المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌تحذير النبي صلى الله عليه وسلم أمَّتَه من الفتن

- ‌الفتن واقعة لا محالة

- ‌الحذر من الشر باب من أبواب الخير

- ‌من طبائع الفتن

- ‌نور الفطنة ييدد ظلمات الفتنة

- ‌العلماء سفينة نوح

- ‌الدنيا كلها ظلمة، إلا مجالس العلماء

- ‌والجاهلون لأهل العلم أعداء

- ‌الصبر زمن الفتن

- ‌مقارنة الحِلْم والرفق، ومفارقة العجلة والطيش

- ‌الإِمام ابن القيم يحذِّر من استفزاز البُداءات

- ‌من مواقف التثبت في الفتن

- ‌العَجلَة أمُّ الندامات

- ‌ومن أسباب النجاة من الفتن: التثبت من الأخبار

- ‌وجوب حفظ اللسان

- ‌في الصمت السلامة

- ‌الموازنة بين الصمت والكلام:

- ‌حفظ اللسان في الفتن

- ‌تورع السلف عن آفات اللسان في الفتن

- ‌رُبَّ قولٍ يسِيل مِنه دَمٌ

- ‌ومن أسباب النجاة من الفتن:اعتزالها والفِرار منها

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌تنبيهات

- ‌مواجهة الفتنة بالعمل الصالح

- ‌الدعاء والتضرع في الفتن

- ‌التعوذ بالله تعالى من الفتن

- ‌حكم تمني الموتِ في الفتنة

- ‌ذكر أدلة السُّنَّة على جواز تمني الموتإذا خاف على دينه من الفتن

الفصل: ‌الموازنة بين الصمت والكلام:

وقال عبد الله بن أبي زكريا: "عالجتُ الصمتَ ثنتي عشرةَ سنةً، فما بلغتُ منه ما كنت أرجو"(1).

وعن مالك، عن سعيد بن أبي هند، قال:"وجدت الصمت أشدَّ من الكلام"(2).

وعن أرطاة بن المنذر قال: "تعلَّم رجل الصمتَ أربعين سنة، بحَصَاةٍ يضعها في فيه، لا ينزِعُها إلَّا عند طعام، أو شراب، أو نوم"(3).

قال الإِمام مُوَرِّقٌ العِجْلِيُّ: "تعلمت الصمت في عشر سنين، وما قلتُ شيئًا قَطُّ إذا غضبت، أندم عليه إذا زال غضبي"(4).

‌الموازنة بين الصمت والكلام:

فليكن الأصل هو الصمت؛ إذ يكفي في فضل الصمت كونه أقوى وسيلة وقائية من الغِيبة وأخواتها من آفات اللسان، والسلامة لا يعدلها شيء إلَّا مَن تيقن مِن حصول الغنيمة بالكلام.

روُيَ عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ كلام ابن آدمَ عليه، لا له، إلَّا أمرٌ بمعروف، أو نهيٌ عن منكر، أو ذِكرٌ لله"(5).

(1)"الصمت" لابن أبي الدنيا رقم (713) ص (303).

(2)

"الزهد" لابن أبي عاصم رقم (36) ص (30).

(3)

"الصمت" لابن أبي الدنيا رقم (435).

(4)

"سير أعلام النبلاء"(4/ 354).

(5)

تقدم تخريجه ص (66).

ص: 73

وقال الإِمام النووي -رحمه الله تعالى-: "اعلم أنه ينبغي لكل مكلَّف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلَّا كلامًا ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلامُ وتركُه في المصلحة، فالسُّنَّة الإمساك عنه؛ لأنه قد ينجرُّ الكلامُ المباح إلى حرام أو مَكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة (1) لا يعدلها شيء.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:(مَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) متفق عليه (2)، وهذا الحديث صريح في أنه ينبغي ألَّا يتكلم إلا إذا كان الكلامُ خيرًا، وهو الذي ظهرت مصلحتُه، ومتى شكَّ في ظهور المصلحة فلا يتكلم" (3) اهـ.

وقد قال الإِمام الشافعي رحمه الله: "إذا أراد الكلامَ فعليه أن يفكر قبل كلامه، فإن ظهرت المصلحة تكلم، وإن شكَّ لم يتكلم حتى تظهر"(4) اهـ.

(1) السلامة: هي البراءة من العيوب، كما في "القاموس"، وهي من الكلمات الجوامع، فإن من سلم نجا، فهي قريبة من العافية؛ ولذا تكون دعوة الرسل عند مرور الناس على الصراط:"اللهم، سلِّم سلِّم"، وكان عبد الله بن الخيار يقول في مجلسه:"اللهم سلَمِّنا، وسلِّم المؤمنين منا"، وقال الشاعر:

وقائلة لي ما لي أراك مُجَنِّبًا

أمورًا وفيها للتجارة مربحُ

فقلت لها: كفِّي ملامَكِ واسمعي

فنحنُ أناس بالسلامةِ نفرحُ

(2)

تقدم تخريجه ص (68).

(3)

"رياض الصالحين" مع "دليل الفالحين"(4/ 347، 348).

(4)

"الأذكار النووية" ص (284).

ص: 74

وقال رجل لسلمان الفارسي رضي الله عنه: "أوصني"، فقال:"لا تتكلم! " قال: "ما يستطيع من عاش في الناس ألَّا يتكلم"، قال:"فإن تكلمتَ فتكلم بحق، أو اسكت"(1).

قال الشافعي رحمه الله:

وجدتُ سكوتي متجرًا فَلَزِمتُه

إذا لم أَجِدْ ربحًا فلستُ بخاسرِ

وقال -أيضًا-:

قالوا سكتَّ وقد خوصمتَ قلتُ لهم

إن الجوابَ لبابِ الشرِّ مفتاحُ

وقال مرةً رجل: "ما أشدَّ البرد اليوم! " فالتفت إليه المعافى بن عمران، وقال:"استدفأت الآن؟! لو سكتَّ؛ لكان خيرًا لك"(2).

وقال أبو بكر بن محمَّد بن القاسم: كان شيخنا أبو إسحاق الشيرازي إذا أخطأ أحد بين يديه، قال:"أيُّ سكتةٍ فاتتك؟ "(3).

(1)"جامع العلوم والحكم" ص (162).

(2)

"السير"(9/ 84).

(3)

"السير"(18/ 455).

ص: 75