الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث في تعريف الخبر، وإطلاقاته، والفرق بينه
وبين الإنشاء، وأقسامه
ويشتمل على مسائل:
المسألة الأولى: تعريف الخبر لغة واصطلاحا.
المسألة الثانية: بيان السبب في عدم تعريف بعض العلماء للخبر.
المسألة الثالثة: في إطلاقات الخبر.
المسألة الرابعة: الفرق بين الخبر والإنشاء.
المسألة الخامسة: أقسام الخبر.
المسألة الأولى: تعريف الخبر لغة واصطلاحاً:
أولاً: الخبر لغة مشتق من الخبار - بفتح الخاء والباء - وهي:
الأرض الرخوة، والعلاقة بين ذلك، وبين الخبر: أن الخبر يثير
الفائدة، كما أن الأرض الخبار تثير الغبار إذا قرعها الغبار.
ثانياً: الخبر اصطلاحا هو: القول الذي يتطرق إليه التصديق، أو
التكذيب.
شرح التعريف:
قلنا: " القول " مع أنه قد يستعمل في غير القول؛ لأن القول
هو الأكثر في الاستعمال، ويتطرق إلى غير القول التصديق أو
التكذيب، لكنه مجازاً كالإيماء والإشارة، كأن تسأل بعض الطلاب
وتقول: هل نجحت؛ فيشير بيده، أو يومى برأسه، ويفهمنا أن
"لا" أو "نعم".
قولنا: " يتطرق إليه " أي: يحتمل، فهو: يحتمل دخول
التصديق والتكذيب.
قولنا: " التصديق أو التكذيب " أخرج الإنشاء؛ لأنه لا يحتمل
صدقا ولا كذبا كالأوامر والنواهي.
والتصديق مأخوذ من الصدق وهو: الإخبار بالشيء على ما هو
والتكذيب مأخوذ من الكذب وهو: الإخبار بالشيء على خلاف
ما هو به.
وعبرنا بقولنا: " التصديق أو التكذيب " بخلاف ما عبر به بعضهم
وهو: " التصديق والتكذيب "؛ لأن الخبر الواحد لا يدخله التصديق
والتكذيب معاً، بل إما أن يكون الخبر صدقا، أو كذباً.
ومعروف أن كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لا يدخله الكذب أصلاً، والخبر عن المحالات لا يدخله الصدق أصلاً، كأن يقول القائل:
"الاثنين أكثر من الأربعة "، فهذا كذب ظاهر.
***
المسألة الثانية: بيان السبب في عدم تعريف بعض العلماء للخبر:
مذهب الجمهور أن الخبر يُحَدُّ ويعرف كغيره، وهو الذي نذهب
إليه، وقد سبق - تعريفنا له.
أما بعض العلماء فقد ذهبوا إلى أن الخبر لا يُحَدُّ ولا يُعَرَّف،
كالوجود والعدم، واختلف أصحاب هذا المذهب في السبب الذي
جعلهم يقولون بعدم تحديده:
فمنهم من زعم بأنه لا يُحد ولا يُعرَّف الخبر بسبب عسره، وأنه لا
يسلم من توجيه الاعتراضات والإشكالات عليه، كما قيل في العلم.
ومنهم من زعم أن الخبر لا يُحدُّ بسبب أنه غني عن التحديد،
فكل أحد يعلم بالضرورة الموضع الذي يحسن فيه الخبر، ويُميزه عن
الموضع الذي يحسن فيه الأمر والنهي، فهذا متصوَّر بديهيا، وهو ما
ذهب إليه فخر الدين الرازي وبعض أتباعه.
والحق أن الخبر يحد كغيره من المصطلحات، وما قاله المخالفون
فلا يسلم؛ لعدم الدليل عليه.
المسألة الثالثة: في إطلاقات الخبر:
يطلق الخبر في اصطلاح العلماء على إطلاقات:
الإطلاق الأول: يطلق على المحتمل للتصديق والتكذيب المقابل
للإنشاء، وهو اصطلاح الأصوليين وأهل اللغة كما سبق.
الإطلاق الثاني: يطلق على ما هو أعم من الإنشاء والطلب،
وهذا إطلاق المحدثين كقولهم: " أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم " مع أن هذه الأخبار مشتملة على الأوامر والنواهي.
