الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«أن تضلّوا» : أن، فى موضع نصب ب «يبين» معناه: يبين الله لكم الضلال لتجتنبوه.
وقيل: «لا» ، مقدرة محذوفة من الكلام تقديره. يبين الله لكم لا أن تضلوا.
وقيل: معناه: كراهة أن تضلوا، فهى مفعول من أجله.
-
5- سورة المائدة
1-
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ «إلا ما يتلى عليكم» : ما، فى موضع نصب على الاستثناء من «بهيمة» .
«غير محلّى الصّيد» : نصب على الحال من المضمر فى «أوفوا» .
«وأنتم حرم» : ابتداء وخبر، فى موضع نصب على الحال، من المضمر فى «محلين» ، ونون «محلين» سقطت لإضافته إلى «الصيد» .
2-
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ «يبتغون» : فى موضع النصب، ل «آمين» .
«أن صدّوكم» : من كسر «إن» ، فمعناه: إن وقع صد لكم، فلا يكسبنكم بعض من صدكم أن تعتدوا، فالصد منتظر ودل على ذلك أن فى حرف ابن مسعود:«أن يصدوكم» فالمعنى: إن وقع صد مثل الذي فعل بكم أولا فلا تعتدوا.
ومن قرأ بالفتح، ف «أن» فى موضع نصب، مفعول من أجله، وعليه أتى التفسير لأن الصد قد كان وقع قبل نزول الآية لأن الآية نزلت عام الفتح سنة ثمان، وصد المشركون المسلمين عن البيت الحرام عام الحديبية سنة ست.
فالفتح، لأنه علته، بدليل التفسير والتاريخ، والكسر يدل على أمر لم يقع، والفتح يدل على أمر قد كان وانقضى.
ونظير ذلك لو قال رجل لامرأته، وقد دخلت داره: أنت طالق إن دخلت الدار، فكسر «إن» ، لم تطلق عليه بدخولها الأول لأنه أمر منتظر ولو فتح، لطلقت عليه، لأنه أمر قد كان، وفتح، «أن» ، إنما هو علة لما كان، وكسرها إنما يدل على أمر منتظر قد يكون أو لا يكون فالوجهان حسنان على معنييهما.
«أن تعتدوا» : أن، فى موضع نصب ب «يجرمنكم» و «شنآن» مصدر، وهو الفاعل ل «يجرمنكم» والنهى واقع فى اللفظ على «الشنآن» ، ويعنى به المخاطبين، كما تقول: لأرينك هاهنا فالنهى فى اللفظ على المتكلم والمراد به المخاطب، ومثله (فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) 2: 132، ومثله:(لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي) 11: 89 ومن أسكن نون «شنآن» جعله اسما.
3-
…
فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «فمن اضطرّ» : من، ابتداء، وهى شرط، والجواب:«فإن الله غفور رحيم» ، وهو الخبر، ومعه ضمير محذوف تقديره: فإن الله غفور رحيم له.
4-
يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ
…
«ماذا أحلّ لهم» : «ما» و «ذا» ، اسم فى موضع رفع بالابتداء و «أحل لهم» الخبر.
وإن شئت جعلت «ذا» بمعنى «الذي» ، فيكون هو خبر الابتداء و «أحل لهم» صلته.
ولا يعمل «يسألونك» فى «ما» فى الوجهين: لأنها استفهام، ولا يعمل فى الاستفهام ما قبله.
«مكلّبين» : حال من التاء والميم فى «علمتم» .
5-
…
إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ «محصنين» : حال من المضمر المرفوع فى «آتيتموهن» ، ومثله:«غير مسافحين» ، ومثله
«ولا متخذى أخدان» ، وهو عطف على «غير مسافحين» ، ولا تعطفه على «محسنين» ، لدخول «لا» معه تأكيدا للنفى المتقدم، ولا يقع مع «محصنين» .
وإن شئت جعلت «غير مسافحين ولا متخذى» نعتا ل «محصنين» ، أو حالا من المضمر فى «محصنين» .
«وهو فى الآخرة من الخاسرين» : العامل فى الظرف محذوف تقديره: وهو خاسر فى الآخرة ودل على الحذف الألف واللام فى قوله «من الخاسرين» . فإن جعلت الألف واللام فى «الخاسرين» ليستا بمعنى «الذين» ، جاز أن يكون العامل فى الظرف «الخاسرين» .
6-
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً
…
«وأرجلكم» : من نصبه عطفه على «الأيدى» و «الوجوه» ومن خفضه عطفه على «الرءوس» وأضمر ما يوجب الغسل، فالآية محكمة، كأنه قال: وأرجلكم غسلا.
وقال الأخفش، وأبو عبيدة: الخفض فيه على الجوار، والمعنى، بالغسل، وهو بعيد لا يحمل القرآن عليه.
وقال جماعة: هو عطف على «الرءوس» محكم اللفظ، لكن التحديد يدل على الغسل، فلما حد غسل الأيدى إلى المرفقين على أنه غسل كالأيدى.
وقيل: «المسح» ، فى اللغة: يقع بمعنى: الغسل يقال: تمسحت للصلاة أي: توضأت، وبينت السنة أن المراد بمسح الأرجل، إذا خفضت: الغسل.
«فتيمّموا صعيدا» : من جعل «الصعيد» : الأرض، أو وجه الأرض، نصب «صعيدا» على الظرف.
