المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الطلاق ساق البخاري أحاديث في حقوق المرأة على الرجل وأتبعها - المنهل الحديث في شرح الحديث - جـ ٤

[موسى شاهين لاشين]

الفصل: ‌ ‌كتاب الطلاق ساق البخاري أحاديث في حقوق المرأة على الرجل وأتبعها

‌كتاب الطلاق

ساق البخاري أحاديث في حقوق المرأة على الرجل وأتبعها أحاديث أخرى في حقوق الرجل على المرأة ثم ضرب المثل الأعلى للزوجية الكاملة ثم ألحق بذلك الطلاق وهو لغة حل القيد وشرعا حل عقد النكاح بلفظ الطلاق ونحوه وفي مشروعية النكاح مصالح العباد الدينية والدنيوية وفي الطلاق إكمال لها إذ قد لا يوافقه النكاح فيطلب الخلاص عند تباين الأخلاق وفي جعله عددا حكمة لطيفة فقد خلق الإنسان من عجل كما خلق هلوعا فربما يتسرع حين يضيق صدره فيفصم عروة النكاح فإذا ما هدأ ندم فرحمة به وإشفاقا عليه شرعه سبحانه ثلاثا فإن وقع الثالث كان من الحكمة تأديبه وعلاج استهتاره ببعض القسوة بأن تنكح زوجا غيره قبل أن تعود إليه فتبارك الله أحكم المشرعين

18 -

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء"

-[المعنى العام]-

طلق ابن عمر امرأته وهي حائض بعد أن بينت الشريعة عدة المطلقة

ص: 71

بأنها ثلاثة قروء وشعر عمر بالإيذاء الذي يلحق المرأة من ذلك بطول عدتها فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم طلاق ابنه قال يا رسول الله إن ابني طلق امرأته وهي حائض فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وتغيظ ثم قال مر ابنك فليراجع امرأته ثم ليستمر على إمساكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء استمرار الإمساك أمسك بعد وإن شاء التطليق طلق قبل أن يمس في هذا الطهر فتلك الحالة من وقوع الطلاق في طهر لم تمس فيه هي التي أذن للرجال أن يطلقوا فيها النساء لتستقبل المرأة عدتها دون تطويل

-[المباحث العربية]-

(طلق امرأته) آمنة بنت غفار وقيل اسمها النوار ويمكن الجمع بأن اسمها آمنة ولقبها النوار

(وهي حائض) لم يؤنث لفظ حائض ليطابق المبتدأ لأن الصفة إذا كانت خاصة بالنساء فلا حاجة لتأنيثها والجملة في محل النصب على الحال

(على عهد رسول الله) أي في زمنه وأيامه والجار والمجرور متعلق بطلق قال العيني وأكثر الرواة لم يذكروا هذا لأن قوله "فسأل عمر رسول الله" يغني عنه

(عن ذلك) الإشارة إلى الطلاق بتقدير مضاف أي عن حكم الطلاق على هذه الصفة

(مره) الخطاب لعمر والضمير المنصوب لابنه أي مر ابنك وأصل "مر" أؤمر بهمزتين الأولى همزة الوصل مضمومة تبعا لثالث الفعل فإن وصل بما قبله سقطت نحو قوله تعالى {وأمر أهلك بالصلاة} والثانية فاء الكلمة فحذفوها تخفيفا ثم حذفت همزة الوصل استغناء عنها لتحرك ما بعدها

(ثم ليمسكها) بإعادة اللام وهي مكسورة على الأصل في لام

ص: 72

الأمر فرقا بينها وبين لام التوكيد وإسكانها بعد الفاء والواو أكثر من تحريكها وقد تسكن بعد ثم قال تعالى {ثم ليقضوا تفثهم} والمراد من الأمر بالإمساك الأمر باستمراره لأن المراجعة المأمور بها إمساك

(فتلك العدة) الإشارة إلى مدة الطهر والكلام على حذف مضاف أي زمن العدة

(التي أمر الله) الأمر هنا مجاز عن الإذن

(أن يطلق لها النساء) المصدر مجرور بحرف محذوف أي أذن الله في تطليق النساء مستقبلات لها

