المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الثالث: السبر والتقسيم - بديع النظام الجامع بين كتاب البزدوي والإحكام = نهاية الوصول - جـ ٢

[مظفر الدين ابن الساعاتي]

الفصل: ‌الثالث: السبر والتقسيم

استنبط منه أن العلة الشدة المطربة ليس بإيماء، وقيل إيماء فيهما وبالعكس.

وجه التفصيل: أن الإيماء كون الوصف مذكورا على وجه يظهر من سياقه التعليل والأول كذلك وإن لم يصرح به الحكم فهو لازم لأنه يلزم من الحل الصحة والتعذره مع انتفائها. والثاني ليس كذلك لأن الوصف ليس بمذكور أصلا.

مسألة:

اشترط قوم المناسبة في صحة علل الإيماء ونفاه قوم وفصل آخرون: إن كان التعليل إنما فهم من الوصف المناسب اشترط، وإلا فلا، لأنه إنما فهم من المناسبة فإذا انتفت انتفى.

‌الثالث: السبر والتقسيم

وهو

ص: 617

حصر الأوصاف في محل الحكم وإبطال ما لا يصلح للتعليل فيتعين وليس بحجة عندنا وصورته: أن يقول: الموجود في المحل بعد البحث إما وصفان

ص: 618

أو ثلاثة مثلا وكان أهلا للنظر عدلا. فيغلب عل الظن انتفاء سواها. أو يقول الأصل عدم ما سواها إلا بدليل ولا دليل ثم يحذف بعضها بدليله فيلزم انحصار التعليل في الباقي. فإن بين المعترض وصفا آخر لزمه إبطاله ولا يعد منقطعا والمجتهد يرجع إلى ظنه في ذلك. وإذا كان الحصر والإبطال قطعيا فقطعي وإلا فظني. وأما طرق الحذف فمنها: الإلغاء وهو بيان إثبات الحكم بالوصف المستبقى فقط دون المحذوف، ولا بد من إثبات الحكم مع المستبقى إذ لو ثبت دونه كما ثبت دون المحذوف كان إلغاء له أيضا، وحينئذ يثبت استقلاله بالعلية فيمتنع إدخال المحذوف واستقلاله. ولقائل أن يقول: دعوى الاستقلال من مجرد إثبات الحكم مع وجوده غير حقه إذ لو كفى ذلك من دون ضميمة تدل على استقلاله من طرق إثبات العلة لكفى في أصل القياس واستغنى عن السبر وغيره، وعند ذلك فإن أثبته في صورة الإلغاء بالسبر كما أثبته في الأصل الأول استغنى عنه لثبوت استقلال صورة الإلغاء بدليله، فذكر الأصل المستقل أيضا غير مفيد، وإن بينه بطريق آخر غير السبر فهو انتقال شنيع. ومنها: أن يكون الوصف من جنس ما ألف من الشارع إلغاؤه مطلقا كالطول والقصر والسواد والبياض. ومنها ما ألف إلغاؤه من جنس ذلك الحكم وإن كانت مناسبة كالذكورة في سراية العتق. ومنها: أن لا تظهر مناسبته بعد البحث ويكفي الناظر أن يقول: بحثت فلم أجد، فإن قيل: مثله في المستبقى رجح المستدل بالتعدية. واستدل على اعتبار السبر بأن حكم الأصل لا بد له من علة لإجماع الفقهاء إما بالوجوب كقول المعتزلة أو غيره كقول غيرهم. ولو لم يكن إجماعا فهو الغالب المألوف، فالحمل عليه أولى، ولا بد أن تكون ظاهرة وإلا كان تعبدا وهو خلاف الصل، لأن التعقل أغلب وأقرب إلى الانقياد. فإذا قال: سبرت وبحثت فما وجدت، وكان أهلا غلب على الظن صدقه. قلنا: يحتمل عدم السبر أصلا ومع وجوده فالوقوف على صفة

ص: 619

مع تركها ولو لم يجد لم يدل على عدمه، فإن الجهل ليس بدليل، ولو دل بالنسبة إليه لم يدل بالنسبة إلى الخصم لجواز علمه بوصف آخر، ولو سلم دلالته على الحصر فالحذف إنما يستلزمه في المستبقى، أن لو كان معقول المعنى، ويجوز أن لا يكون فيشترك المستبقى والمحذوف في عدم الاعتبار وبتقدير التعقل فغايته إبطال معارض العلة ولا يلزم منه صحة علية المستبقى، لأن ذلك باعتبار مصحح العلية، لا باعتبار انتفاء المعارض. الرابع: المناسبة والإخالة

ص: 620

وتلقب بتخريج المناط وهو تعيين العلة في الأصل بمجرد إبداء مناسبة من ذاته لا بنص ولا غيره. وفسرها أبو زيد بما لو عرض على العقول تلقته بالقبول. وهذا أقرب إلى اللغة وإثباته متعذر في مقام النظر، لإمكان أن لا يتلقاه عقل الخصم بالقبول، وتلقي غيره ليس بحجة عليه كما في العكس. فلذلك منع أبو زيد التمسك بها. وفسرها غيره بأنها وصف ظاهر منضبط يحصل من ترتب الحكم عليه ما يصلح أن يكون مقصودا، فإن كان خفيا أو غير منضبط فالمعتبر ملازمه، وهو المظنة كالعمدية في القصاص باستعمال الآلة الموضوعة للقتل عرفا. وكالمشقة في السفر في الفطر، والقصر يعتبر بالسفر الذي هو المظنة. ثم المقصود من شرع الحكم: إما جلب منفعة للعبد أو دفع مفسدة عنه أو مجموعها، وذلك إما في الدنيا كالمعاملات، أو في الأخرى، كإيجاب الطاعات وتحريم المعاصي وقد يحصل المقصود يقينا وظنا، وقد يكون الحصول ونفيه متساويين وقد يرج نفيه. فالأول كالبيع والثاني كالقصاص المترتب على القتل العمد العدوان لأن الغالب صيانة النفوس. والثالث لا مثال له على التحقيق، ويقرب منه الحد على الخمر لحفظ العقل، فإن الحصول ونفيه متساويان لتعارض كثرة الممتنعين كثرة المتقدمين. والرابع: كالحكم بصحة نكاح الآيسة لمقصود التوالد، فإن نفيه أرجح. والقائلون بالمناسبة مجموعون على الأولين، وأما الآخران فاتفقوا على اعتبارهما إذا كان المقصود ظاهرا من الوصف في غالب صور الجنس، وإلا فلا.

ص: 621