ومن جعل «الصعيد» : التراب، نصبه على أنه مفعول به، حذف منه حرف الجر أي: بصعيد طيبا نعته أي: نظيفا.
وقيل: «طيبا» ، معناه: حلالا فيكون نصبه على المصدر، أو على الحال.
8-
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ
…
«شهداء» : حال من المضمر فى قوله: «قوامين» .
ويجوز أن يكون خبرا ثانيا ل «كان» .
وقيل: هو نعت ل «قوامين» .
9-
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ «وعد الله الذين آمنوا» : أصل «وعد» أن يتعدى إلى مفعولين يجوز الاقتصار على أحدهما، وكذلك وقع فى هذه الآية، تعدى إلى مفعولين: واحد، هو «الذين» ، ثم فسر المفعول المحذوف وهو «العدة» بقوله:
13-
فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ
…
«فبما نقضهم» ، كالذى فى «النساء» 4:155.
«يحرّفون» : حال من أصحاب القلوب.
14-
وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ
…
«من» : متعلقة ب «أخذنا» أي: وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم مثل قولك: من زيد أخذت درهمه ولا يجوز أن تنوى ب «الذين» التأخير بعد «الميثاق» ، لتقدم المضمر على المظهر، إنما ينوى به أن يكون بعد «أخذنا» ، وقبل «الميثاق» لأنهما مفعولان ل «أخذنا» ، فليس لأحدهما مزية فى التقدم على الآخر.
والهاء والميم يعودان على «الذين» ، وليس موضع «الذين» أن يكون بعد «ميثاقهم» ، فلذلك جاز، ألا ترى أنك لو قلت: ضرب غلامه زيدا، لم يجز، ولا يجوز أن ينوى بالغلام التأخير، لأنه فى حقه ورتبته ذحق الفاعل أن يكون قبل المفعول، فلا ينوى به غير موضعه، فإن نصبت «الغلام» ورفعت «زيدا» جاز أنك تنوى بالغلام والضمير التأخير لأن التأخير هو موضعه، فينوى به موضعه بعد الفاعل.
يمنع الكوفيون أكثر هذا.
وقد رووا الآية على حذف، تقديره عندهم: ومن الذين قالوا إنا نصارى من أخذنا ميثاقهم فالهاء والميم يعودان
على «من» المحذوفة، وهى مقدرة قبل المضمر، وجاز عندهم حذف «من» كما جاز فى قوله: وما منا إلا له مقام 37: 164 أي: من له، وكما قال:(مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ) الآية: 64 أي: من يحرفون.
15-
يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ «يبيّن» : فى موضع الحال من «رسولنا» ، ومثله:«ويعفو» .
16-
يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ «يهدى به الله» : يهدى، فى موضع رفع على النعت ل «كتاب» الآية: 15 وإن شئت فى موضع نصب على الحال من «كتاب الآية: 12 لأنك قد نعته ب «مبين» ، فقرب من المعرفة، فحسنت الحال منه ومثله:«ويخرجهم» ، و «يهديهم» .
«سبل السلام» : مفعول، حذف منه حرف الجر أي: إلى سبل السلام.
19-
يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا
…
«أن تقولوا» : مفعول من أجله.
21-
…
وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ «خاسرين» : حال من المضمر فى «تنقلبوا» .
23-
قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا
…
«أنعم الله» : فى موضع نصب على الحال من المضمر فى «يخافون» .
ويجوز أن يكون فى موضع رفع على النعت ل «رجلين» وكذلك قوله تعالى: مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ.
24-
قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها
…
«أبدا» : ظرف زمان.
«ما داموا» : بدل من «أبدا» ، وهو بدل بعض من كل.
25-
قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ «أخى» : فى موضع نصب عطف على «نفسى» .
وإن شئت عطفته على اسم «إن» ، وتحذف خبره، لدلالة الأول عليه، كأنه قال: وإن أخى لا يملك إلا نفسه.
وإن شئت جعلت «الأخ» فى موضع رفع بالابتداء، عطف على موضع «إن» وما عملت فيه، وتضمر الخبر كالأول.
وإن شئت عطفته على المضمر فى «أملك» ، فيكون فى موضع رفع.
26-
قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ «أربعين» : ظرف زمان والعامل فيه «يتيهون» ، على أن يجعل التحريم لا أمد له، كما جاء فى التفسير:
أنه لم يدخلها أحد منهم، وإنما دخلها أبناؤهم وماتوا هم كلهم فى التيه فيكون «يتيهون» على هذا القول حالا من الهاء والميم فى «عليهم» ولا تقف على «عليهم» فى هذا القول، إلا أن يجعل «يتيهون» منقطعا مما قبله، فتقف على «عليهم» .
وإن جعلت للتحريم أمدا، هو أربعون سنة، نصبت «أربعين» ، ب «محرمة» ، ويكون «يتيهون» حالا من الهاء والميم أيضا فى «عليهم» ، ولا يجوز الوقف، على هذا القول، على «عليهم» البتة ولا تقف على «أربعين سنة» فى القول الأول البتة وتقف عليه فى هذا القول، إذا جعلت، «يتيهون» منقطعا عن حال.
29-
إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ
…
«إنى» ، و «إنا» ، و «لكنى» ، و «لكنا» ، وشبهه، كله أصله ثلاث نونات، ولكن حذفت.
واحدة استخفافا، لاجتماع ثلاثة أمثال لا حاجز بينهن. وقد استعمل فى كثير من القرآن على الأصل بغير حذف.
