنه أكذب الحديث مع أن تعمد الكذب الذي لا يستند إلى ظن أصلا أشد من الكذب الذي يستند إلى الظن وأجيب بأن اغترار صاحبه به أكثر فسوء أثره نفسه أعظم من سوء أثر الكذب الذي يتعمده وسوء أثره عند الناس أعظم أيضا لأن صاحبه قد يكون ممن لا يعهد الناس عليه كذبا فيصدقونه فتحدث العداوة والبغضاء بينهم وبين المظنون فيه
ثانيها التحسس والتجسس وفي ذكرهما بعد التحذير من الظن مناسبة لطيفة فقد يقول الظان أبحث لا تحقق فيقال له "ولا تجسسوا" ويستثنى من النهي عن التجسس ما لو تعين طرقا إلى إنقاذ نفس من الهلاك مثلا كأن يخبره ثقة بأن فلانا خلا بشخص ليقتله ظلما فيشرع في مثل هذه الصورة التجسس والبحث عن ذلك
ثالثها التناجش وقد مضى تفصيل حكمه في كتاب البيوع في مقرر السنة الثالثة الثانوية
رابعها التحاسد وظاهر الحديث النهي عن وقوع الحسد من الجانبين لكن النهي ليس مقصورا على وقوعه من اثنين فصاعدا بل هو مذموم ومنهي عنه ولو وقع من واحد سواء كان الدافع كراهية وجود النعمة عند الغير أو محبة انتقالها إلى الحاسد وسواء سعى في ذلك أو لا فإن
سعى كان باغيا وإن لم يسع لعجزه فهو آثم وإن لم يسع لتقوى فقد يعذر لأنه لا يملك دفع الخواطر النفسية ويكفيه مجاهدة نفسه ويشكل على هذا الحديث ما روي ثلاث لا يسلم منها أحد الطيرة والظن والحسد ويجاب بما روي "قيل فما المخرج منهن يا رسول الله قال إذا تطيرت فلا ترجع وإذا ظننت فلا تحقق وإذا حسدت فلا تبغ"
خامسها التباغض ولا يشترط وقوعه من جانبين والتبغض المذموم ما كان لغير الله أما التباغض في الله بأن تبغض شخصا لمعصيته فهو واجب يثاب عليه
سادسها التدابر بمعنى تولية الدبر وهو يتجه للمعاداة أو المهاجرة أو الاستبداد بالشيء أو الجدال أو عدم التعاون أو عدم إفشاء السلام ولهذا جاء تفسيره بكل هذه المعاني
سابعها كونوا عباد الله إخوانا أي اكتسبوا ما تكونوا به إخوانا كإخوان النسب وهذا أمر يشمل جميع ما ذكره وغيره من الشفقة والرحمة والمحبة والمواساة والنصيحة وغير ذلك مما تقتضيه الأخوة وفي النداء بيا عباد الله إشعار بعلة هذا الأمر يعني كونوا إخوانا لأنكم مستوون في كونكم عبيدا لله تعالى وتجمعكم ملة واحدة ومن كان شأنهم كذلك لم يصدر عنهم ما يتنافى وما ينبغي فالواجب أن تكونوا كالإخوة من النسب.
