المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب الصيد والذبائح والتسمية على الصيد - المنهل الحديث في شرح الحديث - جـ ٤

[موسى شاهين لاشين]

الفصل: ‌كتاب الصيد والذبائح والتسمية على الصيد

‌كتاب الصيد والذبائح والتسمية على الصيد

27 -

عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن صيد المعراض قال "ما أصاب بحده فكله وما أصاب بعرضه فهو وقيذ" وسألته عن صيد الكلب فقال "ما أمسك عليك فكل فإن أخذ الكلب ذكاة وإن وجدت مع كلبك أو كلابك كلبا غيره فخشيت أن يكون أخذه معه وقد قتله فلا تأكل فإنما ذكرت اسم الله على كلبك ولم تذكره على غيره"

-[المعنى العام]-

سأل عدي بن حاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم أكل المصيد الذي يرمى بالخشبة المدببة فيقتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قتل بالحد والطرف المدبب فحلالا أكله لأنه كالمذكى المذبوح في حلقه وما قتل بعرض السهم فهو ميت بمثقل لا يحل أكله شأنه في ذلك شأن ما يرمى بحجر وسأله عن حكم أكل مصيد الكلب فقال إذا أرسلت كلبك المعلم وسميت الله وقصر إمساكه عليك ولم يأكل منه فحلال أكله لأن قتل الكلب بهذه الصفة كالذكاة وإن اشترك مع كلبك كلب أو كلاب لا تدري من أرسلها وما حالها ولم تدر أيها قتل الصيد فلا تأكل لأنك وإن كنت ذكرت الله على كلبك فإنك لا تدري اذكر اسم الله على الآخر أم لا

ص: 101

-[المباحث العربية]-

(عن عدي بن حاتم) الطائي الجواد بن الجواد أسلم سنة الفتح وثبت هو وقومه على الإسلام ونزل الكوفة وشهد الفتوح بالعراق وكان مع علي رضي الله عنه في حروبه ومات سنة ثمان وستين وهو ابن مائة وعشرين عاما

(عن صيد المعراض) في الكلام مضاف محذوف أي عن حكم صيد المعراض والصيد مصدر صاد يصيد وقع على المصيد نفسه مبالغة أو تسمية بالمصدر قيل لا يقال للشيء صيد حتى يكون ممتنعا حلالا لا مالك له والمعراض بكسر الميم وسكون العين سهم لا ريش له ولا نصل وقيل خشبة ثقيلة أو عصا في طرفها حديدة مدببة وفي القاموس سهم بلا ريش دقيق الطرفين غليظ الوسط يصيب بعرضه دون حده

(ما أصاب بحده فكله)(ما) شرطية مفعول مقدم لأصاب وجملة فكله هي الجواب والضمير المنصوص فيها يعود على "ما"

(وما أصاب بعرضه) أي بعرض المعراض والمراد بالعرض هنا خلاف الحد

(فهو وقيذ) فعيل بمعنى مفعول والموقوذ الميت بضرب شيء ثقيل غير محدد كالميت بضرب العصا أو الحجر وكان أهل الجاهلية يضربون الحيوانات بالعصا حتى إذا ماتت أكلوها فنص القرآن على تحريمها

(عن صيد الكلب) أل في الكلب للعهد أي الكلب المعلم للصيد

(ما أمسك عليك) ضمن أمسك معنى حبس ما أمسك الكلب من المصيد قاصرا له عليك

(فإن أخذه الكلب ذكاة) أن مشددة و"أخذ" بسكون الخاء اسمها وإضافته إلى الكلب من إضافة المصدر إلى فاعله ومفعوله محذوف تقديره الصيد والمراد من الأخذ القتل وفي الكلام تشبيه بليغ أي فإن أخذ

ص: 102

الكلب كالذكاة المعروفة بقطع الأوداج ووجه الشبه حل الأكل

(وإن وجدت مع كلبك أو كلابك كلبا غيره) أي غير المذكور من كلبك أو كلابك

(فخشيت أن يكون أخذه معه) اسم يكون يعود على الكلب الآخر ومفعول أخذ يعود على المصيد والضمير في (معه) يعود على كلبك والتقدير فخشيت أن يكون الكلب الآخر أخذ الصيد مع كلبك

(وقد قتله) ضمير الفاعل للكلب الأجنبي وضمير المفعول للصيد والجملة حال أي إن خشيت أن يكون كلب أجنبي أخذ الصيد قاتلا له فلا تأكل

