الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تأخير بيان الظاهر في غير ظاهره؛ فإما إلى مدة معينة وهو تحكم، أو إلى الأبد فيلزم المخالفة للمراد. وأجيب: إلى معين عند الله وهو الوقت الذي يكون مكلفا فيه، أي وقت الحاجة إلى البيان، قالوا: لو جاز لكان مفهما بخطابه في الحال، لأن الخطاب يستلزم التفهيم وليس ظاهر الخطاب ولا باطنه لعدم البيان معه. وأجيب: لو صح امتنع الخطاب بما سينسخ لظهور الخطاب في الدوام وهو غير مراد وهو صحيح بالاتفاق. قالوا: لو جاز لجاز الخطاب بالمهمل وتأخير بيانه. قلنا: المجمل يفيد معنى فيعتقد على إجماله. والمهمل غير مفيد أصلا.
وأما
التبديل وهو النسخ:
فهو بيان انتهاء حكم شرعي مطلق عن التأبيد والتوقيت بنص متأخر عن مورده. واحترزنا بالشرعي عن غيره، وبالمطلق عن الحكم الموقت بوقت خاص فإنه لا يصح نسخه قبل انتهائه، وكذلك المقيد بالتأبيد
وبنص عن الإجماع والقياس وغيرهما. وبمتأخر عن التخصيص وعن الاستثناء بالغاية والشرط والوصف. قال فخر الإسلام: هو بيان بالنسبة إلى الشارع تبديل بالنسبة إلينا، على مثال القتل فإنه بيان انتهاء أجل القتيل عند الله وتبديل لحياته المظنون استمرارها عندنا. أقول: فإذا كانت له جهتان فيجوز أن يحدد أيضا بأنه رفع حكم شرعي بعد ثبوته بنص متأخر عنه وليس التحرز عن الرفع بطائل لأنه إن علل بأن الحكم وتعلقه قديمان فغير مفيد لأن انتهاء أمد الحكم على المكلف ينافي بقاءه عليه وهو معنى الرفع، فإنا لا نعني بالمرفوع الخطاب القديم ولا تعلقه، بل الحكم الحاصل على المكلف المتعلق به تعلق التنجيز لقطعنا بأن الوجوب المشروط بالعقل منتف بانتفائه، وبأن تحريم شيء بعد وجوبه منتف لاستحالة اجتماعهما
وإن علل بأنه يرتفع تعلقه بفعل مستقبل لزم منع النسخ قبل الفعل أو بأنه بيان أمد التعلق بالمستقبل المظنون استمراره فلا خلاف في المعنى، وقد احترز في هذا الحد بقوله: بعد ثبوته عن رفع الإباحة الأصلية فإنه ليس بنسخ، ومن أجاز النسخ بالفعل يقول بدليل شرعي.
مسألة:
أهل الشرائع على جوازه عقلا ووقوعه شرعا، وخالفت اليهود في الجواز وأبو مسلم الأصفهاني في الوقوع.
لنا القطع بعدم استحالة تكليف في وقت ورفعه. وإن اعتبرنا المصالح كالمعتزلة فالمصلحة قد تختلف باختلاف الأوقات، وفي التوراة: أمر الله آدم عليه السلام بتزويج بناته من بنيه وقد حرم ذلك. وقوله لنوح عليه السلام بعد الطوفان: جعلت لك كل دابة مأكلا لك ولذريتك وأطلقت ذلك لكم كنبات العشب ما خلا الدم فلا تأكلوه. وقد حرم كثير منها. واستدل بتحريم السبت وكان مباحا وبجواز الختان مطلقا ووجوبه في ثامن الولادة عندهم، وبإباحة الأختين في شرع يعقوب عليه السلام وتحريمه عندهم. وأجيب بأنها رفع إباحات كانت ثابتة عقلا والنسخ لحكم شرعي. قالوا: لو صح بطل قول موسى عليه السلام المتواتر أن شريعته مؤبدة قلنا مختلف ولأنا نقطع عادة بأنه لو صح عارضوا به محمد عليه السلام. قالوا: إن نسخ لحكمة ظهرت بعد أن لم تكن لزم البداء وإلا فالعبث. وأجيب بعدم تسليم اعتبار المصلحة
