الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القدس قطب الدين أبو الزّكاء «1» عبد المنعم بن يحيى الزّهرىّ فى رمضان. والجمال أحمد بن أبى بكر بن سليمان بن الحموىّ. والشيخ الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن عبد العزيز اللّورى «2» شيخ المالكية فى صفر.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم خمس أذرع وأربع أصابع.
مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وأربع أصابع.
[ما وقع من الحوادث سنة 688]
السنة الحادية عشرة من ولاية الملك المنصور قلاوون على مصر، وهى سنة ثمان وثمانين وستمائة.
فيها فتحت طرابلس وما أضيف إليها بعد أمور ووقائع حسب ما ذكرناه فى أصل هذه الترجمة مفصّلا.
وفيها توفّى الشيخ علم الدين أحمد ابن الصاحب صفىّ «3» الدين يوسف بن عبد الله ابن شكر المعروف بابن الصاحب، كان نادرة زمانه فى المجون والهزل وإنشاد الأشعار والبلّيقات «4» وكان بقى فى آخر عمره فقيرا مجرّدا، وكان اشتغل فى صباه وحصّل ودرس، وكان لديه فضيلة وذكاء وحسن تصور، إلّا أنه تمفقر فى آخر عمره وأطلق طباعه على التّكدى وصار يجارد «5» الرؤساء، ويركب فى قفص [على «6» رأس] حمّال ويتضارب الحمّالون على حمله، لأنّه كان مهما فتح له من الرؤساء كان للّذى يحمله،
فكان يستمرّ راكبا فى القفص والحمّال يدور به فى أماكن الفرج والنّزه، وكان يتعمّم بشرطوط «1» طويل جدّا رقيق العرض ويعاشر الحرافيش، وكان له أولاد رؤساء، ويقال: إنّ الصاحب بهاء الدين بن حنّا هو الذي أحوجه إلى أن ظهر بذلك المظهر، وأخمله وجنّنه لكونه كان من بيت وزارة، فكان ابن الصاحب هذا إذا رأى الصاحب بهاء الدين بن حنّا ينشد:
اشرب «2» وكل وتهنّا
…
لابدّ أن تتعنّى
محمد وعلىّ
…
من أين لك يا بن حنا
قال الشيخ صلاح الدين الصّفدىّ: «أخبرنى من لفظه الحافظ نجم الدين أبو محمد الحسن «3» خطيب صفد، قال: رأيته (يعنى ابن الصاحب) أشقر أزرق العينين عليه قميص أزرق، وبيده عكّاز حديد. قال: وأخبرنى من لفظه الحافظ فتح «4» الدين ابن سيّد الناس، قال: كان ابن الصاحب يعاشر الفارس أقطاى فاتّفق أنّهم كانوا يوما على ظهر النّيل فى شختور «5» ، وكان الملك الظاهر بيبرس مع الفارس أقطاى وجرى بينهم أمر، ثم ضرب الدهر ضربانه حتّى تسلطن الملك الظاهر بيبرس وركب يوما إلى الميدان، ولم يكن عمّر قنطرة «6» السّباع، وكان التوجه إلى الميدان من على باب زويلة على باب الخرق «7» ، وكان ابن الصاحب هذا نائما على قفص صيرفىّ
من تلك الصّيارف برّا باب زويلة، ولم يكن أحد يتعرّض لابن الصاحب، فمرّ به الملك الظاهر فلم يشعر إلا وابن الصاحب يضرب بمفتاح فى يده على خشب الصيرفى قويّا، فالتفت الظاهر فرآه فقال: هاه! علم الدين؟ فقال: إيش علم الدين أنا جيعان! فقال: أعطوه ثلاثة آلاف درهم. وكان ابن الصاحب أشار بتلك الدّقّة إلى دقّة مثلها يوم المركب» . انتهى [كلام الصّفدى] .
