الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعند ما خرج سودون طاز من بيت بيبرس هموا به، فتحاوطته أصحابه ومماليكه، وساق سودون حتى لحق بباب السلسلة، وامتنع بالإسطبل السلطانى حيث هو سكنه، ووقع كلام كثير. ثم خمدت الفتنة.
فلما كان رابع عشرينه، خلع السلطان على الأمير يشبك الشعبانى باستقراره دوادارا على عادته، عوضا عن الأمير جكم من عوض بحكم حبسه.
ثم فى يوم السبت رابع عشر ذى الحجة خلع السلطان على الأمير آقباى الكركى باستقراره خازندارا على عادته.
ثم فى سلخ ذى الحجة استقر الأمير جمق الدوادار الثانى فى نيابة الكرك، واستقر الأمير علّان جلّق أحد مقدّمى الألوف بديار مصر فى نيابة حماة، بعد عزل يونس الحافظى، فشقّ ذلك على سودون طاز.
ثم كتب للأمير دمرداش أمانا، وأنه يستقر فى نيابة طرابلس عوضا عن الأمير شيخ المحمودى المنتقل إلى نيابة دمشق، وكتب للأمير على بك بن دلغادر بنيابة عين تاب، وللأمير عمر بن الطحان بنيابة ملطية.
وكانت الأخبار وردت بجمع التركمان ونزولهم مع دمرداش إلى حلب، وأن دقماق نائب حلب اجتمع معه نائب حماة والأمير نعير، وأن تيمور لنك نازل على مدينة سيواس، ولم يحجّ أحد فى هذه السنة من الشام ولا من العراق.
[ما وقع من الحوادث سنة 805]
وفى يوم ثالث «1» المحرم من سنة خمس وثمانمائة أنعم السلطان بإقطاع علان جلّق المستقر فى نيابة حماة على الأمير چركس القاسمى المصارع، وبإقطاع جمق المستقر فى نيابة الكرك على آقباى الكركىّ الخازندار، وزيد عليه قرية سمسطا «2» .
هذا والكلام يكثر بين الأمراء والمماليك، والناس فى تخوّف من وقوع فتنة.
فلما كان سابع المحرم نزل الأمير سودون طاز الأمير آخور الكبير من الإسطبل السلطانى بأهله ومماليكه إلى داره، وعزل نفسه عن الأمير آخوريّة، وصار من جملة الأمراء.
ثم فى هذا الشهر قدم الوالد إلى دمشق بأمان كان كتب له من قبل السلطان مع كتب جميع الأمراء.
فلما وصل إلى دمشق خرج الأمير شيخ المحمودى إلى تلقّيه، حتى عاد معه إلى دمشق وأنزله بالقرمانية، وأكرمه غاية الإكرام بحيث إنه جاءه فى يوم واحد ثلاث مرات.
ثم خرج الوالد بعد أيام من دمشق يريد الديار المصرية، فخرج الأمير شيخ أيضا لوداعه، وسار حتى وصل [إلى «1» ] مصر فى سلخ المحرم. بعد ما خرج الأمراء إلى لقائه، وطلع إلى القلعة، وقبّل الأرض بين يدى السلطان، فأخلع السلطان عليه كاملّية بمقلب سمّور، وأركبه فرسا بسرج ذهب وكنبوش زركش.
ثم نزل إلى داره ومعه سائر الأمراء؛ وظهر الأمير قرقماس الرّماح، فشفع فيه الوالد، فإنه كان أنّبه «2» ، فقبل السلطان شفاعته.
وأما أمر سودون طاز، فإنه أقام بداره إلى ليلة الاثنين ثالث عشر صفر من سنة خمس وثمانمائة المذكورة، خرج من القاهرة بمماليكه وحواشيه إلى المرج «3»
والزيات «1» بالقرب من خانقاه سرياقوس «2» ليقيم هناك حتى يأتيه من وافقه ويركب على أخصامه ويقهرهم ويعود إلى وظيفته.
وكان خبر سودون طاز أنه لما وقع بينه وبين يشبك أولا وصار من حزب نوروز وجكم وقبضوا على يشبك وأصحابه من الأمراء وسجنوا بثغر الاسكندرية حسبما تقدم ذكره، صار تحكّم مصر له ويشاركه فى ذلك نوروز وجكم فثقلا عليه، وأراد أن يستبدّ بالأمر والنهى وحده، فدبّر فى إخراجهما حتى تم له ذلك، ظنا منه أنه ينفرد بالأمر بعدهما، فانتدب إليه يشبك الشعبانى الدوادار وأصحابه لما كان فى نفوسهم منه قديما بعد مجيئهم من حبس الاسكندرية، لأنه كان انحصر لخروجهم من الحبس.
