المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب التعبير أي تفسير الرؤيا تقول عبرت الرؤيا عبرا وعبارة إذا - المنهل الحديث في شرح الحديث - جـ ٤

[موسى شاهين لاشين]

الفصل: ‌ ‌كتاب التعبير أي تفسير الرؤيا تقول عبرت الرؤيا عبرا وعبارة إذا

‌كتاب التعبير

أي تفسير الرؤيا تقول عبرت الرؤيا عبرا وعبارة إذا انتقلت من ظاهرها في باطنها ومنه عبور النهر أي الانتقال من شاطئ إلى آخر ويقال عبرت الرؤيا بالتخفيف إذا فسرتها وعبرت بالتشديد للمبالغة في تفسيرها وهواستعمال قليل وقد غلب مصدره (تعبير) على تفسير الرؤيا وقد كثر الكلام عن حقيقة الرؤيا وأقرب ما قيل إنها إدراكات الروح النائم تأتيها بغير طريق الحواس الخمس المعروفة لبطلان عمل هذه الحواس بالنوم وطريق هذه الإدراكات ما يعبر عنه بالبصيرة أو ما يعبر عنه المناطقة بالحواس الباطنة أو ما يعبر عنه علماء النفس بالعقل الباطن وقال ابن الأثير الرؤيا والحلم عبارة عما يراه النائم في النوم من الأشياء لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن وغلب الحلم على ما يراه من الشيء القبيح ومنه قوله تعالى {أضغاث أحلام} وفي الحديث (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان)

65 -

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول "إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره"

-[المعنى العام]-

لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ما يراه النائم على ضربين أحدهما يؤذن بخير

ص: 235

للرائي في دنياه أو أخراه فينبغي لمن رأى ذلك أن يحمد الله تعالى عليه وأن يتحدث به إلى من يحب والثاني يزعج النفس ويوقعها في الوهم والاضطراب وغير ذلك مما يكرهه الرائي فعليه أن يستعيذ بالله من شر تلك الرؤيا ومن شر الشيطان وأن يكتمها عن الناس ولا يذكرها لأحد فإنه إن فعل ذلك وقاه الله ضررها وأنجاه من شرها وهو بكل شيء حفيظ

-[المباحث العربية]-

(رؤيا) بالألف اسم لما يراه النائم والرؤية بالتاء اسم لما يكون في اليقظة وقد تستعمل أولى في موضع الثانية قال تعالى {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} على أنها الإسراء وكان يقظة لا مناما

(وليحدث بها) مفعول محذوف تقديره وليحدث بها لبيبا أو حبيبا

-[فقه الحديث]-

إذا رأى أحدكم في نومه رؤيا يحبها لما تشير من خيري الدنيا والآخرة فليحمد الله عليها وليحدث بها وعند مسلم "فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر ولا يخبر إلا من يحب" وقوله "فليبشر" بضم الياء من الإبشار والبشرى كما قال النووي أي فليستبشر وفي حديث عند الترمذي "ولا يحدث بها إلا لبيبا أو حبيبا" وفي آخر "ولا يقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح" قال القاضي أبو بكر ابن العربي "أما العالم فإنه يؤولها على الخير مهما أمكنه وأما الناصح فإنه يرشده إلى ما ينفعه ويعينه عليه وأما اللبيب وهو العارف بتأويلها فإنه يعلمه بما يعول عليه في معناها أو يسكت وأما الحبيب فإن عرف خيرا قاله وإن جهل أو شك سكت" اهـ قال الحافظ والأولى الجمع فإن اللبيب عبر به عن العالم والحبيب عبر به عن الناصح وأما الحكمة في أنه لا يحدث بها من لا يحب فهي أنه يفسرها له بما لا يحب إما بغضا وإما حسدا فيتعجل لنفسه من ذلك حزنا ونكدا وإنما نسبت غير المحبوبة إلى الشيطان لأنه هو الذي يخيل بها أو لأنها تناسب صفته من الكذب والتهويل أو لأنها على هواه ومراده إذ هو يحب الشر دائما لا أنه

ص: 236

يوجدها إذ كل شيء بخلق الله وتقديره وأضيفت الرؤيا إلى الله تعالى أضافة تشريف وظاهره أن المضافة إلى الشيطان يقال لها رؤيا أيضا وقيل لها حلم أخذا من حديث "الرؤيا من الله والحلم من الشيطان" وهو تصرف شرعي وإلا فالكل يسمى رؤيا والحكمة في كتمان الرؤيا المكروهة مخافة تعجيل اشتغال قلب الرائي بمكروه تفسيرها لأنها قد تبطئ فإذا لم يخبر بها زال تعجيل روعها وتخويفها ويبقى إذا لم يعبرها له أحد بين الطمع في أن لها