-[فقه الحديث]-

تتلخص نقاط الحديث فيما يأتي

1 -

أحوال الطلاق وأحكامه من حيث الحاجة إليه وعدمها ومن حيث زمن إيقاعه

2 -

آراء الفقهاء في أخذ الأمر من قوله "مره" وكونه للوجوب أو للندب مع أدلتهم

3 -

علة تأخير الطلاق في الحديث إلى الطهر الثاني وحكم ذلك

4 -

ما يؤخذ من الحديث

وإليك التفصيل

1 -

روى أبو داود وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم "أبغض الحلال عند الله الطلاق" لكنه يختلف حكمه باختلاف المقاصد والأغراض فقد يكون واجبا كطلاق المولى إذا انقضت مدة الإيلاء ولم يرجع وطالبت الزوجة بحقها وقد يكون مندوبا كطلاق سيئة الخلق سوءا لا يحتمل وقد يكون حراما كطلاق من ظلمها في القسم قبل أن يقضى لها وقد يكون مكروها كطلاق مستقيمة الحال وقد يكون مباحا كطلاق من

ص: 73

لا يهواها ولا تسمح نفسه بمئونتها من غير تمتع بها والطلاق من حيث زمن إيقاعه يكون حراما كطلاق في حيض أو في طهر جومعت فيه ويكون حسنا كالطلاق في طهر لم يجامعها فيه والحكمة في ذلك ما في تطليقها في الحيض من الإيذاء لها بتطويل عدتها لأنها لا تعتد بالحيضة التي طلقت فيها عند أحد حتى عند القائلين بأن القرء هو الحيض إذ الشرط عندهم أن تستقبل عدتها بحيضة كاملة وتعتد بالطهر الذي طلقت به عند القائلين بأن القرء هو الطهر وليس معنى تحريم الطلاق في الحيض عدم وقوعه وعدم الاعتداد به بل إنه يقع راجع أو لم يراجع فقد قال ابن عمر نفسه حسبت علي تطليقة قال ابن عبد البر ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال

2 -

ويتعلق بقوله صلى الله عليه وسلم "مره فليراجعها" مسألة أصولية هي أن الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر بذلك الشيء أو لا وقد كثر البحث فيها والراجح أن الخطاب إذا توجه لمكلف أن يأمر مكلفا آخر بفعل شيء كان المكلف الأول مبلغا محضا والثاني مأمور من قبل الشارع كما هنا ثم الأمر بالمراجعة للوجوب عند المالكية وبعض الحنفية فيجبر على مراجعتها ما بقي من العدة شيء وللندب عند الشافعية لقوله تعالى {فأمسكوهن بمعروف} وغيره من الآيات المقتضية للتخيير بين الإمساك بالمراجعة والفراق بتركها لأن الرجعة لاستدامة النكاح وهو غير واجد في الابتداء ففي الدوام أولى ومع استحباب الرجعة فتركها مكروه على الراجح لصحة الخبر فيه ولرفع الإيذاء ويسقط الاستحباب بدخول الطهر الثاني

والحديث يأمر بالرجعة والإمساك حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر مع أن تأخير الطلاق إلى الطهر الثاني ليس بشرط ولهذا قيل إن الغرض منه إبعاد أن يكون الرجعة لغرض الطلاق لو طلق في الطهر الأول حتى قيل إنه يندب الوطء فيه وإن كان الأصح خلافة وقيل إن الغرض التغليظ والعقوبة وعورض بأن تغليظه صلى الله عليه وسلم دون أن يعذره يقتضي أن ذلك من الظهور حيث لا يخفى على أحد فضلا عن ابن عمر وقد جاء في رواية

ص: 74

"مره فليراجعها ثم يطلقها طاهرا أو حاملا" وفي أخرى "حتى تطهر من الحيضة التي طلقها فيها ثم إن شاء أمسكها" وعليه فلا إشكال من الناحية الفقهية وإن ورد إشكال الجمع بين الروايات إلا أن يقال بعض الروايات لبيان الجواز وبعضها لبيان الأفضل

-[ويؤخذ من الحديث: ]-

1 -

الرفق بالمطلقة وتحذير مطلقها أن يجمع إلى مصيبة الطلاق مشقة التطويل عليها في العدة

