المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول في تعريف السنة - المهذب في علم أصول الفقه المقارن - جـ ٢

[عبد الكريم النملة]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثالث في أدلة الأحكام الشرعية

- ‌المطلب الأول في تعريف الدليل

- ‌المطلب الثاني في هل الدليل شامل للقطعي والظني

- ‌الفصل الأول في الأدلة المتفق عليها إجمالاًَ

- ‌المبحث الأول في الدليل الأول من الأدلة المتفق عليها إجمالاً وهو: الكتاب

- ‌المطلب الأول في تعريف القرآن

- ‌المطلب الثاني في القراءة الشاذة " غير المتواترة

- ‌المطلب الثالث في وجود المجاز في القرآن

- ‌المطلب الرابع في هل يوجد في القرآن ألفاظ بغير العربية

- ‌المطلب الخامس في المحكم والمتشابه

- ‌المطلب السادس هل يوجد في القرآن مشترك لفظي

- ‌المطلب السابع في النسخ

- ‌المبحث الثاني في الدليل الثاني من الأدلة المتفق عليها إجمالاً وهو: السُّنَّة

- ‌المطلب الأول في تعريف السُّنَّة

- ‌المطلب الثاني في حجية السُّنَّة

- ‌المطلب الثالث في تعريف الخبر، وإطلاقاته، والفرق بينهوبين الإنشاء، وأقسامه

- ‌المطلب الرابع في خبر المتواتر

- ‌المطلب الخامس في خبر الواحد

- ‌المبحث الثالث في الدليل الثالث من الأدلة المتفق عليها إجمالاً وهو: الإجماع

- ‌المطلب الأول في تعريف الإجماع

- ‌المطلب الثاني في إمكان الإجماع

- ‌المطلب الثالث في العلم بالإجماع والاطلاع عليه

- ‌المطلب الرابع في حجية الإجماع

- ‌المطلب الخامس في شروط الإجماع

- ‌المطلب السادس في أقسام الإجماع

- ‌المطلب السابع في الإجماعات الخاصة

- ‌المبحث الرابع في الدليل الرابع - من الأدلة المتفق علها إجمالاًَ - وهو: القياس

الفصل: ‌المطلب الأول في تعريف السنة

‌المطلب الأول في تعريف السُّنَّة

ويشتمل على المسائل التالية:

المسألة الأولى: تعريف السُّنَّة لغة.

المسألة الثانية: تعريف السُّنَّة عند الأصوليين.

المسألة الثالثة: تعريف السُّنَّة عند غير الأصوليين.

المسألة الرابعة: بيان السبب في الاختلاف في تعريف السُّنَّة.

ص: 631

المسألة الأولى: تعريف السُّنَّة لغة:

السئُنَّة لغة: الطريقة مطلقا سواء كانت حسنة أو قبيحة وسيئة،

ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:

"من سن سُنَّة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة،

ومن سنَّ سُنَّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ".

هذا هو الراجح من أقوال أهل اللغة؛ لورودها كثيراً في ذلك.

وأما ما ذكره الأزهري من أن السُّنَّة تطلق على الطريقة المحمودة

المستقيمة بدليل قولهم: " فلان من أهل السُّنَّة " أي: من أهل

الطريقة المستقيمة المحمودة: فإن هذا لا يسلم له؛ لأن هذا تخصيص

وتقييد بدون مخصص أو مقيد، وأما قولهم: " فلان من أهل

- السُّنَّة"، فهو استعمال في عرف أهل الشريعة، وليس إطلاقا

لغويا، والمراد بالسُّنَّة في هذا القول هو: ما يقابل البدعة.

وتطلق السُّنَّة لغة على الشريعة، ومنه قوله تعالى:(سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ) أي: شريعة اللَّه قد اقتضت في الكفار أنه

لا ينفعهم الإيمان إذا رأوا العذاب كما ذكر القرطبي، وابن منظور.

وتطلق السُّنَّة لغة على الدوام، فتأتي بمعنى الدوام، ومنه

قولهم: " سننت الماء " إذا واليت في صبه، ويراد بذلك الأمر الذي

يداوم عليه، نقل ذلك عن الكسائي، وإلكيا الهراسي.

وتطلق السُّنَّة لغة على المثال المتبع، ومنه قول النابغة الذبياني:

أبوه قبله وأبو أبيه

بنو مجد الحياة على إمام

أي: على مثال، ذكر ذلك أبو جعفر الطبري.

ص: 633

وتطلق السُّنَّة لغة على الطبيعة، ومنه قول الأعشى:

كريم شمائله من بني

معاوية الأكرمين السُّنَن

أي: الأكرمين الطبائع.

***

المسألة الثانية: تعريف السُّنَّة عند الأصوليين:

السُّنَّة في الاصطلاح هي: ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم غير القرآن من قول، أو فعل، أو تقرير مما يخص الأحكام التشريعية.

شرح التعربف، وليان محترزاته:

قولنا: " ما " جنس شامل لما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم وما صدر عن غيره، وهو اسم موصول، تقدير الكلام:" الذي يصدر ".

قولنا: " صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم " جنس يدخل فيه: كل ما ألقاه النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه، وأظهره لهم سواء كان قرآنا أو سُنَّة، أو كان مما يخص الأحكام الشرعية أو لا.

وذكرنا هذه العبارة؛ لإخراج ما يلي:

أولاً: ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، فإن كل شيء صدر عنه قبلها لا يسمى سُنَّة؛ وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم حينها - ليس بنبي ولا رسول.

ثانيا: ما صدر عن الرسل والأنبياء الذين أتوا قبله.

ثالثا: ما صدر عن الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم.