ومذهب الخليل، فيما حكى عنه سيبويه، أن المحذوفة هى التي قبل «الياء» ، يريد الثالثة.
والذي يوجبه النظر، وعليه العلم، هو أن المحذوفة من هذه النونات هى الثانية، لأنه لو حذفت الثالثة لوجب تغيير الثانية إلى الكسر فى «إنى» ، و «لكنى» ، فيجتمع حذف وتغيير، وذلك مكروه ولو حذفت الأولى لوجب إدغام الثانية فى الثالثة بعد إزالة حركتها وإسكانها، وذلك حذفان وتغيير، فكان حذف الثانية أولى.
وأيضا فإن «إنى» قد تحذف منها الثانية، وهما نونان، فحذفها بعينها، إذا صارت ثلاث نونات، أولى من
حذف غيرها، ولو حذفت الثالثة من «إنى» لوجب حذف الثالثة فى «إننا» ، ولكننا» ، فتحذف علامة المضمر وذلك لا يجوز لأنه اسم، والأسماء لا تحذف ولا يحذف بعضها، لاجتماع أمثال.
32-
مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً
…
«أو فساد فى الأرض» : عطف «على نفس» أي: بغير فساد.
وقرأ الحسن بالنصب، على معنى: أو فسد فسادا، فهو مصدر.
33-
إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا
…
«أن يقتّلوا» : أن، فى موضع رفع خبر عن «جزاء» لأن «أن» وما بعدها مصدر، فهو خبر عن مصدر، وهو هو.
«أو يصلّبوا» : أو، هنا، وفيما بعده، للتخيير للإمام على اجتهاده، وللعلماء فى ذلك أقوال.
34-
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «إلا الّذين تابوا» : نصب على الاستثناء.
38-
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ «والسّارق والسّارقة» : رفع على الابتداء، والخبر محذوف، عند سيبويه تقديره: ومما يتلى عليكم السارق أو: وفيما فرض عليكم.
وكان الاختيار، على مذهب سيبويه، فيه النصب لأنه أمر، وهو بالفعل أولى، وبه قرأ عيسى بن عمر.
والاختيار فيه، عند الكوفيين: الرفع، على قراءة الجماعة لأنه لم يقصد به سارق بعينه، فهو عندهم مثل (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها) 4: 16، لا يراد به «اثنان» بأعيانهما، فلذلك اختير الرفع فى (الَّذانِ يَأْتِيانِها) ، وليس فى قوله «والسارق والسارقة» ما فى «واللذان» من العلة.
«جزاء بما كسبا» مفعول من أجله وإن شئت مصدرا، ومثله:«نكالا» .
41-
يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً
…
«سماعون» ، و «يحرفون» : صفتان لمحذوفين مرفوعين بالابتداء، وما قبلهما الخبر تقديره: فريق سماعون وفريق يحرفون الكلم ليكذبوا، لم يرد أنهم يسمعون الكلم وينقلونه، إنما أراد يسمعون ليكذبوا ويقولون ما لم يسمعوا، ودل على ذلك قوله تعالى:(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) ويجوز أن يكون «يحرفون» حال من المضمر فى «سماعون» . وتكون هى الحال المقدرة، أي: يسمعون مقدرين التحريف، مثل قوله (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) 5: 95 «آخرين لم يأتوك» : صفتان ل «قوم» .
«يقولون إن أوتيتم» : حال من المضمر فى «يحرفون» ، فتقف على «قلوبهم» فى هذا القول، وتبتدئ «ومن الذين هادوا» ، وهو خبر الابتداء.
وقد قيل: إن «سماعون» رفع على «هم سماعون» ، ابتداء وخبر، فتقف على «هادوا» فى هذا القول.
والقول الأول أحسن وأولى.
42-
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ «سماعون للكذب» : رفع على إضمار مبتدأ أي: هم سماعون للكذب أكالون للسحت.
44-
إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا
…
«الذين» : صفة «النبيين» ، على معنى المدح والثناء، لا على معنى الصفة التي تأتى للفرق بين الموصوف وبين ما ليس صفته كما تقول: رأيت زيدا العاقل، فتحتمل هذه الصفة أن تكون جئت بها لتفرق بين زيد العاقل وبين زيد آخر ليس بعاقل، وهذا لا يجوز فى الآية، لأنه لا يمكن أن يكون ثم نبيون غير مسلمين كما يحتمل أن يكون، ثم زيد آخر غير عاقل، فإن قلت: رأيت زيدا الأحمر، فهذه صفة جئت بها لتفرق بين زيد الأحمر وبين زيد، أو زيود أخر، ليسوا بحمر فلا تحتمل هذه الصفة غير هذا المعنى. ولو كان «زيد» لا يعرف إلا بأحمر، لم يجز حذف الأحمر، لأنه كان من تمام اسمه.
45-
وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ
…
«والعين بالعين» : من نصبه، وما بعده من الأسماء، عطفه على ما عملت فيه «أن» ، وهو «النفس» ، و «بالنفس» خبر «أن» ، وكذلك كل مخفوض خبر لما قبله.
ومن رفع «والعين» ، و «الأنف» ، و «السن» ، عطفه على المعنى لأن معنى «كتبنا عليهم» : قلنا لهم: النفس بالنفس، فرفع على الابتداء.
وقيل: هو مبتدأ مقطوع مما قبله.