2 -

تحريم الطلاق في الحيض أو طهر جامع فيه

3 -

طلب المراجعة ممن طلق للبدعة

4 -

إن الرجعة تصح بالقول ولا خلاف فيه

5 -

إن الرجعة يستقل بها الزوج دون الرجوع إلى الولي ورضا المرأة لأنه جعل ذلك إليه دون غيره وهو كقوله تعالى {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك}

6 -

وفيه إشارة إلى أن الطلاق لم يشرع إلا لدرء مفسدة أو جلب مصلحة

7 -

وفي قوله "فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء" مشيرا إلى قوله تعالى {فطلقوهن لعدتهن} دليل للشافعية والمالكية إذ قالوا إن المراد بالقرء المذكور في قوله تعالى {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} هو الطهر ذلك لأنه لما نهى عن الطلاق في الحيض وأذن بالطلاق في الطهر علم أن الإقراء التي أمرت المطلقة بتربصها هي الإطهار

8 -

وفيه الحث على المعاشرة بالمعروف لأنه إذا طلب المعروف عند الفراق كان طلبه عند المعاشرة أولى

9 -

وقيام الرجل عن ابنه ولو رشيدا بالسؤال عما يستحي أن يسأل الابن عنه إن لحقه عتاب في ذلك.

ص: 75

19 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتردين عليه حديقته قالت نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقبل الحديقة وطلقها تطليقة"

-[المعنى العام]-

أول خلع في الإسلام يحدث عنه ابن عباس بقوله جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله لا يجتمع رأسي ورأس ثابت أبدا لقد ضربني فكسر يدي ولا أعتب عليه ما فعل ولا أطعن في دينه ولكني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة من الرجال فإذا هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها وبي من الجمال ما ترى

ص: 76

وأخشى أن أقصر في حقه أو أندفع إلى ما شبه الكفر من النشوز وأنا راغبة في التمسك بتعاليم الإسلام وجاء ثابت بن قيس فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم إن زوجتك راغبة عنك قال يا رسول الله إني أعطيتها أفضل مالي حديقة لي فإن ردت علي حديقتي أجبتها فقال لها صلى الله عليه وسلم أتردين عليه حديقته إن هو طلقك قالت نعم وإن شاء الزيادة زدته قال صلى الله عليه وسلم أقبل الحديقة وطلقها تطليقة واحدة يكن خيرا لك ولها فقبل ثابت الحديقة وطلقها وفرق الرسول بينهما

-[المباحث العربية]-

(إن امرأة ثابت) أبهم البخاري اسمها في بعض الروايات وسماها في آخر الباب بجميلة بنت أبي بن سلول أخت عبد الله رأس النفاق وقبل بنته امرأة ثابت بن قيس وقيل اسمها زينب وجمع بعضهم بأن اسمها زينب ولقبها جميلة

(ما أعتب عليه في خلق) بضم التاء وكسرها من باب قتل وضرب وحقيقة العتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الوجدان وقيل اللوم في سخط وروي "ما أعيب" بالياء بدل التاء قال الحافظ ابن حجر وهي أليق بالمراد و"الخلق" بضمتين السجية والطبيعة

(ولكني أكره الكفر في الإسلام) قيل معناه لكني أكره لوازم الكفر من المعاداة والنفاق والخصومة ونحوها وقيل هو إشارة إلى أنها قد تحملها شدة كراهتها له على إظهار الكفر لينفسخ نكاحها منه وهي تعرف أن ذلك حرام لكنها خشيت أن يحملها شدة البغض على الوقوع فيه وقيل المراد بالكفر كفران العشير بتقصير المرأة في حق زوجها أو نحو ذلك مما يتوقع من الشابة الجميلة المبغضة لزوجها وقولها "في الإسلام" إشارة إلى علة كراهيتها الكفر المذكور وهذا الأخير أرجح الأقوال وأولاها بالقبول إذ الثاني مجرد احتمال عقلي والأول يرجع إلى الثالث في مضمونه