أنه لحكمة علم أزلا أنها تكون عند نسخه لاختلاف الأزمان والأحوال فلا يلزم الظهور بعد أن لم يكن. قالوا: إن قيد الأول بوقت فليس بنسخ لانتهائه بانتهاء وقته، وإن دل على التأبيد لم يقبل النسخ لاجتماع الإخبار بالتأبيد ونفيه، وهو تناقض، ولأنه يؤدي إلى تعذر الاجتهاد بالتأبيد لاحتمال النسخ، وإلى نفي الوثوق بتأبيد حكم ما وللزوم نسخ شريعتكم مع التصريح بالتأبيد. قلنا: مطلق فيدل على تعلق الوجوب. وأما البقاء وعدمه فلا يستفاد من الصيغة، ولو سلم دلالته على التأبيد صريحا منع التناقض على قول من يجيز النسخ فإن الأمر بشيء في المستقبل أبدا لا يستلزم استمراره وإنما يستلزم أن الفعل في المستقبل أبدا متعلق الوجوب فإذا تبين زوال التعلق به لناسخ لم يكن مناقضا. كالموت، وإنما التناقض في الإخبار ببقاء الوجوب أبدا مع نسخه. ونسخ شريعتنا محال لثبوت الأخبار المتواترة ببقائها بأن محمدا عليه السلام
خاتم النبيين. قالوا: لو جاز لكان إما قبل الفعل ولا ارتفاع لما (لم) يوجد ولا بعده لأنه معدوم ولا معه وإلا ارتفع حال وجوده. قلنا المراد أن التكليف الثابت بعد أن لم يكن زال كما يزول بالموت، لا الفعل. قالوا: إن علم استمراره أبدا فلا نسخ وكذا إن كان مغيا بمدة معينة لأن ارتفاع الحكم بوجود ايته ليس بنسخ. قلنا يعلم مستمرا إلى وقت ارتفاعه بالنسخ وذلك يحققه ولا يمنعه. والحجة على الأصفهاني: إجماع الأمة أن شريعتنا ناسخة للشرائع وأن التوجه إلى الكعبة ناسخ لبيت المقدس
وآية المواريث ناسخة لآية الوصية للوالدين والأقربين.
مسألة:
شرط النسخ التمكن من الاعتقاد
فيجوز قبل الفعل خلافا للمعتزلة والصيرفي. لنا: إذا ثبت التكليف قبله وجب جواز رفعه اعتبارا بجواز رفع التكليف بالموت، والجامع قطع تعلق التكليف، ولأن كل نسخ قبل الفعل، لأنه محال بعده لتحصيل الحاصل ومعه لاجتماع الفعل ونفيه، وأيضا لو لم يجز لم يقع وقد وقع، فإنه نسخ فرض خمسين صلاة ليلة المعراج بخمس قبل التمكن
من الفعل ويستدل بأن إبراهيم أمر بذبح الولد (افعل ما تؤمر) ولإقدامه عليه، ولولاه لم يقدم ونسخ قبل التمكن. وأجيب: بأنه لم ينسخ فإن الأمر قائم غير منته وإنما لم يتصل بمحله للفداء، لا للنسخ. واعترض بعد تسليمه إنما يكون قبل التمكن لو اقتضى الأمر الفورية أو تضيق وقت الوجوب. وأجيب: لو كان موسعا حكمت العادة بالتأخير رجاء النسخ أو الموت. لعظم الأمر ولأنه لو كان موسعا لم يمتنع رفع تعلق الوجوب بالمستقبل لبقاء الأمر حيث لم يفعله بعد، وبقاء الأمر هو المانع من الجواز عند الخصم حذرا من توارد النفي والإثبات مع اتحاد الوقت والمحل، قالوا: لم يؤمر ولهذا نسبه إلى المنام، ولجواز أنه أمر بمقدماته، ولذلك قيل (قد صدقت الرؤيا) فلو كان المأمور به الذبح ولم يحصل لم يصدقه. قلنا: منام النبي عليه السلام وحي، ولو كان وهما لما أقدم على الحرام، والأمر بالمقدمات خلاف الظاهر. قالوا: وجد، وكلما ذبح التحم. وروي أنه صفح
عنقه بنحاس فمنعه منه فلا يكون نسخا. قلنا: لو التحم اشتهر لأنه معجز باهر ولو صفح كان تكليفا بما لا يطاق ولاشتهر فكان نسخا قبل الفعل. قالوا: لو جاز فإما أن يؤمر بالفعل وقت نسخه وفيه توارد النفي والإثبات، أو لا يؤمر لم ينسخ لعدم ارتفاع شيء. قلنا: لم يكن مأمورا به (في) ذلك الوقت بل قبله.
