المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في الغلو في العمل] - بحوث ندوة أثر القرآن في تحقيق الوسطية ودفع الغلو - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌[خطة البحث]

- ‌ المحور الأولالوسطية والاعتدال في القرآن والسنة

- ‌مفهوم الوسطية والاعتدال

- ‌[أدلة الوسطية في القرآن والسنة]

- ‌[مقدمة]

- ‌[مدخل الإسلام وسط بين الأديان]

- ‌[أدلة الوسطية من القرآن العظيم والسنة النبوية]

- ‌[أولا الأدلة من القرآن العظيم]

- ‌[ثانيا الأدلة من السنة]

- ‌[الخاتمة]

- ‌[مظاهر الوسطية في الإسلام]

- ‌[مظاهر الوسطية في الجانب الفردي]

- ‌[مظاهر الوسطية في الجانب الاجتماعي والإنساني]

- ‌[تفاوت الشرائع]

- ‌[المحور الثاني دلالة القرآن على سماحة الإسلام ويسره]

- ‌[مفهوم السماحة واليسر في الكتاب والسنة وأدلتها]

- ‌[مقدمة]

- ‌[المبحث الأول معنى اليسر والسماحة]

- ‌[المبحث الثاني مفهوم اليسر والسماحة في الإسلام]

- ‌[المبحث الثالث أدلة اليسر والسماحة في الكتاب والسنة]

- ‌[أولا من القرآن الكريم]

- ‌[ثانيا من السنة النبوية المطهرة]

- ‌[المبحث الرابع دلالات النصوص المذكورة وما شابهها]

- ‌[المصادر والمراجع]

- ‌[سماحة الإسلام في التعامل مع المخالف]

- ‌[مقدمة]

- ‌[من مظاهر سماحة الإسلام]

- ‌[أولا تكريم بني آدم]

- ‌[ثانيا محبة الخير للناس]

- ‌[ثالثا العدل والإنصاف]

- ‌[رابعا تحريم الظلم]

- ‌[خامسا الرحمة والتيسير]

- ‌[سادسا التوضيح والتبيين]

- ‌[سابعا الالتزام بالخلق الحسن في معاملة المخالفين]

- ‌[ثامنا فتح باب الحوار لبيان الحق وتثبيته]

- ‌[تاسعا الصبر]

- ‌[عاشرا علاقة المسلمين مع غير المسلمين]

- ‌[خاتمة]

- ‌[سماحة الشريعة في التعامل مع الواقع للدول والأفراد]

- ‌[تقديم]

- ‌[اليسر ورفع الحرج منطق الإسلام في التعامل مع الواقع]

- ‌[التعامل مع واقع الأفراد في إطار سماحة الإسلام]

- ‌[التعامل مع واقع الدولة في إطار سماحة الإسلام]

- ‌[المحور الثالث الغلو مظاهره وأسبابه]

- ‌[مفهوم الغلو في الكتاب والسنة]

- ‌[مقدمة البحث]

- ‌[معنى الغلو في اللغة والشرع]

- ‌[حقيقة الغلو]

- ‌[الفرق بين التمسك بالنصوص الشرعية والالتزام بها والغلو]

- ‌[الغلو في الدين بدعة حرمها الإسلام]

- ‌[النصوص الشرعية المحذرة من الغلو في الدين]

- ‌[مظاهر‌‌ الغلو في الاعتقادوالعمل والحكم على الناس]

- ‌ الغلو في الاعتقاد

- ‌[فصل في الغلو في العمل]

- ‌[فصل في الغلو في الحكم على الناس]

- ‌[أسباب الغلو العلمية والمنهجية وعلاجها]

- ‌[مقدمة]

- ‌[أسباب غلو الخوارج العلمية]

- ‌[أولا الجهل بالقرآن]

- ‌[ثانيا الجهل بالسنة]

الفصل: ‌[فصل في الغلو في العمل]

وأما قولهم: الإخوان علمونا ملة إبراهيم وبينوها، والمشايخ كتموها ودفنوها. فنقول: إن كان هذا حقا فسيجازيهم الله على ذلك. لكنهم مع ذلك قد سلكوا بهم مسلك أهل البدع، وتجاوزوا بهم الحد في الأقوال والأفعال، وشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله، فإن كان هذا هو ملة إبراهيم فقد أعظموا على الله الفرية وعلى ملة إبراهيم.

وأما قولهم: ما أطاع الإمام المشايخ إلا لسكوتهم عنه للمآكل والأغراض. فنقول: هذا - أيضا - من جنس ما قبله من الطعن على الإمام وعلى المشايخ بالزور والبهتان. . اهـ.

[فصل في الغلو في العمل]

فصل والغلو في العمل: تشديد المسلم على نفسه في عمل طاعة من غير ورود الشرع بذلك: كالذي يجعل حبلا يتعلق به إذا فتر عن قيام الليل، ونحوه، فإن هذا العمل غير ناتج عن عقيدة فاسدة، وإنما قد يظن المكلف أن ذلك زيادة خير.