49 -
عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقا وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا"
-[المعنى العام]-
يحث الرسول صلى الله عليه وسلم على تحري الصدق والاعتناء به ويحذر من الكذب والتساهل فيه فيقول إن الصدق في النية وفي القول يوصل إلى الخير والطاعة والخير والطاعة يوصلان إلى الجنة وإن الذي يصدق ويقصد الصدق ويحافظ عليه يكتبه الله في دواوين الحفظة صديقا ويلقي في قلوب الناس وعلى ألسنتهم الوثوق به والاطمئنان إليه فتربح تجارته ويعظم قدره وإن الكذب في القول أو في النية يوصل إلى الفساد والمعاصي والفساد والمعاصي يوصلان إلى النار وإن الذي يكذب ويتكرر منه الكذب ويتساهل فيه ينكت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه فيكتبه الله عند ملائكته من الكذابين ويلقي في قلوب أهل الأرض وعلى ألسنتهم عدم الثقة به فيفقد الاطمئنان إلى معاملته ويبوء في الآخرة بالنار وفي الدنيا بالخزي والخسران
-[المباحث العربية]-
(عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه وهو المراد عند إطلاق البخاري إذا كان الراوي عنه كوفيا
(إن الصدق يهدي إلى البر) وفي رواية "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر" والصدق يطلق على صدق اللسان وهو مطابقة الخبر للواقع وعلى صدق النية وهو الإخلاص في القول والفعل وهذا يستلزم صدق اللسان لاقتضائه استواء سريرة المخلص وعلانيته (ويهدي) من الهداية وهي الدلالة الموصلة إلى البغية (البر) أصله التوسع في الخير والمراد به العمل الخالص من كل مذموم وهو اسم جامع للخيرات كلها
(وإن الرجل ليصدق) زاد في رواية (ويتحرى الصدق)
(حتى يكون) وفي رواية "حتى يكتب عند الله"
(صديقا) صيغة مبالغة قال ابن بطال أراد أنه يتكرر منه الصدق حتى يستحق اسم المبالغة في الصدق
(وإن الكذب يهدي إلى الفجور) قال الراغب أصل الفجر الشق فالفجور شق ستر الديانة ويطلق على الميل إلى الفساد وعلى الانبعاث في المعاصي وهو اسم جامع للشرور وهو والبر متقابلان قال تعالى {إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم}
-[فقه الحديث]-
ظاهر قوله (حتى يكتب عند الله كذابا) يتعارض مع ما ثبت من أن حكم الله أزلي ولهذا قيل في معناه حتى يظهره الله للملأ الأعلى أو حتى يلقي الله ذلك في قلوب الناس وألسنتهم ويكتبوا اسمه مع أسماء الكذابين فيستحق بذلك صفتهم وعقابهم وزيادة (ويتحرى الصدق) و (يتحرى الكذب) في بعض الروايات تشير إلى أن من توقى الكذب بالقصد الصحيح إلى الصدق صار الصدق سجية له حتى يستحق الوصف به وكذلك عكسه
وهذا الحديث يتعارض ظاهره مع ما روي (قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيكون المؤمن كذابا قال لا) ومع حديث (يطبع المؤمن على كل شيء ليس الخيانة والكذب) وأجيب بأن المراد لا يكون المؤمن الكامل المستكمل لأعلى درجات الإيمان كذابا حتى يغلبه الكذب لأن كذابا من أبنية المبالغة لمن يكثر الكذب منه ويتكرر حتى يعرف به قال الغزالي الكذب من قبائح الذنوب وليس حراما لعينه بل لما فيه من الضرر ولذلك يؤذن فيه حيث يتعين طريقا إلى المصلحة وتعقب بأنه يلزم أن يكون الكذب إن لم ينشأ عنه ضرر مباحا وليس كذلك ويمكن الجواب بأنه يمنع من ذلك حسما للمادة فلا يباح منه إلا ما يترتب عليه مصلحة
-[ويؤخذ من الحديث: ]-
1 -
الترغيب في الصدق وتحريه والاعتناء به
2 -
التحذير من الكذب والتساهل فيه
3 -
أن الخير لا يؤدي إلا إلى خير أكثر غالبا
4 -
وإن الشر ينتج شرا أكبر
5 -
عدم الاستهانة بالقليل فمعظم النار من مستصغر الشرر.