وقيل: هو معطوف على المضمر المرفوع فى «بالنفس» ، وإن كان لم يؤكد، فهو جائز، كما قال تعالى:
(ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) 6: 148، وليس فى زيادة «لا» بعد حرف العطف حجة تنفى أنها فصلت لأنها بعد حروف العطف، والمخفوض خبر كل ابتداء.
«والجروح قصاص» : من نصبه عطفه على «النفس» ، و «قصاص» الخبر ودل على أنه مكتوب فى التوراة كغيره.
ومن عطفه على موضع «أن» وما عملت فيه، فهو مبتدأ، مكتوب أيضا، «وقصاص» خبر الابتداء.
وقيل: هو ابتداء منقطع مما قبله، على أنه غير مكتوب، وإنما يكون هذا منقطعا على قراءة من نصب «العين» وما بعده، ورفع «الجروح» .
فأما من رفع «العين» وما بعده، ورفع «الجروح» فهو كله معطوف بعضه على بعض وهى قراءة الكسائي.
46-
وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ «مصدّقا» الأول: حال من «عيسى» ، و «مصدقا» الثاني، إن شئت عطفته على الأول، حالا من «عيسى» أيضا، على التأكيد وإن شئت جعلته حالا من «الإنجيل» .
«وهدى وموعظة» : نصب، عطف على «مصدقا» .
وقد قرأ الضحاك برفع «موعظة» ، وقال: على أن «هدى» فى موضع رفع، والرفع فى ذلك عن العطف على قوله «فيه هدى ونور» .
48-
وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ
…
«مصدّقا، ومهيمنا» : حالان من «الكتاب» 49- وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ
…
«وأن احكم» : أن، فى موضع نصب عطف على «الكتاب» .
«واحذرهم أن يفتنوك» : أن، فى موضع نصب على البدل من الهاء والميم فى «واحذرهم» ، وهو بدل الاشتمال، وإن شئت جعلته مفعولا من أجله.
52-
فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ
…
«فعسى الله أن يأتى» : أن، فى موضع نصب ب «عسى» ، ولو قدمت فقلت: فعسى أن يأتى الله، لكانت فى موضع رفع ب «عسى» ، وتسد مسد خبر «عسى» .
53-
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ «ويقول الذين آمنوا» : من نصبه عطفه على المعنى، كأنه قدر تقديم «أن يأتى» ، بعد «عسى» ، فعطفه عليه، إذ معنى: فعسى أن يأتى الله، وعسى الله أن يأتى، واحد، فعطف على المعنى ولو عطف على اللفظ على «أن يأتى» وهو مؤخر بعد اسم الله، لم يجز، كما يبعد أن تقول: عسى زيد أن يقوم ويأتى عمرو، إذ لا يجوز:
عسى زيد أن يأتى عمرو.
فأما إذا قدمت «أن» بعد «عسى» فهو حسن، كما تقول: عسى أن يقوم زيد ويأتى عمرو، فيحسن كما يحسن: عسى أن يقوم زيد ويأتى عمرو.
ولو كان فى الجملة الثانية هاء تعود على الأول، لجاز كل هذا، نحو: عسى أن يقوم زيد ويأتى أبوه، وعسى
زيد أن يأتى ويقوم أبوه كل هذا حسن جائز، بخلاف الأول لأنك لو قلت: عسى زيد أن يقوم أبوه، حسن، وهذا كله بمنزلة: ليس زيد بخارج ولا قائم عمرو، وهذا لا يجوز وإن كان فى موضع «عمرو» :
«أبوه» ، جاز.
وقد قيل: «ويقول» معطوف على «الفتح» لأنه بمعنى: أن يفتح، فهو معطوف على اسم، فاحتيج إلى إضمار «أن» ، ليكون مع «يقول» مصدرا، فتعطف اسما على اسم، فيصير بمنزلة قول الشاعر:
للبس عباءة وتقر عينى
والرفع فى «ويقول» ، على القطع.
«جهد أيمانهم إنهم» : إنهم، نصب على المصدر وكسرت «إن» من «إنهم» على إضمار: قالوا إنهم، لأن اللام فى خبرها.
54-
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ «يحبهم ويحبونه» : نعت ل «قوم» ، وكذلك «أذلة» ، و «أعزة» ، و «يجاهدون» ، نعت أيضا لهم.
ويجوز أن يكون حالا منهم، والإشارة بالقوم الموصوفين فى هذا الموضع هى إلى الخلفاء الراشدين بعد النبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبعهم، وهذا يدل على تثبيت خلافتهم رضى الله عنهم أجمعين.
55-
إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ «وهم راكعون» : ابتداء وخبر، فى موضع الحال من المضمر فى «يؤتون» أي يعطون ما يزكيهم عند الله فى حال ركوعهم أي: وهم فى صلاتهم، فالواو واو الحال، والآية على هذا المعنى نزلت فى على بن أبى طالب، صلوات الله عليه.
ويجوز أن يكون لا موضع للجملة، وإنما هى جملة معطوفة على الموصول، وليست بواو الحال، والآية عامة.
57-
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ «والكفار» : من خفضه عطفه على «الذين» فى قوله «من الذين أوتوا» ، فيكونون موصوفين باللعب والهزء، كما وصف به الذين أوتوا الكتاب، لقوله:(إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) 15: 95، يريد به:
كفار قريش.
ومن نصبه عطفه على «الذين» فى قوله «لا تتخذوا الذين» ، ويخرجون من الوصف بالهزء واللعب.
59-
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ «إلا أن آمنا» : أن، فى موضع نصب ب «تنقمون» .
