المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وأما‌ ‌ القياس: فهو التقدير حقيقة والمساواة مجازا، وفي الأصول مساواة فرع - بديع النظام الجامع بين كتاب البزدوي والإحكام = نهاية الوصول - جـ ٢

[مظفر الدين ابن الساعاتي]

الفصل: وأما‌ ‌ القياس: فهو التقدير حقيقة والمساواة مجازا، وفي الأصول مساواة فرع

وأما‌

‌ القياس:

فهو التقدير حقيقة والمساواة مجازا، وفي الأصول مساواة فرع لأصل في علة حكمه. ومن يصوب كل مجتهد يزيد: في نظر المجتهد.

ص: 567

وهذا تعريف الصحيح، وإن عمم قيل تشبيه الفرع على المذهبين فإن التشبهي أعم من حصول المساواة في العلة وعدمه. وأورد قياس الدلالة

ص: 568

والعكس. وأجيب ليسا بمرادين من مطلق القياس ولهذا لا يستعملان إلا مضافا وهو دليل المجاز، وقولهم: بذل الجهد في استخراج الحق، والدليل الموصل إلى الحق والعلم عن نظر مزيف بالنص والإجماع، وبأن بذل الجهد صفة القائس لا القياس والعلم ثمرته لا نفسه. وقيل: حمل الشيء على غيره بإجراء حكمه عليه. ويرد ما يحمل بغير جامع وليس بقياس. وقيل حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما لأمر جامع بينهما من إثبات حكم أو صفة أو نفيهما، ويرد: أن الحمل ثمرة، وإثبات لهما مشعر أن حكم الأصل قياس أيضا وليس، وإلا لزم الدور، ويجامع كاف وما بعده مستغنى عنه لأنه أقسامه، وقد تنفك ماهية القياس عنها، وأورد: ثبوت حكم الفرع

ص: 569

فرع معرفة القياس فتعريفه به دور. وأجيب بأن المحدود الماهية الذهنية، وثبوت حكم الفرع في الخارج ليس فرعا لها، وقول فخر الإسلام: مدرك من مدارك أحكام الشرع حق، إلا أنه فرع تصوره، يريد أنه ليس بمثبت ابتداء. وقيل: إبانة مثل حكم الأصل في الفرع بمثل علة الأصل. وقيل: إبانة مثل حكم أحد المذكورين بمثل علة الآخر ليدخل القياس بين المعدومين، ولم يتعرض للنص ليدخل القياس العقلي، ونص على الإبانة لأنه ليس بمثبت، وقال مثل الحكم والعلة لأن تعديتهما وهما قائمان بمحلهما محال.

وأركانه:

الأصل والفرع وحكم الأصل والوصف. وأما حكم الفرع فثمرته لتوقفه عليه فلو كان ركنا لتوقف على نفسه وهو محال. فالأصل محل الحكم المشبه به، وقيل النص الدال على حكمه، وقيل حكمه، وقيل نزاع لفظي لأن هذه المعاني متفق عليها، ولما كان الأصل ما يبتنى عليه غيره وهو مستغن عنه

ص: 570

كان كل من هذه أصلا بالاعتبار الأول، ويختص المحل باستغنائه عنهما وافتقارهما إليه فكان أولى. والفرع: محل الحكم المشبه أو حكمه على القولين، وقيل لما كان مفتقرا مبنيا على غيره كان الحكم أولى إلا أنهم لما سموا محل المشبه به أصلا سمي محل المشبه فرعا، والوصف الجامع بالنسبة إلى الأصل فرع لأنه ينشأ عنه، وأصل في الفرع لأن حكمه ينبني عليه.

ص: 571

فصل في شروطه:

أما حكم الأصل فمن شرطه أن يكون شرعيا لأنه الغرض منه، وأن لا يكون منسوخا لأن التعدية بواسطة اعتبار الشرع الوصف الجامع، فإذا نسخ زال اعتباره، وأن يكون دليله شرعيا، وأن لا يكون مخصوصا بحكمه بنص كقبول شهادة خزيمة

