الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدنيا كلها ظلمة، إلا مجالس العلماء
(1)
قال الإِمام أبو بكر الآجري -رحمه الله تعالى-: "فما ظنكم -رحمكم الله- بطريق فيه آفات كثيرة، ويحتاج الناس إلى سلوكه في ليلة ظلماء، فإن لم يكن فيها ضياء وإلا تحيَّروا، فقيَّض الله لهم فيه مصابيح تضيء لهم، فسلكوه على السلامة والعافية، ثم جاءت طبقات من الناس، لا بد لهم من السلوك فيه فسلكوا، فبينما هم كذلك إذ طفئت المصابيح، فبقوا في الظلمة، فما ظنكم بهم؟
هكذا العلماء في الناس، لا يعلم كثير من الناس كيف أداءُ الفرائض، ولا كيف اجتنابُ المحارم، ولا كيف يُعْبد الله في جميع ما يَعبده به خلقُه إلا ببقاء العلماء، فإذا مات العلماء تحيَّر الناس، ودَرَس العلم بموتهم، وظهر الجهل" (2).
إن مهمة المبصرين هي التبصير، ولا سيما في أوقات الفتن؛ حيث يكون العلماء الفاقهون وحدهم هم المستشرفين لنتائجها في لحظات إقبالها على حَدّ قول الحماسي:
تبين أعقابُ الأمور إذا مضت
…
وتُقبل أشباهًا عليك صدورُها
وقول الآخر:
لو أن صدور الأمر يبدون للفتى
…
كأعقابه لم تلفه يتندَّم
(1) من كلام الحسن البصريّ -رحمه الله تعالى-.
(2)
"أخلاق العلماء" ص (96).
وقول الآخر يمدح ذا البصيرة النافذة:
بصيرٌ بأعقاب الأمور برأيه
…
كأنَّ له في اليوم عينًا على غدِ
ولهذا قال الحسن البصريّ -رحمه الله تعالى-:
"الفتنة إذا أقبلت عرفها (1) كل عالم (2)، وإذا أدبرت عرفها (3) كل جاهل".
قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108].
فأهل العلم هم أهل البصيرة الذين نوَّر الله قلوبهم فميزوا الحق من الباطل:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: حدَّثنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم حديثًا طويلًا عن الدجال، فكان فيما يحدثنا أنه قال:
يأتي الدجال -وهو محرَّم عليه أن يدخل نقاب المدينة- فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذٍ رجل هو خير الناس، أو من خيار الناس، فيقول:"أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه"، فيقول الدجال:"أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته، هل تشكون في الأمر؟ "، فيقولون: لا، فيقتله، ثم يحييه،
(1) بأن يشاهدها بنور بصيرته.
(2)
فإن كان علمه كاملًا أبصرها قبل مجيئها ورأى نتائجها، وكأنه يهتك حُجُبَ الغيب، ويتأخر وقت إدراكه لضررها كلما كان علمه أقل.
(3)
إذا انتهت، فلا فضل للجاهل في رؤية تشتت دعاتها وإفلاسهم، فإنها تكون مشاهدةَ عينٍ وبصرٍ، لا إدراك عقل وبصيرة؛ ولذلك يتمكن منها من لا عقل له أيضًا.
فيقول: "والله ما كنت فيك أشدَّ بصيرةً مني اليوم"، فيريد الدجال أن يقتله، فلا يُسلَّط عليه (1).
إن الالتحام بالعلماء والصدور عن توجيههم من أهم سبل الوقاية من الفتن، والعصمة من الزيغ والضلال.
فقد أعزَّ الله دينه بالصِّدِّيق الأكب رضي الله عنه يوم الردة، وبأحمد بن حنبل يوم المحنة.
وبابن تيمية يوم الغزو التتاري الوحشي حين حرَّض الأمراءَ والعامةَ على التصدي للتتار، وارتاب الناس في حكم قتالهم، حتى قال شيخ الإِسلام -رحمه الله تعالى-:"لو رأيتموني في صف التتر مواليًا لهم، وعلى رأسي مصحف، فاقتلوني"، فتشجع الناس في قتال التتر، وقويت قلوبهم.
وتأمل: كيف كشف السَّنوسي زيف دعوى المهدي السوداني؟! (2)
وكيف كشف الألباني وابن باز ببصيرة نافذة زيف دعوى المهدي القحطاني؟ (3)
وكيف وفَّرت البيئة الجاهلة المناخ المناسب لاحتضان ونُصرة مهدي المغاربة ابن تومرت (4)، وغيرهم.
(1) رواه البخاريّ (13/ 101)، واللفظ له، ومسلم (4/ 2256) رقم (2938)، وانظره
أيضًا: (4/ 2256) رقم (2938).
(2)
"المهدي" للمؤلف ص (514 - 516).
(3)
"نفس المصدر" ص (557).
(4)
"نفسه" ص (419،418).