«وأن أكثر» : عطف عليها.
60-
قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ «وعبد الطّاغوت» : من فتح الباء، جعله فعلا ماضيا، ونصب به «الطاغوت» .
وفى «عبد» : ضمير «من» فى قوله «من لعنه الله» ، ولم يظهر ضمير جمع فى «عبد» حملا على لفظ «من» ، ومعناها: الجمع ولذلك قال «منهم» .
ولو حمل على المعنى، لقال:«وعبدوا» .
و «من» فى قوله «من لعنه الله» . فى موضع رفع، على حذف المضاف تقديره: لعن من لعنه الله أي:
هو لعن، فالابتداء والمضاف محذوفان.
وقيل: من، فى موضع خفض على البدل من «شر» ، بدل الشيء من الشيء، وهو هو.
ومن ضم الباء من «عبد» ، جعله اسما على «فعل» مبنيا، للمبالغة فى عبادة الطاغوت، كقولهم: رجل يقظ، أي تكثر منه الفطنة والتيقظ، فالمعنى: وجعل منهم من يبالغ فى عبادة الطاغوت. وأصل هذا البناء للصفات
و «عبد» أصله الصفة ولكنه استعمل فى هذا استعمال الأسماء، وجرى فى بناء الصفات على أصله، كما استعملوا الأبطح والأبرق استعمال الأسماء، وكسرا تكسيرا الأسماء، فقيل: الأباطح والأبارق، ولم يصرفا، كأحمر، وأصلهما الصفة.
61-
وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ «وقد دخلوا بالكفر» : فى موضع الحال، وكذلك:«به» ، والمعنى: دخلوا كافرين وخرجوا كافرين، لم يخبر عنهم أنهم دخلوا حاملين شيئا، إنما أخبر عنهم أنهم دخلوا معتقدين كفرا.
64-
…
وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ، وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ
…
«ما أنزل» : ما، فى موضع رفع بفعله، وهو: ليزيدن، و «كلما» ظرف، والعامل فيه «أطفأها» ، أو فيه معنى الشرط، «فلا بد له من جواب» ، وجوابه:«أطفأها» 69- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ «والصّابئون» : مرفوع على العطف على موضع «إن» وما عملت فيه، وخبر «إن» منوى قبل «الصابئين» ، فلذلك جاز العطف على الموضع والخبر هو «من آمن» ، فنوى به التقديم، فحق:«والصائبون والنصارى» إن وقع بعد «يحزنون» وإنما احتيج إلى هذا التقدير لأن العطف فى «إن» على الموضع لا يجوز إلا بعد تمام الكلام وانقضاء اسم «إن» وخبرها، فتعطف على موضع الجملة.
وقال الفراء: هو عطف على المضمر فى «هادوا» ، وهو غلط لأنه يوجب أن يكون الصابئين والنصارى:
يهودا وأيضا فإن العطف على المضمر المرفوع قبل أن تؤكده، أو تفصل بينهما بما يقوم مقام التأكيد، قبيح عند بعض النحويين.
وقيل: «الصابئون» مرفوع على أصله قبل دخول «إن» وقيل: إنما رفع «الصابئون» لأن «إن» لم يظهر لها عمل فى «الذين» ، فبقى المعطوف مرفوع على أصله قبل دخول «إن» على الجملة.
وقيل: إنما رفع، لأنه جاء على لغة بلحارث، الذين يقولون: رأيت الزيدان، بالألف.
وقيل: «إن» ، بمعنى: نعم.
وقيل: إن خبر «إن» مضمر، دل عليه الثاني فالعطف ب «الصابئين» إنما أتى بعد تمام الكلام وانقضاء اسم «إن» وخبرها وإليه يذهب الأخفض، والمبرد.
ومذهب سيبويه: أن خبر الثاني هو المحذوف، وخبر «إن» هو الذي فى آخر الكلام، يراد به التقديم قبل:
«الصابئين» ، فيصير العطف على الموضع بعد خبر «إن» فى المعنى.
71-
وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ «وحسبوا أن لا تكون فتنة» : من رفع «تكون» جعل «إن» مخففة من الثقيلة، وأضمر معها الهاء، و «تكون» خبر «أن» وجعل «حسبوا» بمعنى: أيقنوا لأن «أن» للتأكيد، والتأكيد لا يجوز إلا مع اليقين، فهو نظيره وعديله، و «أن» فى موضع نصب ب «حسب» ، سدت مسد مفعولى «حسب» تقديره: أنه لا تكون فتنة.
وحق «أن» أن تكتب منفصلة على هذا التقدير، لأن الهاء المضمرة تحول بين «أن» ولام «لا» فى المعنى، فيمتنع اتصالها باللام.
ومن نصب «تكون» جعل «أن» هى الناصبة للفعل، وجعل «حسب» بمعنى: الشك، لأنها لم يتبعها تأكيد، لأن «أن» الخفيفة ليست للتأكيد إنما هى لأمر يقع وقد لا يقع، فالشك نظير ذلك وعديله، والمشددة إنما تدخل لتأكيد وقع وثبت، فلذلك كان «حسب» ، مع «أن» المشددة لليقين، ومع الخفيفة للشك ولو كان قبل «أن» فعل لا يصلح للشك لم يجز أن تكون إلا مخففة من الثقيلة، لم يجز نصب الفعل بها، قوله (أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ) 20: 89، و (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ) 73: 2، و «لا» و «السين» عوض من حذف تشديد «أن» .
