المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الرابع في هل يوجد في القرآن ألفاظ بغير العربية - المهذب في علم أصول الفقه المقارن - جـ ٢

[عبد الكريم النملة]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثالث في أدلة الأحكام الشرعية

- ‌المطلب الأول في تعريف الدليل

- ‌المطلب الثاني في هل الدليل شامل للقطعي والظني

- ‌الفصل الأول في الأدلة المتفق عليها إجمالاًَ

- ‌المبحث الأول في الدليل الأول من الأدلة المتفق عليها إجمالاً وهو: الكتاب

- ‌المطلب الأول في تعريف القرآن

- ‌المطلب الثاني في القراءة الشاذة " غير المتواترة

- ‌المطلب الثالث في وجود المجاز في القرآن

- ‌المطلب الرابع في هل يوجد في القرآن ألفاظ بغير العربية

- ‌المطلب الخامس في المحكم والمتشابه

- ‌المطلب السادس هل يوجد في القرآن مشترك لفظي

- ‌المطلب السابع في النسخ

- ‌المبحث الثاني في الدليل الثاني من الأدلة المتفق عليها إجمالاً وهو: السُّنَّة

- ‌المطلب الأول في تعريف السُّنَّة

- ‌المطلب الثاني في حجية السُّنَّة

- ‌المطلب الثالث في تعريف الخبر، وإطلاقاته، والفرق بينهوبين الإنشاء، وأقسامه

- ‌المطلب الرابع في خبر المتواتر

- ‌المطلب الخامس في خبر الواحد

- ‌المبحث الثالث في الدليل الثالث من الأدلة المتفق عليها إجمالاً وهو: الإجماع

- ‌المطلب الأول في تعريف الإجماع

- ‌المطلب الثاني في إمكان الإجماع

- ‌المطلب الثالث في العلم بالإجماع والاطلاع عليه

- ‌المطلب الرابع في حجية الإجماع

- ‌المطلب الخامس في شروط الإجماع

- ‌المطلب السادس في أقسام الإجماع

- ‌المطلب السابع في الإجماعات الخاصة

- ‌المبحث الرابع في الدليل الرابع - من الأدلة المتفق علها إجمالاًَ - وهو: القياس

الفصل: ‌المطلب الرابع في هل يوجد في القرآن ألفاظ بغير العربية

‌المطلب الرابع في هل يوجد في القرآن ألفاظ بغير العربية

؟

اتفق العلماء على وجود أسماء غير عربية في القرآن مثل:

"إسرائيل "، و " جبريل "، و " عمران "، و " إبراهيم "، و " لوط "،

و"نوح ".

واتفق العلماء على أن الكلام المركب على أساليب غير العرب لا

يوجد في القرآن.

ولكنهم اختلفوا في الألفاظ بغير العربية هل توجد في القرآن؟

اختلف في ذلك على مذهبين:

المذهب الأول: أنه لا يوجد في القرآن لفظ بغير العربية.

ذهب إلى ذلك: أبو بكر الباقلاني، وابن جرير الطبري، وأبو

عبيدة - معمر بن المثنى -، والباجي، وأبو يعلى، وأبو الخطاب،

ونسب إلى عامة الفقهاء والمتكلمين.

أدلة هذا المذهب:

الدليل الأول: أن اللَّه تعالى وصف القرآن بأنه عربي محض في

آيات كثيرة، منها قوله تعالى:(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا)، وقوله:

(وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا)، وقوله:(بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) .

ص: 497

وقوله: (قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) ، فلو كان فيه بعض

ألفاظ بغير العربية لما وصفه بأنه عربي.

الدليل الثاني: قوله تعالى: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ) .

وجه الدلالة: أن اللَّه صرح بأنه لا يوجد في القرآن لفظ بغير

العربية، فمعنى الآية: إنا جعلنا القرآن كله عربيا، لأنا لو جعلناه

أعجميا لقامت حُجَّة الكفار علينا، وقالوا: كيف يأتي قرآن

أعجمي، ونبي عربي؟! ولذلك أنزلناه عربيا محضا، لنقطع عليهم

قولهم هذا، فثبت أنه عربي محض لتقوم الحُجَّة به، ولئلا يتجه

لهم إنكاره.

الدليل الثالث: أن اللَّه تعالى أنزل هذا القرآن لبيان الأحكام

الشرعية.

ولبيان إعجازه لهم في أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور، أو بسورة

واحدة، قال تعالى:(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِ)، وقال:(قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ)، وقال:(قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) ، فقد تحداهم

بذلك وبأقل من ذلك، ويمتنع أن يتحداهم بما ليس من لسانهم ولا

يتقنونه؛ لأن هذا تكليف ما لا يطاق، كما لا يمكن أن يقال

لعجمي: " هات مثل المعلقات السبع "، أو مثل واحدة منها، أو

نحو ذلك.