(وطلقها تطليقة) المصدر مفعول مطلق مبين للعدد

ص: 77

-[فقه الحديث]-

استدل بهذا الحديث على جواز الخلع وهو فراق زوج يصح طلاقه لزوجته بعوض وقد أجمع العلماء على جوازه ولا يتعارض مع قوله تعالى {وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا} لأنه مخصوص بحال عدم التراضي لقوله تعالى {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} وقوله سبحانه {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} وحكمة مشروعيته حاجة المرأة إلى التخلص عند تباين الأخلاق أو عند البغض وخوف التقصير في حق العشير أو نحو ذلك ولما لم يكن من السهل أن يجيبها زوجها إلى الطلاق بعد أن أدى إليها المهر وبذل فيها من النفقات ما بذل جاز بذلها عوضا له ليهون عليه إجابتها ولتسمح نفسه بطلاقها وظاهر قولها "ما أعتب عليه في خلق ولا دين" إنه لم يصنع بها شيئا يقتضي الشكوى لكن في رواية النسائي أنه كسر يدها ولهذا قيل في معناه إنه وإن كان سيئ الخلق وفعل بي كذا وكذا فإني لا أعتب عليه هذا بل أبغضه لشيء آخر هو دمامته والأمر في قوله صلى الله عليه وسلم لزوجها "أقبل الحديقة" للإرشاد والإصلاح لا للوجوب والأصح أن الخلع طلاق فينقص عدده وقيل فسخ فلا ينقص عدد الطلاق وثمرة هذا الخلاف فيما لو خالع الزوج مرارا فعلى القول بأنه فسخ ينعقد النكاح بينهما دون حاجة إلى أن تنكح زوجا غيره وعلى أنه طلاق لا بد أن تنكح زوجا غيره ويجوز الخلع في حالتي الشقاق والوفاق فذكر الخوف في قوله تعالى {إلا أن يخافا} جرى على الغالب

-[ويؤخذ من الحديث: ]-

1 -

جواز استفتاء المرأة من الرجال

2 -

إباحة شكواها من زوجها

3 -

التأدب في الشكوى وعدم الافتراء والطعن

4 -

مراعاة العشرة من الزوجة مهما أسيء إليها فإن هذه الشاكية لم تقصر في حق زوجها مع كراهتها له

ص: 78

5 -

جواز الأمر بغير الواجب للإرشاد والإصلاح

6 -

جواز الإرشاد بالخلع عند الشقاق

7 -

أن الخلع بلفظ الطلاق يقع طلقة بائنة مأخوذة من دليل آخر

8 -

أنه يحل للرجل ما أخذه من المرأة في الخلع برضاها

9 -

جواز سؤال المرأة زوجها الطلاق لسبب يقتضيه فإن لم يكن سبب حرم عليها.

20 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ولد لي غلام أسود فقال "هل لك من إبل" قال نعم قال "ما ألوانها" قال حمر قال "هل فيها من أورق" قال نعم قال "فأنى ذلك" قال لعله نزعه عرق قال "فلعل ابنك هذا نزعه"

-[المعنى العام]-

ارتاب أعرابي في زوجته وخشي أن يكون الولد الأسود الذي ولدته

ص: 79

ليس منه فأسرع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ولد لي غلام أسود وأنا وأمه ليس فينا سواد وإن قلبي يستنكره يا رسول الله ولما كان مثل هذا الموقف يحتاج إلى كثير من العناية والاهتمام والتبيين لدفع الشبهة التي قد تودي بالأسرة ظلما وعدوانا قال صلى الله عليه وسلم هل تملك إبلا قال نعم قال هل ولدت قال نعم قال ما لونها قال حمر قال ما في أولادها جمل أسمر قال نعم فيها جمل أسمر قال من أين جاء الجمل الأسمر وأبواه لا سمرة فيهما قال ربما أخذ هذا من أصل بعيد كالجد وجد الجد قال عليه الصلاة والسلام لعل ابنك هذا الأسمر أخذ اللون من جد بعيد فاقتنع الرجل ورجع إلى أهله راضيا مرضيا