تعبيرا حسنا والرجاء في أنها من الأضغاث فيكون ذلك أسكن لنفسه كذا قال القاضي عياض وفي معنى "فإنها لا تضره" قال النووي إن الله جعل ما ذكر سببا للسلامة من المكروه المترتب على الرؤيا كما جعل الصدقة وقاية للمال اهـ ويمكن أن يقال إن الاستعاذة والتفل والتحول إلى الجنب الآخر والصلاة وقراءة القرآن الواردات في بعض الروايات إنما هي لتقوية الروح المعنوية ومدافعة الوهم والخوف اللذين يؤثران تأثيرا ضارا أكثر من تأثير وقوع المصائب

-[ويستفاد من الحديث: ]-

1 -

مشروعية حمد الله عند الرؤيا الصالحة

2 -

والتحدث بها للعالم الناصح

3 -

ومشروعية التعوذ بالله عند الرؤيا المكروهة

4 -

وعدم ذكرها لأحد

5 -

أن الرؤيا قد تقع على ما يعبر به أخذا من قوله "ولا يذكرها لأحد"

6 -

استدل بقوله "فليستعذ بالله من شرها" على أن للوهم تأثيرا في النفوس لأن الاستعاذة مما يدفع الوهم فكأنه لم يكن.

ص: 237

66 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لم يبق من النبوة إلا المبشرات" قالوا وما المبشرات قال "الرؤيا الصالحة"

-[المعنى العام]-

في المرض الذي توفي فيه صلى الله عليه وسلم كشف الستارة ورأسه معصوب والناس صفاف خلف أبي بكر فقال أيها الناس إن الوحي ينقطع بموتي وأنه لن يبقى بعدي ما يعلم به أخبار المستقبل إلا الرؤيا الصالحة يراها العبد لنفسه أو ترى له من غيره

-[المباحث العربية]-

(لم يبق) عبر بلم المفيدة للمضي تحقيقا لوقوعه والمراد الاستقبال أي لا يبقى يدل لذلك ما ورد عن عائشة بلفظ "لن يبقى بعدي" فهذا الظرف والتصريح بلن قرينتان على إرادة الاستقبال وقيل هو على ظاهره من المضي واللام في النبوة للعهد والمراد نبوته عليه الصلاة والسلام أي لم يبق بعد النبوة المختصة بي إلا المبشرات

-[فقه الحديث]-

لا يرد على الحصر في الحديث الإلهام لأن المراد الباقي من النبوة

ص: 238

الذي يعم أفراد المؤمنين وأما الإلهام فمختص ببعضهم فضلا عن قلة وقوعه وظاهر الاستثناء أن الرؤيا نبوة أو جزء من النبوة حقيقة وليس كذلك بل المراد تشبيه الرؤيا بالنبوة في الصدق والتعبير بالمبشرات خرج مخرج الغالب وإلا فمن الرؤيا ما تكون منذرة وهي صادقة يريها الله تعالى لعبده المؤمن لطفا به ليستعد لما يقع قبل وقوعه وعند أحمد من حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} قال "الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له" وعند ابن جرير من حديث أبي هريرة قال "البشرى في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له وفي الآخرة الجنة" ويدل الحديث على صدق الرؤيا الصالحة وأنها جزء من النبوة وفيض من العلي الكريم حيث يبين لعباده ما عسى أن يقع بهم من خير أو شر

-[والحاصل أن ما يراه النائم على أنواع: ]-

1 -

نوع يكون تخليطا بصور غير متناسقة ولا مرتبطة الأجزاء ويسمى بالهواجس

2 -

ونوع يصدر عن هوى النفس وعن صور مكبوتة في اليقظة تظهر عند انطلاقها في النوم حيث لا حدود ولا رقيب وهذا النوع هو محل اهتمام علماء النفس

3 -

ونوع غير هذين النوعين وهو ما يعني به الشرع وهو قسمان بشير ونذير ومنه الصحيح الذي لا يحتاج إلى تأويل كرؤيا ملك يوسف وصاحبي السجن والناس إزاء هذا النوع على ثلاث درجات الأنبياء ورؤياهم كلها صدق وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير والصالحون والأغلب على رؤياهم الصدق وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير وغيرهم ويقع في رؤياهم الصدق والأضغاث وتغلب الأضغاث مع الفسقة ويندر الصدق مع الكفار.

ص: 239