50 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال عطس رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر فقيل له فقال هذا حمد الله وهذا لم يحمد الله
-[المعنى العام]-
قدم عامر بن الطفيل بن مالك الفارس المشهور على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجرى بينه وبين ثابت بن قيس بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم كلام ثم عطس ابن أخيه فحمد الله فقال له صلى الله عليه وسلم يرحمك الله ثم عطس عامر -وكان كافرا- فلم يحمد فلم يشمته فقال يا رسول الله شمت هذا ولم تشمتني وأنا أكبر منه سنا ومقاما فقال صلى الله عليه وسلم هذا ذكر الله فذكرته وأنت نسيت الله فتناسيتك
-[المباحث العربية]-
(عطش رجلان) بفتح الطاء من باب ضرب وقتل والاسم العطاس وهو انحدار الرطوبة من تجويف في الجبهة إلى الأنف من قناة وأصله بينهما وبقاء هذه الرطوبة يفسد الدماغ ويثقل الجسم فالعطاس يوقظ الفكر وينشط الجسم والرجلان عامر بن الطفيل وابن أخيه كما جاء في رواية الطبراني وفي رواية للبخاري "أحدهما أشرف من الآخر وإن الشريف لم يحمد الله"
(فشمت أحدهما) من التشميت وأصله إزالة شماته الأعداء والتفعيل يأتي للسلب نحو قشرت الشجرة أزلت قشرتها فاستعمل للدعاء بالخير وهو قولك للعاطس "يرحمك الله" وقيل معناه صان الله شوامتك أي قوائمك التي بها قوامك فقوام الدابة مثلا بسلامة قوائمها التي تنتفع بها إذا سلمت وقوائم الإنسان التي بها قوامه الرأس وما اتصل به من عنق وصدر وفي رواية "فسمت" بالسين فيكون دعاء له بأن يكون على سمت حسن قال ابن العربي المعنى على كلا اللفظين -شمت وسمت- بديع
وذلك أن العاطس ينحل كل عضو في رأسه وما يتصل به من العنق والصدر فإذا قيل له يرحمك الله كان معناه أعطاك الله رحمة يرجع بها كل عضو إلى حاله فالتسميت بالسين رجوع كل عضو إلى سمته والتشميت بالشين الدعاء بسلامة ما به قوام الإنسان
(فقيل له) القائل هو العاطس الذي لم يحمد الله كما جاء في بعض الروايات والمقول محذوف للعلم به أي قيل له يا رسول الله شمت هذا ولم تشمتني والمعنى على تقدير الاستفهام أي فلم فرقت في المعاملة
-[فقه الحديث]-
الكلام على الحديث يتناول النقاط التالية
1 -
حكم حمد الله عند العطاس وكيفيته وحكمه مشروعيته
2 -
آراء الفقهاء في حكم التشميت والأحوال التي لا يشرع فيها
3 -
كيفية التشميت وحكمة مشروعيته
4 -
ما يقوله العاطس بعد التشميت
5 -
الآداب التي ينبغي أن يراعيها العاطس
6 -
ما يؤخذ من الحديث وهذا هو التفصيل:
1 -
نقل النووي الاتفاق على استحباب الحمد للعاطس وأن يرفع به صوته وأما لفظه فنقل ابن بطال عن طائفة أنه لا يزيد على الحمد لله وعن طائفة يقول الحمد لله على كل حال وعن طائفة يقول الحمد لله رب العالمين وروي عن ابن عباس أنه قال إذا عطس الرجل فقال الحمد لله قال الملك رب العالمين فإن قال رب العالمين قال الملك يرحمك الله وعن طائفة ما زاد من الثناء فيما يتعلق بالحمد فهو حسن فقد أخرج الطبري عن أم سلمة قالت "عطس رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال الحمد لله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يرحمك الله" وعطس آخر فقال
