المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل قال الإِمام أحمد: حدَّثنا إسماعيل، قال: حدَّثنا أيوب عن محمَّد - بصائر في الفتن

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌تحذير النبي صلى الله عليه وسلم أمَّتَه من الفتن

- ‌الفتن واقعة لا محالة

- ‌الحذر من الشر باب من أبواب الخير

- ‌من طبائع الفتن

- ‌نور الفطنة ييدد ظلمات الفتنة

- ‌العلماء سفينة نوح

- ‌الدنيا كلها ظلمة، إلا مجالس العلماء

- ‌والجاهلون لأهل العلم أعداء

- ‌الصبر زمن الفتن

- ‌مقارنة الحِلْم والرفق، ومفارقة العجلة والطيش

- ‌الإِمام ابن القيم يحذِّر من استفزاز البُداءات

- ‌من مواقف التثبت في الفتن

- ‌العَجلَة أمُّ الندامات

- ‌ومن أسباب النجاة من الفتن: التثبت من الأخبار

- ‌وجوب حفظ اللسان

- ‌في الصمت السلامة

- ‌الموازنة بين الصمت والكلام:

- ‌حفظ اللسان في الفتن

- ‌تورع السلف عن آفات اللسان في الفتن

- ‌رُبَّ قولٍ يسِيل مِنه دَمٌ

- ‌ومن أسباب النجاة من الفتن:اعتزالها والفِرار منها

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌تنبيهات

- ‌مواجهة الفتنة بالعمل الصالح

- ‌الدعاء والتضرع في الفتن

- ‌التعوذ بالله تعالى من الفتن

- ‌حكم تمني الموتِ في الفتنة

- ‌ذكر أدلة السُّنَّة على جواز تمني الموتإذا خاف على دينه من الفتن

الفصل: ‌ ‌فصل قال الإِمام أحمد: حدَّثنا إسماعيل، قال: حدَّثنا أيوب عن محمَّد

‌فصل

قال الإِمام أحمد: حدَّثنا إسماعيل، قال: حدَّثنا أيوب عن محمَّد بن سيرين، قال:"هاجت الفتنة وأصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف فما خفَّ فيها منهم مائة، بل لم يبلغوا ثلاثين"(1).

لما حدث الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم أجمعين- وجرَّ إلى القتال، دخل كعب بن سور رحمه الله في بيت، وطَيَّن عليه، وجعل فيه كُوَّة يُناوَلُ منها طعامَه، وشرابَه، اعتزالًا للفتنة (2).

عن ابن طاووس عن أبيه، قال: لما وقعت فتنة عثمان، قال رجل (3) لأهله:"أَوْثقوني بالحديد، فإني مجنون"، فلما قُتل عثمان، قال:"خَلُّوا عني، الحمد لله الذي شفاني من الجنون، وعافاني من قتل عثمان"(4).

وعن مرحوم بن عبد العزيز، قال: سمعت أبي يقول: لما كانت فتنة يزيد بن المهلب، انطلقت أنا ورجل إلى ابن سيرين، فقلنا: ما ترى؟ فقال: "انظروا إلى أسعدِ الناس حين قُتِلَ عثمان، فاقتدوا به"، قلنا: هذا ابن عمر كف يده (5).

(1)"العلل ومعرفة الرجال"(3/ 182)، و"السُّنَّة" للخلال (2/ 466)، وانظر:"منهاج السُّنَّة"(6/ 236).

(2)

رواه ابن سعد في "الطبقات"(7/ 92)، وربما فعل كعب ذلك ليراه المتورِّط المستدرَج، فيراجع، ويستدرك.

(3)

وسمَّاه بعض الرواة: عامر بن ربيعة.

(4)

"حلية الأولياء"(1/ 178، 179).

(5)

"المصدر نفسه"(2/ 276).

ص: 103

وقال بشيرُ بنُ عقبة: قلتُ ليزيد بن عبد الله بن الشخير: ما كان مُطَرِّف يصنع إذا هاج في الناس هيج؟ قال: "يلزم قَعْرَ بيته، ولا يقرب لهم جمعة ولا جماعة حتى تنجلي لهم عما انجلت"(1).

وقال قتادةُ: كان مُطَرِّف إذا كانت الفتنةُ نَهَى عنها وَهَرَب، وَكانَ الحسن البصريّ ينهى عنها، ولا يَبْرح، فَقَالَ مُطَرِّف:"ما أشبِّهُ الحسنَ إلَّا برجل يُحَذِّرُ النَّاسَ السيلَ ويقوم بسَنَنهِ"(2).