وسبب هذا الإطلاق: أن حاصل الأوامر والنواهي آيل إلى الخبر،
فالمأمور به والمنهي عنه في حكم المخبر عنهما؛ وذلك لأن الرسول
صلى الله عليه وسلم ليس آمراً ولا ناهياً على سبيل الاستقلال،
وإنما الآمر والناهي حقاً هو اللَّه عز وجل، وصيغ الأمر منه صلى الله عليه وسلم في حكم الإخبار عن اللَّه.
الإطلاق الثالث: يطلق الخبر على ما يقابل المبتدأ، وهذا إطلاق
النحاة.
الإطلاق الرابع: يطلق الخبر على القضية، وهو إطلاق أهل
المنطق، وسميت بذلك لما فيها من القضاء بشيء على شيء.
***
المسألة الرابعة: الفرق بين الخبر والإنشاء:
لقد سبق بيان حقيقة الخبر.
أما الإنشاء فهو: القول الذي يوجد به مدلوله في نفس الأمر،
وهو متعلق بمعدوم مستقبل.
وسمي بذلك؛ لأنك أنشأته وابتكرته من غير أن يكون موجوداَ
قبل ذلك في الخارج.
وهو يكون بالأمر والنهي، والدعاء، والترجي، والتمني،
والشرط والجزاء، والوعد والوعيد، والإباحة، والتحضيض.
فإذا عرفت الخبر والإنشاء، فقد بانت لك الفروق بينهما والتي من
أهمها:
الفرق الأول: أن الخبر يحتمل للتصديق والتكذيب، أما الإنشاء،
فهو لا يحتمل ذلك.
الفرق الثاني: أن الإنشاء سبب لمدلوله، أما الخبر فليس سببا
لمدلوله.
الفرق الثالث: أن الإنشاء يتبعه مدلوله، أما الخبر فهو تابع
للمخبر عنه في أي زمان كان.
***
المسألة الخامسة: أقسام الخبر من حيث سنده:
الخبر من حيث سنده ينقسم إلى قسمين:
الفسم الأول: الخبر المتواتر.
القسم الثاني: الخبر الآحاد.
فالمتواتر مأخوذ من التواتر وهو لغة: تعاقب أشياء واحداً بعد
واحد بينهما مهلة، ومنه قوله تعالى:(ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا)
أى: رسولا بعد رسول بمهلة، والمهلة: الفترة التي توجد بينهما.
والمتواتر في اصطلاح الاصوليين هو: خبر عدد يمتنع معه لكثرته
التواطؤ على الكذب.
شرح التعريف:
قولنا: " خبر " جنس يشمل المتواتر والآحاد.
قولنا: " عدد يمتنع معه لكثرته التواطؤ على الكذب " معناه: أن
المتواتر: خبر عدد من المخبرين يمتنع تواطؤهم وتوافقهم على
الكذب؛ نظراً لكثرة هؤلاء المخبرين.
وهذه العبارة أخرجت خبر الآحاد؛ لأنه لا يمتنع التواطؤ على
الكذب؛ لأن احتماله قوي.
أما الآحاد فهو جمع أحد، قياسا على " أبطال " جمع بطل،
وهمزة أحد أصلها واو، حيث كانت:" واحد "، فأبدلت بهمزة
فصارت " أحد " أي: واحد، ويطلق عليه خبر الواحد.
وهو في الاصطلاح: ما كان من الأخبار غير منتهٍ إلى حدِّ التواتر.
أو تقول: هو خبر واحد، أو عدد لا يمتنع معه التواطؤ على
الكذب.
أما قول بعض العلماء في تعريفه: إن خبر الواحد هو: ما أفاد
الظن فهو غير صحيح؛ لأنه غير مانع من دخول غيره، فالقياس
يدخل فيه، حيث إنه يفيد الظن، وليس هو خبر الواحد، وغير
منعكس؛ حيث إن الواحد إذا أخبر بخبر، ولم يفد الظن، فإنه
يُسمَّى خبر واحد وإن لم يفد الظن.
ونظراً لأهمية هذين القسمين وهما: المتواتر والآحاد، حيث إن
دراسة السُّنَّة تدور حولهما، فقد اهتم بهما العلماء من أصوليين،
وفقهاء ومحدثين اهتماماً بليغاً، مما ستجده في المطالب التالية.