الحمد لله رب العالمين حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه فقال صلى الله عليه وسلم "ارتفع هذا على هذا تسع عشرة درجة" وأخرج الترمذي عن رفاعة ابن رافع قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فعطست فقلت الحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى فلما انصرف قال من المتكلم ثلاثا فقلت أنا يا رسول الله فقال "والذي نفسي بيده لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكا أيهم يصعد بها" قال الحافظ ابن حجر ولا أصل لما اعتاده كثير من الناس من استكمال قراءة الفاتحة بعد قوله الحمد لله رب العالمين وكذا العدول عن الحمد إلى أشهد أن لا إله إلا الله أو تقديمها على الحمد وحكمة مشروعية الحمد أن العطاس يدفع الأذى عن الدماغ الذي بسلامته تسلم الأعضاء ويخرج الفضلات ويصفي الروح فهو نعمة جليلة يناسبها أن تقابل بالحمد
2 -
أما حكم التشميت فسيأتي تفصيله وتفصيل المواضع التي يشرع فيها والتي لا يشرع فيها في الحديث التالي رقم (51)
3 -
أما لفظ التشميت فقد قال ابن بطال أنه "يرحمك الله" يخصه بالدعاء وحده وأخرج الطبري عن ابن مسعود قال يقول يرحمنا الله وإياكم وعن ابن عباس يقول "عافانا الله وإياكم من النار يرحمكم الله" وحكمة مشروعيته تحصيل المودة والتأليف بين المسلمين وتأديب العاطس بتخلية نفسه من الكبر وتحليتها بالتواضع لما في ذلك من ذكر الرحمة والإشعار بالذنب لا يعرى عنه أكثر المكلفين ذكره ابن دقيق العيد
4 -
ويقول العاطس بعد التشميت يرحمنا الله وإياكم ويغفر الله لنا ولكم وقيل يقول يهديكم الله ويصلح بالكم قال ابن بطال ذهب مالك والشافعي إلى أنه يتخير بين اللفظين قال ابن رشد والجمع بينهما أحسن إلا للذمي
5 -
ومن آداب العاطس
1 -
أن يخفض بالعطاس صوته
2 -
وأن يرفعه بالحمد
3 -
وأن يغطي وجهه لئلا يبدو من فمه وأنفه ما يؤذي جليسه
4 -
وألا يلوي عنقه يمينا أو شمالا يتضرر بذلك
6 -
[ويؤخذ من الحديث: ]-
1 -
مشروعية الحمد للعاطس
2 -
طلب التشميت لمن حمد الله وهو مجمع عليه
3 -
جواز السؤال عن علة الحكم
4 -
بيان علة الحكم للسائل إذا كان في ذلك منفعة له
5 -
أن العاطس الكافر إذا لم يحمد لم يلقن الحمد ليحمد فيشمت.
51 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقا
على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان"
-[المعنى العام]-
إن الله يحب العطاس لأنه ينشأ من خفة البدن وينشأ عنه النشاط في العبادة ويكره التثاؤب لأنه ينشأ عن امتلاء المعدة وكسل التفكير ويتبعه التراخي في العبادة فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان على كل مسلم سمع عطاسه وحمده أن يشمته فيقول له يرحمك الله وأما التثاؤب فهو من إغواء الشيطان ليفتح الإنسان فاه ويقول ها ويعوي كما يعوي الكلب فيتمكن الشيطان منه ومن تنحيته عن ذكر الله فليتجنب المسلم أسباب التثاؤب فإذا أشرف عليه فليدفعه وليكظم قدر استطاعته فإن لم يستطع فليضع يده أو ثوبه على فمه وليقبض شفتيه لئلا يضحك الشيطان من قبح شكله وهيئته ويفرح بنجاح خطته ويسخر من المسلم ومن ضعف عزيمته
