الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بدمشق، فى مستهل ذى الحجة بعد أن لزم داره مدة، وكان إماما فقيها بارعا عالما مفتنّا، ولى قضاء دمشق استقلالا غير مرة، وحسنت سيرته، وأشخص فى سنة سبع وسبعين وسبعمائة إلى الديار المصرية، وولى بها قضاء الحنفية بعد قاضى القضاة صدر الدين محمد بن عبد الله التركمانى بعد موته، فلم تطل مدته واستعفى، وألحّ فى ذلك حتى أعفاه السلطان، وولّاه قضاء الحنفية بدمشق على عادته، فدام بها سنين، ثم صرف عنها، ولزم داره حتى مات قتيلا بدمشق- رحمه الله تعالى-
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وعشرون إصبعا.
مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعا واثنا عشر إصبعا والله أعلم.
[ما وقع من الحوادث سنة 800]
السنة التاسعة من سلطنة الملك الظاهر برقوق «الثانية على مصر» وهى سنة ثمانمائة.
وفيها توفّى الأمير سيف الدين تنبك «1» بن عبد الله اليحياوىّ الظاهرىّ، الأمير آخور الكبير فى ليلة الخميس رابع عشر شهر ربيع الآخر، ونزل السلطان إلى الإسطبل ومشى فى جنازته حتى حضر الصلاة عليه بمصلّاة المؤمنى «2» ، ثم ركب وتوجّه أمام جنازته حتى شاهد دفنه، وأقام القرّاء على قبره أسبوعا، ووجد السلطان عليه كثيرا وبكى عند دفنه، وكان من عظماء المماليك الظاهرية، أنعم عليه السلطان بإمرة عشرة فى أوائل واقعة الناصرىّ ومنطاش، ثم رقّاه حتى ولّاه الأمير آخورية بعد الأمير
بكلمش العلائى، لمّا نقل إلى إمرة سلاح، فدام فى وظيفة الأمير آخورية إلى أن توفى، وتولّى الأمير آخورية بعد موته الأمير نوروز الحافظى الظاهرىّ رأس نوبة النوب.
وتوفّى السيد الشريف جمال الدين عبد الله بن عبد الكافى بن على بن عبد الله الطّباطبى نقيب الأشراف فى ليلة رابع عشرين ذى القعدة.
وتوفّى القاضى العلّامة تاج الدين أبو محمد عبد الله بن على بن عمر السّنجارى الحنفى المعروف بقاضى صور (بفتح الصاد المهملة) وصور: بليدة بين حصن كيفا «1» ، وبين ماردين «2» من ديار بكر «3» بن وائل، وكان إماما عالما مفتنّا بارعا فى الفقه والأصلين، والعربية واللغة، وأفتى ودرّس سنين بدمشق ومصر، وكان فى ابتداء أمره لما قدم القاهرة اجتاز بدمشق واستوطنها مدّة، وأخذ بها عن العلّامة علاء الدين القونوى «4» الحنفىّ، ثم قدم إلى القاهرة فأخذ عن العلّامة شمس الدين محمد الأصبهانى وغيره، حتى برع فى عدّة فنون، وأفتى ودرّس وصنّف وأشغل، ومن تآليفه كتاب «البحر الحاوى فى الفتاوى» ونظم كتاب «المختار فى الفقه» ونظم «السراجية فى الفرائض»
ونظم كتاب «سلوان المطاع لابن ظفر» وناب فى الحكم بالقاهرة، وولى وكالة بيت المال بدمشق، وكان من محاسن الدنيا دينا وعلما وخيرا وكرما.
وتوفّى الأمير سيف الدين قلمطاى بن عبد الله العثمانى الظاهرى الدوادار الكبير بالديار المصرية فى ليلة السبت ثالث عشر جمادى الأولى، وحضر السلطان الملك الظاهر الصلاة عليه بمصلّاة المؤمنى، وحضر دفنه أيضا بتربته التى أنشأها عند الصّوّة بالقرب من باب الوزير، وبكى السلطان عليه بكاء كثيرا، وأقام القرّاء على قبره أسبوعا، وتولّى الدوادارية من بعده الأمير بيبرس ابن أخت السلطان، وكان قلمطاى من أجلّ المماليك الظاهرية، باشر الدوادارية بحرمة وافرة، ونالته السعادة وعظم فى الدولة، وهو صاحب الحاصل بالقرب من البندقيين بالقاهرة، وخلّف مالا كثيرا، وهو أيضا ممن نشّأه أستاذه الملك الظاهر برقوق فى سلطنته الثانية، رحمه الله تعالى.