ولو وقع قبل «أن» فعل لا يصلح إلا لغير الإثبات لم يجز فى الفعل إلا النصب، نحو قولك: طمعت أن تقوم، وأشفقت أن تقوم، وأخشى أن تقوم هذا لا يجوز فيه إلا النصب بعد «أن» ، ولا تكون «أن» معه مخففة من الثقيلة.
فهذه ثلاثة أقسام:
1-
فعل، بمعنى الثبات واليقين، لا يكون معه إلا الرفع بعد «أن» ، ولا تكون «أن» إلا مخففة من الثقيلة.
2-
وفعل، بضد معنى الثبات واليقين، لا يكون معه إلا النصب، ولا تكون «أن» معه إلا غير مخففة من الثقيلة.
3-
وفعل ثالث يحتمل الوجهين: فيجوز معه الوجهان.
هذه الأصول هى الاختيار عند أهل العلم، وقد يجوز غيرها على مجاز وسعة.
«فعموا وصمّوا» : إنما جمع الضمير، ردا على المذكورين.
«ثم عموا وصموا كثير منهم» : «كثير» ، بدل من الضمير.
وقيل: «كثير» : رفع على إضمار مبتدأ دل عليه «عموا وصموا» ، وإنما جمع الضمير ردا على المذكورين، و «كثير» : بدل من الضمير.
وقيل: كثير، وقع على إضمار مبتدأ دل عليه «عموا وصموا» تقديره: العمى والصم كثير منهم.
وقيل: التقدير: العمى والصم منهم كثير.
وقيل: جمع الضمير، وهو متقدم، على لغة من قال: أكلونى البراغيث، و «كثير» رفع لما قبله.
ولو نصبت «كثيرا» فى الكلام، لجاز، تجعله نعتا لمصدر محذوف أي: عمّى وصمعا كثيرا.
73-
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ
…
«ثالث ثلاثة» لا يجوز تنوين «ثالث» لأنه بمعنى: أحد ثلاثة فلا معنى للفعل فيه، وليس بمنزلة:
هذا ثالث اثنين، لأن فيه معنى الفعل، إذ معناه: يصير اثنين ثلاثة بنفسه، فالتنوين فيه جائز.
«وما من إله إلا إله واحد» : إلاه بدل من موضع «من إله» لأن «من» زائدة، فهو مرفوع.
ويجوز فى الكلام النصب «إلا إلها واحدا» على الاستثناء.
وأجاز الكسائي الخفض على البدل من لفظ «إله» ، وهو بعيد لأن «من» لا يراد فى الواجب.
79-
كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ «لبئس ما كانوا يفعلون» : ما، فى موضع نصب، نكرة. أي: لبئس شيئا كانوا يفعلونه، فما بعد «ما» صفة لها.
وقيل: «ما» بمعنى: الذي، فى موضع رفع ب «بئس» أي: لبئس الشيء الذي كانوا يفعلونه. والهاء محذوفة من الصفة والصلة.
80-
تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ «أن» : فى موضع رفع، على إضمار مبتدأ تقديره: هو أن سخط الله.
وقيل: هو فى موضع رفع على البدل من «ما» فى «لبئس» ، على أن «ما» معرفة.
وقيل: فى موضع نصب على البدل من «ما» ، على أن «ما» نكرة.
وقيل: على حذف اللام أي: لأن سخط.
82-
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى
…
«عداوة» : نصب على التفسير ومثله: «مودة» .
83-
وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ
…
«تفيض» : فى موضع نصب على الحال «من» أعينهم لأن «ترى» من رؤية العين.
84-
وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ
…
«لا نؤمن» : فى موضع نصب، على الحال من المخبرين فى «لنا» ، كما تقول: فما لك قائما؟
85-
فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ «تجرى من تحتها الأنهار» : فى موضع نصب على النعت ل «جنات» .
«خالدين» : حال من الهاء والميم فى «فأثابهم» .
89-
…
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ
…
«فصيام ثلاثة أيام» : رفع على الابتداء، والخبر محذوف أي: فعليه صيام ثلاثة أيام.
94-
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ
…
«بشىء من الصّيد» : من، للتبعيض لأن المحرم صيد البحر خاصة لأن التحريم إنما وقع فى حال الإحرام خاصة.
وقيل: «من» لبيان الجنس فلما قال: ليبلونكم الله بشىء، لم يعلم من أي جنس هو؟ فبين، فقال:
من الصيد، كما تقول: لأعطينك شيئا من الذهب.
95-
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ
…
«وأنتم حرم» : ابتداء وخبر، فى موضع نصب على الحال من المضمر فى «تقتلوا» .
«متعمدا» : حال من المضمر المرفوع فى «قتله» .
«فجزاء مثل ما قتل من النعم» : جزاء، مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف أي: فعليه جزاء.
ومن نون «جزاء» جعل «مثل» صفة له و «من النعم» صفة أخرى ل «جزاء» .
ويجوز أن يكون «مثل» بدل من «جزاء» .
و «من» فى قوله «من النعم» لا تتعلق ب «جزاء» ، لأنها تصير فى صفته، والصفة لا تدخل فى صلة الموصوف، لأنها لا تكون إلا بعد تمام الموصوف بصلته.
