المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما وقع من الحوادث سنة 804] - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ١٢

[ابن تغري بردي]

الفصل: ‌[ما وقع من الحوادث سنة 804]

[ما وقع من الحوادث سنة 804]

ثم فى محرم سنة أربع وثمانمائة، كتب الأمراء بمصر لأمراء دمشق بالقبض على الوالد «1» ، فكتب للوالد بذلك بعض أعيان أمراء مصر، فسبق ذلك المثال السلطانى، فركب الوالد من دار السعادة «2» بدمشق فى نفر من مماليكه فى ليلة الجمعة ثانى عشرين المحرم وخرج إلى حلب، فتعين لنيابة «3» دمشق عوضا عن الوالد، الأمير آقبغا الجمالى الأطروش أتابك دمشق وكتب بانتقال دقماق نائب صفد إلى نيابة حلب، عوضا عن دمرداش المحمّدى بحكم عصيانه وانضمامه على الوالد لمّا قدم عليه من دمشق، واستقر الأمير تمربغا المنجكى فى نيابة صفد عوضا عن دقماق.

وأما الوالد رحمه الله فإنه لمّا سار إلى حلب وجد الأمير دمرداش نائب حلب قد قبض على الأمير خليل بن قراجا بن دلغادر أمير التركمان «4» ، فأمره الوالد

ص: 281

بإطلاقه، فاطلقه، واتفق الجميع على الخروج عن طاعة السلطان بسبب من حوله من الأمراء، واجتمع عليهم خلائق من التركمان وغيرهم على ما سيأتى ذكره.

ثم وقع بين أمراء مصر، وهو أن سودون الحمزاوى وقع بينه وبين أكابر الأمراء، مثل نوروز، وجكم، وسودون طاز، وتمربغا المشطوب، وقانى باى العلائى، فانقطعوا الجميع عن الخدمة السلطانية من أول صفر، وعزموا على إثارة فتنة، فلبس سودون الحمزاوى آلة الحرب فى داره، واجتمع عليه من يلوذ به.

وكان الأمراء المذكورون، قد عيّنوا قبل ذلك للخروج من ديار مصر ثمانية انفس، وهم سودون الحمزاوى المذكور، وسودون بقجة وهما «1» من أمراء الطبلخانات ورءوس نوب، وأزبك الدوادار، وسودون بشتو وهما من أمراء العشرات، وقانى باى الخازندار، وبردبك وهما من الخاصكية، وآخرين «2» ، ولما لبس الحمزاوى مشت الرسل بينهم فى الصلح إلى «3» أن وقع الاتفاق على خروج سودون الحمزاوى إلى نيابة صفد، وإقامة الباقين بمصر من غير حضورهم إلى الخدمة السلطانية.

ثم فى سابع عشرين صفر المذكور، أخلع على سودون الحمزاوى بنيابة صفد وبطل ولاية تمربغا المنجكى من صفد.

وفى هذا الشهر، حضر الأمير ألطنبغا العثمانى نائب صفد كان «4» ، والأمير عمر ابن الطحّان نائب غزّة كان، من أسر تيمور لنك، وذكرا أنّهما فارقاه من أطراف بغداد.

ص: 282

ثم فى يوم الاثنين نصف شهر ربيع الأوّل من سنة أربع وثمانمائة، طلع الأمير نوروز الخدمة السلطانية، بعد ما انقطع عنها زيادة على شهر، فخلع عليه خلعة الرضا.

ثم فى ثامن عشره، طلع الأمير جكم من عوض الدوادار الخدمة بعد ما انقطع عنها مدّة شهرين وخلع عليه أيضا، هذا ودقماق نائب حلب، وأقبغا الأطروش نائب الشأم فى الاستعداد وجمع التركمان والعشير لقتال الوالد ودمرداش.

ثم خرج الوالد ودمرداش من حلب إلى ظاهرها لانتظار دقماق وقتاله.