-[فقه الحديث]-

يتناول شرح الحديث أمورا

1 -

حكم صيد المعراض وحكم صيد الرصاص الموجود في أيامنا

2 -

صيد الكلب وشرطه وأحواله

3 -

حكم التسمية على الصيد والذبيحة

4 -

حكم احتراف الصيد والتلهي به

5 -

ما يؤخذ من الحديث

وإليك التفصيل

1 -

سواء كان طرف المعراض حديدة مدببة أو خشبة مدببة فإن الصائد إذا رمى به صيده فأصابه بحده وطرفه فقتله فهو في حكم المذكى يحل أكله أما إذا أصاب المعراض الصيد بعرضه وخلاف حده فقتله فهو ميت بمثقل لا بمدبب لا يحل أكله فإن أدرك حيا وذكي حل عند الحنفية ولو كان المعراض قد نفذ في مقاتله ولا يحل عند المالكية إلا إذا كان المعراض لم ينفذ في مقاتله ولا يحل عند الشافعية والحنابلة إلا إذا وجدت قبل التذكية

ص: 103

حياة مستقرة وحركة اختيارية ومن علامتها الحركة الشديدة بعد التذكية أو انفجار الدم

أما صيد الرصاص الموجود في أيامنا فلم يوجد فيه نص للعلماء المتقدمين لحدوث الرمي به بحدوث البارود وسط المائة الثامنة الهجرية وقد اختلف فيه المتأخرون فقال الشافعية والحنابلة بتحريمه ما لم يدرك حيا ويذكى لأنه مقتول بقوة الدفع فيكون كالموقوذة شأنه في ذلك شأن ما صيد ببندق الحصى الذي يستعمله الصبيان (النبل) وقال المالكية ومحققو الحنفية بحله لما فيه من إنهار الدم بسرعة وهو ما شرعت الذكاة لأجله لكنهم يشترطون في حله تمييز الصائد وتسميته عند إطلاق الرصاصة وتزيد المالكية اشتراط كون الصائد مسلما وأن ينوي الصيد

2 -

أما صيد الكلب والصقر وأشباهها فله شروط

أ) أن يكون معلما أي إذا أغري على الصيد طلبه وإذا زجر عنه انزجر

ب) أن يرسله فإن صاد الكلب من غير إرسال فلا يحل صيده إلا إذا أدرك وفيه حياة مستقرة وذكي

3 -

قال الشافعية والحنفية ألا يأكل الكلب مما صاد لما جاء في البخاري "فإن أكل فلا تأكل فإنه لم يمسك عليك إنما أمسك على نفسه" ولا يعارض هذا ما رواه أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "كل وإن أكل منه" فإنه فضلا عن كونه ضعيفا لا يقاوم الذي في الصحيح ولا يقاربه هو محمول على ماذا أطعمه صاحبه منه أو أكل منه بعد أن قتله وسلمه إلى صاحبه

4 -

ألا يشاركه كلب آخر غير مرسل أو مرسل غير معلم أو مرسل من غير أهل الصيد كالمجوسي والوثني والمرتد أو معلم مرسل من أهل الصيد بدون تسمية خلافا لبعضهم فإذا أرسل كلبه المعلم فعرض له كلب آخر مستوف لشروط الصيد فقتلاه حل واشترك فيه الصائدان وكذلك يحل إذا تأكد أن القتل وقع من كلبه لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بين علة النهي في رواية

ص: 104

أخرى بقوله "فإنك لا تدري أيهما قتل"

5 -

أما التسمية على الصيد فقد ذهب الظاهرية إلى أنها فريضة فمن تركها عامدا أو ساهيا لم يؤكل ما ذبحه وذهب مالك وأبو حنيفة إلى اشتراكها فلا يصح تركها عمدا ورخصوا للمسلم في تركها سهوا فإنه صلى الله عليه وسلم جعل عدم ذكر الله على الكلب الآخر علة للنهي فيكون عدم التسمية مانعا من الحل وذهب الشافعية إلى أن التسمية في الصيد والذبيحة سنة فيحل الأكل مع تركها عمدا ونسيانا وقالوا في الحديث إن المراد من ذكر اسم الله لازمة وهو الإرسال ممن هو أهل للصيد

