الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ما وقع من الحوادث سنة 793]
السنة الثانية من سلطنة الملك الظاهر برقوق الثانية على مصر وهى سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة.
فيها توفّى الأمير شهاب الدين أحمد ابن الأمير الكبير الحاج آل ملك الجوكندار فى يوم الأحد ثانى عشرين جمادى الآخرة.
وتوفّى قاضى القضاة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عمر بن مسلم بن سعيد ابن بدر القرشىّ الدمشقى الشافعى قاضى قضاة دمشق بخزانة «1» شمائل، بعد عقوبات شديدة فى ليلة الأحد «2» تاسع شهر رجب، وكان غير مشكور السّيرة، مسرفا على نفسه، وهو ممن قام على الملك الظاهر برقوق بدمشق، وحرّض العامّة على قتاله وقد مرّ من ذكره ما فيه غنية عن ذكره ثانيا.
وتوفّى الأمير حسام الدين حسين بن علىّ بن الكورانىّ أحد أمراء الطبلخانات ووالى القاهرة مخنوقا بخزانة شمائل بعد عقوبات كثيرة، فى عاشر شعبان، وكان غير مشكور السيرة وفيه ظلم وجبروت، قتل من الزّعر فى أيام ولايته خلائق لا تدخل تحت حصر.
وتوفّى الشيخ الإمام العالم العلّامة جلال الدين جلال بن رسول «3» بن أحمد بن يوسف العجمىّ الثّيرىّ «4» التّبّانىّ الحنفىّ خارج القاهرة فى يوم الجمعة ثالث [عشر «5» ]
شهر رجب، والتّبانىّ نسبة إلى سكنه، موضع خارج القاهرة بالقرب من باب الوزير، يقال له: التبّانة «1» ، وكان إماما عالما بفنون كثيرة، أفتى وأقرأ ودرّس عدّة سنين، وعرض عليه قضاء مصر فامتنع عفّة منه. وله مصنفات كثيرة: منها «شرح المنار» فى أصول الفقه، و «شرح مختصر ابن الحاجب» وخرّج أيضا «مختصر التلويح فى شرح الجامع الصحيح» للحافظ مغلطاى، وله «منظومة فى الفقه» ، وشرحها فى أربع مجلدات، وله «مختصر فى ترجيح الإمام أبى حنيفة» ، وله تعليق على البزدوى ولم يكمله، وشرح كتبا كثيرة غير ذلك، وأصله من بلدة بالروم يقال لها: ثيرة بكسر (الثاء المثلثة) وسكون الياء آخر الحروف.
وتوفّى الشيخ المعتقد الصالح على الروبىّ فى رابع ذى الحجة، وكان للناس فيه اعتقاد ويقصد للزيارة للتبرك به.
وتوفّى قاضى القضاة شمس الدين محمد بن يوسف الرّكراكىّ المالكىّ قاضى قضاة الديار المصرية وهو قاض بحمص «2» ، فى رابع عشر شوّال، وقد تجرّد صحبة السلطان، وكان عالما ديّنا مشكور السّيرة.
وتوفّى شيخ الخانقاه «3» الصلاحيّة سعيد السعداء شهاب الدين أحمد بن الأنصارى الشافعى فى عاشر ذى القعدة.
وتوفّى قاضى قضاة الحنابلة بدمشق الشيخ شرف الدين عبد القادر بن شمس الدين محمد بن عبد القادر الحنبلى النابلسى الدمشقى فى عيد الأضحى بدمشق، وكان فقيها فاضلا، أفتى ودرّس.