وكان الملك الناصر يميل إلى يشبك وقطلوبغا الكركى، لأنّ كل واحد منهما كان لالته «3» .
وكان الأمير آقباى طاز الكركى الخازندار يعادى سودون طاز قديما ويقول «طاز واحد يكفى بمصر، فأنا طاز وهو طاز ما تحملنا مصر» واتفقوا الجميع عليه، وظاهرهم السلطان فى الباطن، فتلاشى أمر سودون طاز لذلك، وما زالوا فى التدبير عليه حتى نزل من الإسطبل السلطانى، خوفا على نفسه من كثرة جموع يشبك الدوادار، وجرأة آقباى الخازندار الكركى؛ فعندما نزل ظن أن السلطان يقوم بناصره، فلم يلتفت السلطان إليه، وأقام هذه المدّة من جملة الأمراء،
فشق عليه عدم تحكمه فى الدولة، وكفه عن الأمر والنهى، وكان اعتاد ذلك، فخرج لتأتيه المماليك السلطانية وغيرهم، فإنه كان له عليهم أياد وإحسان زائد عن الوصف- ليحارب بهم يشبك وطائفته، ويخرجهم من الديار المصرية، أو يقبض عليهم كما فعل أوّلا ويستبدّ بعدهم بالأمر، فجاء حساب الدهر غير حسابه، ولم يخرج إليه أحد غير أصحابه الذين خرجوا معه، وأخلع السلطان على الأمير إينال باى من قجماس باستقراره عوضه أمير آخورا كبيرا فى يوم الاثنين عشرين صفر، وبعث السلطان إلى سودون طاز بالأمير قطلوبغا الكركى يأمره بالعود على إقطاعه وإمرته من غير إقامة فتنة، وإن أراد البلاد الشأمية فله ما يختاره من النيابات بها، فامتنع من ذلك وقال: لا بدّ من إخراج آقباى طاز الكركى الخازندار أوّلا إلى بلاد الشام، فلم يوافق السلطان على إخراج آقباى، وبعث إليه ثانيا بالأمير بشباى الحاجب الثانى فلم يوافق، فبعث إليه مرة ثالثة فلم يرض، وأبى إلا ما قاله أوّلا من إخراج آقباى، فلما يئس السلطان منه ركب بالعساكر من قلعة الجبل «1» ، ونزل
جميع عساكره بالسلاح وآلة الحرب فى يوم الأربعاء سادس شهر ربيع الأوّل، فلم يثبت سودون طاز، ورحل بمن معه وهم نحو الخمسمائة من المماليك السلطانية ومماليكه، وقد ظهر الأمير قانى باى العلائى ولحق به من نحو عشرة أيام، وصار من حزبه، فتبعه السلطان بعساكره وهو يظن أنه توجه إلى بلبيس.
وكان سودون عند ما وصل إلى سرياقوس نزل من الخليج ومضى إلى جهة القاهرة وعبر من باب «1» البحر بالمقس، وتوجّه إلى الميدان، وهجم قانى باى العلائى فى عدّة كبيرة على الرّميلة «2» تحت القلعة ليأخذ باب السلسلة، فلم يقدر على ذلك، ومر السلطان الملك الناصر وهو سائق على طريق بلبيس، وتفرّقت عنه العساكر وتاهوا فى عدّة طرق.