6 -

والصيد مشروع بالقرآن والسنة قال القاضي عياض الاصطياد للاكتساب والحاجة والانتفاع بالأكل والثمن واختلفوا فيمن اصطاده للهو ولكن بقصد التذكية والإباحة والانتفاع فكرهه مالك وأجازه الجمهور فإن فعله بغير نية التذكية وبدون انتفاع فهو حرام لأنه فساد في الأرض وإتلاف نفس عبثا وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيوان إلا لأكله ونهى أيضا عن الإكثار من الصيد فقد روى الترمذي "من سكن البادية فقد جفا ومن ابتع الصيد فقد غفل"

-[ويؤخذ من الحديث: ]-

1 -

إباحة الاصطياد بالمعراض

2 -

جواز أكل مصيده إذا أصيب بالحد

3 -

إباحة الصيد بالكلب

4 -

ذكر الكلب مطلقا يتناول أي لون كان ففيه حجة على أحمد حيث لا يجوزه بالكلب الأسود وإن كان معلما

5 -

مشروعية التسمية عند الصيد

6 -

جواز اقتناء الكلب المعلم للصيد.

ص: 105

28 -

عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: يا نبي الله إنا بأرض قوم من أهل الكتاب أفنأكل في آنيتهم وبأرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم وبكلبي المعلم فما يصلح لي قال "أما ما ذكرت من أهل الكتاب فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله فكل وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله فكل وما صدت بكلبك غير معلم فأدركت ذكاته فكل"

-[المعنى العام]-

سأل أبو ثعلبة الخشني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم الأكل في آنية الكفار

ص: 106

فأجابه صلى الله عليه وسلم بأن النظافة وراحة النفس تستدعي ترك الأكل فيها ما وجد غيرها فإن لم يوجد غيرها غسلت للاحتياط من النجاسة لأنهم لا يتحرزون منها وأكل فيها وسأله عن أكل صيد السهم الذي ينزع من القوس فأجابه بحل أكله إن ذكرت التسمية عند إرساله وسأله عن أكل صيد الكلب المعلم وغير المعلم فأجابه بحل صيد الكلب المعلم إن سمى مرسله وبعدم حل صيد غير المعلم إلا إن أدرك وفيه حياة مستقرة وذكي فإنه يحل أكله

-[المباحث العربية]-

(عن أبي ثعلبة الخشني) بضم الخاء وفتح الشين نسبة إلى خشين من قضاعه واسمه جرثوم أسلم قبيل خيبر وشهد بيعة الرضوان وتوجه إلى قومه بني خشين بأرض الشام فأسلموا

(إنا بأرض قوم) يريد نفسه وقبيلته والمراد بالأرض أرض الشام والجملة مقول القول

(أفنأكل في آنيتهم) الهمزة للاستفهام والفاء عاطفة على محذوف أيأتأذن لنا فنأكل في آنيتهم والآنية جمع إناء كأسقية وسقاء وجمع الجمع أواني

(وبأرض صيد) من باب إضافة الموصوف إلى صفته والتقدير بأرض ذات صيد فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه أو من إضافة المحل للحال فيه

(أصيد بقوسي) في الكلام مضاف محذوف والأصل أصيد بسهم قوسي والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب

(فما يصلح لي) ما اسم استفهام مبتدأ والمراد ما يصلح لي أكله من ذلك

(أما ما ذكرت) أما حرف تفصيل وما اسم موصول مبتدأ

ص: 107

والجملة بعده صلة والعائد مفعول "ذكرت" محذوف وجملة "فإن وجدتم" خبر الموصول

(من أهل الكتاب) في الكلام مضاف محذوف أي من آنية أهل الكتاب بدليل عود الضمير على الآنية في قوله "غيرها"

(وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله فكل) ما شرطية و"ذكرت" معطوف على ما صدت و"فكل" جواب الشرط

(وما صدت بكلبك غير معلم) بنصب غير على الحال وجرها على البدل

-[فقه الحديث]-

استفتى أبو ثعلبة رسول الله عن مسألتين الأولى الأكل في آنية أهل الكتاب الثانية الصيد بالقوس وبالكلب المعلم وغير المعلم