-[المباحث العربية]-
(إن الله يحب العطاس) المحبة هنا باعتبار سبب العطاس الذي هو عدم التوسع في الأكل فتنفتح المسام وصمائم الأجهزة المخرجة للسموم والرطوبات من الدماغ وسائر الجسد فيخف البدن وينشط الفكر فيكون داعية إلى النشاط في العبادة وباعتبار ما يترتب على العطاس من الحمد والتشميت إلى غير ذلك
(ويكره التثاؤب) وهو النفس الذي ينفتح منه الفم والكراهة هنا باعتبار السبب أيضا وهو التوسع في الأكل حيث يمتلئ الجسم ويزيد الضغط على الأوعية فتكثر فيها الأسدة وتتعطل الأجهزة المفرزة للسموم فيثقل الجسم ويضعف الفكر ويستولي الكسل وتنحط الهمة عن العبادة
(كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول) أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر اسم كان "حقا" خبرها والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة "حقا" وجملة "سمعه" صفة "مسلم" وجملة "كان" جواب "إذا" وهو العامل فيها
(فيرده ما استطاع) ما ظرفية مصدرية أي مدة استطاعته
-[فقه الحديث]-
نقاط الحديث تتلخص في
1 -
حكم التشميت والأحوال التي لا يشرع فيها
2 -
توجيه كون التثاؤب من الشيطان
3 -
حكم التثاؤب وكيفية رده
4 -
توجيه ضحك الشيطان من المتثائب
5 -
ما يؤخذ من الحديث وهذا هو التفصيل
1 -
استبدل جمهور أهل الظاهر وجماعة من المالكية بقوله "كان" حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له "يرحمك الله" على أن التشميت واجب عيني وقال الحنفية وجمهور الحنابلة وهو الراجح عند المالكية إن قوله (على كل مسلم) محمول على حال انفراد السامع فإذا سمع العاطس اثنان فأكثر كان التشميت واجبا على الكفاية فيسقط الإثم بتشميت بعضهم وقال الشافعية وبعض المالكية إن المراد من الحديث أن التشميت حق في حسن الأدب ومكارم الأخلاق فهو مستحب عينا إن انفرد السامع وإلا فعلى الكفاية والأمر بالتشميت ظاهر في عموم من حمد الله أما من لم يحمد الله فقد قال النووي يستحب لمن حضر من عطس فلم يحمد أن يذكره بالحمد ليحمد فيشمته وهو من باب النصيحة والأمر بالمعروف وزعم ابن العربي أن الذي يذكر بالحمد جاهل لأنه يلزم نفسه بما لم يلزمها ثم قال ابن العربي لو ذكر وشمت فقال الحمد لله يرحمك الله جمع جهالتين جهالة
التذكير السابقة وجهالة إيقاع التشميت قبل وجود الحمد من العاطس وقد خطأ العلماء ابن العربي فيما زعم والصواب استحباب التذكير كذلك يشرع التشميت لمن حمد إذا عرف السامع أنه حمد الله وإن لم يسمعه لعموم الأمر به لمن عطس فحمد كذا قيل وقال النووي المختار أنه من سمعه دون غيره
واستثنى العلماء ممن يشمت
1 -
الكافر قال ابن دقيق العيد إذا نظرنا إلى قول من قال من أهل اللغة أن التشميت الدعاء بالخير دخل الكفار في عموم الأمر بالتشميت وإذا نظرنا إلى من خص التشميت بالرحمة لم يدخلوا وقد روى أبو موسى الأشعري قال كانت اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول يرحمكم الله فكان يقول يهديكم الله ويصلح بالكم قال ابن حجر هذا الحديث يدل على أنهم يدخلون في مطلق الأمر بالتشميت لكن لهم تشميت خاص وهو الدعاء لهم بالهداية وإصلاح البال
2 -
