الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الأحكام
الأحكام جمع حكم وهو عند الأصوليين خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين والمراد هنا النسبة التامة في القضية فالأحكام أي النسب التامة المتعلقة بأمور خاصة غير ما تقدم كالإمارة والقضاء وما أشبه ذلك والمقصود بيان آداب الحاكم وشروطه سواء كان خليفة أو قاضيا أو واليا أو أميرا كذا آداب المتحاكمين ومجلس القضاء
71 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة"
-[المعنى العام]-
دخل رجلان من الأشعريين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما أمرنا يا رسول الله على قومنا وقال الآخر مثله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنا لا نولي هذا الأمر من سأله ولا من حرص عليه" وسأل أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر فقال يا أبا بكر هو لمن يرغب عنه لا لمن يجاحش عليه ولمن يتضاءل عنه لا لمن يتنفج إليه هو لمن يقال هو لك لا لمن يقول هو لي ويحذر النبي أصحابه من الحرص على الإمارة والسعي لها ويخبرهم عن حالة ذميمة سيكونون عليها في مستقبل أيامهم فيقول إنكم ستحرصون على الإمارة فتفتكون وتسفكون الدماء وتستبيحون الأموال والأعراض فتكون
الإمارة بهذه الطريقة ندامة نعم قد ترضع صاحبها بعض الوقت وتنفعه بالمال والجاه ونفاذ الكلمة ولكنه لا محالة سيفطم وسيفصل عنها بالعزل أو بالموت فتكون الندامة والحسرة ولقاء الجزاء فلا ينبغي لعاقل أن يفرح بلذة يعقبها حسرات
-[المباحث العربية]-
(إنكم ستحرصون على الإمارة) الخطاب للصحابة ومن بعدهم والمراد من الإمارة ما يشمل الإمامة العظمى وجميع الرئاسات
(فنعم المرضعة وبئست الفاطمة) المخصوص بالمدح والذم محذوف لتقدم ما يدل عليه والفاء فصيحة في جواب وشرط التقدير إذا كانت الإمارة ندامة فنعم المرضعة الولاية وبئست الفاطمة هي وأسقطت التاء من نعم وألحقت لبئس تفننا وألا فالحكم فيهما واحد وهو أنه يجوز التأنيث وتركه إذ أن الفاعل مؤنث مجازي فيهما فضلا عن أن الحكم الخاص بنعم وبئس هو جواز تذكيرهما وتأنيثهما ولو كان الفاعل اسما ظاهرا حقيقي التأنيث تقول نعم المرأة هند ونعمت المرأة هند وقيل النكتة في ذلك أن إرضاعها هو أحب حالتيها إلى النفس وفطامها أشق الحالتين عليها فهو مبغوض لها والتأنيث أبغض حالتي الفعل والتذكير أشرف حالتيه فجعل أشرف حالتي الفعل مع الحالة المحبوبة وأبغض حالتيه مع الحالة المبغوطة وفي الحديث استعارة تبعية حيث شبه نفع الولاية صاحبها بالجاه والمال ونفاذ الكلمة والالتذاذ بذلك بالإرضاع واشتق من ذلك مرضعة بمعنى نافعة وشبه انقطاع فوائد الولاية وانفصاله عنها بموت أو غيره بالفطام عن الرضاع واشتق من ذلك فاطمة بمعنى قاطعة للنفع
-[فقه الحديث]-
يذم الحديث الحرص على الإمارة والسعي للحصول عليها لما يترتب على ذلك من مضار منها
1 -
محاولة جمع الأنصار والمؤيدين بشتى الوسائل مما يوقع الفرقة والبغضاء بين المسلمين
2 -
فرض طالب الإمارة نفسه على الناس وإشعارهم بأنه خير منهم وهذا يتنافى مع التواضع الذي ينبغي أن يكون عليه الأمير
3 -
أن فتح هذا الباب يتيح لغير الأكفاء والعتاة الوصول إليها بسيف الحياء أو بالإكراه
4 -
أن الباعث على طلبها غالبا ما يكون حب الرياسة وما يلابسها من منافع وملذات عاجلة بغض النظر عما تحتاجه من علم وورع وتبعات
5 -
أن في إباحة طلب الإمارة تقاتل الراغبين فيها وتناحرهم وانتقام الغالب من المغلوب وحزبه وانتهاز المغلوب الفرصة للانقضاض على الغالب
ولا يتنافى تقييد الندامة هنا بيوم القيامة مع ما تفيده رواية الطبراني من كون الندامة في الدنيا حيث روى "أولها ملامة وثانيها ندامة وثالثها عذاب يوم القيامة" لأن الندامة قد تحصل في الدنيا بالحصار والعزل والحبس ومصادرة الأموال والقتل وقد تكون في الآخرة حين يطالب بتبعاتها وهذا لمن لم يعمل فيها بما يرضي الله ويحكم بما أنزل الله ولا يعارض هذا الحديث قول يوسف عليه السلام "اجعلني على خزائن الأرض" وقول سليمان "هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي" لأن الكلام في غير الأنبياء فإنهم لا توجد في طلبهم الإمارة المضار السالفة الذكر
-[ويؤخذ من الحديث: ]-
1 -
أن ما ينال الأمير من البأساء والضراء أبلغ وأشد بما يناله من النعماء والسراء
2 -
ذم الحرص على الإمارة والتهالك في طلبها
3 -
في الحديث علم من أعلام النبوة فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم.
