الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم أربع أذرع وأصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع.
[ما وقع من الحوادث سنة 687]
السنة العاشرة من ولاية الملك المنصور قلاوون على مصر، وهى سنة سبع وثمانين وستمائة.
فيها توفّى الشيخ المعتقد الصالح برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن معضاد بن شدّاد الجعبرىّ الأصل والمولد المصرىّ الدار والوفاة، الصالح المشهور، نشأ بجعبر ثم انتقل إلى الديار المصريّة واستوطنها ولزم مسجده، وكان يعظ به ويجتمع عنده خلق كثير، ولأصحابه فيه عقيدة حسنة، وله مقالات كثيرة، وكان زاهدا عابدا، سمع الحديث وروى عن السّخاوىّ «1» وغيره، وكان غزير الفضيلة حلو العبارة.
قال الصلاح الصّفدىّ: أخبرنى الشيخ الإمام العلّامة أثير «2» الدين أبو حيّان من لفظه قال: رأيت المذكور بالقاهرة، وحضرت مجلسه أنا والشيخ نجم الدين بن مكّىّ، وجرت لنا معه حكاية، وكان يجلس للعوامّ يذكّرهم ولهم فيه اعتقاد، وكان يدرى شيئا من الحديث، وله مشاركة فى أشياء من العلوم وفى الطب، وله شعر جيّد.
وأنشد له قصيدة أذكر منها القليل:
عشقوا الجمال مجرّدا بمجرّد الر
…
وح الزكيّة عشق من زكّاها
متجرّدين عن الطّباع ولؤمها
…
متلبّسين عفافها وتقاها
انتهى كلام الصّفدىّ.
وقال القطب اليونينىّ: وأظنّه نيّف على الثمانين من العمر، ولمّا مرض مرض الموت أمر أن يخرج به إلى مكان مدفنه، فلما رآه قال له:«قبير جاك دبير» . ومات بعد ذلك بيوم فى يوم السبت رابع عشرين المحرّم بالقاهرة ودفن من يومه بالحسينيّة «1» خارج باب النّصر، وقبره «2» معروف هناك يقصد للزيارة.
قلت: ويعجبنى فى هذا المعنى المقالة السابعة الزّهديّة من مقالات الشيخ العارف الرّبانىّ شرف الدين عبد المؤمن بن هبة الله الأصفهانىّ المعروف بشوروة من كتابه «أطباق الذهب» وهى:
طوبى للتّقىّ الخامل، الذي سلم عن إشارة الأنامل؛ وتعسا لمن قعد فى الصوامع، ليعرف بالأصابع؛ خزائن الأمناء مكتومة، وكنوز الأولياء مختومة؛ والكامل كامن «3» بتضاءل، والناقص قصير يتطاول؛ والعاقل قبعة «4» ، والجاهل طلعة؛ فاقبع قبوع الحيّات، واكمن فى الظّلمات، كمون «5» ماء الحياة؛ وصن كنزك فى التّراب، وسيفك فى القراب؛ وعفّ آثارك بالذّيل المسحوب، واستر رواءك بسفعة «6» الشّحوب؛ فالنباهة فتنة، والوجاهة محنة؛ فكن كنزا مستورا، ولا تكن سيفا مشهورا؛ إنّ الظالم جدير أن يقبر ولا يحشر، والبالى خليق أن يطوى ولا ينشر؛ ولو عرف
الجذل «1» صولة النّجار، وعضّة المنشار؛ لما تطاول شبرا، ولا تخايل كبرا، وسيقول البلبل المعتقل: يا ليتنى كنت غرابا، ويقول الكافر يا ليتنى كنت ترابا» . انتهى.
وفيها توفّى الشيخ ناصر الدين أبو محمد حسن بن شاور بن طرخان الكنانىّ ويعرف بابن الفقيسىّ وبابن النّقيب الشاعر المشهور، كان من الفضلاء الأدباء، ومات ليلة الأحد منتصف شهر ربيع الأوّل ودفن بسفح المقطّم، وله تسع وسبعون «2» سنة؛ وكان بينه وبين العلّامة شهاب الدين محمود صحبة ومجالسة ومذاكرة فى القريض.
ومن شعره:
نهيناه عن فعل القبيح فما انتهى
…
ولا ردّه ردع وعاد وعادى
وقلنا له دن بالصّلاح فقلّما
…
رأينا فتى عانى الفساد فسادا
وله:
وجرّدت مع فقرى وشيخوختى التى
…
تراها فنومى عن جفونى مشرّد
فلا يدّعى غيرى مقامى «3» فإنّنى
…
أنا ذلك الشيخ الفقير المجرّد
وله:
حدّثت عن ثغره المحلّى
…
فمل إلى خدّه المورّد
خدّ وثغر فجلّ ربّ
…
بمبدع الحسن قد تفرّد
وله:
يا من أدار سلافة «4» من ريقه
…
وحبابها الثّغر الشّنيب الأشنب
تفّاح خدّك بالعذار ممسّك
…
لكنّه بدم القلوب مخضّب
وله:
أنا العذرىّ فاعذرنى وسامح
…
وجرّ علىّ بالإحسان ذيلا
ولمّا صرت كالمجنون عشقا
…
كتمت زيارتى وأتيت ليلا
وفيها توفّى الملك الصالح على ابن السلطان الملك المنصور قلاوون، كان والده المنصور قلاوون قد جعله ولىّ عهده وسلطنه فى حياته حسب ما تقدم ذكره فى سنة تسع وسبعين وستمائة، فدام فى ولاية العهد إلى هذه السنة مرض ومات بعد أيّام فى رابع شعبان بقلعة الجبل، ووجد عليه أبوه الملك المنصور قلاوون كثيرا، فإنّه كان نجيبا عاقلا خليقا للملك.
وفيها توفّى الشيخ الطبيب علاء الدين علىّ بن أبى الحرم «1» القرشى الدّمشقىّ المعروف بابن النّفيس الحكيم الفاضل العلّامة فى فنّه، لم يكن فى عصره من يضاهيه فى الطّبّ والعلاج والعلم، اشتغل على المهذّب «2» الدّخوار حتى برع، وانتهت إليه رياسة فنّه فى زمانه، وهو صاحب التصانيف المفيدة، منها:«الشامل فى الطب» ، و «المهذّب فى الكحل» ، و «الموجز «3» » ، و «شرح القانون لابن سينا» . ومات فى ذى القعدة بعد أن أوقف داره وأملاكه وجميع ما يتعلّق به على البيمارستان المنصورىّ بالقاهرة.
الذين ذكر الذهبىّ وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى الشيخ إبراهيم بن معضاد الجعبرىّ بالقاهرة فى المحرّم عن نيّف وثمانين سنة. والإمام أبو العبّاس أحمد بن أحمد بن عبد الله [بن أحمد «4» بن محمد بن قدامة] المقدسىّ الفرضىّ. وخطيب