وتوفّى أمين الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن على الأنصارى الحمصى الحنفى كاتب سرّ دمشق بها فى ثانى عشر ذى الحجة، ومولده فى يوم الاثنين ثانى عشر شهر ربيع الأوّل سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وتفقه بدمشق، وبرع فى الفقه والعربية، وشارك فى عدّة فنون مشاركة جيّدة، ومهر فى الأدب والترسّل والنظم، وتولى كتابة سرّ دمشق وباشرها بحرمة وافرة، ونالته السعادة فى مباشرته، وكان ذا شكالة حسنة، وعبارة فصيحة، وفضل وإفضال، وكان له يد فى علم الموسيقى وتأديته، وعنده ميل إلى اللهو والطرب مع حشمة ودين وكرم، ومن شعره لمّا عاد
من تجريدة أرزنكان «1» صحبة الأمير تنم الحسنى «2» نائب الشام، وقد ضلّ غالب العسكر فى بعض الليالى عن الماء، فنزل هو على ماء فى بعض الطريق، وقال فى ذلك:
(البسيط) .
ضلّوا عن الماء لمّا أن سروا سحرا
…
قومى فظلوا حيارى يلهثون ظما
والله أكرمنى بالورد دونهم
…
وله أيضا- سامحه الله تعالى- (الوافر) .
جفون من تأرّقها «3» دوامى
…
مدامعها تفيض على الدوام
فديت عيون من حرمت عيونى
…
مناها من لقا طيب المنام
وراشت «4» من لواحظها نبالا
…
مراشقها شفين من السقام
إذا لاحظننى فتصيب قلبى
…
على اللّحظات موفور السهام «5»
لها شفتان قد شفتا فؤادى
…
ولا شفتاه إلّا للغرام
وثغر من يعيش به ارتواء
…
يموت من الصّبابة وهو ظام
أدامت لى مدامته ارتشافا
…
فوا سكراه من ذاك المدام
ولمّا رام بدر الأفق فخرا
…
وتشبيها بما تحت اللّثام
بدت تختال عجبا عن عقود
…
وتبسم عن جمان بانتظام
فأزرى ثغرها بالدر نقصا
…
وأخجل وجهها بدر التمام
بعيشك يا كريم الخيم «1» كن لى
…
معينا إن مررت على الخيام
وقل صبّ توصّل فى أوان
…
له قلب تقطّع بالأوام «2»
ولبّ هام بالذكرى ودمع
…
كوبل عطاء فخر الدين هامى «3»
وتوفّى القاضى نجم الدين محمد بن عمر الطّمبدى وكيل بيت المال ومحتسب القاهرة فى رابع عشرين شهر ربيع الأوّل. قال المقريزى: «وكان غاية فى الجهل»
وتوفّى الشيخ الصالح المعتقد أبو عبد الله محمد بن سلامة النّويرىّ المغربىّ المعروف بالكركى لطول إقامته بمدينة الكرك فى خامس عشرين شهر ربيع الأوّل، وكان عند الملك الظاهر برقوق بمنزلة مكينة جدّا، كان يجلسه فوق قضاة القضاة، ولم يغيّر لبس العباءة، ولا أخذ من الملك الظاهر شيئا من المال، وكان الناس فيه على قسمين ما بين مفرط فى مدحه، وما بين مفرط فى الحطّ عليه. وتولّى الأمير يلبغا السالمى تجهيزه، وبعث السلطان مائتى دينار للقراءة على قبره مدّة أسبوع.
وتوفّى الأمير سيف الدين آق بلاط بن عبد الله الأحمدى الظاهرى أحد أمراء العشرات ورأس نوبة فى شهر ربيع الآخر، وكان تركىّ الجنس شجاعا.
وتوفّى الأمير سيف الدين طوغاى بن عبد الله العمرى أحد أمراء العشرات بالديار المصرية، ونقيب الفقراء السّطوحيّة فى أوّل شهر ربيع الأوّل، وكان ديّنا خيّرا يحب الفقراء، ويتردّد لزيارة الصالحين.
وتوفّى الشيخ برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد البعلبكّى الدمشقى الضرير المعروف بالبرهان الشامى فى ثامن جمادى الأولى، وكان فاضلا أديبا فقيها.
وتوفّى الأمير سولى «1» بن قراجا بن دلغادر التّركمانى، صاحب أبلستين «2» ، قتل غيلة على فراشه، وكان غير مشكور السيرة، كثير الشرور والفتن.
وتوفّى الأمير شرف الدين موسى بن قمارى أمير شكار فى ثانى عشر شهر رجب وكان من جملة أمراء العشرات.
وتوفّى الشيخ الأديب المادح أبو الفتح محمد بن الشيخ العارف على البديوىّ فى ثامن عشر جمادى الآخرة بالنّحريرية «3» ، وكان أكثر شعره مدائح.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع واثنا عشر إصبعا- مبلغ الزيادة. تسعة عشر ذراعا وسبعة أصابع والله تعالى أعلم.