أما عن المسألة الأولى فقد أجاب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله "فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها وكلو فيها وهذا التفصيل يقتضي حرمة أو كراهة استعمالها إن وجد غيرها ولكن الفقهاء قالوا بجواز استعمالها بعد الغسل بلا كراهة سواء وجد غيرها أم لا والظاهر أن المراد النهي عنها بعد الغسل للاستقذار ولكونها معدة للنجاسة ومراد الفقهاء أواني الكفار التي ليست مستعملة في النجاسات غالبا واقتضى قوله "وإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها" التعارض مع ما علم من استصحاب الأصل لأن أصل الأواني الطهارة ولهذا قيل إن الظن المستفاد من الغالب راجح على الظن المستفاد من الأصل لكن الصحيح أن الحكم للأصل ويجاب عن هذا التعارض بجوابين أحدهما أن الأمر بالغسل للاحتياط لا لثبوت الكراهة وثانيهما أن المراد بالحديث حالة تحقيق نجاستها ويدل عليه قوله في رواية أبي داود "إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر " الحديث

ص: 108

وأما المسألة الثانية فإنه يستفاد من جواب الرسول صلى الله عليه وسلم (1) جواز الصيد بالقوس (2) واشتراط التسمية (3) وأن الكلب لا بد أن يكون معلما (4) وأن ما صيد بالكلب غير المعلم وأدرك ذكاته يذكى ويؤكل وإلا فلا يؤكل (5) وتعليق حل الأكل على صيد المعلم والتسمية فإذا انتفى هذا الوصف انتفى الحل على خلاف في التسمية مر توضيحه في الحديث السابق ويستفاد من الحديث أيضا جواز جمع المسائل وإيرادها دفعة واحدة ويجاب عنها مفصلة أما وأما.

29 -

عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه مر بنفر نصبوا دجاجة يرمونها فلما رأوه تفرقوا فقال ابن عمر: من فعل هذا إن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من فعل هذا وعنه رضي الله عنه في رواية أنه قال "لعن النبي صلى الله عليه وسلم من مثل بالحيوان"

-[المعنى العام]-

مر ابن عمر رضي الله عنهما على فتية مستهترين وقد نصبوا دجاجة هدفا لرميهم فلما رأوه من بعيد خافوا وفروا وتركوها فجاء إليها وحلها وقال لمن حوله لا ينبغي شرعا أن يفعل مثل هذا الفعل وازجروا فتيانكم

ص: 109

عن أن يصبروا هذا الطير للقتل إن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من فعل هذا وفي مناسبة أخرى قال ابن عمر لعن النبي صلى الله عليه وسلم من مثل بالحيوان فقطع أجزاءه وهو حي

-[المباحث العربية]-

(مر بنفر) النفر من ثلاثة إلى تسعة لا إلى العشرة كما في الرهط وروي "مر بفتية" جمع فتى

(نصبوا دجاجة يرمونها) أي جعلوها هدفا يتعلمون به الرمي وجملة "يرمونها" حال من الفاعل أو صفة لدجاجة

(من فعل هذا) الإشارة إلى نصبهم دجاجة للرمي والاستفهام إنكاري توبيخي أي لا ينبغي أن يفعل هذا

(إن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من فعل هذا) دليل الإنكار والتحريم لأن اللعن لا يكون إلا على محرم وفي رواية مسلم "لعن الله من اتخذ شيئا فيه روح غرضا" والغرض الهدف الذي يصوب إليه الرمي والجملة تعليل للإنكار

(من مثل بالحيوان) مثل بفتح الميم وتشديد الثاء أي قطع أطرافه أو أنفه أو أذنه أو جزءا من أجزاءه والاسم المثلة بضم الميم

-[فقه الحديث]-

هذان حديثان جمعهما الزبيدي باعتبار اتحاد الراوي وتلازم المعنى ويؤخذ منهما

1 -

أن الفتية كانوا يعلمون حرمة فعلهم وشناعة عملهم

2 -

شدة ابن عمر رضي الله عنهما وقوته في الحق ورهبة القوم منه

3 -

الرفق بالحيوان وعدم تعذيبه وعلى أولياء الأمور تقع مسئولية عبث الأطفال وتعذيبهم للطيور والعصافير

4 -

كراهة صبر الحيوان وحبسه حيا ليقتل وكذا تكتيفه مدة طويلة قبل

ص: 110

الذبح ووضع السكين أمام عينيه إلخ

5 -

أن التمثيل بالحيوان من الكبائر إذ ورد فيه العن.