ص: 572

وجواز السلم رخصة، وكقول الشافعي في اختصاص نكاحه عليه السلام

ص: 573

بالهبة بقوله تعالى {خالصة لك} . ونحن جعلنا الخلوص في عدم وجوب العوض إكراما له كما لم تحل نساؤه بعهده بقوله {أمهاتهم} وفيما ثبت كرامة له لم نعده حتى لم يصح في الهبة لغيره إلا بعوض. وكقولنا في تقوم المنافع وماليتها في الإجارة بالنص، ومنها أن لا يكون معدولا به عن القياس كأكل الناسي في الصوم عدل به عنه وهو فوات القربة بما يضادها بالنص لا مخصوصا به وأثبتنا حكمه في المواقع ناسيا دلالة لا قياسا. وكترك التسمية في الذبيحة ناسيا. ومنها أن لا يكون

ص: 574

ذا قياس مركب وهو عراؤه عن النص والإجماع والاستغناء بموافقة الخصم لحكم الأصل وهو نوعان مركب الأصل ومركب الوصف، فالأول أن يجمع بعلة فيعين الخصم أخرى كما لو قال شافعي: عبد فلا يقتل به الحر كالمكاتب، فنقول العلة في الأصل جهالة المستحق من السيد والورثة فإن صحت بطل الإلحاق، وإن بطلت منعنا حكم الأصل فلا ينفك عن عدم العلة في الفرع أو منع الأصل، وسمي مركبا للاختلاف في تركيب الحكم، فالشافعي ركب العلة على الحكم ونحن خلافه. الثاني: أن يجمع بعلة مخالفة في وجوبها في الأصل كما لو قال: تعليق للطلاق فلا يصح قبل النكاح، فنقول العلة معدومة في الأصل فإن صح وجودها منعنا حكم الأصل وإن بطلت بطل الإلحاق فلا ينفك عن منع أو عدم العلة في الأصل. ومنها أن لا يكون دليل حكم الأصل شاملا لحكم الفرع لأنه حينئذ معلوم من ذلك الدليل لا من القياس ولأنه ليس جعل أحدهما أصلا أولى من الآخر. ومنها أن لا يتغير بالتعليل حكم النص

ص: 575

لأن تغييره بالرأي باطل كقول من يقبل شهادة القاذف بعد التوبة اعتبارا بسائر الجرام لأن حكم النص يوجب إبطالها دائما حدا فالقبول تغيير، وكرد الشهادة بالفسق اعتبارا بالصبي والمجنون وحكم النص التثبت والوقف {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} .

نقوض وأجوبة:

"لا تبيعوا الطعام بالطعام" عام وخصصتم القليل بالتعليل، وعينت الشاة في الزكاة فأجزتم القيمة. وأجبت [؟ أوجبت] للثمانية فأجزتم الصرف

ص: 576

إلى واحد. وعين التكبير للافتتاح فأجزتم غيره، والماء لقلع النجاسة فأجزتم المائع. قلنا: خصصناه بالنص مصاحبا للتعليل، لأن استثناء الحال وهو قوله "إلا سواء بسواء" من الأعيان لا يستقيم فكان من الأحوال التساوي والتفاضل والجزاف هو مختص بالكثير المعلوم بالكيل، وأما الزكاة فليست للفقير ملكا لأنها عبادة، وإنما سقط حقه في الصورة بإذنه تعالى نصا لأنه وعد الفقراء وعين مالا لنفسه وأمر بإنجاز تلك المواعيد منه فقامت دلالة الاستدلال تحصيلا لمقاصد الفقراء فكان رزقهم في مطلق المال لا الخاص، والتعليل لصلاحية دفع الشاة إليه وهو أنها تقع لله تعالى بابتداء قبض الفقير مزية وبدوام اليد مصروفا إليه من الله تعالى، فالفقراء مصارف لحاجتهم لا مستحقون، وأسماء الأصناف أسباب الحاجة فمن أصيب منهم فقد أصيب المصرف

ص: 577

والجزء والكل فيه واحد كاستقبال الكعبة، والتكبير وجب للتعظيم لا لعينه لأنه جزء من البدن الذي فرض على كل من أجزائه تعظيم يناسبه، والثناء تعظيم اللسان فحكم النص باق بعد التعليل وكذلك الماء ليس بواجب الاستعمال لذاته بل الواجب إزالة النجاسة والماء آلة والمائع كذلك فلا تغيير، وأورد إزالة الحدث وأجيب: غير معقول فأثبت على الأعضاء الظاهرة نجاسة حكمية، فتسمية الشرع الوضوء طهورا ضرورية فيتقدر بقدرها فلم يتعد، وأورد فكيف صح بلا نية؟ أجيب بأن التطهير معقول وهو للماء بطبعه لا بالنية.