72 -
عن معقل بن يسار قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة"
-[المعنى العام]-
يزجر النبي ويتوعد الحكام الذين يفرطون في حقوق الرعية ولا يؤدون الأمانة بإخلاص ولا يقومون على شئون العباد بما يصلح دينهم ودنياهم يتوعدهم بأنهم يكونوا يوم القيامة أبعد الناس عن رحمة الله حتى رائحة الجنة لا يشمونها مع أنها تدرك من مسافة بعيدة وما ذاك إلا لعظم ما ارتكبوا من خيانة الأمة وتضييع حقوقها
-[المباحث العربية]-
(استرعاه الله رعية) أي جعله راعيا وحافظا والجملة صفة لعبد
(فلم يحطها) الفاء للعاقبة والصيرورة كاللام في قوله {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا} أي ليصير الأمر إلى ذلك و"يحطها" بضم الحاء وسكون الطاء أي يحفظها وفي المختار "حاطه كلأه ورعاه وبابه قال وكتب" اهـ
(بنصيحة) وفي رواية "بالنصيحة" بزيادة ال وفي أخرى "بنصحه" بضم النون وهاء الضمير والنصح مصدر نصحه ونصح له ينصح والنصيحة الاسم منه وهما الإخلاص واجتناب الغش
(إلا لم يجد رائحة الجنة) إلا أداة استثناء ملغاة وهي مع ما تفيد القصر وجملة "لم" يجد رائحة الجنة خبر المبتدأ الذي هو عبد ومن زائدة وفي نسخة بدون إلا وهي مشكلة لأن نفي النفي إثبات فتؤدي إلى أنه يجد رائحة الجنة وهو عكس المقصود وأجيب عنها بأن إلا مقدرة أو أن الخبر محذوف أي ما من عبد كذا إلا حرم الله عليه الجنة وجملة "لم يجد" استئناف كالمفسر له أو "ما" ليست نافية بل شرطية وجاز زيادة من للتأكيد في الإثبات عند بعض النحاة
-[فقه الحديث]-
أثبتت الروايات أن معقلا حدث بذلك حين عاده عبيد الله بن زياد في مرضه الذي مات فيه وكان ابن زياد أمير البصرة في زمن معاوية وولده يزيد وكان سفيها سفاكا للدماء ولذا حدثه معقل بما لعله يردعه والمراد من قوله "إلا لم يجد رائحة الجنة" أنه لا يجد هذه الرائحة إذا كان مستحلا لذلك أو لا يجدها مع السابقين أو الكلام خرج مخرج التغليظ والتنفير ورائحة الجنة يدركها الشخص يوم القيامة من مسافة بعيدة ففي رواية الطبراني "وعرفها يوجد يوم القيامة من مسيرة سبعين عاما" فيكون في الكلام مبالغة في بعده عن الجنة
-[ويستفاد من الحديث: ]-
1 -
عظم المسئولية والأمانة الملقاة على عاتق الحكام
2 -
الزجر والنهي عن ظلم الرعية وخيانة الوطن
3 -
الوعيد الشديد للولاة الظالمين.