وبينما السلطان فى ذلك بلغه أن سودون طاز توجه إلى نحو القاهرة وهو يحاصر قلعة الجبل، فرجع بأمرائه مسرعا يربد القلعة حتى وصل إليها بعد العصر، وقد بلغ منه ومن عساكره التعب مبلغا عظيما، ونزل السلطان بالمقعد المطلّ على الرّميلة من الإسطبل بباب السلسلة، وندب الأمراء والمماليك لقتال سودون طاز، فقاتلوه فى الأزقّة طعنا بالرّماح ساعة فلم يثبت، وانهزم بمن معه، وقد جرح من الفريقين جماعة كثيرة، وحال الليل بينهم، وتفرّق أصحاب سودون طاز عنه، وتوجّه كلّ واحد إلى داره، وبات السلطان ومن معه على تخوّف، وأصبح من الغد فلم يظهر لسودون طاز ولا قانى باى خبر، ودام ذلك إلى الليل، فلم يشعر الأمير يشبك وهو جالس بداره بعد عشاء الآخرة إلا وسودون طاز دخل عليه فى ثلاثة
أنفس، وترامى عليه، فقبله وزاد «1» فى إكرامه وأنزله عنده، وأصبح يوم الجمعة كتب سودون طاز وصيّته وأقام بدار يشبك إلى ليلة الأحد عاشره، فأنزل فى حرّاقة وتوجه إلى [ثغر «2» ] دمياط «3» بطّالا بغير قيد، ورتّب له بها ما يكفيه، بعد أن أنعم عليه الأمير يشبك بألف دينار مكافأة له على ما كان سعى فى أمره حتّى أخرجه من حبس الإسكندرية وعوّده إلى وظيفته وإبقائه فى قيد الحياة، فإن جكم الدوادار كان أراد قتله عند ما ظفر به، وحبسه بالإسكندرية لولا سودون طاز هذا.
وأمّا قانى باى هذا «4» فإنه اختفى ثانيا فلم يعرف له خبر، وسكنت الفتنة.
فلمّا كان خامس عشرين شهر ربيع الأوّل قدم الأمير سودون الحمزاوى نائب صفد إلى القاهرة باستدعاء من السلطان صحبة الطواشى عبد اللطيف اللّالا بسعى الأمير آقباى طاز الكركى الخازندار فى ذلك لصداقة كانت بينهما.
واخلع السلطان على الأمير شيخ السليمانى شاد الشراب خاناه، واستقرّ فى نيابة صفد عوضا عن سودون الحمزاوى، وأنعم السلطان على سودون الحمزاوى بإمرة مائة وتقدمة ألف بالقاهرة.
ثم أنعم السلطان على الوالد بإمرة مائة وتقدمة [ألف «1» ] ، وأزيد مدينة أبيار «2» من الديوان المفرد، ورسم له أن يجلس رأس ميسرة.
ثم أخرج «3» الأمير قرقماس الرمّاح إلى دمشق على إقطاع الأمير صرق. وأخلع «4» السلطان على سودون الحمزاوى المعزول عن نيابة صفد باستقراره شادّ الشراب خاناه عوضا عن شيخ السليمانى المسرطن المنتقل إلى نيابة صفد، فلم يقم سودون الحمزاوى فى المشدية إلا أياما، ومرض صديقه الأمير آقباى الكركى الخازندار ومات، فولّى الخازندارية عوضه فى يوم الاثنين سابع جمادى الآخرة.
ثم فى ليلة الأربعاء ثالث عشرين [جمادى الآخرة «5» ] غمز على قانى باى العلائى فى دار فكبس عليها «6» ، وأخذ منها، وقيّد وحمل إلى الإسكندرية.
وفى هذه الأيام ورد الخبر أن سودون طاز خرج من ثغر دمياط يوم الخميس رابع عشرين جمادى الآخرة فى طائفة، وأنه اجتمع عليه جماعة كبيرة من العربان والمماليك، فندب السلطان لقتاله الوالد والأمير تمراز الناصرى أمير مجلس وسودون الحمزاوى فى عدة أمراء أخر، وخرجوا من القاهرة، فبلغهم أنه عند الأمير [علم «7» الدين سليمان بن] بقر بالشرقية جاءه ليساعده على غرضه، فعند ما أتاه أرسل [ابن «8» ] بقر إلى الأمراء يعلمهم بأن سودون طاز عنده، فطرقه الأمراء وقبضوا عليه وأحضروه إلى القلعة فى يوم الأربعاء سلخ جمادى الآخرة.
ثم أصبح السلطان فى يوم الخميس أول شهر رجب، سمّر خمسة من المماليك السلطانية ممن كان مع [الأمير «1» ] سودون طاز، أحدهم سودون الجلب الآتى ذكره فى عدة أماكن، ثم جانبك القرمانى حاجب حجّاب زماننا هذا، فاجتمع المماليك السلطانية لإقامة الفتنة بسببهم: وتكلّم الأمراء مع السلطان فى ذلك، فخلّى عنهم، وقيّدوا وسجنوا بخزانة شمائل، ونفى سودون الجلب إلى قبرس بلاد الفرنج من الإسكندرية.
ثم فى ثالث شهر رجب حمل سودون طاز مقيّدا إلى الإسكندرية، وسجن بها عند غريمه الأمير جكم من عوض الدوادار.