ومنها أن لا يكون فرعا عند الكرخي خلافا للحنابلة وأبي عبد الله البصري. لنا: إن اتحدت العلة فذكر الوسط غير مفيد،

ص: 578

كما لو قاس شافعي الربا في السفرجل على التفاح بعلة الطعم ثم قاس التفاح على تحريم الربا بعلة الطعم أيضا، وإن تغايرت وكانت منصوصة أو مجمعا عليها في الأصل الممنوع فقد أمكن إثبات حكم الفرع بها ولا حاجة إلى القياسين. وإن كانت مستنبطة كما لو قال: الجذام عيب يفسخ به البيع فكذا النكاح قياسا على الرتق والقرن فإذا منع قاسهما على الجب والعنة بواسطة فوات غرض الاستمتاع لم يصح فإن حكم الفرع الأول يثبت بعلة الفرع الثاني فإذا ثبت بعلة أخرى استنبطت من الأصل الآخر امتنعت التعدية بالأولى لعدم ثبوتها لعدم اعتبار الشارع إياها حيث يثبت حكم أصلها بغيرها وفاقا. والثانية ليست في الفرع هذا وإن كان فرعا يخالفه المستدل كما لو قال حنفي في صوم الفرض بنية النفل: أتى بما أمر به كمن عليه فريضة الحج فنوى النفل لم يصح لأنه إما مقرر أو ملزم. وليس الأول لأنه لا يعتقده ولا الثاني لجواز إنكاره بناء الحكم على تلك العلة وهو أعرف بمذهبه ولو لم ينكر فحاصله إظهار أخطاء المعترض في الفرع ضرورة تصويبه في علة الأصل وليس هذا بأولى من خطأ المستدل في الأصل وتصويبه في الفرع.

وأما شروط علة الأصل:

فالاتفاق على جواز التعليل بالأوصاف الظاهرة العرية عن الاضطراب معقولا كان الوصف كالرضا والسخط أو محسوسا كالقتل والسرقة أو عرفيا كالحسن والقبح وسواء كان موجودث في المحل أو ملازما له. والخلاف في شروط منها: الأكثرون أن لا تكون محل الحكم ولا جزأه. وأجازه آخرون.

ص: 579

واختار الآمدي امتناعه بالمحل دون الجزء. والحجة أن العلة لو كانت المحل بخصوصه كانت قاصرة إذ لو تحقق بخصوصه في الفرع لاتحدا، فلا تعديه، ومن جوز القاصرة أجاز استلزام المحل لحكمة غير متعدية ونحن منعناه مطلقا، وأما الجزء فيحتمل أن يعم الأصل والفرع. ومنها:

أجازه بعضهم بمجرد الأمارة الطردية، والحق أنه لا بد أن تكون باعثة أي مشتملة على حكمة صالحة مقصودة للشارع، ولا يمنع التعليل في الأصل بمجردها إذ لا فائدة للأمارة سوى تعريف الحكم وهو معلوم بالخطاب، ولأنها مستنبطة من حكم الأصل متفرعة عنه فلو عرف بها لتوقف هو عليها وأنه دور. ومنها: أن لا يكون عدما في

ص: 580

الحكم الثبوتي. لنا: لو كان عدما فإما أن يكون مناسبا للحكم أو مظنة مناسب إذا خفي هو، والثاني باطل لأنه إما عدم مطلق فنسبته إلى الكل سواء، أو عدم خاص فإما أن يكون وجود ذلك الأمر منشأ مصلحة فعدمه يستلزم عدمها، أو مفسدة فوجوده مانع عن المصلحة، وعدم التمانع ليس علة لها باتفاق ولا مظنة. وإما أن يكون منافيا لوجود مناسب الحكم لم يكن عدمه مناسبا لمنافيه المناسب، لأنه إن كان ظاهرا كان علة ولا حاجة إلى المظنة أو خفيا كان العدم أيضا خفيا للتقابل لتساويهما في التعقل، وإن لم ينافيه كان وجوده كعدمه فلم يكن عدمه مناسبا ولا مظنة. واستدل: لا علة عدم، لجواز الحمل على المعدوم. فلو كانت وجودية اتصف المعدوم بالوجود فكانت العلة وجودية، وإلا لزم ارتفاع النقيضين وقد مر في الحسن مثله. قالوا: لو لم يجز لم يصح تعليل الضرب بعدم الامتثال. قلنا: العلة الكف عن الامتثال وهو وجودي. ومنها: أن لا يكون العدم جزءا منها قالوا: لو لم يصح لم يقع وانتفاء معارضة المعجزة جزء المعرف لها لأنها الإتيان مع التحدي وانتفاء المعارض. وكذلك جزء الدوران وجودا وعدما معرف لعلية المدار وهي وجودية والجزء عدمي، قلنا: هو شرط لا جزء.

