الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الفرق بين التمسك بالنصوص الشرعية والالتزام بها والغلو]
الفرق بين التمسك بالنصوص الشرعية والالتزام بها والغلو في الواقع لا تلازم بين التمسك بالنصوص والغلو؛ فقد كان الصحابة رضي الله عنهم أشد الناس تمسكا والتزاما لنصوص الشريعة مطلقا، ومع هذا لم يحصل لهم غلو أو تشديد - إلا في قضايا عينية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أرشد عليه الصلاة والسلام أصحابه إليها (1) وعلمهم وبين لهم طريق العبادة المعتدل، فانتهوا.
وسببه هو موافقة هذا الالتزام منهم رضي الله عنهم لعلم صحيح، وفهم سليم، وهمة حريصة على العلم والبصيرة، فنجوا من الغلو فضلا عن الاستمرارية فيه، لكن لما بعد الناس عن زمان الأفاضل، وصار الدين غريبا، وأطبق الجهل على كثير من أهل الإسلام، صار المتمسك بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم العاض عليها بنواجذه منبوذا مستهزأ به في تلك المجتمعات، وأطلقوا عليه عبارات النبز كالمتزمتين والغالين والمتطرفين والأصوليين. . ونحوها من الألقاب التي روجتها بعض وسائل الإعلام.
(1) كقصة عبد الله بن عمرو بن العاص في إطالة الصوم، المتفق على صحتها. رواها البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب كم يقرأ من القرآن، ومسلم في كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به، رقم 1159، وكحديث عبد الله بن الشخير في وفد بني عامر وفيه " فقلنا: أنت سيدنا. فقال: السيد الله تبارك وتعالى ". فقلنا: وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا فقال: قولوا بقولكم أو ببعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان " رواه أبو داود والنسائي بأسانيد جيدة. وما قوله عليه السلام ذلك إلا سدا لطريق الغلو فيه، انظر: فتح المجيد 517.
والواقع أن التمسك بنصوص الكتاب والسنة، وفهمها فهما صحيحا، يعتبر عند هؤلاء المتهاونين بأحكام الشريعة الغافلين عنها، غلوا وتطرفا، وذلك بالنظر إلى ما هم عليه من تفريط ظاهر، وقصور في التزام منهج الالتزام، جلي ملموس.
والملاحظ أن المتمسكين بمدلولات النصوص الشرعية يكونون غلاة متشددين بنسبتهم إلى المفرطين الذين يحملون الإسلام وصفا، وعند نسبتهم إلى ميزان الشريعة لم نجد عندهم معنى التمسك المطلوب، وهو الالتزام بأحكام الكتاب والسنة.
فالمقصرون يلمزون المتمسكين بالغلو والتطرف على أن ما هم عليه هو اعتدال الإسلام وتوسطه، وما أظهروه هو الاعتدال، وهو في الحقيقة ليس كذلك؛ إذ هو التقصير والتفريط في بعض شعائر الإسلام وأحكامه، ولا يخفى أن من يتهم البعض بالتطرف أو الغلو، غايته التنفير والتحذير منهم وليس لكونهم متجاوزين لحدود الشريعة ووسطية الإسلام كمن اتهم دعوة الشيخ السلفية الإصلاحية بذلك.
أعني أن هذه الدعاوى ليست من باب الأسماء والأحكام، أو لتبين معاني شرعية - بقدر ما هي لأغراض وأهواء ذاتية أو محدودة. فتكون بذلك من تحميل مصطلحات الشارع ما لا تحتمل، ومن استعماله المعاني الشرعية في الأغراض الشخصية الضيقة والغايات السياسية المحدودة!