73 -
وعنه أيضا رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرم الله عليه الجنة"
-[المعنى العام]-
يعلم النبي أمته أن من قلده الله شيئا من أمر المسلمين واسترعاه عليهم ونصبه لمصلحتهم في دينهم ودنياهم ثم خان فيما أؤتمن عليه يظلمه لهم من أخذ أموالهم أو سفك دمائهم أو انتهاك أعراضهم أو حبس حقوقهم أو إهمال إقامة الحدود فيهم وردع المفسدين منهم ونحو ذلك فيخبر أن من غش وخان بشيء من ذلك حرم الله عليه الجنة وتوجه إليه الطلب بمظالم العباد يوم القيامة فليحذر الذين يخالفون عن أمره وليعلموا أن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع
-[المباحث العربية]-
(ما من وال) ما نافية ومن زائدة ووال مبتدأ
(فيموت) الفاء هنا للعاقبة والصيرورة كاللام في قوله تعالى {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا} وفي قولهم "للموت ما تلد
الوالدة" وهي لم تلده لأن يموت ولكن المصير إلى ذلك قاله الزجاج
(وهو غاش) جملة حالية مقيدة للفعل مقصودة بالذكر
(إلا حرم الله عليه الجنة) إلا أداة استثناء ملغاة وهي مع ما تفيد القصر وجملة "حرم الله إلخ" خبر المبتدأ
-[فقه الحديث]-
لقد قصد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلم كل حاكم أو رئيس لجماعة من المسلمين أن الله تعالى إنما ولاه واسترعاه على عباده ليديم لهم النصيحة حتى يموت على ذلك فإذا قلب القضية استحق أن يعاقب بأن حرم الله عليه الجنة وهذا وعيد شديد لائمة الجور فمن ضيع حقوق من استرعاه الله عليهم استحق هذا العذاب إذا استحل ما صنع أو المراد به التغليظ والتنفير وعبر هنا بقوله "حرم الله عليه الجنة" وفيما قبله بقوله "لم يجد رائحة الجنة" ولا مانع من وقوع اللفظين منه صلى الله عليه وسلم فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ البعض قال في الفتح وهو محتمل لكن الظاهر أنه لفظ واحد تصرف فيه الرواة والله أعلم.
74 -
عن أبي بكرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان"
-[المعنى العام]-
يهدف النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الحديث إلى تحري العدالة بين المتقاضيين وأن على القاضي أن يتجنب كل ما من شأنه أن يحول بينه وبين معرفة الصواب واستبانة الحق ولا سيما ما يكون راجعا إلى نفس القاضي كأن يكون متوتر الأعصاب أو جائعا أو مريضا أو نحو ذلك مما يشغل القلب عن استيفاء النظر وتحري العدالة بين المتخاصمين
-[المباحث العربية]-
(عن أبي بكرة) نفيع بن الحارث الثقفي
(لا يقضين) بتشديد الياء والنون توكيدا للنهي
(حكم) بفتح الحاء والكاف هو الحاكم وقد يطلق على القيم بما يسند إليه
(بين اثنين) أي بين طرفي خصومة أعم من أن يكونا شخصين أو أكثر
(وهو غضبان) جملة حالية والغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام
-[فقه الحديث]-
إنما نهي عن الحكم في هذه الحالة لأن الغضب قد يتجاوز بالحكم إلى غير الحق وقاس الفقهاء على ذلك كل ما يحصل به اضطراب الفكر كجوع شديد ومرض مؤلم وخوف مزعج وبرد قاتل وسائر ما يتعلق به القلب تعلقا يشغل عن استيفاء النظر واقتصر في الحديث على ذكر الغضب لأنه أشد هذه الأنواع حيث يستولي على النفس وتصعب مقاومته بخلاف غيره وهو يشمل الغضب لله تعالى لشغله القلب كغيره ولو خاف وحكم حال الغضب صح إن صادف الحق مع الكراهة وعن بعض الحنابلة لا يصح عملا بظاهر النهي وهي اقتضاؤه للفساد وفصل بعضهم بين أن يكون
الغضب قد طرأ عليه بعد أن استبان له الحكم فلا يؤثر وإلا فهو محل الخلاف
ولا يعترض بأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم للزبير بعد أن أغضبه خصم الزبير لعصمته صلى الله عليه وسلم فلا يقول في الغضب إلا كما يقول في الرضا
-[ويستفاد من الحديث: ]-
1 -
النهي عن الحكم في حال الغضب فإن حكم فالكراهة عند الجمهور والحرمة عند أهل الظاهر
2 -
حرص الشارع على كل ما يوفر العدالة بين المتخاصمين ويستفاد من إطلاق الغضب أنه لا فرق بين مراتبه ولا أسبابه بالنسبة لهذا الحكم.