ص: 581

تنبيه:

ولا يستثنى من هذا إلا حكم أضيف إلى سبب معين أو مجمع على دليله فعدمه دليل عدمه كقول محمد في ولد المغصوب لم يغصب، وفيما لا خمس فيه من اللؤلؤ لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فأما مثل التعليل في إفساد النكاح بشهادة النساء بأنه ليس بمال وفي أنه لا يعتق الأخ بالملك بأنه ليس بينهما ولاد ومثل جواز إسلام المروي في مثله (لأنه) لا يجمعهما طعم ولا ثمنية ليس بمانع عن وجود علة يضاف الجواز والعتق والمنع من السلم

ص: 582

إليها بخلاف الأول، ومنها التعدية فلا يصح التعليل بالقاصرة المستنبطة كتعليل الشافعي الربا في النقدين بجوهرية الثمن.

ص: 583

لنا: لو صحت لأفادت فأما في الفرع ولا فرع لقصورها ولا في الأصل لثبوته بالنص أو الإجماع. قالوا: إذا دل الإيماء أو المناسبة أو غيرهما على التعدية غلب على الظن أن الحكم مضاف إليها. قلنا: فيه إبطال للنص فإن قيل بل يفيد اختصاصه بها قلنا: حاصل بترك التعليل فلا فائدة. قالوا: لو توقف صحتها على التعدية لم تتوقف التعدية على صحتها وإلا لزم الدور. قلنا: توقف معية لا تقدم، فلا دور.

ومنها: أنه يجوز أن يكون حكما شرعيا

ص: 584

كقوله عليه السلام للتي سألته عن الحج: "أرأيت لو كان على أبيك دين" وكقولنا في المدبر مملوك تعلق عنقه بمطلق موت المولى.

ومنها: اختلف في اتحاد الوصف فقيل: يجب، والحق أنه يجوز فيه التعدد، فالأول تعليل رب النساء بالجنس أو الكيل أو الوزن،

ص: 585

والثاني تعليل ربا الفضل بهما. لنا: أن الوجه الذي يثبت به الواحد يثبت به المتعدد. قالوا: لو صح تركيبها لكانت العلية صفة زائدة على المجموع لتعقل الهيئة الاجتماعية مع الجهل بكونها علة، والمجهول غير المعلوم ولأنها موصوفة بالعلية والصفة غير الموصوف واللازم باطل لأنها إن كانت قائمة بكل واحد فكل علة، أو بواحد، فهو العلة. قلنا: منتقض بالحكم على المتعدد من الحروف بأنه خبر أو غيره مع ما ذكر بعينه. والتحقيق منع أن العلية وصف زائد فلا معنى لكون المجموع علة إلا أن الشارع قضى بالحكم عندها للحكمة وليس ذلك صفة، ولو سلم منع أنها وجودية لامتناع قيام المعنى بالمعنى. وأيضا فعلل الشرع أمارات فلا بعد في اجتماعها ضربة ومتعددة. ومنها: اختلف في تخصيص