قلت: ومن نوادره اللّطيفة أنّه كان بالقاهرة إنسان [كثيرا «1» ما] يجرّد الناس فسمّوه زحل، فلمّا كان فى بعض الأيام وقف ابن الصاحب على دكّان حلوى يزن دراهم يشترى بها حلوى، وإذا بزحل قد أقبل من بعيد، فقال ابن الصاحب للحلاوى «2» : أعطنى الدراهم، ما بقى لى حاجة بالحلوى، فقال: لم؟ قال: أما ترى زحل قارن المشترى فى الميزان! وله من هذا أشياء كثيرة ذكرنا منها نبذة فى ترجمته فى تاريخنا «المنهل الصافى» . ومن شعره:
يا نفس ميلى إلى التّصابى
…
فاللهو منه الفتى يعيش
ولا تملّى من سكر يوم
…
إن أعوز الخمر فالحشيش
وله فى المعنى:
فى خمار الحشيش معنى مرامى
…
يا أهيل العقول والأفهام
حرّموها من غير عقل ونقل
…
وحرام تحريم غير الحرام
قلت: وأحسن ما قيل فى هذا المعنى قول القائل ولم أدر لمن هو:
وخضراء ما الحمراء تفعل فعلها
…
لها وثبات فى الحشى وثبات
تؤجّج نارا فى الحشى وهى جنّة
…
وتروى مرير الطّعم وهى نبات
وفيها توفّى الشيخ الأديب البارع المفتّن شمس الدين محمد بن عفيف الدين سليمان ابن على التّلمسانىّ الشاعر المشهور، كان شابّا فاضلا ظريفا، وشعره فى غاية الحسن والجودة. وديوان شعره مشهور بأيدى الناس، ومن شعره:
ياسا كنّا قلبى المعنّى
…
وليس فيه سواك ثانى
لأىّ معنى كسرت قلبى
…
وما التقى فيه ساكنان
وله فى ذمّ الحشيش:
ما للحشيشة فضل عند آكلها
…
لكنه غير مصروف إلى رشده
صفراء فى وجهه خضراء فى فمه
…
حمراء فى عينه سوداء فى كبده
وله أيضا:
لى من هواك بعيده وقريبه
…
ولك الجمال بديعه وغريبه
يا من أعيد جماله بجلاله
…
حذرا عليه من العيون تصيبه
إن لم تكن عينى فإنّك نورها
…
أو لم تكن قلبى فإنت حبيبه
هل رحمة أو حرمة لمتيّم
…
قد قلّ منك نصيره ونصيبه
ألف القصائد فى هواك تغزّلا
…
حتّى كأنّ بك النسيب نسيبه
لم تبق لى سرّا أقول تذيعه
…
عنّى ولا قلب أقول تنيبه «1»
كم ليلة قضّيتها متسهّدا
…
والدمع يجرح مقلتى مسكوبه
والنجم أقرب من لقاك مناله
…
عندى وأبعد من رضاك مغيبه
والجوّ «2» قد رقّت علىّ شماله
…
وجفونه وشماله وجنوبه
هى مقّلة سهم الفراق يصيبها
…
ويسحّ وابل دمعها فيصوبه
وجوّى تضرّم جمره لولا ندى
…
قاضى القضاة قضى علىّ لهيبه
وله:
أخجلت بالثّغر ثنايا الأقاح
…
يا طرّة الليل ووجه الصّباح
وأعجمت أعينك السّحر مذ
…
أعربت «1» منهن صفاحا فصاح
فيالها سودا مراضا غدت
…
تسلّ للعاشق بيضا صحاح
يا للهوى من مسعد مغرما
…
رأى حمام الأيك غنّى فناح «2»
يا بانة مالت بأعطافه
…
علّمتنى كيف تهزّ الرّماح
وأنت يا أسهم ألحاظه
…
أثخنت والله فؤادى جراح
الذين ذكر الذهبى وفاتهم فى هذه السنة، قال: وفيها توفّى كمال الدين أحمد ابن يوسف بن نصر الفاضلىّ. والمفتى فخر الدين عبد الرحمن بن يوسف البعلبكّىّ الحنبلى فى رجب. ورئيس الشهود زين الدين المهذب ابن أبى الغنائم التّنوخىّ.
والعلّامة شمس الدين الأصيهانىّ الأصولى محمد بن محمود بالقاهرة فى رجب. والمقرئ تقىّ الدين يعقوب «3» بن بدران الجرائدىّ بالقاهرة فى شعبان. والمسندة العابدة زينب بنت مكّىّ فى شوّال، ولها أربع وتسعون سنة. والعماد أحمد ابن الشيخ العماد إبراهيم ابن عبد الواحد المقدسىّ. والإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الكمال عبد الرحيم ابن عبد الواحد «4» المقدسىّ فى جمادى الأولى.