كذلك هنا: لا يمكن أن يتحداهم إذا كان بألفاظ ليست عربية،

حيث إنه يمكن لأي واحد منهم أن يقول: " ليس هذا بلغة لنا،

وعجزنا عن الإتيان بمثله لا يدل على إعجازك وصدق نبوتك ".

ص: 498

فثبت بهذا: أن القرآن عربي محض لا يوجد فيه ألفاظ بغير

العربية، لأنه لو لم يكن كذلك لما صح هذا التحدي.

المذهب الثاني: أن القرآن فيه ألفاظ بغير العربية.

ذهب إلى ذلك ابن عباس وعكرمة رضي الله عنهم،

ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعطاء، وهو اختيار ابن الحاجب،

وابن عبد الشكور.

دليل هذا المذهب:

استدل هؤلاء بالوقوع، حيث قالوا: إنه ثبت بعد التتبع للقرآن

وجود بعض الألفاظ فيه بغير العربية مثل: (ناشئة الليل) ،

حبشية، و (مشكاة) هندية، و (إستبرق) فارسية، روي ذلك

عن بعض الصحابة كابن عباس وعكرمة.

جوابه:

نجيب عن ذلك بجوابين:

الجواب الأول: أنا لا نُسَلِّمُ أن كل ما ذكرتموه قد جاء بلغة أعجمية

بل بلغة عربية.

فلا نسلم أن (ناشئة الليل) حبشية، بل هي عربية، حيث إن

المراد: ساعات. الليل الناشئة، فاكتفى بالوصف عن الاسم،

فالتأنيث للفظ ساعة؛ لأن كل ساعة تحدث، وقيل: إن ناشئة الليل

هي: قيام الليل، قال ابن مسعود: الحبشة يقولون: نشأ أي:

قام، فلعله أراد أن الكلمة عربية، ولكنها شائعة في كلام الحبشة

غالبة عليهم.

ولا نسلم - أيضاً - أن (المشكاة) هندية، بل هي عربية،

ص: 499

حيث إن معناها: الكوة، وهي من كلام العرب، يدل على ذلك

أن الأنصاري وهو هندي أنكر كون المشكاة هندية، فقال في " فواتح

الرحموت ": " ثم كون المشكاة هندية غير ظاهر، فإن البراهمة

العارفين بأنحاء الهند لا يعرفونه ".

الجواب الثاني: أن تلك الألفاظ جاءت بلغة العرب، ووافق

وجود مثلها في كلام العجم، كما توافق اللسانان في كثير من

الألفاظ، فمثلاً تقول العرب:" سراج " وهو بالفارسية: " جراع "

وتقول العرب: " سماء "، وهو في العبرانية:" شما "، وتقول:

" سروال " وهو بالفارسية: " شروال "، وهكذا.

بيان القول الحق:

القول الحق عندي هو ما قاله أبو عبيد - القاسم بن سلام

البغدادي - كما ورد في " الصاحبي "، و " معترك الأقران "،

و"الإتقان في علوم القرآن "، و " المزهر " - وهو:

إن هذه الألفاظ التي ذكرها أصحاب المذهب الثاني أصولها أعجمية، لكن العرب استعملتها، فعربت بألسنتها، وحولتها عن ألفاظ العجم إلى

ألفاظها فهي عربية بهذا الوجه.

والسبب في ذلك: أن العرب العاربة التي نزل القرآن بلسانها

يقومون بتجارات إلى البلدان العجمية التي حولهم كرحلتي الصيف

والشتاء الخاصة بقريش ونحوها، فأخذ العرب من العجم بعض

ألفاظهم، وغيرت بعضها بالنقص من حروفها، وجرت إلى تخفيف

ثقل العجمة، واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها حتى جرت

مجرى اللغة العربية، ووقع بها البيان، وعلى هذا الحد نزل بها

القرآن.

ص: 500

بيان نوع الخلاف:

الخلاف في هذه المسألة لفظي؛ لأن كل فريق نظر إلى اعتبار.

فأصحاب المذهب الأول - وهم القائلون: لا يوجد في القرآن

لفظ بغير العربية - نظروا إلى ما يستعمله العرب من الألفاظ المشتهر

بينهم، سواء كانت ألفاظاً عربية محضة، أو كانت ألفاظاً معربة

بالاستعمال.

أما أصحاب المذهب الثاني - وهم القائلون: يوجد في القرآن

ألفاظ بغير العربية - فإنهم نظروا إلى أصول الألفاظ المعربة

بالاستعمال.

وأيضاً لاتفاق أصحاب المذهبين على استواء أخذ الأحكام من

ألفاظ القرآن الكريم، سواء كانت ألفاظاً عربية ابتداء، أو كانت

ألفاظا معربة بالاستعمال.

ص: 501