ص: 586

العلة ويسميه بعضهم النقض وهو وجود العلة ولا حكم،

ص: 587

فأبو منصور وفخر الإسلام والأكثرون منا ومن الشافعية على المنع. والتخلف لعدم العلة لا لمانع مع وجودها، والعراقيون وأبو زيد والمعتزلة على الجواز، والتخلف لمانع على أنه تخصيص للعلة لا نقض. وقيل: بني الخلاف على القول بعروض العموم للمعاني، والحق أن ذلك بناء على أن التخصيص هنا إبطال للعلية، فلا يصح، وإن كانت عامة. والمجوز: ليس بإبطال بل تخصيص كالعموم اللفظي، وقيل بالجواز في العلة المنصوصة لا المستنبطة وقيل بالعكس، واختار بعضهم في المستنبطة عدم الجواز (إلا) لمانع أو عدم شرط، وفي المنصوصة بالتخصيص إذا ثبتت العلية بظاهر عام. لنا: لو صح لزم التناقض، لأن كون الوصف علة شرعية يقتضي اللزوم مطلقا لكونها تامة فاستحال تخلف الحكم عنها مع وجودها لاستحالة انفكاك الحكم عن العلة التامة، وأيضا التخلف لا يمكن إلا لمانع أو انتفاء شرط فنقضها إذا جزء العلة التي يترتب الحكم عليها وإلا امتنع الترتب، فالعلة هي المجموع فالتخلف إذًا نقض لجزئها فلا يكون نقضا لها، فإن قيل: نزاع لفظي لأنه إن أريد بالعلة الأولى التامة فنحن نمنع التخلف عنها، وإن أريد بها الباعثة على الحكم فالمانع أو انتفاء الشرط شرطان في إثبات الحكم لا جزءان

ص: 588

قلنا: الكلام في نفس العلة فلا اعتبار لها عندنا إلا ترتب الحكم عليها وحينئذ لا تكون إلا تامة وأيضا فالاعتبار بالعلل العقلية والجامع كونهما علة مع دلالة الدليل على وجوب تعلق الحكم بهما. قالوا: كما جاز عدم إرادة المخصوص من النص العام مع التناول بدليله، جاز خروج بعض الصور عن عموم العلة مع وجودها بالمانع، والجامع أن كلا منهما أمارة على الحكم وهذا ليس بنقض. قلنا: دفع التعارض بالتخصيص عند إمكانه في النص واجب يوجب العصمة وإلا فالنسخ بخلاف العلة، وإلا يلزم عصمة المجتهد فالتخلف ناقض للعلية لا مخصص. قالوا:(يجوز) أن التخلف لفسادها أو لمانع، فإذا أبدى المانع تعين البيان. قلنا: المانع إن كان نصا فقد أبطل العلة لعدم اعتبارها وكذلك الإجماع والضرورة لأنهما في حكمه وكذلك الاستحسان لما يأتيك فلا بيان.

المجوز في المنصوصة: لو بطل به بطل النص العام المخصوص فيما وراه إذ النص على العلة كالنص على الحكم. وأجيب بالمنع وأن المانع إن كان نصا فرافع ولو سلم فإن قارن فالمجموع هو العلة فلا تخلف، وإن تأخر عن العام نسخ فكان مبطلا.

المجوز في المستنبطة وحدها: أن النص العام الدال على العلية لا يحتمل التخصيص لأنه نص على التعميم فلا تحتمله العلة فالتخصيص مبطل بخلاف المستنبطة، فإن التعميم ليس بقطعي فجاز التخصيص بالمانع وأجيب بما مر.

وجه المختار: أن التخلف في المستنبطة محال إلا لمانع أو انتفاء شرط، وإلا لما ثبت التخلف وفي المنصوصة يجب التخصيص لأن عمومها يكون بنص ظاهر عام. أما الظهور فلأنه لو كان قاطعا لم يتخلف، وأما العموم فلأنه لو كان خاصا بمحله لم يتخلف فوجب الجمع بين الدليلين بالتخصيص لأن النص على العلة كالنص على الحكم. قلنا: التخلف لعدم العلة وقد مر جواب الثاني.

ص: 589

تنبيه:

موضع التخلف يعلل بالمانع عند المخصص، وبعدم العلة عندنا.

فإذا قيل في صايم صب الماء في فيه: فات ركن الصوم، فأورد الناسي فأجاب: خص بمانع وهو الأثر، قلنا: عدمت العلة فيه فإن فعل الناسي مضاف إلى صاحب الحق فكان عفوا، وهذا فساد من قبل غيره. وإذا قيل الغصب سبب ملك البدل فكان سببا لملك المبدل، فأورد المدبر. قال المخصص قام المانع وهو عدم احتمال نقل الملك فيه، وقلنا لم توجد

ص: 590

العلة لأن ضمان المدبر بدل عن اليد الفائتة لا العين.