75 -
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان على أبي فدققت الباب فقال من ذا فقلت أنا فقال أنا أنا كأنه كرهها"
-[المعنى العام]-
يرشد النبي صلى الله عليه وسلم من يدق باب الغير لحاجة أو استئذان إذا سئل من
هذا الذي يستأذن أو يدق الباب أن يجيب بما يكشف عن شخصه ويميز حقيقة ذاته عند السائل ولا يكتفي بمجرد قوله "أنا" فإنه لا يفيد المقصود ولذا كرهه النبي من جابر بن عبد الله حين أجاب به بعد أن دق بابه عليه الصلاة والسلام
-[المباحث العربية]-
(في دين) أي بسبب دين فلفظ (في) هنا للسببية
(فدققت الباب) بقافين أي ضربته ضربا شديدا وفي رواية "فضربت" وفي ثالثة "فدفعت"
(من ذا) أي من الذي يدق الباب والاستفهام خبر مقدم والإشارة مبتدأ مؤخر
(أنا) خبر مبتدأ محذوف أي الذي يدق هو أنا
(أنا أنا) الثانية توكيد للأولى وإنما أكد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه انفعل من ذلك
(كرهها) بضمير المؤنث أي كره هذه اللفظة وفي رواية (كأنه كره ذلك) وفي ثالثة "كره ذلك" بدون تشبيه والكلام على التحقيق والراجح رواية التشبيه لما فيها من زيادة الاحتياط لأن الكراهية أمر نفسي خفي يظن ولا يجزم به بالقرائن
-[فقه الحديث]-
إنما كره النبي قول جابر (أنا) لما فيه من تعظيم النفس والكناية عنها بالضمير المنافي للخضوع والتواضع ولأنه أجابه بغير ما سأل عنه وكان حق الجواب أن يقول (أنا جابر) فإنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يعرف عين الذي ضرب الباب بعد أن عرف أن ثم ضاربا فلم يستفد منه المقصود وكان الدين الذي على عبد الله الأنصاري والد جابر ثلاثين وسقا من تمر لأبي الشحم اليهودي
ولعل ملحظ الزبيدي في ذكر هذا الحديث في كتاب الأحكام هو جواز نيابة الولد عن والده في المقاضاة والتقاضي في ساحة القضاء
-[ويؤخذ من الحديث: ]-
1 -
مشروعية دق الباب عند الاستئذان دقا مناسبا
2 -
أن على المسئول أن يجيب إجابة واضحة تفيد المقصود من السؤال
3 -
تقويم الحاكم لخطأ المتقاضي وإن كان في بيته
4 -
أن الرسول لم يتخذ لنفسه بوابا.
76 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا"
-[المعنى العام]-
يرشد النبي إلى ما يقوي رباط المحبة والألفة ويرفع الضغائن من النفوس ومن أهم عوامل ذلك الترابط الأخوي والمحبة الدائمة أن لا يقيم الرجل أخاه من مجلسه ليجلس هو مكانه إذ أنه حين يفعل ذلك تملأ نفس أخيه حقدا وضغينه ويوقظ حميته وأنفته فتقع العداوة والبغضاء ولكن الأليق بالجالس أن يفسح للقادم وللداخل أن يقول افسحوا وتوسعوا قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم}
-[المباحث العربية]-
(لا يقيم الرجل) لا نافة والمراد النهي بدليل رواية "لا يقيمن" بلفظ النهي المؤكد بالنون وذكر الرجل لأن الأغلب مخاطبة الشرع للرجل فالحكم يشمل النساء
(ولكن) الاستدراك على لازم العبارة المذكورة أي أنتم أيها الجالسون أحق بأماكنكم ولكن
(تفسحوا وتوسعوا) عطف توسعوا تفسيري
-[فقه الحديث]-
ظاهر النهي التحريم فلا يصرف عنه إلا بدليل ولفظ الحديث وإن كان عاما لكنه مخصوص بالمجالس المباحة إما على العموم كالمسجد ومجالس الحكام والعلم وإما على الخصوص كمن يدعو قوما بأعيانهم إلى منزل لوليمة أو نحوها أما المجالس التي ليس للشخص فيها ملك ولا إذن له فيها فإنه يقام ويخرج منها وكذا إذا جلس في المجالس العامة وكان مجنونا أو يتأذى منه كالسفيه إذا دخل مجلس العلم والحكمة في هذا النهي منع استنقاص المسلم المقتضي للضغائن والحث على التواضع المقتضي للمودة والمحبة وأيضا فالناس في المباح كلهم سواء فمن سبق إلى شيء استحقه ومن استحق شيئا فأخذ منه بغير حق فهو غصب والغصب حرام (ولكن تفسحوا وتوسعوا) وفي رواية "ولكن ليقل افسحوا وتوسعوا" والأمر للندب والاستحسان وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلس لم يجلس فيه وهو ورع منه لاحتمال أن يكون الذي قام لأجله استحيا من غير طيب قلب فسد ابن عمر الباب ليسلم من هذا
-[ويستفاد من الحديث: ]-
1 -
منع إقامة شخص من مجلس استحقه ليجلس فيه غيره مهما كان ذلك الغير عظيما
2 -
استحباب أن يتسع الجالسون لمن يقدم عليهم بأن ينضم بعضهم
إلى بعض حتى يفضل مجلس للداخل
3 -
مراعاة آداب المجالس عامة ومجالس الحكام خاصة.
