المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما وقع من الحوادث سنة 802] - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ١٢

[ابن تغري بردي]

الفصل: ‌[ما وقع من الحوادث سنة 802]

وفى يوم ثامن عشر المذكور خرج سودون الطيّار لكشف الأخبار، فدخل دمشق فى العشرين منه، وهذا شىء من وراء العقل، كونه يصل من مصر إلى الشام فى يومين.

وفى أواخر ذى الحجة قدم الخبر بأن تنم نائب الشام خرج عن الطاعة، وقبض جانبك اليحياوى الظاهرى، الذي كان ولى نيابة قلعة دمشق، ولم تسلّم له قلعة دمشق، وأنه أرسل إلى نائب الصّبيبة «1» . فأفرج عن آقبغا اللكّاش، وألجيبغا الحاجب، وخضر الكريمى، واستدعاهم إلى دمشق، فقدموا عليه، فلم يتحرّك بسبب ذلك ساكن بمصر لاختلاف الكلمة.

[ما وقع من الحوادث سنة 802]

ثم فى يوم الثلاثاء حادى عشرين المحرم سنة اثنتين وثمانمائة، ركب السلطان الملك الناصر من قلعة الجبل، ومعه الأمير الكبير أيتمش البجاسى، والوالد أمير سلاح، وسائر الأمراء، ونزل إلى تربة أبيه «2» بالصحراء وزاره، ثم عاد بعد أن شقّ القاهرة، وطلع إلى القلعة، وهذا أوّل ركوب الملك الناصر.

ثم فى هذه الأيام تزايد الاختلاف بين أكابر الأمراء، وبين الأمراء الخاصّكية واشتدّت الوحشة بين الطائفتين، واتّفق سودون طاز، وسودون من زاده، وجركس القاسمى المصارع، وآقباى من حسين شاه، وبشباى وغيرهم، وانضموا على الأمير يشبك الشعبانى الخازندار، وصاروا فى عصبة قوية وشوكة شديدة، واستمالوا جماعة كبيرة من خجداشيّتهم «3» الظاهرية، الذين بالأطباق من القلعة،

ص: 180

وتأكّدت الفتنة، وشرعت كلّ من الطائفتين تدبّر على الأخرى، فأخذ الأمراء الخاصكيّة يتخوّفون من تنم نائب الشام، فأرسلوا بتفويض أمور البلاد الشامية إليه، فلما وصل ذلك إلى تنم على يد مملوكه سونجبغا، فى ثالث عشر المحرم، وقرئ المرسوم الشريف الذي على يده بدار السعادة، وفيه أنه يعزل من شاء، ويولّى من شاء، ويطلق من شاء من المسجونين، فأرسل أطلق الأمير جلبان الكمشبغاوى الظاهرى المعروف بقراسقل المعزول عن نيابة حلب، ثم عن أتابكيّة دمشق، من سجن قلعة دمشق فى ليلة الجمعة رابع عشرين المحرم، وأطلق أيضا الأمير أزدمر أخا إينال اليوسفى، ومحمد بن إينال اليوسفى، من سجن طرابلس وأحضرهما إلى دمشق، ثم بعث إلى نوّاب البلاد الشامية يدعوهم إلى طاعته، وإلى القيام معه فأجابه الأمير آقبغا الجمالى الأطروش نائب حلب، والأمير يونس بلطبا نائب طرابلس، والأمير ألطنبغا العثمانى الظاهرى نائب صفد، وامتنع من إجابته الأمير دمرداش المحمدى الظاهرى، نائب حماة، ثم بعث تنم إلى طرابلس بتجهيز شينى «1» فى البحر إلى ثغردمياط، ليحمل فيه الأمير نوروز الحافظى، وغيره من الأمراء الذين بثغردمياط، فبادر ناصر الدين محمد بن بهادر المؤمنى، فتسلم برج الأمير أيتمش بطرابلس، وركب البحر إلى دمياط، وقدم إلى القاهرة، وأعلم القوم بما قصده تنم، فكتب على يده عدّة ملطّفات إلى الأمير قرمش حاجب حجّاب طرابلس، وإلى القضاة والأعيان بأن قرمش يركب على يونس بلطا نائب طرابلس ويقتله، ويلى نيابة طرابلس عوضه، فاتفق أنّ يونس المذكور قبض على قرمش الحاجب وقتله قبل وصول ابن بهادر إلى طرابلس، ثم إن تنم استدعى الأمير علاء الدين علىّ بن الطبلاوى المقدّم ذكره فى ترجمة الملك الظاهر برقوق لمّا