قولنا: " غير القرآن " خرج به القرآن؛ لأنه كلام اللَّه - تعالى -

تلاه النبي صلى الله عليه وسلم على جماعة تقوم الحُجَّة بقولهم.

ويدخل بهذه العبارة: الحديث القدسي فإنه - مع كونه قد أنزل

ص: 634

لفظِه - ليس بمعجز، ولا متعبد بتلاوته فليس بقرآن، وإنما هو

سُنَّة.

وبعض الأصوليين عئر بقوله: " غير الوحى " بدلاً عن عبارة:

"غير القرآن "، وهذا فيه تساهل؛ حيث إن السُّنَّة وحي باطني لكنها

لا تتلى ولا يتعبد بتلاوتها.

قولنا: " من قول ": بيان لقولنا: " ما صدر "، والمراد: ما

تلفظ به صلى الله عليه وسلم مما يتعلق بتشريع الأحكام،

وأكثر السُّنَّة هي أقوال كقوله: " لا وصية لوارث "،

وقوله: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور

".

والقول يشمل الكتابة مثل أمره صلى الله عليه وسلم عليًّا رضي الله عنه بالكتابة يوم الحديبية.

قولنا: " أو فعل " الفعل هو: ما يفعل بالجوارح، والمراد: ما

فعله النبي صلى الله عليه وسلم مما يتعلق بتشريع الأحكام كحجه عليه السلام، وصلاته، ورفع يديه عند افتتاح الصلاة، ونحو ذلك.

والفعل تدخل فيه الإشارة كإشارته بأن الشهر يكون هكذا وهكذا.

ويدخل فيه - أيضاً - الهئمُ؛ حيث إن الهم من أفعال القلوب،

فلا يهمُّ صلى الله عليه وسلم على فعل شيء إلا وهو مشروع؛ لأنه مبعوث لبيان الشرعيات، كهمِّه عليه السلام في جعل أسفل الرداء أعلاه في

الاستسقاء، فثقل عليه فتركه.

ويدخل في الفعل - أيضاً - جميع أفعاله القلبية كالاعتقادات

والإرادات، فهذه وإن كانت ليست أفعالاً حقيقية، لكنها قد تعد

أفعالاً، لاتصالها بالأفعال.

ص: 635

قولنا: " أو تقرير " المراد منه: أن يفعل أو يقال شيء بحضرته

صلى الله عليه وسلم أو بغيبته، وعلم به - من غير كافر - وأقره عليه وسكت عن إنكاره، كقول أنس رضي الله عنه: " كنا نصلي على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب، فقيل له: أكان رسول اللَّه يراكم؛ قال: نعم رآنا، فلم يأمرنا ولم ينهنا.

بعض الأصوليين لم يذكر قيد " أو تقرير "؛ لأنه يدخل في

الفعل؛ حيث إن التقرير كف عن الإنكار، والكف فعل.

وهذا فيه نظر؛ لأن التقرير يشمل الفعل والقول كما سبق في

تعريفه.

***

المسألة الثالثة: المراد بالسُّنَّة عند غير الأصوليين:

تطلق السُّنَّة في الاصطلاح الشرعي على معان أخرى غير إطلاق

الأصوليين.

فتطلق السنَّة عند المحدثين على: ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خُلقية، أو صفة خَلقية، أو سيرة.

فلم يقصر المحدثون السنَّة على إفادة الحكم الشرعي، بل توسعوا

في الإطلاق، بخلاف الأصوليين، فإنهم قصروها على ما يفيد

حكما شرعيا - فقط -.

وتطلق السُنَّة عند الفقهاء على ما يقابل الواجب، فالسُنَّة عندهم

هي: كل ما يتقرب به إلى اللَّه - تعالى - من العبادات مما يثاب على

فعله ولا يعاقب على تركه، فيشمل ذلك: النافلة، والمندوب،

والتطوع، والمستحب، والطاعة، والقربة، والإحسان، والمرغب

فيه، والفضيلة.

ص: 636

وتطلق السُّنَّة عند أهل الكلام على ما يقابل البدعة يقال: " فلان

من أهل السُّنَّة " إذا كان عمله على وفق ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويقال: " فلان على بدعة "

إذا عمل على خلاف ذلك.

وتطلق السُّنَّة على ما عمل عليه الصحابة رضي الله عنهم

سواء وجد ذلك في الكتاب، أو السُّنَّة، أو كان اجتهاداً منهم بدليل

قوله صلى الله عليه وسلم:

"عليكم بسنتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ".

ومنه قول علي رضي الله عنه: " جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين وكل سنة ".

***

المسألة الرابعة: بيان السبب في الاختلاف في تعريف السُّنَّة:

إن سبب هذا الاختلاف فيما تطلق عليه السُّنَّة يرجع إلى الغرض

الذي يعتني به كل فريق.

فغرض الأصوليين هو: إثبات وبيان أدلة الأحكام إجمالاً،

فنظروا إلى السُّنَّة من هذا المنطلق، فاعتنوا بالأقوال، والأفعال،

والتقريرات التي تكون أدلة إجمالية للأحكام الفقهية.

وغرض المحدثين هو: نقل كل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، سواء كان مما يخص الأحكام أو لا، وبيان أنه صلى الله عليه وسلم هو الهادي والأسوة للأُمَّة؛ لذلك تجدهم نقلوا كل ما يتصل به صلى الله عليه وسلم من سيرة، وخلق، وأخبار، وأقوال، وأفعال، ونحو ذلك.

وغرض الفقهاء هو: إثبات أدلة الأحكام تفصيلاً، لذلك تجدهم

اهتموا بدلالة أقواله وأفعاله، وتقريراته على الأحكام الجزئية الخاصة

بالمكلَّف من ندب، ووجوب، وتحريم، وإباحة، ونحو ذلك.

ص: 637