المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما وقع من الحوادث سنة 794] - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ١٢

[ابن تغري بردي]

الفصل: ‌[ما وقع من الحوادث سنة 794]

أبدا، بل إذا ظهر منه ما يخيفه يحبسه إلى أن يموت مراعاة لما سبق له من المنّ عليه لمّا خلعه من الملك والسلطنة وحبسه ولم يقتله. انتهى.

[ما وقع من الحوادث سنة 794]

السنة الثالثة من سلطنة الملك الظاهر برقوق «الثانية على مصر» ، وهى سنة أربع وتسعين وسبعمائة. وفيها توفّى الشيخ الأديب شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن على الدّنيسرىّ «1» المعروف بابن العطار الشاعر المشهور فى سادس عشر شهر ربيع الآخر، وقد مرّ من شعره نبذة كثيرة فى عدّة مواطن، ومن نظمه المشهور فى الأقباط قوله:(السريع)

قالوا ترى الأقباط قد رزقوا

حظا واضحوا كالسلاطين

وتملّكوا الأتراك قلت لهم:

رزق الكلاب على المجانين

وتوفّى الأمير الكبير إينال بن عبد الله اليوسفىّ اليلبغاوىّ أتابك العساكر بالديار المصرية بها فى رابع عشرين جمادى الآخرة، وتولّى الأتابكية من بعده الأمير كمشبغا الحموى اليلبغاوى، على أن كمشبغا كان يجلس فى الخدمة تحت «2» إينال المذكور، وكان إينال شجاعا مقداما، وقد تقدم ركوبه على الملك الظاهر برقوق قبل سلطنته والقبض عليه وحبسه مدّة إلى أن أخرجه برقوق إلى بلاد الشام وصار بها أميرا، ثم نقله إلى عدّة ولايات إلى أن ولّاه نيابة حلب، ثم عزله فى سلطنته الأولى عن نيابة حلب، وجعله أتابك دمشق، ثم ولّاه نيابة حلب بعد عصيان الناصرىّ، فلم يتم له ذلك، وخرج إينال أيضا على الظاهر، ووافق الناصرىّ، فلمّا ملك الناصرىّ مصر ولّاه نيابة صفد «3» ، ووقع له أمور حتى ولّاه الملك الظاهر برقوق

ص: 128

أتابكية العساكر بالديار المصرية فى سلطنته الثانية، فدام على ذلك إلى أن مات فى التاريخ المذكور، وقد تقدّم ذكر إينال هذا فى عدّة تراجم من هذا الكتاب، فيها كفاية عن التعريف بحاله.

وتوفّى الأمير سيف الدين بطا بن عبد الله الطولوتمرىّ الظاهرىّ نائب الشام بها، بعد أن ولى نيابة الشام أياما قليلة، فى حادى عشرين المحرم؛ وقد ذكرنا أمر بطا هذا فى أواخر ترجمة الملك المنصور، وكيفية خروجه من سجن القلعة؛ وكيف ملك باب «1» السلسلة من صراى تمر نائب غيبة منطاش، وإقامته بباب السلسلة إلى أن قدم أستاذه الملك الظاهر برقوق إلى الديار المصرية، وولّاه الدوادارية الكبرى، ثم ولاه نيابة دمشق بعد القبض على الأتابك يلبغا الناصرى، فلم تطل أيامه، ومات، وكان من أعيان المماليك الظاهرية، واتّهم الملك الظاهر فى أمره أنه اغتاله بالسم، والله أعلم.

وتوفّى الأمير سيف الدين ملكتمر بن عبد الله الناصرىّ بطّالا ملازما لبيته فى حادى عشرين شهر ربيع الأوّل، وكان قديم هجرة فى الأمراء، تأمّر فى دولة الناصر حسن، ثم أنعم عليه الملك الأشرف شعبان بإمرة مائة، وتقدمة ألف بالديار المصرية، ثم جعله رأس نوبة النّوب، بعد واقعة أسندمر الناصرى، ثم نقل إلى إمرة مجلس، ثم صار أستادارا كبيرا فى سنة إحدى وسبعين وسبعمائة عوضا عن علم دار المحمدى، ثم أخرج إلى نيابة صفد فى السنة المذكورة، ثم عزل وأحضر إلى القاهرة وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بها، ثم ولى حجوبية الحجّاب بالدّيار المصرية مدّة سنين، ثم تعطّل ولزم داره حتى «2» مات.