والمزكوم الذي تكرر منه العطاس فزاد على الثلاث قال النووي إذا تكرر العطاس متتابعا فالسنة أن يشمته لكل مرة إلى أن يبلغ ثلاث مرات فيقول له في الثالثة أنت مزكوم ومعناه أنك لست ممن يشمت بعدها لأن الذي بك مرض وليس من العطاس المحمود الناشئ عن خفة البدن قال ابن حجر فإن قيل فإذا كان مريضا فإنه ينبغي أن يشمت بطريق الأولى لأنه أحوج إلى الدعاء من غيره قلنا نعم لكن يدعي له بدعاء آخر يلائمه كالدعاء بالعافية والشفاء لا بالدعاء المشروع للعاطس وذكر ابن دقيق العيد عن بعض الشافعية أنه يكرر التشميت إذا تكرر العطاس حتى يعرف أنه مزكوم ولو زاد على ثلاث ومعنى ذلك أن الأمر بالتشميت يسقط عند العلم بالزكام ولو بدون تكرار
3 -
ومن عرف من حاله أنه يكره التشميت فإنه لا يشمت إجلالا للتشميت أن يؤهل له من يكرهه ولا يقال كيف تترك السنة لذلك فإنما
هي سنة لمن أحبها أما من كرهها ورغب عنها فلا ويطرد ذلك من السلام وعيادة المريض قال ابن دقيق العيد والذي عندي أنه لا يمتنع من ذلك إلا مع من خاف منه ضررا فأما غيره فيشمت امتثالا للأمر ومناقضة للتكبر في مراده وكسرا لسورته في ذلك وهو أولى من إجلال التشميت
4 -
ومن عطس والإمام يخطب فإن التشميت يتعارض والأمر بالإنصات لمن سمع الخطيب فتعين تأخير التشميت حتى يفرغ الخطيب أو يشرع له التشميت بالإشارة
5 -
ومن كان عطاسه في حالة يمتنع عليه فيها ذكر الله كما إذا كان على الخلاء أو في الجماع ثم يحمد الله بعد الفراغ من ذلك فيشمت
6 -
ومعنى كون التثاؤب من الشيطان أنه الذي يزين للنفس شهواتها من امتلاء المعدة بكثرة الأكل فينشأ عنه التكاسل وقال ابن العربي كل فعل مكروه نسبه الشرع إلى الشيطان لأنه واسطته وقال ابن بطال إضافة التثاؤب إلى الشيطان بمعنى إضافة الرضا والإرادة أي إن الشيطان يحب أن يرى الإنسان متثائبا لأنها حالة تتغير فيها صورته لا إن المراد أن الشيطان هو الذي فعل التثاؤب
7 -
والتثاؤب مكروه وكراهته في الصلاة أشد منها في غيرها والمسلم مأمور بالأخذ من أسباب رده بوضع يده على فمه وبإطباق الشفتين وبزجر النفس وبعدم رفع الصوت لأن التثاؤب إذا وقع فلا يمكن رده وإنما يمكن تخفيفه بما ذكر أو المعنى إذا أراد أحدكم أن يتثاءب
8 -
أما ضحك الشيطان من المتثائب فمحمول على التنفير ويؤيد ذلك ما جاء عند ابن ماجه "فليضع يده على فيه ولا يعوي" فإن التعبير بيعوي الذي هو فعل الكلب استقباح وأي استقباح وقيل الضحك مجاز عن الرضا لأن التثاؤب دليل الغفلة عن ذكر الله ونتيجة لإغواء الشيطان على التوسع في الأكل وقيل الضحك على حقيقته فرحا بتشويه صورة الإنسان وخروجه عن اعتدال الهيئة وقد رجحه الشرقاوي وعلله بأنه لا ضرورة تدعو إلى
العدول عن الحقيقة ومن الخصائص النبوية ما أخرجه البخاري "ما تثاءب النبي صلى الله عليه وسلم قط" وما أخرجه الخطابي "ما تثاءب نبي قط"
-[ويؤخذ من الحديث]-
1 -
مشروعية العطاس
2 -
كراهة التثاؤب والتنفير منه
3 -
مشروعية حمد العاطس
4 -
مشروعية التشميت بعد الحمد
5 -
مشروعية رد التثاؤب جهد الاستطاعة
6 -
استحباب ما يؤدي إلى العطاس المحمود من خفة الأكل وغيرها
7 -
كراهة ما يؤدي إلى التثاؤب ككثرة الأكل وغيرها.