30 -

عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة"

-[المعنى العام]-

يرغب الرسول في اصطفاء الجلساء فإن المرء على دين خليله والجليس الصالح نافع دائما وعلى فرض عدم الانتفاع منه فإنه لا يضر أما الجليس السيئ فهو ضار دائما وعلى فرض الحذر منه والحيطة من أذاه فإنه لا ينفع وقد شبه الرسول صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بحامل المسك فإنه إما أن تنفعه وتنتفع منه بالشراء وإما ألا تشتري ويهديك بعض طيبة فتنتفع وأما إن تزكو نفسك بمجالسته كمن يشم ريح بائع الطيب وشبه الجليس السيئ الأخلاق بالحداد نافخ الكير فإنه إما أن يشركك في شره فتحرقك ناره وإما أن يسيئ إلى سمعتك بأنك تصاحب الأشرار فلا تسلم من دخانه فرحم الله امرءا اصطفى من يخالل واختار من يجالس

ص: 111

-[المباحث العربية]-

(والسوء) أي الجليس السوء وفي اللسان ساءه يسوؤه سوءا بفتح السين وضمها فعل به ما يكره نقيض سره والاسم بضم السين

(كحامل المسك) الطيب المعروف ومصدره نوع من ذكور الغزلان يكون في الصين يصاد لأخذ المسك من سرته وله وقت معلوم من السنة يجتمع في سرته فإذا اجتمع ورم الموضع فمرض الغزال إلى أن يسقط منه ويقال إن أهل تلك البلاد يجعلون له أوتادا في البرية يحتك بها فتسقط أو تذبح بعد أن تشد السرة المدلاة بعصابة وقد اجتمع فيها الدم ثم تدفن في الشعر حتى يستحيل ذلك الدم المتخمر الجامد مسكا زكيا بعد أن كان نتنا لا يطاق

(ونافخ الكير) بكسر الكاف جراب من جلد ينفخ به الحداد النار

(يحذيك) كيعطيك وزنا ومعنى أي ينفحك منه بشيء على سبيل الهدية

(تبتاع) أي تشتري

(أن يحرق) بضم الياء من أحرق

تطبيق التمثيل إن الجليس الصالح إما أن يتبادل هو وجليسه ما يعود عليهما بخيري الدنيا والآخرة فهو المشار إليه بقوله "أن تبتاع منه" وإما أن يكون النصح والإرشاد من جانب الجليس الصالح فقط فهو يشبه اتحاف حامل المسلك لجليسه من مسكه وإما ألا يكون هذا ولا ذاك لكن ينتفع صاحب الجليس الصالح بحال جليسه ويقتفي أثره في صلاحه فتزكو في نفسه محبة الخير فهو يشبه من شم من حامل المسك ريحا طيبة أما الجليس السوء فهو إما أن يصيبك شره فهو المشار إليه بقوله "أن يحرق ثيابك" وإما أن تسلم من شره لكن لا تخلو نفسك من الضيق به والحرج منه ولا تسلم من الظنة بالسوء فتخسر ثقة الناس فهو المشار إليه بقوله "أن تجد منه ريحا خبيثة"

ص: 112

-[فقه الحديث]-

قال الكرماني وجه إيراد الحديث في كتاب الصيد كون المسك فضلة الظبي والظبي مما يصاد وقال النووي: أجمعوا على أن المسك طاهر يجوز استعماله في البدن والثوب ويجوز بيعه وقال بعض المالكية إن فأرة المسك إنما تؤخذ في حال الحياة أو بذكاة من لا تصح ذكاته من الكفرة وهي مع ذلك محكوم بطهارتها فهي دم يستحيل إلى مسك كما يستحيل إلى لحم فهي لا تنجس بالموت فشأنها شأن البيض ومن الأدلة على طهارته ما رواه أبو داود مرفوعا "أطيب طيبكم المسك" وما روي من تشبيه الرسول لدم الشهيد به وتشبيه الجليس الصالح بحامله في سياق التكريم والتعظيم فلو كان نجسا لكان من الخبائث ولما حسن التمثيل به في هذا المقام

-[ويؤخذ من الحديث: ]-

16 -

/ 1 - النهي عن مجالسة من تؤذي مجالسته في الدين أو الدنيا

2 -

الترغيب في مجالسة من تنفع مجالسته فيهما ويتبع ذلك تخير الرفقاء والأصحاب

3 -

فضل الصحابة رضي الله عنهم إذ كان جليسهم خير الجلساء محمدا صلوات الله وسلامة عليه حتى قيل ليس للصحابي فضيلة أفضل من الصحبة ولهذا سموا بالصحابة مع أنهم كانوا علماء شجعاء كرماء إلى غير ذلك من الفضائل

4 -

جواز بيع المسك والحكم بطهارته.

ص: 113