تنبيه:

القائل بالمانع قسمه إلى ما يمنع انعقاد العلة كبيع الحر، وما يمنع تمامها كبيع الفضولي، وما يمنع الحكم كشرط الخيار وما يمنع تمامه كخيار الرؤية وما يمنع لزومه كخيار العيب على مثال الرامي ينقطع وتره أو يحول بينه وبين المرمي حائط أو يصيبه لكن يمنع درعه الجرح أو يجرحه لكن يبرأ أو يطول فيصير كالطبيعي. ومنها وجوب تعيين العلة وتمييزها وكون النص معللا بها للحال. واختلف في ذلك فقيل: الأصل عدم التعليل إلا بدليل

ص: 591

إذ الموجب هو الصيغة وبالتعلل ينتقل حكمه إلى معناه وهو كالمجاز من الحقيقة. وقيل: بل هو بكل وصف ممكن إلا بدليل. وقيل: التعليل أصل لكن لا بد من مميز وهو الأشبه بمذهب الشافعي. لنا: أن التعليل لا يجب للنص دائما فادعاؤه مفتقر إلى دليل، وليس بكل وصف لأنه تعليل بمجهول، فلا بدمن مميز. مثاله: قولنا في النقدين إن الحكم معلل فالدليل أنه تضمن التعيين بقوله عليه السلام "يدا بيد" وهو من باب الربا فإن تعيين أحد البدلين واجب تحرزا عن الدين بالدين وتعيين الآخر طلبا للتسوية تحرزا عن شبهة الفضل. وقد وجدناه متعديا في الطعام بمثله عند الشافعي حتى شرط التقابض. وأبطلنا جميعا حنطة بعينها بشعير بغير عينه حالا، وإن كان موصوفا، ووجب تعيين رأس المال إجماعا فثبت أنه معلول.

ص: 592

ووصف الثمنية غير مانع. ومنها أنه يجوز أن يكون وصفا لازما كالثمنية جعلناها علة للزكاة في الحلي، وكالطعم في الربا عند الشافعي. وعارضا واسما كدم عرق انفجر والانفجار عارض.

ص: 593

وعللنا بالكيل وهو غير لازم. ومنها أنه يجب أن يكون معنى معقولا صالحا للعلية معدلا، والمعنى بالصلاحية: ملاءمته للمعاني المنقولة عن السلف، وبالتعديل: أن يكون له أثر في الشرع، وقيل يكفي الإخالة ثم العرض على الأصول،

ص: 594

وقيل بالثاني. لنا: أن الوصف إنما يعلم كونه حجة بأثره، لأنه غير محسوس ولا اعتبار بالخيال لأنه ظن وقد تعارض بالمثل. ولا بالعرض لأنه تزكية يترتب على الشهادة. مثال الأثر: التعليل بالطوف في "إنها ليست بنجسة إنها من الطوافات" فالأثر الضرورة التي هي سبب التخفيف، ومثل أمره عليه السلام للمستحاضة بالوضوء لكل صلاة بأنه دم عرض انفجر، فللدم أثر في النجاسة التي هي سبب الطهارة، وللانفجار أثر في التخفيف لأنه مرض لازم، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه وقد سأله عن القبلة في الصوم:"أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته" تعليل بمؤثر فإن الفطر نقض الصوم الذي هو كف عن اقتضاء

ص: 595

الشهوتين، وليس في القبلة شيء منهما، فكان كالمضمضمة وقول عمر لعبادة رضي الله عنهما حين قال:"ما أرى النار تحل شيئا، أليس يكون خمرا ثم يصير خلا فيؤكل" فعلل بالتغير الطبيعي. وكقول أبي حنيفة في اثنين اشتيا قريب أحدهما: لا يضمن لشريكه شيئا لأنه أعتقه برضاه، وللرضا أثر في سقوط العدوان. وكقول محمد في إيداع الصبي: سلطه على استهلاكه، وكقول الشافعي: الزنا أمر رجمت عليه والنكاح حمدت عليه، فلا يوجب حرمة المصاهرة. وعلى هذا فرعنا فقلنا: مسح فلا يسن تثليثه كالخف، لأن للمسح أثر في التفيف، وقولهم ركن فيسن كالغسل فغير مؤثر في إبطال التخفيف، وعللنا في ولاية النكاح بالصغر والبلوغ الذين هما مؤثران في العجز والقدرة، بخلاف البكارة والثيوبة.

ص: 596

وأما شروط الفرع:

فمنها: أن يكون خاليا عن المعارض الراجح على القول بتخصيص العلل.

