الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفتن واقعة لا محالة
والفتن واقعة في أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم كونًا وقدرًا، ولا بد من أن يقع ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخبر، ومِن ثَمَّ فلا بد من التبصر بها، والاستعداد لها، والحذر منها، بل يجب مضاعفة الحذر منها في عصرنا؛ لأننا صِرنا أقربَ إلى أشراط الساعة مما كان عليه المسلمون منذ أربعة عشر قرنًا.
عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: "إن السعيد لَمَن جُنِّبَ الفتن، ولَمَن ابتُلي فصبر"(1).
وعن أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لم يبقَ من الدنيا إلا بلاءٌ وفتنة"(2).
وعن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة، قال: انتهيت إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو جالس في ظلِّ الكعبة، والناس مجتمعون عليه، فسمعته يقول: بينا نحن مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم في سفر إذ نزل منزلاً، فمنا من يضرب خباءه، ومنا من ينتضل (3)، ومنا من هو في جَشَرِه (4)، إذ نادى مناديه:"الصلاة جامعةً"، فاجتمعنا، فقام
(1) رواه أبو داود (4263)، وقال الألباني في "الصحيحة" رقم (975):"إسناده صحيح على شرط مسلم".
(2)
"صحيح ابن ماجه"(2/ 374) رقم (3260).
(3)
أي: يرتمون بالسهام.
(4)
الجَشَر: قوم يخرجون بدوابهم إلى المرعى، ويبيتون مكانَهم، ولا يأوون إلى البيوت، كما في "النهاية"(1/ 273).
رسول الله- صلى الله عليه وسلم فخطبنا، فقال:"إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقًّا عليه أن يدل أمته على ما يعلمه خيرًا لهم، وينذرهم ما يعلمه شرًّا لهم، وإن أمتكم هذه، جُعِلَتْ عافيتُها في أولها، وإن آخِرهم يصيبهم بلاء، وأمورٌ تنكرونها، ثم تجيء فتن يُرَقِّقُ بعضُها بعضًا، فيقول المؤمن: هذه مُهلِكَتي، ثم تنكشف، ثم تجيء فتنة، فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، فمن سَرَّه أن يُزَحْزَحَ عن النار ويُدْخَلَ الجنة، فَلْتُدْرِكهُ موتتُه وهو يؤمن باللهِ واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يأتوا إليه، ومن بايع إمامًا فأعطاه صَفْقَةَ يمينه، وثمرةَ قلبه، فليُطعْه ما استطاع، فإن جاء آخرُ ينازعه، فاضربوا عنق الآخر".
قال: فأدخلت رأسي من بين الناس، فقلت: أنشدك الله! أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فأشار بيده إلى أذنيه، فقال: سمعتْه أذناي، ووعاه قلبي (1).
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: "أمتي أمة مرحومة، ليس عليها عذاب في الآخرة (2)، عذابها في الدنيا (3): الفتن، والزلازل، والقتل"(4).
(1)"صحيح ابن ماجه" رقم (3195)، وانظر:"السلسلة الصحيحة" رقم (205).
(2)
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى-: "وهو محمول على معظم الأمة المحمدية؛ لثبوت أحاديث الشفاعة: أن قومًا يُعذبون ثم يخرجون من النار، ويدخلون الجنة". اهـ. من "بذل الماعون في فضل الطاعون" ص (127).
(3)
وفي "التاريخ الكبير" للبخاري (1/ 38): "إن أمتي أمة مرحومة، جُعل عذابها بأيديها في الدنيا".
(4)
أخرجه أبو داود (4/ 105)(4278)، والحاكم (4/ 444)، والإمام أحمد (4/ 410، 418)، قال الحاكم:"صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي، وحسَّنه الحافظ =
وفي بعض طرقه: أن أبا بردة قال: بينما أنا واقف في إمارة زياد، إذ ضربت بإحدى يدي على الأخرى تعجبًا، فقال رجل من الأنصار- قد كانت لوالده صحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: مما تعجب يا أبا بردة؟ قلت: أعجب من قوم دينهم واحد، ونبيهم واحد، ودعوتهم واحدة، وحجهم واحد، وغزوهم واحد، يستحل بعضُهم قتل بعض، قال: فلا تعجب، فإني سمعت والدي أخبرني أنه سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم يقول:"أمتي أمة مرحومة"(1) فذكر الحديث.
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: وأخرج أبو يعلى -أيضًا- بسند صحيح من رواية أبي مالك الأشجعي، عن أبي حازم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"إن هذه الأمة أمة مرحومة، لا عذاب عليها إلا ما عذبت به أنفسها، قلت: وكيف تعذب أنفسها؟ قال: أما كان يوم النهر عذاب؟! أما كان يوم الجمل عذاب؟! أما كان يوم صفين عذاب؟! "(2).
= ابن حجر في "بذل الماعون" ص (127)، وصححه الألباني في "الصحيحة" رقم (959)، وانظر:"عون المعبود"(11/ 358 - 360).
(1)
أخرجه الحاكم (4/ 353، 354)، وقال:"صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي، قال الألباني:"هو كما قالا، لولا الرجل الأنصاري الذي لم يُسَمَّ""الصحيحة" رقم (959).
(2)
"بذل الماعون في فضل الطاعون" ص (127).