وعن مالك بن دينار، قال: لما وقعت الفتنة، أتيت الحسن أسأله: يا أبا سعيد، ما تأمرني؟ فلا يجيبني، فقلت:"يا أبا سعيد، أتيتك ثلاثة أيام أسألك، وأنت معلمي فلا تجيبني، والله، لقد هممت أن آخذ الأرض بقدمي، وأشرب من أفواه الأنهار، وآكل من بقل البَرِّيَّةِ، حتى يحكم الله بين عباده"، قال: فأرسل الحسن عينيه باكيًا، ثم قال:"يا مالك، ومن يطيق ما تطيق؟ لكنا والله ما نطيق هذا"(3).

وعن أبي الحارث الصائغ، قال: سألت أبا عبد الله -يعني الإِمام أحمد- في أمر كان حدث في بغداد، وهمَّ قوم بالخروج، فقلت:"يا أبا عبد الله! ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم؟ " فأنكر ذلك عليهم، وجعل يقول: "سبحان الله! الدماء، الدماء، لا أرى ذلك، ولا آمر به، الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة يُسفك فيها الدماء، ويُستباح فيها الأموال، وينتهك فيها

(1)"الطبقات الكبرى"(7/ 142).

(2)

"المصدر نفسه"(7/ 142)، "حلية الأولياء"(2/ 204).

(3)

"حلية الأولياء"(2/ 367، 368).

ص: 104

المحارم، أما علمت ما كان الناس فيه -يعني أيام الفتنة-؟ " قلت: والناس اليوم أليس هم في فتنة يا أبا عبد الله؟ قال: "وإن كان، فإنما هي فتنة خاصة، فإذا وقع السيف عَمَّت الفتنة، وانقطعت السبل، الصبر على هذا ويسلم لك دينك خير لك"، ورأيته ينكر الخروج على الأئمة، وقال:"الدماء، لا أرى ذلك، ولا آمر به"(1).

وعن أبي المنهال، قال: لما كان زمن أُخْرِجَ ابنُ زياد: وثب مروان بالشام، وابنُ الزبير بمكة، ووثب الذين كانوا يُدعَوْنَ القُرَّاءَ بالبصرة؛ غُمَّ أبي غَمُّا شديدًا، وكان يثني على أبيه خيرًا- قال: قال لي: انطلق إلى هذا الرجل الذي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أبي برزة الأسلمي، فانطلقت معه، حتى دخلنا عليه في داره، وإذا هو في ظل علو له من قصب، في يوم شديد الحر، فجلست إليه، قال: فأنشأ أبي يستطعمه الحديث، وقال: يا أبا برزة ألا ترى؟ قال: فكان أول شيء تكلم به، أن قال: إني أحتسب عند الله عز وجل أني أصبحتُ ساخطًا على أحياء قريش، وأنكم -معشرَ العرب- كنتم على الحال الذي قد علمتم من جهالتكم، والقلة، والذلة، والضلالة، وأن الله عز وجل نَعَّشَكم بالإِسلام، وبمحمد- صلى الله عليه وسلم خير الأنام، حتى بلغ بكم ما ترون، وإن هذه الدنيا هي التي أفسدت بينكم، وإن ذاك الذي بالشام والله! إن يقاتل إلا على الدنيا، وإن الذي حولكم الذين تدعونهم قراءكم: والله! لن يقاتلوا إلا على الدنيا"؛ قال:

(1)"السُّنَة" للخلال (1/ 132).

ص: 105

فلما لم يدع أحدًا، قال له أبي: بِمَ تأمر إذن؟ قال: "لا أرى خير الناس اليوم: إلَّا عصابة ملبدة؛ خماص البطون من أموال الناس، خفاف الظهور من دمائهم"(1).

قال شيخ الإِسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "وقلَّ مَنْ خرج على إمام ذي سلطان إلَّا كان ما تولَّد على فعله من الشر أعظم مما تولَّد من الخير"(2).

وقال -أيضًا-: "

ولهذا استقرَّ أمر أهل السُّنَّة على ترك القتال في الفتنة؛ للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم" (3) اهـ.

(1)"حلية الأولياء"(2/ 32، 33).

(2)

"منهاج السُّنَّة النبوية"(4/ 527).

(3)

"نفسه".

ص: 106