ص: 129

وتوفى الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله الطولوتمرى «1» نائب دمشق بها فى شعبان، وكان ولى نيابة دمشق بعد موت الأمير بطا المقدّم ذكره، فحكم بدمشق ومات، وتولى بعده نيابة دمشق الأمير كمشبغا الأشرفى الخاصّكىّ أمير مجلس.

متوفّى الشيخ المعتقد المجذوب طلحة المغربىّ فى رابع عشر شوال بمدينة مصر، وكانت جنازته مشهودة، ودفن خارج باب النصر «2» من القاهرة، وهو أحد من أوصى الملك الظاهر برقوق أن يدفن تحت أرجلهم من الصالحين والعلماء، فدفن هناك، ثم عمّرت التربة»

الناصرية الموجودة الآن، وكان للناس فيه اعتقاد كبير، لاسيما الملك الظاهر برقوق.

وتوفى الشيخ الإمام العالم العلامة عز الدين يوسف بن محمود بن محمد الرازى الحنفى العجمى، المعروف بالأصم، شيخ خانقاه «4» الملك المظفر ركن الدين بيبرس

ص: 130

الجاشنكير، ثم شيخ الخانقاه الشيخونية «1» فى ثالث عشرين المحرم، وقد أناف على السبعين سنة، وكان من العلماء.

وتوفى الأديب الوزير فخر الدين أبو الفرج «2» عبد الرحمن، وقيل عبد الوهاب ابن عبد الرزاق بن إبراهيم القبطى الحنفى الشهير بابن مكانس «3» وزير دمشق، وناظر الدولة بالديار المصرية، والشاعر المشهور بالقاهرة فى خامس ذى الحجة، وكان أديبا فاضلا شاعرا فصيحا بليغا لا يعرف فى أبناء جنسه الأقباط من يقاربه ولا يدانيه، وهو أحد فحول الشعراء بالديار المصرية فى عصره، وشعره فى غاية الحسن والرّقة والانسجام، وديوان «4» شعره مشهور كثير الوقوع بأيدى الناس، وقد استوعبنا من شعره أشياء كثيرة فى كتابنا (المنهل الصافى) ، إذ هو كتاب تراجم، نذكر هنا بعضها، ومن شعره وقد صادره الملك الظاهر برقوق، فقال:[الرمل]

ربّ خذ بالعدل قوما

أهل ظلم متوالى

كلّفونى بيع خيلى

برخيص وبغالى

ولما علّقه الملك الظاهر برقوق فى مصادرته منكسا على رأسه قال: [البسيط]

وما تعلقت بالسّرياق «5» منتكسا

لجرمة أوجبت تعذيب ناسوتى «6»

لكننى مذ نفثت السّحر من أدبى

علّقت تعليق هاروت وماروت

ص: 131

وله- عفا الله عنه-: [الكامل]

زارت معطرة الشذا ملفوفة

كى تختفى فأبى شذا العطر

يا معشر الأدباء هذا وقتكم

فتناظموا فى اللّفّ والنّشر

وله- سامحه الله تعالى-: [الوافر]

يقول معذّبى إذ همت وجدا

بخدّ خلت فيه الشّعر نملا

أتعرف خدّه للعشق أهلا

فقلت لهم نعم أهلا وسهلا

وتوفّى القاضى علاء الدين علىّ بن عيسى بن موسى بن عيسى بن سليم بن حميد «1» الأزرقى المقيّرى «2» الكركىّ الشافعى كاتب سرّ الكرك ثم الديار المصرية فى أوّل شهر ربيع الاوّل، ودفن خارج باب النصر «3» ، وهو أحد من قام بنصرة الملك الظاهر عند خروجه من حبس الكرك، وقد تقدّم ذكر ذلك فى ترجمة الملك الظاهر برقوق، فعرف له برقوق ذلك، وولّاه كتابة سرّ مصر، وولى أخاه القاضى عماد الدين قضاء الديار المصرية، واستمرّ علاء الدين هذا فى وظيفته كتابة السر إلى أن مرض ومات، وأعيد بدر الدين بن فضل الله من بعده فى وظيفة كتابة السرّ.

