الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني في حجية السُّنَّة
السُّنَّة حُجَّة يجب قبولها والعمل بها، كما يجب قبول القرآن
والعمل به.
ودلَّ على ذلك أدلة كثيرة منها:
الدليل الأول: الآيات الدالة على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، كقوله تعالى:(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ،
وقوله:
(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) ، ونحو ذلك، فإن اللَّه تعالى في
تلك الآيات قد أمر بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم
والأمر إذا تجرد عن القرائن يقتضي الوجوب، فيلزم من ذلك قبول كل ما يأتي به، فتكون السُّنَّة حُجَّة.
الدليل الثاني: قوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فقد أخبرنا اللَّه تعالى - هنا - أن كل ما ينطق به
هذا الرسول ليس من عند نفسه، بل هو وحي يوحى إليه، فالسُّنَة
وحي كالقرآن، ولا فرق سوى أن القرآن يتعبد بتلاوته، ومعجز في
ألفاظه.
الدليل الثالث: قوله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ، فحذرَ اللَّه تعالى من
مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلزم من ذلك: وجوب موافقة الرسول صلى الله عليه وسلم -
ومتابعته في كل ما يصدر عنه؛ لأن المخالفة حرام، وترك الحرام
واجب، فترك المخالفة واجب، فيكون اتباع الرسول واجبا.
الدليل الرابع: الآيات الدالة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم مبين للقرآن وشارح له شرحاً وبيانا معتبراً عند اللَّه، كقوله تعالى:(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) ،
وقوله: (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) .
الدليل الخامس: الآيات الدالة على وجوب الإيمان به صلى الله عليه وسلم، كقوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) ،
وقوله: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا) ،
والإيمان هو: التصديق برسالته وبجميع ما جاء به، وأن عدم اتباعه والعمل بما صدر عنه والرضا بحكمه يتنافى مع حقيقة الإيمان.
الدليل السادس: الآيات الدالة على وجوب اتباعه في جميع ما
صدر عنه، والدالة على أن اتباعه لازم لمحبة اللَّه تعالى،
كقوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) ،
وعلامة حبهم له: اتباعهم لسُنّته صلى الله عليه وسلم.
الدليل السابع: أن ورود القرآن على وفق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم منزل منزلة قول اللَّه تعالى له:
" لقد صدقت فيما أخبرت به عني ".
الدليل الثامن: الإجماع؛ حيث أجمع المسلمون منذ بعثة النبي
صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذأ على أن كل ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال وتقريرات حُجَّة يجب العمل به.
الدليل التاسع: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
معصوم من تعمُّد ما يخل بالتبليغ إجماعاً، ومعصوم من المعاصي التي تخل بالتبليغ، ثبت
ذلك بالقرآن؛ إذ لو لم يكن معصوما لما أمر اللَّه تعالى بطاعته في
كل ما يأتي به، وحذَّر من مخالفته.
وذلك يستلزم أن كل خبر يأتي به صادق مطابق لما عند اللَّه تعالى
إجماعاً، فيجب التمسك به والعمل به.
فإن قلت: ما معنى: " معصوم "؟
قلت: المعصوم مأخوذ من العصمة، والعصمة لغة: المنع
والحفظ والوقاية، يقال:" هذا طعام يعصم " أي: يمنع من الجوع.
والعصمة في الاصطلاح: سلب قدرة المعصوم على المعصية، فلا
يمكنه فعلها؛ لأن اللَّه سلب قدرته عليها.
الدليل العاشر: الضرورة اقتضت أن تكون السُّنَّة حُجَّة، وذلك
لأنه لا يمكن - بأي حال - العمل بالقرآن وحده؛ حيث إن القرآن
يشتمل على المبهم والمشكل والمجمل، فلا يمكن أن نعرف المراد من
ذلك إلا عن طريق السُنَّة - فمثلاً قوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ)، أو قوله:(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)، وقوله:(وَآتُوا الزَّكَاةَ) ،
وقوله: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) ، وغيرها
من الآيات، فلا يمكن أن تعرف كيفية الحج، وكيفية الصلاة،
وكيفية الزكاة، إلا عن طريق السُّنَّة ا، فلو لم تكن السُّنَّة حُجَّة
لتعطلت أكثر الأحكام الشرعية، وهذا لا يمكن.