الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتبوأ مكانة عالية في منهج الإسلام السمح في معاملة المخالفين، وربما ظن البعض أن الحوار مع المخالف نوع من الضعف أو أنه مدعاة لإضفاء صفة الشرعية على بعض الأمور المخالفة للشريعة، وهذا أمر غير مسلَّم، فإن الحوار وسيلة، ولا يلزم منه حصول المحذور إذا ضبطت هذه الوسيلة، وحققت شروطها، بل إن القبول بالحوار دليل على التمكن والثقة عند المحاور بما يحمله من الأفكار والمعتقدات، وما يلتزم به من الأحكام والأخلاق.
أما تسلل الأفكار المنافية، وتسويغ بعض المخالفات فإنه أمر يحصل بأسباب كثيرة لا يلزم أن يكون الحوار منها.
[تاسعا الصبر]
تاسعا: الصبر وهو كما يعرَّف: حبس النفس على ما تكره، تطلعا لما هو أفضل من الأجر عند الله، إذا كان في سبيل تحصيل رضوان الله كما لو كان في طريق دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، أو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لإصلاح الناس والمجتمع؛ حيث لا يبعد مقابلة الإنسان لما يكره، والصبر والاحتساب هنا يهون على الداعي إلى الله ما يلقاه، ويلفت نظر الناس إلى التفكر والتدبر فيما يدعو إليه، ولا تحصل هذه الفضيلة إلا إذا تسامح الدعاة واحتملوا الأذى، ولم يقابلوا السيئة بمثلها، ومثل هذه الأمور تدخل في منهج معاملة المخالف دخولا أوليا، وهي تنطوي على رحمة بالمخالف، ورغبة في إصلاح حاله، وإيصال الخير له، ولو أن التعامل مع المخالف عري عن هذا المعنى لانقطعت سبل الاتصال معه، وحل محلها كل ما يدعو إلى الانتصار لنفس، أو إيثار الراحة والدعة، وهذا خلاف الواجب الشرعي في البيان
والدعوة الذي أمر الله سبحانه وتعالى به رسوله والمؤمنين {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125](1){وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43](2){وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان: 17](3) .
وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: «الْمُسْلِمُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ» (4) .
وعندما رجع الرسول عليه السلام منكسرا حزينا من الطائف بسبب المقابلة السيئة التي قابله بها أهلها، ورميهم له بالحجارة حتى أدموا عقبيه صلى الله عليه وسلم، وشتمه وإيذائه، جاءه جبريل عليه السلام يخبره أن ملك الجبال نزل لأول مرة إلى الأرض، أرسله الله جل وعلا يستأمر رسوله عليه الصلاة والسلام في أن يطبق على أهل مكة الأخشبين لتكذيبهم لله ولرسوله، فكان جوابه عليه الصلاة والسلام بالرفض، متذرعا بالصبر، مؤملا أن يكتب الله لهم ولأعقابهم طاعة الله والدخول في هذا الدين قائلا:«إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» (5) .
(1) سورة النحل، الآية:125.
(2)
سورة الشورى، الآية:43.
(3)
سورة لقمان، الآية:17.
(4)
أخرجه الإمام الترمذي في الجامع 35 - كتاب صفة القيامة، 55 - باب في فضل المخالطة مع الصبر على أذى الناس ح (2507) ، ص (570) .
(5)
هذا حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أخرجه الإمام البخاري في صحيحه: 59 - كتاب بدء الخلق، 7 - باب إذا قال أحدكم: آمين. ح (3231) ، ص (660 - 661) .