وتوفّى القاضى علاء الدين علىّ بن عبد الله بن يوسف البيرىّ «4» الحلبىّ الشاعر الكاتب المنشئ فى رابع عشر شهر ربيع الأوّل مخنوقا بأمر الملك برقوق، وكان

ص: 132

بارعا فى الإنشاء والأدب، وخدم جماعة من الملوك إلى أن اتصل بخدمة الأتابك يلبغا الناصرى، وسار صحبته إلى الديار المصرية لقتال الملك الظاهر برقوق.

ولمّا ملك الناصرىّ ديار مصر صار علاء الدين هذا من عظماء مصر، ولا زال على ذلك حتى قبض على الناصرىّ وحبس بالإسكندرية، فاستمر علاء الدين بمصر، فلمّا عاد الظاهر إلى ملكه وأخرج الناصرىّ، عاد علاء الدين هذا إلى خدمته، إلى أن قبض عليه الملك الظاهر وقتله، وأمسك علاء الدين هذا وحمل إلى القاهرة فى الحديد، ثم قتل، وكان بارعا أديبا شاعرا، ومن شعره:[الطويل]

أرى البدر لمّا أن دنا «1» لغروبه

وألبس منه أزرق الماء أبيضا

توهّم أن البحر رام التقامه

فسلّ له سيفا عليه مفضّضا

وتوفّى الأمير عنقاء بن شطّى ملك العرب وأمير آل مرا «2» ، كان قد خرج عن طاعة الملك الظاهر، وقتل الأمير يونس الدّوادار، ووافق الناصرىّ ومنطاشا، فلمّا عاد الملك الظاهر إلى ملكه لم يزل يرسل إليه الفداويّة ويعد الناس فى قتله حتى قتلته الفداويّة فى هذه السنة فى رابع المحرم.

وتوفى الأمير سيف الدين قطلوبغا بن عبد الله الصّفوى، كان أحد أمراء الألوف بالديار المصرية، وحاجب الحجّاب بها فى أوّل شهر ربيع الآخرة.

وتوفّى الأمير سيف الدين قطلوبك «3» بن عبد الله السيفى طشتمر الدوادار، كان أحد أمراء العشرات مات فى عاشر صفر.

ص: 133

وتوفّى الشيخ بدر الدين محمد بن عبد الله المنهاجىّ الفقيه الشافعى المعروف بالزّركشىّ «1» المصنّف المشهور فى ثالث رجب وكان فقيها مصنّفا.

وتوفّى الشيخ الصالح المعتقد أبو عبد الله محمد الرّكراكىّ المغربىّ المالكىّ فى ثالث «2» جمادى الأولى، وقد قارب مائة سنة.

وتوفّى الأمير الوزير ناصر الدين محمد بن الأمير حسام الدين لاچين الصقرىّ المنجكىّ المعروف بابن الحسام فى ثانى عشر صفر، بعد مرض طويل، بعد أن ولى الوظائف الجليلة مثل وزر مصر والأستادارية وغيرهما.

وتوفى القاضى جمال الدين محمود ابن القاضى حافظ الدين محمد بن تاج الدين إبراهيم القيصرىّ الحنفىّ قاضى قضاة الحنفية بحلب.

وتوفى الأمير سيف الدين قرا دمرداش بن عبد الله الأحمدى اليلبغاوىّ مقتولا فى محبسه بقلعة الجبل «3» فى ذى الحجة، وهو أيضا من أعيان المماليك اليلبغاويّة، وكان من جملة أمراء الألوف بالديار المصرية، وأمير سلاح فى سلطنة الظاهر الأولى، فلمّا انتصر الناصرىّ على عسكر الملك الظاهر برقوق بدمشق، وقبض الناصرىّ على الأتابك «4» أيتمش البجاسىّ، خلع الملك الظاهر على قرا دمرداش هذا باستقراره عوضه أتابك العساكر بالديار المصرية، وأنعم عليه بثلاثين ألف دينار، فأخذها وعصى من ليلته، وتوجّه إلى الناصرىّ، وصار من جملة عساكره، فلمّا ملك الناصرىّ، الديار المصرية استقرّ به أمير مجلس إلى أن أمسك منطاشا مع من

ص: 134