ثم إن السلطان فى شهر ربيع الآخر أخلع على جمق رأس نوبة باستقراره دوادارا ثانيا عوضا عن چركس المصارع، وكانت شاعرة من يوم مسك چركس المذكور، واستقرّ مبارك شاه الحاجب وزيرا عوضا عن علم الدين يحيى المعروف بأبى كمّ، وقبض على أبى كم وسلّم لشادّ الدواوين «1» للمصادرة.

وفى العشر الأخير من هذا الشهر استقر جلال الدين عبد الرحمن بن شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقينى قاضى قضاة الديار المصرية بعد عزل القاضى ناصر الدين الصالحى، وهذه أول ولاية جلال الدين البلقينى.

ثم فى ثامن جمادى الأولى استقر الأمير ألطنبغا العثمانى نائب صفد كان، فى نيابة غزّة عوضا عن الأمير صرق بعد عزله.

ثم ابتدأت الفتنة بين الأمراء، وطال الأمر وانقطع جكم ونوروز عن الخدمة السلطانية أياما كثيرة.

ص: 283

ودخل شهر رمضان وانقضى، ولم يحضروا الهناء بالعيد، ولا صلّوا صلاة العيد مع السلطان.

واستهلّ شوّال فقويت فيه القالة بين الأمراء، وأرجف بوقوع الحرب غير مرّة.

فلما كان يوم الجمعة ثانى شوّال ركب الأمراء للحرب بالسلاح، ونزل الملك الناصر إلى الإسطبل السلطانىّ عند سودون طاز الأمير أخور، وركب الأمير نوروز وجكم وخصمهما سودون طاز، ووقع الحرب بينهم من بكرة النهار إلى العصر.

فلما كان آخر النّهار بعث السلطان بالخليفة المتوكّل على الله والقضاة الأربعة إلى الأمير نوروز فى طلب الصّلح، فلم يجد نوروز بدّا من الصلح وترك القتال، وخلع عنه آلة الحرب، فكف الأمير جكم أيضا عن الحرب «1» ، وكان ذلك مكيدة من سودون طاز، فإنه خاف أن يغلب ويسلمه السلطان إلى أخصامه، فتمّت مكيدته بعد ما كاد أن يؤخذ، لقوّة نوروز وجكم بمن معهما من الأمراء والخاصكيّة، وسكنت الفتنة، وبات الناس فى أمن وسكون.

فلما كان يوم السبت ركب الخليفة والقضاة، وحلّفوا الأمراء بالسمع والطاعة للسلطان، فطلع الأمير نوروز إلى الحدمة فى يوم الاثنين خامس شوّال، وخلع عليه السلطان، وأركبه فرسا بسرج ذهب وكنبوش زركش.

ثم طلع الأمير جكم فى ثامنه وهو خائف ولم يطلع قانى باى ولا قرقماس، وطلبا فلم يوجدا فجهز إليهما خلعتان، على أن يكون قانى باى نائبا بحماه، وقرقماس حاجبا بدمشق، ونزل جكم بغير خلعة فكاد أن يهلك لكونه لم يخلع عليه.

ص: 284

وعند ما جلس بداره نزل إليه جرباش الشيخى رأس نوبة، وبشباى الحاجب الثانى يطلبان قانى باى منه ظنا أنه اختفى عنده، فأنكر أن يكون عنده وصرفهما بجواب ملفّق.

ثم ركب من ليلته بمن معه من الأمراء والمماليك وأعيانهم قمش الخاصكى الخازندار، ويشبك الساقى، وهو الذي صار أتابكا فى دولة الأشرف برسباى، ويشبك العثمانى، وألطنبغا جاموس، وجانيباى الطيبى، وبرسبغا الدوادار، وطرباى الدوادار، وساروا الجميع إلى بركة الحبش خارج القاهرة، ولحق بهم فى الحال قانى باى، وقرقماس الرماح، وأرغز، وقبجق، ونحو الخمسمائة مملوك من المماليك السلطانية، وغيرهم وأقاموا جميعا ببركة الحبش إلى ليلة السبت عاشر شوال فأتاهم الأمير نوروز، وسودون من زاده رأس نوبة، وتمربغا المشطوب، فى نحو الألفين من المماليك السلطانية وغيرهم، وأقاموا جميعا ببركة الحبش إلى ليلة الأربعاء رابع عشر شوال، وأمرهم فى زيادة وقوّة، بمن يأتيهم أوّلا بأوّل من الأمراء والمماليك السلطانية.

