المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما وقع من الحوادث سنة 797] - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ١٢

[ابن تغري بردي]

الفصل: ‌[ما وقع من الحوادث سنة 797]

وتوفّى أيضا صاحب مملكة فاس «1» من بلاد الغرب- السلطان أبو العباس أحمد «2» بن أبى سالم بن إبراهيم بن أبى الحسن المرينى ملك الغرب فى المحرّم، وأقيم بعده ابنه أبو فارس عبد العزيز.

قلت: وهو يشارك المقدّم ذكره فى الاسم والكنية واسم الأب والجدّ.

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع سواء. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعا وأحد عشر إصبعا. والله تعالى أعلم.

[ما وقع من الحوادث سنة 797]

السنة السادسة من سلطنة الملك الظاهر برقوق الثانية على مصر وهى سنة سبع وتسعين وسبعمائة.

فيها توفّى «3» الشيخ برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم الآمدى الدّمشقى الفقيه الحنبلى أحد أصحاب ابن تيميّة.

وتوفى الأمير علاء الدين ألطنبغا بن عبد الله الحلبى الأشرفى، وهو مسجون بقلعة حلب، وكان من أعيان المماليك الأشرفية؛ وأحد أكابر الأمراء بديار مصر.

وتوفّى الشيخ المعتقد المجذوب أبو بكر البجائى «4» المغربى، أحد من أوصى السلطان الملك الظاهر برقوقا أن يدفن تحت رجليه فى يوم السبت خامس جمادى

ص: 143

الآخرة، ودفن خارج باب النصر حيث هى التربة الظاهرية «1» الآن، وكانت جنازته مشهودة، وأخرجه السلطان وجهّزه على يد الأمير يلبغا السالمى «2» ؛ وكان للناس فيه اعتقاد لا سيّما الظاهر برقوق فإنه كان له فيه اعتقاد.

وتوفّى العلّامة صدر الدين «3» بديع بن نفيس التّبريزى رئيس الأطباء بالديار المصرية فى سادس عشر شهر ربيع الأول، وهو عمّ القاضى فتح الدين فتح الله كاتب السّر الآتى ذكره، وهو الذي كفله بعد موت جدّه نفيس؛ وكان مات والد فتح الدين معتصم بن نفيس، وفتح الله طفل صغير؛ وكان بديعا ماهرا فى علم الطبّ كثير الحفظ لمتونه، وهو صاحب التصانيف المشهورة.

وتوفّى الشريف أبو الحسن على «4» بن عجلان بن رميثة، واسم رميثة منجد بن أبى نمىّ بن أبى سعد حسن بن على بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم ابن عيسى بن عيسى بن حسين بن سليمان بن على بن عبد الله بن محمد بن موسى ابن عبد الله المحض بن موسى بن الحسن السّبط بن الحسن بن على بن أبى طالب المكى الحسنى، أمير مكة المشرفة، وليها ثمانى سنين ونحو ثلاثة أشهر مستقلّا بالإمارة؛ غير سنتين أو نحوهما؛ فإنه كان فيهما شريكا لعنان «5» بن مغامس بن رميثة؛ ووقع له أمور بمكة مع الأشراف ووقائع؛ وآخر الأمر توجّه أخوه الشريف حسن «6» بن عجلان إلى القاهرة يريد إمرة مكة؛ فقبض عليه السلطان

ص: 144

وحبسه؛ وبعث إلى علىّ هذا باستمراره على إمرة مكة، فاستمرّ على إمرتها إلى ان وقع بينه وبين بعض القواد، وخرج إليهم علىّ هذا، فبدره بعضهم وسايره، وهو راكب على راحلته، والشريف علىّ هذا على فرس فرمى القائد بنفسه على الشريف علىّ المذكور وضربه بجنبيّة «1» كانت معه، فوقعا جميعا على الأرض، فوثب عليه علىّ وضربه بالسيف ضربة كاد منها يهلك، وولّى علىّ راجعا إلى الحلّة، فأغرى به شخص يقال له أبو نمىّ غلام لصهره حازم بن عبد الكريم جنديا، وعتبة وحمزة وقاسما «2» ، فوثبوا عليه وقتلوه وقطّعوه وبعثوا به إلى مكة، فدفن بالمعلاة على أبيه عجلان، وكان قتله فى يوم الأربعاء سابع شوّال «3» ، وولى إمرة مكة بعده أخوه حسن بن عجلان.