مسألة:
إذا قيد المأمور به بالتأبيد لا يجوز نسخه خلافا للجمهور، ولو كان التأبيد لبيان مدة بقاء الوجوب نصا لم يقبل الناسخ وفاقا. لنا: أنه حكم مقيد بالتأبيد فكان نصا على عدم انتهائه بمدة والناسخ بيان انتهائه فيتناقض وأيضا
التأبيد للدوام والنسخ يقطعه فيتناقض. قالوا: لا منافاة بين تأبيد الفعل الذي تعلق به التكليف وبين انقطاع التكليف كانقطاعه بالموت. قلنا: ثابتة بين تكليفين بالضرورة بخلاف الموت.
مسألة:
الجمهور على جواز النسخ بأثقل خلافا لبعض الشافعية. وأما الأخف والمساوي فاتفاق. لنا: إن لم نقل برعاية الأصلح فلا إشكال، وإن قيل
بها فلا امتناع عقلا في أن ينسخ حكم بأثقل. وأيضا فلو لم يجز لم يقع وقد نسخ التخيير في صوم رمضان والفدية بتحتمه، وعاشوراء برمضان والحبس في البيوت
بالحد والصفح عن الكفار بقتال مقاتلهم ثم بقتالهم كافة. قالوا: نقلهم إلى الأثقل أشق وأبعد من المصلحة. قلنا: لازم في ابتداء التكليف وبتقدير المصلحة فلا يبعد أن يكون في الانتقال إلى الأثقل قالوا (نأت بخير منها أو مثلها) أي بخير لكم وإلا فالقرآن لا 3 تفاضل فيه والأشق ليس بخير للملف. قلنا: خير له باعتبار جزيل الثواب في العاقبة (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ) الآية.
مسألة:
يجوز نسخ التلاوة والحكم معا، والتلاوة وحدها والحكم وحده خلافا لبعض المعتزلة. لنا: أن جواز التلاوة حكم، وما يتعلق بها من الأحكام
حكم آخر فتغايرا فجاز نسخهما ونسخ أحدهما كغيرهما، وأيضا الوقوع أما فيهما فما روت عائشة رضي الله عنها "كان فيما أنزل عشر رضعات محرمات" وأما نسخ التلاوة فما روى عمر "كان فيما أنزل الشيخ والشيخة" إلى آخره. وتلاوة ابن مسعود في كفارة اليمين (متتابعات). وأما الحكم فكنسخ
(آية) الاعتداد بالحوث وحبس الزواني والأذى باللسان بالحد. قالوا: التلاوة مع حكمها كالعلم مع العالمية ولا ينفكان. قلنا: لا تغاير، فإن العالمية قيام العلم بالذات بخلاف التلاوة جاز بقاؤها لترتب حكم الإعجاز وجواز الصلاة عليها وهما مقصودان كالمتشابه فجاز الانفكاك. وأيضا فالتلاوة أمارة الحكم في ابتدائها دون دوامها، فإذا انتفى دوامها لم يلزم انتفاء مدلولها، وبالعكس. قالوا: لو نسخ الحكم وحده كانت التلاوة موهمة ببقائه فيؤدي إلى التجهيل وإبطال فائدة القرآن. قلنا: لا جهل مع الدليل للمجتهد، والمقلد فرضه التقليد والفائدة الإعجاز وجواز الصلاة.