وفى الليلة المذكورة، دبّر سودون طاز أمره وطلع إلى السلطان، وأنزله إلى الإسطبل السلطانىّ وبات به.

فلمّا أصبح بكرة يوم الأربعاء المذكور، ركب السلطان فيمن معه من الأمراء والخاصكية ونزل من القلعة، وسار نحو بركة الحبش من باب «1» القرافة، بعد ما نادى فى أمسه بالعرض، واجتمع إليه جميع عساكره، وقد صف سودون طاز عساكر

ص: 285

السلطان، فلما قارب بركة الحبش، ركب نوروز وجكم بمن معهما أيضا، من الأمراء والمماليك السلطانية، فصدمهم سودون طاز بالعسكر السلطانىّ صدمه كسرهم فيها، وأسر الأمير تمربغا المشطوب، وسودون من زاده، وعلى بن إينال وأرغز، وهرب نوروز وجكم فى عدّة كثيرة من الأمراء والمماليك إلى «1» بلاد الصعيد، وعاد السلطان ومعه الأمراء وسودون طاز مظفّرا منصورا، وقيّد سودون طاز الأمراء الممسوكين «2» ، وبعثهم إلى الإسكندرية فى ليلة السبت سابع عشره، وسار نوروز وجكم إلى أن وصلا إلى منية القائد «3» ، ثم عادوا إلى طموه «4» ونزلوا على ناحية منبابة «5» ، من برّ الجيزة تجاه بولاق، وطلب الأمير يشبك الشعبانى الدوادار من سجن الإسكندرية، فقدم يوم الاثنين تاسع عشره إلى قلعة الجبل، ومعه خلائق ممن خرج إلى لقائه، فقبّل الأرض ونزل إلى داره، كل ذلك والأمراء بالجيزة.

فلما كان ليلة الثلاثاء عشرين شوّال ركب الأمير نوروز نصف الليل وعدّى النيل، وحصر إلى بيت الأمير الكبير بيبرس، وكان قد تحدّث هو وإينال باى من قجماس مع السلطان فى أمر نوروز حتى أمّنه ووعده بنيابة دمشق، وكان ذلك

ص: 286

أيضا من مكر سودون طاز، فمشى ذلك على نوروز وحضر، فاختلّ عند ذلك أمر جكم، وتفرّق منه من كان معه، وصار فريدا، فكتب إلى الأمير بيبرس الأتابك يسأله «1» فى الحضور، فبعث إليه الأمير أزبك الأشقر رأس نوبة، والأمير بشباى الحاجب، وقدما به ليلة الأربعاء حادى عشرين شوّال إلى باب السلسلة «2» من الإسطبل السلطانى؛ فتسلمه عدوّه الأمير سودون طاز، وأصبح وقد حضر الأمير يشبك وسائر الأمراء للسلام عليه، فلما كانت ليلة الخميس ثانى عشرينه، قيّد وحمل إلى الإسكندرية، فسجن بها فى البرج الذي كان سجن يشبك الدوادار فيه، وسكن يشبك مكانه وعلى إقطاعه بعد ما حبس بالإسكندرية نحوا من سنة، واستقرّ دوادارا على عادته عوضا عن جكم المذكور؛ على ما سيأتى ذكره.

وأما أمر البلاد الشأميّة فإن دقماق جمع جموعه من العساكر والتركمان لقتال الوالد ودمرداش نائب حلب، وسار إلى جهة الوالد «3» ، فخرج إليه الوالد وعلى مقدّمته دمرداش، وصدموه صدمة واحدة انكسر فيها بجموعه وولّوا الأدبار، ونهب ما معهم. وعاد دقماق منهزما إلى دمشق، واستنجد بنائبها الأمير آقبغا الجمالى الأطروش، وكتب أيضا دقماق لجميع نوّاب البلاد الشامية بالحضور والقيام بنصرة السلطان، وجمع من التركمان والعربان جمعا كبيرا، وخرج معه غالب العساكر

ص: 287

الشأمية، وعاد إلى جهة حلب بعساكر عظيمة، والوالد ودمرداش فى مماليكهم لا غير؛ مع جدب البلاد الحلبية، وخراب قراها، فإنه عقيب توجه تيمور بسنة واحدة وأشهر.