77 -
عن عبد الله رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى رجلان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس أجل أن يحزنه"
-[المعنى العام]-
يحرص النبي صلى الله عليه وسلم على تقوية العلاقات الاجتماعية فينهى عما يؤدي إلى تفريق الناس واختلافهم وتأثر بعضهم من بعض وسوء ظن المسلم بأخيه حين يتناجى اثنان أو أكثر ويتركون واحدا تفترسه الظنون وتحيط به الشكوك من جراء ذلك التصرف المشين وقد يحمله ذلك على التباغض والتقاطع وهذا ما لا يرضاه الدين
-[المباحث العربية]-
(فلا يتناجى) بالألف بعد الجيم فلفظه خبر ومعناه النهي وفي نسخة "يتناج" بإسقاط الألف بلفظ النهي والفاء في جواب "إذا"
(حتى تختلطوا) بالتاء قبل الخاء وفي رواية بالياء أي حتى يختلط الثلاثة بغيرهم واحدا كان ذلك الغير أو أكثر
(أجل) بجيم ساكنة ولام مفتوحة كذا استعمله العرب فقالوا "أجل قد فضلكم" بحذف من أي من أجل وهو مفعول لأجله
(أن يحزنه) يجوز أن يكون من حزن وأن يكون من أحزن فالأول من الحزن والثاني من الإحزان والمصدر مضاف إليه وفي الكلام مضاف محذوف أي أجل خشية إحزانه
-[فقه الحديث]-
جاء في صحيح مسلم عن نافع عن ابن عمر مرفوعا "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه فإن ذلك يحزنه" والعلة في ذلك أن الواحد إذا بقي فردا وتناجى من عداه دونه ربما ظن احتقارهم له وسوء رأيهم فيه أو أنهم يريدون به غائلة وهذا المعنى مأمون عند الاختلاط وعدم إفراده من بين القوم بترك المناجاة فلا يتناجى ثلاثة دون واحد لأنه قد نهي عن أن يترك واحد وإنما خص الثلاثة بالذكر لأنه أول عدد يتصور فيه ذلك المعنى فما وجد المعنى فيه ألحق به في الحكم فإن تناجى اثنان وتركا ثالثا فلا يجوز له التسمع عليهما فإن هدف الشارع مراعاة الشعور والحرص على ترك ما يؤذي المؤمن كذلك لا ينبغي لداخل القعود عند متناجيين ولا التسمع من بعد لحديثهما إلا إذا وجدت قرينة الإذن والرضا
-[ويستفاد من الحديث: ]-
1 -
النهي عن مناجاة ومسارة أحد الجالسين معك وترك آخر فريدا
2 -
جواز مناجاة البعض وترك البعض عند الاختلاط سواء كان الزائد عن الثلاثة قد جاء اتفاقا أم عن طلب كما كان يفعل ابن عمر إذ كان يدعو رابعا ثم يناجي الذي أراد
3 -
يؤخذ من التعليل أن المناجي إذا كان ممن إذا خص أحدا بمناجاته أحزن الباقين امتنعت مناجاته
4 -
أن الإسلام دين المجتمعات والإحساس الرقيق ومراعاة شعور الناس
5 -
رعاية آداب المجالس عامة ومجلس القضاء خاصة