ومنها: أن تكون العلة فيه مشاركة لعلة الأصل. ومنها: أن يكون حكم النص معدى إليه من دون تغيير لأن التعليل للتعدية لا للتغيير مثل السلم الحال باطل لأن الشرط في المبيع أن يكون موجودا مملوكا مقدور التسليم. والشرع رخص في السلم بوصف الأجل، فكان النص ناقلا لشرط الأصل إلى ما يخلفه وهو الأجل. فالتعليل لإبطاله باطل، ومثل اعتبار الخاطئ والمكره بالناسي بجامع عدم القصد وهو مغير فليس الصوم

ص: 597

في الناسي لعدم القصد فإن لم ينو لعدم الشعور برمضان لم يصح صومه، وليس بقاصد، لكنه لم يجعل فطرا بالنص غير معلول، فسقط فعله لأنه جبلي نسب إلى الشرع فلم يصح اعتبار الخاطئ به وهو مقصر. ومنها: أن يكون نظيرا لأصل، فإن خالفه لم يصح كما يعدى حكم التيمم إلى الوضوء في اشتراط النية وليس بنظير فإن التيمم تلويث وهذا غسل وتطهير. فإن قيل: عديتم حرمة المصاهرة من الحلال إلى الحرام وليس بنظيره في استحقاق الكرامة، قلنا: لم نعده بل بواسطة الولد المستحق لها لإثبات الجزئية به ثم يتعدى ذلك إلى سببه وهو الوطء فليس أصلا وإنما عمل بسبب الأصل. ونظيره الغصب، فإنه تبع لوجوب ضمان الغصب، لا أصلا بنفسه فثبت بشرط الأصل لا بشرط نفسه، ومنها أن لا يكون فيه نص لأنه يكون نقضا للنص بالتعليل، وليس جعله أصلا أولى من العكس، والتعدية مع الموافقة لغو لاستغنائنا عنه بالنص وهذا مثل الكفارة في قتل العمد والغموس واشتراط الإيمان في مصارف الصدقة اعتبارا بالزكاة، واشتراط الإيمان في رقبة اليمين والظهار وهو تعدية إلى ما فيه نص بتغيره بالتقييد، فإن المؤاخذة في اليمين الغموس مطلقة، والعمد قود، فيقتضي أن يكون كل الموجب فإضافة الكفارة تغيير، وكذا الباقي. لأن النصوص مطلقة فيه. ومنها: أن لا يكون

ص: 598

متقدما على حكم الأصل كقياس الوضوء على التيمم في وجوب النية لم يلزم من ثبوت حكم الفرع قبل ثبوت العلة لكونها مستنبطة من حكم متأخر عنه، وهو معنى قولنا أن يكون نظيرا، وشرط قوم أن يكون الحكم في الفرع ثابتا بنص جملة لا تفصيلا، وليس بحق فإن الأئمة قاسوا "أنت علي حرام" على الطلاق واليمين والظهار فلا نص جملة ولا تفصيلا.

فصل في الطرد وتقسيمه:

اختلف القائلون به في تفسيره فقيل: الوجود عند الوجود. وقيل: والعدم عند العدم، وقيل: وأن يكون النص قائما في الحالين ولا حكم له

ص: 599

قالوا: أوصاف النص بمنزلته، والعلل أمارات فلا ضرورة إلى معنى معقول قلنا: جعله الشارع شاهدا على الحكم فلا بد من أثر له معقول يمكن إضافته إليه. وهي أمارات في أنفسها، ومؤثرات عندنا كالمقتول يموت بأجله، والقتل مزيل لحياته عندنا حتى يترتب عليه القصاص فلا بد من التمييز بين العلة والشرط، والطرد غير مميز. ولا العدم عند عدمه، لمزاحمة الشرط والعدم ليس بشيء فلا يصلح دليلا. كيف ويجوز أن يثبت بعلة أخرى. واحتج من شرط قيام النص مع عدم الحكم: بآية الوضوء. وبقوله عليه السلام "لا يقضي القاضي وهو غضبان" فإن علة الوضوء الحدث، فإن الوضوء يدور معه وجودا وعدما، والنص تعرض للقيام وهو موجود في الحالين بغير حكم وكذلك الغضب موجود مع شغل القلب وعدمه، والقضاء وعدمه يدور مع الشغل، لا لعين الغضب.

ص: 600