ولو جعلت «من» متعلقة ب «جزاء» دخلت فى صلته، وأنت قد قدمت مثل هذا، وهو بدل أو صفة، والبدل والصفة لا يأتيان إلا بعد تمام الموصول بصلته، فيصير ذلك إلى التفرقة بين الصلة والموصول بالبدل أو النعت، وليس هذا بمنزلة «جزاء سيئة بمثلها» 10: 27، فى جواز تعلق الباء ب «جزاء» لأنه لم يوصف ولا أبدل منه، إنما أضيف، والمضاف إليه داخل فى الصلة، فذلك حسن جائز، و «مثل» فى هذه القراءة، بمعنى:
مماثل والتقدير، فجزاء مماثل لما قتل، يعنى فى القيمة أو فى الخلقة، على اختلاف العلماء فى ذلك.
ولو قدرت «مثلا» على لفظه لصار المعنى: فعليه جزاء مثل المقتول من الصيد، وإنما يلزم جزاء المقتول عينه لا جزاء أمثاله لأنه إذا أدى جزاء من المقتول صار إنما يؤدى جزاء ما لم يقتل لأن مثل المقتول لم تقتله، فصح أن المعنى: فعليه جزاء مماثل للمقتول يحكم به ذوا عدل، ولذلك تعددت القراءة بالإضافة عند جماعة لأنها توجب أن يلزم القاتل جزاء مثل الصيد الذي قتل، وإنما جازت الإضافة عندهم على معنى قول العرب: إنى لأكرم مثلك، يريدون: أكرمك، فعلى هذا أضاف الجزاء إلى مثل المقتول، يراد به: المقتول
بعينه فكأنه فى التقدير: فعليه جزاء المقتول من الصيد وعلى هذا تأويل العلماء قول الله جل ثناوه (كمن مثله فى الظلمات) 6: 122 معناه: كمن هو هو فى الظلمات ولو حمل على الظاهر لكان: مثل الكافر فى الظلمات لا الكافر، والمثل والمثل واحد.
و «من النعم» ، فى قراءة من أضاف «الجزاء» «إلى» مثل، صفة «جزاء» ، ويحسن أن يتعلق «من» بالمصدر فلا يكون صفة له وإنما المصدر معدى إلى «من النعم» ، فإذا جعلته صفة، ف «من» متعلقة بالخبر المحذوف، وهو:«فعليه» ، وإذا لم تجعلها صفة تعلقت ب «جزاء» ، كما تعلقت فى قوله له تعالى «جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها» 10: 27، لأن الجزاء لم يوصف ولا أبدل منه، فلا تفرقة فيه بين الصلة والموصول، فأما إذا نونت «جزاء» فلا يحسن تعلق «من» ب «جزاء» لما قدمنا.
«هديا» : انتصب على الحال من الهاء فى «به» ، ويجوز أن يكون انتصب على البيان، أو على المصدر.
«بالغ» : نعت ل «هدى» ، والتنوين مقدر فيه، فلذلك وقع نعتا لنكرة.
«أو كفارة» : عطف على «جزاء» أي: أو عليه كفارة.
«صياما» : نصب على البيان.
96-
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ «متاعا» : نصب على المصدر لأن قوله «أحل لكم» بمعنى: أمتعتم به إمتاعا بمنزلة:
«كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ» 4: 24 «حرما» : خبر «دام» .
97-
جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ «ذلك لتعلموا» : ذلك، فى موضع رفع، على معنى: الأمر ذلك ويجوز أن يكون فى موضع نصب، على:
فعل الله ذلك لتعلموا.
101-
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ
…
«أشياء» : قال الخليل، وسيبويه، والمازني: أصلها: شيئاء: على وزن فعلاء فلما كثر استعمالها استثقلت همزتان بينهما ألف، فنقلت الهمزة الأولى هى لام الفعل، قبل فاء الفعل، وهى الشين، فصارت «أشياء» .
على «لفعاء» ، ومن أجل أن أصلها: فعلاء، كحمراء، امتنعت من الصرف، وهى عندهم: اسم للجمع، وليست بجمع «شىء» .
«إن تبد لكم تسؤكم» : شرط وجوابه، والجملة فى موضع خفض على النعت ل «أشياء» .
103-
ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ «من بحيرة» : من، زائدة للتأكيد، و «بحيرة» : فى موضع نصب ب «جعل» .
104-
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا
…
«حسبنا» : ابتداء، وخبره:«ما وجدنا» .
106-
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ «إذا حضر» : العامل في «إذا» : «شهادة» ، ولا تعمل فيها «الوصية» لأن المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف، وأيضا فإن «الوصية» مصدر، فلا يقدم ما عمل فيه عليه، والعامل فى «حين الوصية» : أسباب الموت، كما قال تعالى:(حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) 6: 61، والقول لا يكون بعد الموت، ولكن معناه:
حتى إذا جاء أحدكم أسباب الموت.
وقيل: العامل فى «حين» : «حضر» .
وقيل: هو بدل من «إذا» ، فيكون العامل فى «حين» :«الشهاد» أيضا.
«اثنان» : مرفوع، على خبر «شهادة» ، على حذف مضاف تقديره: شهادة اثنين لأن الشهادة لا تكون هى الاثنان، إذ العدد لا يكون خبرا عن المصادر، فأضمرت مصدرا ليكون خبرا عن مصدر.
«وآخران» : عطف على «اثنان» على تقدير حذف مضاف أيضا تقديره: أو شهادة آخرين.
وقيل: «إذا حضر» ، هو خبر «شهادة» ، و «اثنان» ارتفعا بفعلهما، وهو «شهادة» .