فلما قارب دقماق بعساكره حلب أشار دمرداش على الوالد بالتوجه إلى بلاد التركمان من غير قتال، فقال الوالد لا بدّ من قتالنا معه، فإن انتصرنا وإلا توجهنا إلى بلاد التركمان بحق، فتوجّها «1» لدقماق بمماليكهما، وقد صف دقماق عساكره واقتتلا قتالا شديدا، وثبت كل من الفريقين وقد أشرف دقماق على الهزيمة.

وبينما هو فى ذلك خرج من عسكر الوالد ودمرداش جماعة إلى دقماق، فانكسرت عند ذلك الميمنة.

ثم انهزم الجميع إلى نحو بلاد التركمان، فلم يتبعهم أحد من عساكر دقماق، وملك دقماق حلب، واستمرّ الوالد ودمرداش ببلاد التركمان؛ على ما سيأتى ذكره.

وأما ما وقع بمصر فإنه لما حبس جكم من عوض بالإسكندرية، أخلع على نوروز الحافظى فى بيت بيبرس فى يوم الأربعاء بنيابة دمشق، وتوجه إلى داره.

فلما كان من الغد فى يوم الخميس قبض عليه وحمل إلى باب السلسلة فقيد به وحمل من ليلته، وهى ليلة الجمعة ثالث عشرين شوال إلى الإسكندرية، فسجن بها، وغضب لذلك الأميران بيبرس الأتابك، وإينال باى من «2» قجماس، وتركا طلوع الخدمة السلطانية أياما.

ثم أرضيا وطلعا إلى الخدمة، وراحت على نوروز، واختفى الأمير قانى باى العلائى وقرقماس الرمّاح، فلم يعرف خبرهما.

ص: 288

فلما كان يوم الاثنين ثالث ذى القعدة، أنعم السلطان بإقطاع الأمير نوروز على الأمير إينال العلائى المعروف بحطب رأس نوبة بعد أن أخرجوا منه النحريرية.

وأنعم السلطان بإقطاع قانى باى العلائى على الأمير علّان جلّق، وبإقطاع تمربغا المشطوب على الأمير بشباى الحاجب الثانى، فلم يرض به، فاستقر باسم قطلوبغا الكركى، وكان إقطاعه قبل حبسه بالإسكندرية، وهو إلى الآن لم يحضر من سجن الإسكندرية. وبقى بشباى على طبلخانته.

وأنعم بإقطاع جكم من عوض على الأمير يشبك الشعبانى الدوادار، وهو إقطاعه أيضا قبل حبسه بالإسكندرية.

وأنعم على الأمير بيغوت بإمرة طبلخاناة، وعلى أسنبغا المصارع بإمرة طبلخاناة وعلى سودون بشتا «1» بإمرة طبلخاناة.

ثم فى سادس ذى القعدة، قدم الأمراء من سجن الإسكندرية من أصحاب يشبك، وهم الأمير آقباى طاز الكركى الخازندار، وقطلوبغا الحسنى الكركى و چركس القاسمى المصارع، وصعدوا إلى القلعة، وقبّلوا الأرض بين يدى السلطان ثم نزلوا إلى بيوتهم، ثم رسم السلطان بانتقال الأمير شيخ المحمودى الساقى من نيابة طرابلس إلى نيابة دمشق، بعد عزل الأمير آقبغا الجمالى الأطروش، وتوجّهه إلى القدس بطّالا.

ولما كان يوم الثلاثاء ثامن عشر ذى القعدة لعب الأمراء الكرة فى بيت الأتابك بيبرس، فاجتمع على باب بيبرس من المماليك السلطانية نحو الألف مملوك يريدون الفتك بسودون طاز.

ص: 289