وتوفّى الأمير ناصر الدين محمد «4» بن السلطان الملك الظاهر برقوق فى يوم السبت ثالث عشرين ذى الحجة، ومولده فى مستهل شهر ربيع الأوّل سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة، وأمّه خوند الكبرى أرد «5» ، صاحبة قاعة العواميد «6» ، ومات بعد أن أعيا الأطباء داؤه الذي كان برجليه من أرياح الشّوكة. وبه مات، وكان إقطاعه الديوان المفرد الآن، فإنه لما مات جعله السلطان إقطاعه لمماليكه المشتروات

ص: 145

وأفرده فسمى المفرد من يومئذ، وجعل كاتبه الهيصم، وكان محمد هذا أكبر أولاد السلطان وأعظمهم، ووجد السلطان عليه وجدا عظيما.

وتوفّى قاضى القضاة ناصر الدين محمد «1» بن عبد الرحمن بن عبد الدائم بن محمد المعروف بابن بنت ميلق الشاذلى الصوفى، قاضى قضاة الديار المصرية، وهو معزول فى ليلة الاثنين تاسع عشرين شهر ربيع الأوّل. وكان أصله من أشموم «2» الرمان، ولد قبل سنة ثلاثين وسبعمائة، وسمع الحديث وطلب العلم وتفقّه ووعظ دهرا، وقال الشعر، وأنشأ عدّة خطب بليغة، وجمع عدّة أجزاء فى عدّة فنون، وكان يتزيّا بزىّ الفقراء ويتصدى لعمل المواعيد، واعتقده الناس وتبرّكوا به، وخطب بعدّة جوامع وصار له أتباع وشهرة كبيرة، إلى أن طلبه الملك الظاهر برقوق للقضاء بعد عزل القاضى بدر الدين محمد بن أبى البقاء، فامتنع ثم أجاب فألبسه الملك الظاهر تشريف القضاء بيده، وأخذ طيلسانه يتبرّك به.

قال المقريزى: فداخل الناس بولايته خوف ووهم، وظنوا أنه يحمل الناس على محض الحق، وأنه يسير على طريق السلف من القضاة، لما ألفوه من تشدّقه فى وعظه، وتفخّمه فى منطقه، وإعلانه بالتبكير على الكافّة، ووقيعته فى القضاة، واشتماله على لبس الخشن المتوسط من الثياب، ومعيبه على أهل التّرف، فكان أوّل

ص: 146

ما بدأ به أن عزل قضاة مصر جميعهم من العريش «1» إلى أسوان «2» ، وبعد يومين تكلم معه الحاجّ مفلح مولى القاضى بدر الدين «3» بن فضل الله كاتم السرّ فى إعادة بعض من عزله من القضاة فأعاده، فانحل ما كان معقودا بالقلوب من مهابته، ثم قلع زيّه الذي كان يلبسه، ولبس الشاش الكبير الغالى الثمن ونحوه من الثياب، وترفّع فى مقاله وفعاله، حتى كاد يصعد الجو، وشح فى العطاء ولاذبه جماعة غير محبّبين إلى الناس. فانطلقت ألسنة الكافّة بالوقيعة فى عرضه، واختلقوا عليه ما ليس فيه، فلما قدم الأمير يلبغا الناصرىّ إلى الديار المصرية، وغلب برقوقا على المملكة وبعثه إلى سجن الكرك كان هو قاضيا يومئذ فوقّع فى حقّ الظاهر، وأساء القول فيه، فبلغه ذلك قبل ذهابه إلى الكرك فأسرّها فى نفسه، فلمّا ثار منطاش على الناصرى صرف ابن ميلق هذا عن القضاء بالصدر المساوى، بعد ما كان أخذ خطّه فى الفتاوى المكتتبة فى حقّ برقوق، فلمّا عاد برقوق إلى الملك لهج «4» بدمه فتنبّهت أعين العدا لابن ميلق هذا وحسنوا للبيد فى أحمد أمين الحكم أن يقف للسلطان ويشكو ابن ميلق المذكور بسبب ما أخذه من أموال الأيتام، وكان نحو الثلاثين ألف درهم فضة، عنها قريب من ألف وخمسمائة مثقال من الذهب، فرفع فيه قصة إلى السلطان فطلبه فجاءوا به وقد حضر القضاة فأوقف مع النقباء تحت مقعد السلطان فى الميدان فحالما مثل قائما سقط مغشيا عليه، وصار على التّراب بحضرة