وفى هذا الشهر ورد الخبر من دمشق أنه أقيمت الجمعة بالجامع الأموى وهو خراب، وكان بطّل منه صلاة الجمعة من بعد كائنة تيمور، وأن الأمير شيخا المحمودى نائب دمشق سكن بدار السعادة بعد أن عمرت، وكانت حرقت أيضا فى نوبة تيمور، وأن سعر الذهب زاد عن الحدّ، فأجيب: بأن الذهب [قد «2» ] زاد سعره بمصر أيضا، حتى صار سعر المثقال الهرجة «3» بخمسة وستين درهما، والدينار المشخّص «4» ، بستّين درهما.
ثم عقد السلطان للأمير «5» سودون الحمزاوى على أخته خوند زينب بنت الملك الظاهر برقوق، وعمرها نحو الثمان سنين، فصارت أخوات السلطان الثلاث
كل واحدة مع أمير من أمرائه، فخوند سارّة زوجة الأمير نوروز الحافظى، وخوند بيرم زوجة الأمير إينال باى بن قجماس، وخوند زينب وهى أصغر هن مع سودون الحمزاوى هذا.
ثم فى يوم الاثنين سادس عشرين شهر رجب أخلع السلطان على قاضى القضاة كمال الدين عمر بن العديم باستقراره فى قضاء الحنفية بالديار المصرية بعد أن عزل القاضى أمين الدين عبد الوهاب الطرابلسى بسفارة الوالد لصحبة كانت بينهما من حلب.
ثم فى ليلة الثلاثاء سابع عشرين شهر رجب المذكور أرسل السلطان إلى الإسكندرية الأمير أقبردى والأمير تنبك من الأمراء العشرات فى ثلاثين مملوكا من المماليك السلطانية، فوصلوها فى تاسع شعبان، وأخرجوا الأمير نوروز الحافظى، وجكم من عوض، وسودون طاز، وقانى باى العلائى من سجن الإسكندرية وأنزلوهم فى البحر المالح، وساروا بهم إلى البلاد الشأمية، فحبس نوروز وقانى باى فى قلعة الصّبيبة «1» من عمل دمشق. وحبس جكم فى حصن الأكراد «2» من عمل طرابلس، وحبس سودون طاز فى قلعة المرقب «3» ، ولم يبق بسجن الإسكندرية من الأمراء غير سودون من زاده، وتمربغا المشطوب.
ثم حوّل جكم بعد مدّة إلى قلعة المرقب عند غريمه سودون طاز.
ثم فى ثامن عشر شوّال خلع السلطان على الأمير بكتمر الرّكنى أمير سلاح باستقراره رأس نوبة الأمراء عوضا عن نوروز الحافظى، واستقرّ الأمير تمراز الناصرىّ أمير مجلس عوضه أمير سلاح، واستقرّ سودون الماردانى رأس نوبة النّوب أمير مجلس عوضا عن تمراز، واستقرّ سودون الحمزاوى رأس نوبة النوب عوضا عن سودون الماردانى، وأخلع السلطان على الأمير طوخ باستقراره خازندارا عوضا عن سودون الحمزاوى.
ثم فى خامس عشرين ذى القعدة أفرج عن سعد الدين إبراهيم بن غراب وأخيه فخر الدين ماجد، وكان السلطان قبض عليهما من شهر رمضان، وولّى وظائفهما جماعة، واستمرّا فى المصادرة إلى يومنا هذا، وكان الإفراج عنهما بعد ما التزم سعد الدين بن غراب بحمل ألف ألف درهم [فضة «1» ] وفخر الدين بثلاثمائة ألف درهم، ونقلا إلى السالمىّ ليستخرج الأموال منهما ثم يقتلهما «2» .
وكان ابن قايماز أهانهما وضرب فخر الدين وأهانه، فلم يعاملهما السالمىّ [بمكروه «3» ] ولم ينتقم منهما، وخاف سوء العاقبة، فعاملهما من الاحسان والإكرام بما لم يكن ببال أحد، وما زال يسعى فى أمرهما حتى نقلا من عنده لبيت شادّ الدّواوين ناصر الدين محمد بن جلبان الحاجب، وهذا بخلاف ما كانا فعلا مع السالمىّ، فكان هو المحسن وهم المسيئون.
ثم أخلع السلطان على يلبغا السالمىّ باستقراره أستادارا، وعزل ابن قايماز، وهذه ولاية يلبغا السالمىّ الثانية.