مسألة:
الزيادة على النص نسخ كقيد الإيمان في كفارة
اليمين والنفي على الجلد خلافا للشافعي. لنا: أن المطلق لا تعرض له بقيد فيتساوى الأفراد بالنسبة إليه، والتقييد ينافيه،
فإذا ورد متأخرا كان رافعا لما اقتضاه الأول من الإطلاق وبيانا لمدة انتهاء حكمه وهو معنى النسخ. قالوا: تخصيص قلنا: التخصيص بيان أن بعض الأفراد ليس بمراد مع التناول، والمطلق من حيث هو لا دلالة له إلا على الماهية من حيث هي. من غير دلالة على المشخصات من حيث خصوصها، وإن كانت لوازم الوجود فالمأمور به في المطلق ليس إلا الماهية من حيث هي، والمكلف يأتي به في ضمن مقيد هو من لوازم الوجود (لا من حيث دلالة) الأمر عليه، وإذا لم يتناولها اللفظ لا يكون تخصيصا ولأن ما وراء المخصوص ثابت بنظم العام والحكم بعد زيادة القيد ثابت به لا بالمطلق، فالتخصيص إخراج وهذا إثبات وعلى هذا فالنفي إذا ألحق بالجلد لم يبق حدا، بل بعضه، وبعض الشيء ليس له حكم كله. ولذلك لم نزد فرضية الفاتحة ولا اشتراط الطهارة للطواف، ومثله كثير.
مسألة:
الإجماع لا ينسخ به لأنه إن كان عن نص فهو الناسخ، ولأن النسخ لا يكون إلا في حياته صلى الله عليه وسلم. ولا إجماع حينئذ، ومن أطلق من أصحابنا ذلك فمراده أنه دليل وجود الناسخ. وكذلك القياس ولما تبين.
مسألة:
فيجوز نسخ الكتاب بالكتاب كالعدتين. والسنة المتواترة بمثلها والآحاد
بمثلها اتفاقا "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها""وعن ادخار الأضاحي فادخروا"
وفي العكسين خلاف الشافعي. لنا: أن التوجه إلى بيت المقدس ثبت بالسنة ونسخ (بالكتاب) ومصالحته عليه السلام أهل مكة عام الحديبية بالسنة على أن من جاءه مسلما رده فجاءت امرأة فنزلت (فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن). ومباشرة الصائم ليلا كانت حراما بالسنة فأطلقت
بالكتاب، وكذا صوم عاشوراء، وفي العكس: نسي عليه السلام آية فلما أخبر قال: ألم يكن فيكم أبي، فقال: بلى لكني ظننت أنها نسخت، فقال: لو نسخت لأخبرتكم. فأقره، وعن عائشة رضي الله عنها:"ما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له من النساء ما شاء" وأيضا فالنسخ بيان.
فللرسول بيان الكتاب (لتبين للناس ما نزل) ولله بيان ما أجرى على لسان رسوله، ولأن الكتاب فوق السنة بنظمه والسنة تنسخ حكم الكتاب فهما متساويان. واستدل بآية الوصية، نسخت بقوله عليه السلام "لا وصية لوارث" وأجيب: بل بآية المواريث. وأيضا بأن الإمساك في البيوت نسخ بالرجم الثابت بالسنة وأجيب: بأن في الصحيح عن عمر رضي الله عنه:
"كان مما يتلى آية الرجم" فالنسخ بها. وأيضا (قل لا أجد) نسخت بنهيه عن كل ذي ناب. وأجيب بالمنع أو بأن المعنى: لا أجد الآن، وتحريم حلال الأصل ليس بنسخ. قالوا: لتبين والنسخ رفع لا بيان. قلنا: معناه لتبلغ وهو بيان كما مر، ولو سلم فليس فيه ما يدل على عدم النسخ. قالوا: لو نسخ الكتاب السنة لحصلت النفرة. قلنا: إذا علم أن الكل من الله لم تحصل. قالوا: (نأت بخير منها أو مثلها) والسنة ليست مثل الكتاب ولا خيرا، والضمير في نأت لله والبدل إنما يكون نم جنس البدل. لنا: المراد الحكم وإلا فلا تفاضل في الكتاب. والناسخ أصلح للمكلف أو مساو فيكون حكم السنة أصلح وصح الضمير لأن الكل منه، والمثلية لأنهما في الحكم سواء. قالوا:(قل ما يكون لي أن أبدله) قلنا: ظاهر في تبديل الرسم، والنزاع في الحكم، ولو سلم فالسنة أيضا بالوحي. قالوا:(وإذا بدلنا آية مكان آية) قلنا: ليس فيه ما يدل على نفي غيره.