ص: 147

ذلك الجمع العظيم، فتقدّم بعض من كان يلوذ به ليصلح من شأنه، فصرخ فيه السلطان وترك طويلا حتى أفاق، وادّعى عليه البيد فى فلم يلحن بحجة، وألزمه القضاة بغرامة ذلك، والقيام به للأيتام من ماله، ولم يكن المال المذكور فى ذمته، وإنما كان اقترضه وصرّه للحرمين، فلزمه غصبا ورسم عليه وسجن بالمدرسة «1» الشريفية، ليدفع المال وما زال يورده حتى أتى ذلك على غالب موجوده، ثم لزم داره وذهبت عينه، وتخلّى عنه أحبابه إلى أن مات، ودفن حارج باب النصر بتربة الصوفية، فلقد كان قبل ولايته حسنة من حسنات الدهر، ما رأيت قبله أحسن صلاة منه ولا أكثر خشوعا مع حسن منطق، وفصاحة ألفاظ، وعذوبة كلام، وبهجة زىّ، وصدع فى وعظه إذا قصّ أو خطب، إلّا أنه امتحن بالقضاء، وابتلى بما أرجو أن يكون كفارة له. انتهى كلام المقريزى باختصار.

وتوفّى الشيخ شمس الدين محمد بن على بن صلاح الحريرى أحد نوّاب القضاة الحنفية، ومشايخ القرّاء بالديار المصرية، فى يوم الجمعة رابع عشرين شهر رجب.

وكان فقيها مقرئا، أقرأ ودرّس وناب فى الحكم سنين.

وتوفّى القاضى شمس الدين محمد بن عمر القليجى الحنفى مفتى دار العدل «2» ، وأحد نواب القضاة بالديار المصرية، فى ليلة الثلاثاء العشرين من شهر رجب وقد بلغ من الرياسة مبلغا عظيما، وكانت لديه فضيلة تامّة.

ص: 148

وتوفّى العلّامة شمس الدين محمد الأقصرائى الحنفى شيخ المدرسة الأيتمشية «1» بباب الوزير «2» ، فى سابع عشر جمادى الأولى، وكان إماما عالما مدرسا فقيها ذكيا حافظا، كان يلقى الدرس عند الملك الظاهر أيام إمرته، وصدرا من سلطنته، وكان خصيصا عند السلطان وله وجاهة فى الدولة، وتولّى بعد موته مشيخة الأيتمشية الشيخ سراج الدين عمر القرمى.

وتوفّى القاضى برهان الدين إبراهيم القلقشندىّ الشافعىّ موقّع الحكم، وأحد الفقهاء الشافعية فى ثالث عشرين شعبان.

وتوفّى الأمير سيف الدين طوغان بن عبد الله الظاهرىّ أمير جاندار، فى سادس عشر صفر «3» ، وكان أحد أعيان المماليك الظاهرية برقوق خصيصا عند أستاذه.

وتوفّى الشيخ نور الدين أبو الحسن على الهورينىّ الفقيه الشافعى شيخ القوصونية «4» فى شهر رجب وكان فقيها فاضلا بارعا.

وتوفّى الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن أحمد السفرى الحلبى الحنفى فى يوم الجمعة خامس شهر ربيع الأوّل، وأصله من قرية خربتا من عمل عزاز «5» ، وكان فقيها بارعا، وله مشاركة فى فنون.

ص: 149