ص: 181

صودر وحبس بخزانة «1» شمائل، ثم نفى وخلع عليه، وأقامه متحدّثا فى أمور الدولة:

كما كان فى ديار مصر، فأخذ ابن الطبلاوى هذا فى الإفحاش فى أمر الشاميّين، وطرح عليهم السّكّر الواصل من الغور «2» ، بحيث إنه طرح ذلك على الناس، حتى على الفقهاء ونقباء القضاة، فتنكّرت القلوب عليه، وقدم الخبر بهذا كلّه إلى الديار المصرية، فتحقّق عند ذلك أعيان الدولة عصيان تنم وصرّح الأمراء الخاصكية بأن الأمير الكبير أيتمش، والوالد وجماعة من أكابر الأمراء بالديار المصرية، قد وافقوا تنم على ذلك، وكاتبوه بالخروج، ولم يكن لذلك صحّة، فأخذ الأمراء الخاصّكية وكبيرهم يشبك الشعبانىّ الخازندار، فى التدبير على أيتمش ورفقته، واتفقوا على أمر يكون فيه زوال أيتمش وأصحابه، وعلّموا السلطان الملك الناصر فرجا يقول يقوله إلى أيتمش.

فلمّا كان يوم الخميس سادس شهر ربيع الأول من سنة اثنتين وثمانمائة وجميع الأمراء بالخدمة السلطانية، ابتدأ السلطان الملك الناصر بالكلام مع الأمير الكبير أيتمش، وقال له: يا عمّ أنا قد أدركت وبلغت الحلم، وأريد أن أرشد فقال له أيتمش: السمع والطاعة، واتّفق مع الأمراء الخاصكيّة على ترشيد السلطان وصوّب ذلك جميع الأمراء؛ إلّا الوالد وفارس الحاجب، وخالفا الجميع، فأخذ الأتابك أيتمش يحسّن ذلك للوالد ولفارس، حتى أذعنا على رغمها لترشيد السلطان وأنهم يمتثلون بعد ترشيده سائر ما يرسم به، وطلب فى الحال الخليفة والقضاة والسراج البلقينىّ ومفتى دار العدل فحضروا، وقام سعد الدين إبراهيم بن غراب ناظر الجيش والخاصّ، وادّعى على الأمير الكبير أيتمش، بأن السلطان قد بلغ رشده

ص: 182

وشهد عدّة من الأمراء الخاصكيّة بذلك، ولم يكن لذلك صحّة فحكم القضاة بعد البيّنة برشد السلطان، وخلع على الخليفة وقضاة القضاة وعلى الأمير الكبير أيتمش وانفضّ الموكب، ونزل الأمير الكبير إلى داره التى كان يسكن بها بالقرب من باب الوزير «1» ومعه جميع الأمراء، فلما سار أيتمش حتى صار تحت الطبلخاناه السلطانية، وطلب أن يسلّم على الأمراء، والتفت برأس فرسه، وقد وقف له جميع الأمراء لردّ سلامه، وقبل أن يسلّم عليهم، قال له الوالد: إلى أين يتوجّه الأمير الكبير من هنا؟ قال الأمير أيتمش: إلى بيتى! أو ما علمت بما وقع عليه الاتفاق من ترشيد السلطان، وأنه يستبدّ بالأمور، وأنزل أنا من باب السّلسلة إلى دارى! فقال الوالد: نعم، وقع ذلك، غير أنه بنزولك تسكن الفتنة، اطلع إلى باب السلسلة، وامكث به اليوم، وخذ فى نقل قماشك شيئا بعد شىء إلى الليل حتى نبرم أمرا نفعله فى هذه الليلة، فإذا أصبحت فانزل إلى دارك، فقال أيتمش: يا ولدى! ليس ذلك مصلحة ويقيم- من له غرض فى إثارة الفتنة- الحجّة علينا، فألح عليه الوالد حتى سمع كلامه كلّ أحد، وأيتمش لا يذعن إليه، وأبى إلّا النزول إلى داره، ثم سلّم عليهم، والتفت برأس فرسه، فقال الوالد: أخربت بيتك وبيوتنا بسوء تدبيرك، وعاد الوالد إلى جهة داره، بخط الصليبة «2» عند حمام «3» الفارقانى، ومعه سائر الأمراء،

ص: 183