-[المباحث العربية]-

(أن رجلا) وفي رواية "أن أعرابيا" واسمه ضمضم بن قتادة من بني فزارة

(هل لك من إبل) لك متعلق بمحذوف خبر مقدم و "من" زائدة وإبل مبتدأ مؤخر

(ما ألوانها) ما اسم استفهام خبر مقدم وألوانها مبتدأ مؤخر

(حمر) بضم الحاء وسكون الميم خبر مبتدأ محذوف أي ألوانها حمر

(هل فيها من أورق) خبر مقدم ومبتدأ مؤخر و"من" زائدة وأورق ممنوع من الصرف للوصفية ووزن الفعل وهو ما في لونه بياض إلى سواد قيل الذي فيه سواد ليس بحالك بأن يميل إلى الغير ومنه قيل للحمامة ورقاء

(فأنى ذلك) خبر ومبتدأ والفاء في جواب شرط مقدر أي إذا ثبت أن ألوان الآباء حمر فمن أين لون ذلك الابن الأورق والمراد الاستفهام عن السبب الذي نجم عنه هذا اللون لا عن المكان الذي أتى منه

ص: 80

(لعله نزعه عرق) أصل النزع الجذب والعرق في الأصل مأخوذ من عرق الشجر ومنه قولهم فلان عريق الأصالة والمعنى لعله قلبه وأخرجه من ألوان فحله ولقاحه أصل من أصوله الأولى وفي رواية "لعل نزعه عرق" بغير هاء وقد قيل في تأويلها إن اسم لعل ضمير الشأن محذوف ويحتمل أن الأصل بالهاء فسقطت

(فلعل ابنك هذا نزعه) بإضمار الفاعل وفي رواية "نزعه عرق" بإظهاره

-[فقه الحديث]-

يثير هذا الحديث مسألتين فقهيتين الأولى نفي الولد بناء على القرائن والثانية اعتبار القذف بالتعريض وعدم اعتباره أما نفي الولد فظاهر الحديث أن الزوج لا يجوز له نفي ولده بمجرد الظن والإمارات الضعيفة بل لا بد من التحقق كأن رآها تزني أو ظهور دليل قوي كأن لم يطأها أو أتت بولد لدون ستة أشهر من الوطء أو لأكثر من أربع سنين بل يلزمه نفي الولد لأن ترك نفيه يتضمن استلحاقه واستلحاق من ليس منه حرام كما يحرم نفي من هو منه لصحة الأحاديث بذلك ولا يكفي مجرد الشيوع فإن لم يكن له منها بولد فالأولى أن يستر عليها ويطلقها إن كرهها

قال القرطبي تبعا لابن رشد لا يحل نفي الولد باختلاف الألوان المتقاربة وقال صاحب الفتح عن الشافعية إن لم ينضم إلى الاختلاف في الألوان قرينة زنا لم يجز النفي فإن اتهمها برجل مخصوص فأتت بولد على لون ذلك الرجل جاز النفي على الصحيح وعند الحنابلة يجوز النفي مع القرينة مطلقا

وأما اعتبار القذف بالتعريض فقد ذهب إليه المالكية وأوجبوا به الحد إذا كان مفهوما وأجابوا عن الحديث بأن الرجل لم يرد قذفا بل جاء سائلا مستفتيا عن الحكم لما وقع له من الريبة فلما ضرب النبي له المثل أذعن واقتنع والجمهور على أن التعريض بالقذف لا يثبت به حكم القذف حتى

ص: 81

يقع التصريح وفرق بعضهم بين التعريض بالقذف مواجهة وبين التعريض على سبيل السؤال وفرق آخرون بين تعريض الزوج وتعريض غيره فعذروا الزوج بالنسبة إلى صيانة النسب

-[ويؤخذ من الحديث فوق ما سبق: ]-

1 -

جواز ضرب المثل وتشبيه المجهول بالمعلوم تقريبا لفهم السائل

2 -

وفيه دليل على صحة القياس والاعتبار بالنظير

3 -

وتقديم حكم الفراش على ما يشعر به مخالفة الشبه

4 -

والاحتياط للأنساب وإبقاؤها حيث أمكن

5 -

الزجر عن ظن السوء

6 -

وفيه إثبات أثر الوراثة في الفرع

7 -

وفيه إلزام السائل الحجة عن طريق المحاورة

ص: 82