«إن أنتم ضربتم فى الأرض فأصابتكم مصيبة الموت» : اعتراض بين الموصوف وصفته واستغنى عن جواب «إن» ، التي هى للشرط، بما تقدم فى الكلام لأن معنى:«اثنان ذوا عدل منكم وآخران من غيركم» : معنى الأمر بذلك، لفظه لفظ الخبر، واستغنى عن جواب «إذا» ، أيضا، بما تقدم من الكلام، وهو قوله «شهادة بينكم» لأن معناه: ينبغى أن تشهدوا إذا حضر أحدكم الموت.
«تحبسونهما من بعد الصّلاة» : صفة ل «آخران» ، فى موضع رفع.
«فيقسمان بالله» : الفاء، لعطف جملة على جملة، ويجوز أن يكون جواب جزاء «إن» :«تحبسونهما» ، معناه: الأمر بذلك، فهى جواب الأمر الذي دل عليه الكلام، كأنه قال: إذا حبستموهما أقسما.
«لا نشترى» : جواب لقوله «فيقسمان» لأن «أقسم» يجاب بما يجاب به القسم.
«به» : الهاء: تعود على المعنى، لأن التقدير: لا نشترى بتحريف شهادتنا ثمنا ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.
وقيل: الهاء، تعود على «الشهادة» ، لكن ذكّرت لأنها قول، كما قال:«فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ» 4: 8، فرد الهاء على المقسوم، لدلالة القسمة على ذلك.
«ثمنا» : معناه: ذا ثمن لأن الثمن لا يشترى، إنما يشترى ذو الثمن، وهو المثمن، وهو كقوله:
(اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً) 9: 9 أي: ذا ثمن.
«ولو كان ذا قربى» : فى «كان» اسمها أي: ولو كان المشهود له ذا قربى من الشاهد.
«ولا نكتم شهادة الله» : إنما أضيفت الشهادة إلى الله، لأنه هو أمر بأدائها ونهى عن كتمانها.
107-
فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ «فآخران يقومان» : فآخران، رفع بفعل مضمر، أو بالابتداء، و «يقومان» نعت لهما، و «من الذين» : خبره.
«الأوليان» . من رفعه وبناه جعله بدلا من «آخران» ، أو من المضمر فى «يقومان» .
وقيل: هو مفعول لم يسم فاعله ل «استحق» ، على قراءة من ضم التاء، على تقدير حذف مضاف تقديره:
من الذين استحق عليهم إثم الأوليين ويكون «عليهم» بمعنى: فيهم.
ومن قرأه «الأولين» ، على أنه جمع «أول» ، فهو فى موضع خفض على البدل من «الذين» ، أو من الهاء والميم فى «عليهم» .
«لشهادتنا» : اللام، جواب القسم فى قوله «فيقسمان» .
108-
ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها
…
«أن يأتوا» : «أن» ، فى موضع نصب على حذف حرف الجر تقديره: لأن يأتوا.
110-
…
وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ «فتنفخ فيها» : الهاء، تعود على «الهيئة» والهيئة، مصدر فى موضع: المهيأ لأن النفخ لا يكون فى الهيئة إنما يكون فى المهيأ.
ويجوز أن يعود على الطير، لأنه مؤنث.
ومن قرأ «طائرا» ، أجاز أن يكون «طائرا» جمعا، فيؤنث الضمير فى «فيها» ، لأجل رجوعه على الجمع.
«إن هذا إلا سحر» : إن، بمعنى «ما» ، و «هذا» : إشارة إلى ما جاء به عيسى صلى الله عليه وسلم.
ويجوز أن يكون «هذا» : إشارة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم على تقدير حذف مضاف تقديره: إن هذا إلا ذو سحر.
فأما من قرأ «ساحر» ، بألف، فهذا إشارة إلى النبي عيسى عليه السلام، بغير حذف، ويحتمل أن يكون إشارة إلى الإنجيل، فيكون اسم الفاعل فى موضع المصدر كما قالوا: عائذا بالله من شرها يريدون:
عياذا بالله.
116-
وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ «أنت» : تأكيد للكاف أو مبتدأ، أو فاصلة لا موضع لها من الإعراب.
117-
ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ «أن اعبدوا الله» : أن، مفسرة، لا موضع لها من الإعراب بمعنى: أي.
ويجوز أن تكون فى موضع نصب على البدل من «ما» .
«ما دمت فيهم» : ما، فى موضع نصب على الظرف، والعامل «شهيدا» .
118-
إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ «أنت العزيز» : أنت، تأكيد ل «الكاف» ، أو مبتدأ، أو فاصلة لا موضع لها من الإعراب.
119-
قالَ اللَّهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ «ينفع» : من رفع «يوم» جعله خبرا ل «هذا» ، و «هذا» إشارة إلى يوم، «والجملة» فى موضع نصب بالقول.
فأما من نصب «يوما» ، فإنه جعله ظرفا للقول، و «هذا» إشارة إلى القصص والخبر الذي تقدم أي:
يقول الله هذا الكلام فى يوم ينفع، ف «هذا» إشارة إلى ما تقدم من القصص، وهو قوله:(وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى) الآية: 116، إلى قوله (مِنْ دُونِ اللَّهِ) الآية: 116، فأخبر الله عما لم يقع بلفظ الماضي، لصحة كونه وحدوثه.
وجاز أن يقع «يوم» خبرا عن «هذا» لأنه إشارة إلى حدث، وظروف الزمان تكون أخبارا عن الحدث.