وتوفّى القاضى «1» فتح الدين أبو بكر محمد ابن القاضى عماد الدين أبى إسحاق إبراهيم ابن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن أبى الكرم محمد الدّمشقى الشافعى المعروف بابن الشّهيد كاتب سرّ دمشق قتيلا بخزانة «2» شمائل، فى ليلة الثلاثاء تاسع عشرين شعبان، وكان ممن خرج على الملك الظاهر برقوق ووافق منطاشا، وحرّض على قتال برقوق، وقد مرّ من ذكره نبذة كبيرة عند حضوره إلى القاهرة مع جنتمر نائب دمشق وابن القرشى قاضى دمشق وغيرهما، وكان فتح الدين رئيسا فاضلا بارعا فى الأدب والترسّل، مشاركا فى فنون كثيرة، ماهرا فى التفسير، مليح الخطّ، وله مصنفات، منها: أنه نظم السّيرة النبوية لابن هشام، فى مسطور مرجّز، وجملتها خمسون ألف بيت، ولمّا ولى كتابة سرّ دمشق، قال فيه بدر الدين ابن حبيب:(السريع)
كتابة السرّ علا قدرها
…
بابن الشهيد الألمعىّ «3» الأديب
وكيف لا تعلو وقد جاءها
…
(نصر من الله وفتح قريب)
ومن شعر القاضى فتح الدين هذا- رحمه الله قوله: (الوافر)
مدير الكأس حدّثنا ودعنا
…
بعيشك عن كؤوسك والحثيث «1»
حديثك عن قديم الراح «2» يغنى
…
فلا تسق الأنام سوى الحديث
وله: (الكامل)
قاسوا حماة «3» بجلّق «4» فأجبتهم
…
هذا قياس باطل وحياتكم
فعروس جامع جلّق ما مثلها
…
شتان بين عروسنا وحماتكم
وله فى عين بعلبك «5» رحمه الله (الكامل)
ولقد أتيت لبعلبكّ فشاقنى
…
عين بها روض النعيم منعّم
فلأهلها من أجلها أنا مكرم
…
ولأجل عين ألف عين تكرم
وتوفى الأمير الكبير يلبغا بن عبد الله الناصرىّ اليلبغاوىّ قتيلا بقلعة حلب «6» ، وهو صاحب الوقعة مع الملك الظاهر برقوق التى خلع الملك الظاهر فيها من الملك وحبس بالكرك «7» ، وكان أصله من أكابر مماليك يلبغا العمرى أستاذ برقوق، وتولّى فى أيام أستاذه يلبغا إمرة طبلخاناه، ثم صار أمير مائة ومقدّم ألف بالقاهرة فى دوله الملك الأشرف شعبان، وكان معه فى العقبة «8» ، ثم ملك باب السلسلة «9» من الإسطبل
السلطانىّ، كلّ ذلك وبرقوق لم يتأمّر إلّا من نحو شهر واحد، ثم وقع له أمور وحبس ونفى إلى البلاد الشامية على إمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق حتى ولى نيابة حلب عن المنصور علىّ، ثم عن أخيه، ثم عن الملك الظاهر برقوق، ثم أطلقه وولّاه نيابة حلب ثانيا، فعصى بعد مدّة ووافق منطاش، وقهر الظاهر برقوقا وخلعه من السلطنة وحبسه بالكرك ورشّح إلى سلطنة مصر، فامتنع غاية الامتناع وسلطن الملك الصالح حاجيّا ثانيا ولقبّه بالمنصور، وصار هو مدبّر مملكته، وحكم مصر إلى أن خرج عليه منطاش وكسره وقبض عليه وحبسه بسجن الإسكندرية «1» ، إلى أن أفرج عنه الملك الظاهر برقوق لما خرج من حببس الكرك وكسر منطاش وتسلطن ثانيا، فأخرجه ولم يؤاخذه، وندبه لقتال منطاش ثم ولّاه نيابة الشام بعد قتل الجوبانى ثم قبض عليه فى هذه السنة، وقتله بقلعة حلب ليلته هو وكشلى أمير آخوره والأمير محمد بن المهمندار نائب حماة، وقد تقدّم ذلك كله مفصلا فى ترجمة الملك الظاهر برقوق الأولى والثانية، وترجمة المنصور حاجّى، فإنه كان فى الحقيقة هو السلطان، وحاجى له الاسم لا غير، فيكتفى بما وقع من ذكره هناك، ولا حاجة للإعادة هنا.
وكان يلبغا الناصرىّ من أجلّ الملوك عفّة وصيانة، ولى مصر وخلع الملك الظّاهر، وولى الملك المنصور، ولم يقتل أحدا صبرا «2» غير واحد يسمّى سودون من مماليك الظاهر، ويكفيه من عفته عن سفك الدماء عدم قتله للملك الظاهر برقوق بعد أن أشار عليه جميع أصحابه بقتله وكان مذهبى فيه أنّ الملك الظاهر برقوقا لا يقتله