فإن صاحب هذا العمل عقيدة فاسدة فهو الغلو الاعتقادي الذي تقدم ذكره، كحالة بعض المنتسبين إلى التصوف، ممن يعتقد أن تعذيب النفس في الطاعة مطلقا من أفعال الخير والهدى.

ص: 212

ولما كان هذا النوع من الغلو قد يدخل في نفس بعض المجتهدين في العبادة، عالجه صلى الله عليه وسلم بأساليب متعددة، تارة بالعموم، وتارة بتوجيه من وقع فيه إلى خطأ فعله، وما كان من الصحابة رضي الله عنهم إلا التسليم المطلق لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

ففي سنن الترمذي (1) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «إِنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي إِذَا أَصَبْتُ اللَّحْمَ انْتَشَرْتُ لِلنِّسَاءِ، وَأَخَذَتْنِي شَهْوَتِي، فَحَرَّمْتُ عَلَيَّ اللَّحْمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87] »

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. اهـ.

وحسنه الشاطبي في " الاعتصام "(2) ومثل هذه الحادثة كثير، فيوجه النبي صلى الله عليه وسلم من وقع منه ذلك إلى البعد عنه، والحذر منه.

وقد روى ابن جرير الطبري في " تفسيره "(3) عن أبي قلابة قال: «أَرَادَ أُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْفُضُوا الدُّنْيَا، وَيَتْرُكُوا النِّسَاءَ وَيَتَرَهَّبُوا. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَغَلَّظَ فِيهِمُ الْمَقَالَةَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالتَّشْدِيدِ، شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، أُولَئِكَ بَقَايَاهُمْ فِي الدِّيَارِ وَالصَّوَامِعِ، اعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحُجُّوا

(1) أبواب التفسير، باب في تفسير سورة المائدة 5 / 255.

(2)

2 / 196.

(3)

8 / 608 ط دار هجر.

ص: 213

وَاعْتَمِرُوا، وَاسْتَقِيمُوا يَسْتَقِمْ لَكُمْ " قال: ونزلت فيهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87] » .

قال الشاطبي رحمه الله في " الاعتصام "(1) الاقتصار على البشع في المأكول من غير عذر تنطع. والاقتصار في الملبوس على الخشن من غير ضرورة، من قبيل التشديد والتنطع المذموم، وفيه أيضا من قصد الشهرة ما فيه.

وقد روي عن الربيع بن زياد الحارثي: أنه قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: اعْدِني على أخي عاصم. قال: ما باله؟ قال: لبس العباء يريد النسك. فقال علي رضي الله عنه: علي به. فأتى به مؤتزرا بعباءة، مرتديا بالأخرى، شعث الرأس واللحية. فعبس في وجهه، وقال: ويحك! أما استحييت من أهلك؟ أما رحمت ولدك؟ أترى الله أباح لك الطيبات، وهو يكره أن تنال منها شيئا؟ بل أنت أهون على الله من ذلك، أما سمعت الله يقول في كتابه {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} [الرحمن: 10] إلى قوله {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] أفترى الله أباح لعباده إلا ليبتذلوه، ويحمدوا الله عليه، فيثيبهم عليه؟ وإن ابتذالك نعم الله بالفعل خير منه بالقول. اهـ.

(1) 2 / 228.

ص: 214

وأدلة الشرع في النهي عن الغلو العملي كثيرة جدا، فالوقوع فيه: ارتكاب للنهي، ومعارضة لمقاصد الشريعة التي بنيت على التيسير والتخفيف. وإذا تأمل المسلم ما جرى في حادثة الإسراء والمعراج من فرضية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومراجعته ربه جل وعلا في تخفيف عدد الصلوات من خمسين إلى أن بلغ خمس صلوات؛ علم يقينا أن الشارع الحكيم لا يقصد في تكاليفه المشقة على العباد وإلحاق العنت بهم. فلم يبق لمن ألزم نفسه بالغلو في جزئيات الشريعة حجة. وكل ما تقدم في ذم من غلا في جزئية أو جزئيتين، أما من كثر غلوه في الجزئيات فلا ريب أن غلوه هذا يلحق بالغلو الاعتقادي.

وقد جرت سنة الله تعالى في هؤلاء الغالية في العمل: أن ينقطعوا عن العمل بالكلية، إلا من أراد هدايته فوفقه للرجوع إلى الطريق المستقيم. وهذا بينه صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري (1) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «إِنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا» .

قال الحافظ ابن حجر - رحمه الل هـ- في " الفتح "(2) المشادة بالتشديد المغالبة، والمعنى: لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عجز وانقطع؛ فيغلب.

(1) صحيح البخاري كتاب الإيمان، باب الدين يسر 1 / 15.

(2)

1 / 94.

ص: 215