الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تفاوت الشرائع]
(3)
تفاوت الشرائع ليست الشرائع على درجة واحدة، فهناك ما هو ركن، وما هو واجب، وما هو مستحب. . الخ، وكذلك المحظورات ذات درجات.
فالشرائع من شعب الإيمان، والمحظورات من شعب الكفر، ومن أصول أهل السنة أنه يمكن أن يجتمع في الشخص الواحد كفر وإيمان، ويكون الشخص مؤمنا، في حين يسوي أهل الغلو بين شرائع الإسلام، فيكفرون بكل ذنب ولو كان دون الشرك، في حين خالف المرجئة، واكتفوا بمجرد التصديق، وقالوا: لا يضر ذنب مع التصديق. والوسط: هو قول أهل السنة، كما هو معلوم مفصل في موضعه.
ومن مظاهر الوسطية في الإسلام عدم إلزام الناس طريقة واحدة، أو نمطا واحدا من أنماط البر، فهناك الصائم، والقائم، والذاكر، والعالم، والمجاهد، وفاعل المعروف، والمتصدق. الخ، وكلهم يؤدي شيئا من الإسلام، ومجموع أعمالهم تمثل شريعة الإسلام الواسعة الشاملة، وهذا التنوع ليس مسوغا لتنقص، ولا يدل على تمايز عند الله، وللجنة أبواب ثمانية، كل باب لضرب من ضروب البر.
وهذا يفتح بابا واسعا في النظر والدعوة؛ إذ علينا أن نفيد من جميع المسلمين ذكورهم وإناثهم، محسنهم ومقصرهم، كما كان يفعل سلف هذه
الأمة، ففي جيش سعد، كان أبو محجن الثقفي، وكان القصاص، والقراء، والفرسان. . الخ، كل منهم يؤدي ما أقدره الله عليه، والله يتولى جميع عباده.
إن ما يقال إن بعض المنتسبين للدعوة يفعله من رفض من لديه شيء من التقصير والإخلال أمر يجب أن نراجع فيه أنفسنا، ليتوحد الصف الإسلامي بكافة شرائحه كل بإمكانه، هذا بفكره، وذاك ببدنه، وآخر بماله، ورابع برأيه، وخامس بدعائه. . الخ، ولنتخلص من تصنيف الناس إلى بر يصلح لكل عمل، وفاجر لا يصلح مطلقا.
وبعد. إن الوسطية ليست شعارا يرفعه مدعوه بل هي ممارسة عملية في واقع الحياة. {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [النساء: 123]
والمعنى - كما قال ابن كثير - ((إن الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني، وليس كل من ادعى شيئا حصل له بمجرد دعواه، ولا كل من قال: إنه هو الحق سمع قوله بمجرد ذلك، حتى يكون له من الله برهان)) (تفسيره 2 / 370) .
إن الوسطية هي سمة الإسلام في عقائده، وشرائعه، وأنظمته. وأخلاقه. فهو وسط بين الغلو والتقصير: في عقائده بين التشبيه والتعطيل، والجبر والقدر مثلا، وفي التربية والسلوك بين الأمن والإياس. (ينظر شرح الطحاوية 586 - 588) .
فيعبد الله بالحب والخوف والرجاء، وتلك عبادة المؤمنين. (ينظر شرح الطحاوية 372) .
إن الوسطية في الإسلام مؤسسة تأسيسا محكما، ولا تتم صورتها إلا بمراعاة ما يلي:
1 -
الشمول الذي يجعل الإسلام مهيمنا على الحياة كلها بأنظمتها وأنشطتها المختلفة، وبأعمال الإنسان المتنوعة، فلا يشذ عن الدين أي عمل يعمله {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162]
2 -
التوازن بين الأطراف المختلفة؛ بحيث لا يحصل حيف لطرف على طرف، ولا لجانب على جانب.
3 -
تحقيق المقاصد الشرعية بحسب مرتبتها وأولويتها من ضروري، وحاجي، وتحسيني بحسب التمايز المتحقق، ولا تجوز التسوية بين هذه الدرجات إلا عند من لا فقه لديه، وحديثي العهد بالعلم.
4 -
اتساع الصدور لاستيعاب المخالف فيما يسوغ فيه الخلاف، خاصة المجتهد، ومن يمكن التماس عذر له.
5 -
وضوح الأصول الاعتقادية، لتكون منطلقا لغيرها من الأعمال.
تم بحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين.