المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر أدلة السنة على جواز تمني الموتإذا خاف على دينه من الفتن - بصائر في الفتن

[محمد إسماعيل المقدم]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌تحذير النبي صلى الله عليه وسلم أمَّتَه من الفتن

- ‌الفتن واقعة لا محالة

- ‌الحذر من الشر باب من أبواب الخير

- ‌من طبائع الفتن

- ‌نور الفطنة ييدد ظلمات الفتنة

- ‌العلماء سفينة نوح

- ‌الدنيا كلها ظلمة، إلا مجالس العلماء

- ‌والجاهلون لأهل العلم أعداء

- ‌الصبر زمن الفتن

- ‌مقارنة الحِلْم والرفق، ومفارقة العجلة والطيش

- ‌الإِمام ابن القيم يحذِّر من استفزاز البُداءات

- ‌من مواقف التثبت في الفتن

- ‌العَجلَة أمُّ الندامات

- ‌ومن أسباب النجاة من الفتن: التثبت من الأخبار

- ‌وجوب حفظ اللسان

- ‌في الصمت السلامة

- ‌الموازنة بين الصمت والكلام:

- ‌حفظ اللسان في الفتن

- ‌تورع السلف عن آفات اللسان في الفتن

- ‌رُبَّ قولٍ يسِيل مِنه دَمٌ

- ‌ومن أسباب النجاة من الفتن:اعتزالها والفِرار منها

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌تنبيهات

- ‌مواجهة الفتنة بالعمل الصالح

- ‌الدعاء والتضرع في الفتن

- ‌التعوذ بالله تعالى من الفتن

- ‌حكم تمني الموتِ في الفتنة

- ‌ذكر أدلة السُّنَّة على جواز تمني الموتإذا خاف على دينه من الفتن

الفصل: ‌ذكر أدلة السنة على جواز تمني الموتإذا خاف على دينه من الفتن

‌ذكر أدلة السُّنَّة على جواز تمني الموت

إذا خاف على دينه من الفتن

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن الله عز وجل أنه قال: "سل" قلت: "اللهم، إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحُبَّ المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردتَ فِتنةً في قومٍ فتوفني غيرَ مفتونٍ، وأسألك حُبَّك، وحُبَّ من يُحبك، وحبَّ عملٍ يقرب إلى حبك"(1).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويل للعرب من شر قد اقترب، موتوا إن استطعتم". (2)

قال القرطبي - رحمه الله تعالى-: "وهذا غاية في التحذير من الفتن والخوض فيها حين جعل الموتَ خيرًا من مباشرتها"(3). اهـ.

وعن محمود بن لَبيد رضي الله عنه مرفوعًا: "اثنتان يكرههما ابن آدم: يكره الموت، والموتُ خيرٌ للمومن من الفتنة، ويكره قلة المال، وقلةُ المالِ أقلُّ؟ للحساب"(4).

(1) رواه الترمذي رقم (3465)، وهو في "صحيح الترمذي" رقم (2582)، وانظر:"إرواء الغليل"(3/ 147، 148).

(2)

رواه الحاكم في "المستدرك"(4/ 486) رقم (8357)، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي"، واحتج به الحافظ في "الفتح" (13/ 13).

(3)

"التذكرة"(3/ 1141).

(4)

أخرجه الإمام أحمد (5/ 427، 428)، وصححه الألباني في "الصحيحة" رقم (813).

ص: 133

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يَمُرَّ الرجلُ بقبر الرجلِ، فيقول: يا ليتني مكانَهَ (1)، [ما به حُبُّ لقاءِ اللهِ عز وجل (2)] ".

ويشهد لهذه الزيادة ما رواه أبو حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: "يا ليتني كنتُ مكانَ صاحبِ هذا القبرِ، وليس به الدينُ، إلا البلاء"(3).

قال القرطبي -رحمه الله تعالى-: "وكأن هذا إشارة إلى أن كثرة الفتن وشدة المحن والمشقات والأنكاد اللاحقة للإنسان في نفسه وماله وولده قد أذهبت الدينَ منه ومِن أكثر الناس، أو قللت الاعتناء به من الذي يتمسك بالدين عند هجوم الفتن، ولذلك عظم قدر العبادة في حالة الفتن، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "العبادة في الهَرْجِ كهجرةٍ إليَّ (4) ". اهـ (5).

وقال أيضًا- رضي الله عنه: "وأما الحديث: فإنما هو خبر أن ذلك يكون لشدة ما ينزل بالناس من فساد الحال في الدين، وضعفه، وخوفِ ذَهابه، لا لضُر ينزل بالمرء في جسمه أو غير ذلك من ذهاب ماله

(1) رواه البخاريّ (6/ 2605) رقم (6704)، ومسلم (4/ 2231) رقم (157)، والإمام أحمد (2/ 236)، دون قوله:"ما به حب لقاء الله عز وجل".

(2)

أخرجه الإِمام أحمد (2/ 530)، وقال الألباني:"صحيح على شرط مسلم" كما في "الصحيحة" رقم (578).

(3)

أخرجه ابن ماجه (2/ 1340) رقم (4037).

(4)

رواه مسلم (4/ 2268) رقم (2948).

(5)

"التذكرة"(3/ 1142، 1143).

ص: 134

مما يحط به عنه خطاياه، ومما يوضح هذا المعنى ويبينه قوله صلى الله عليه وسلم:(اللهم، إني أسألك فعلَ الخيرات، وترك المنكرات، وحُبَّ المساكين، وإذا أردت -ويُروى: أدرت- في الناس فتنة؛ فاقبضني إليك غير مفتون) رواه مالك (1)، ومثل هذا قول عمر رضي الله عنه:(اللهم، قد ضعفت قوتي، وكبرت سنين، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيِّع ولا مُقصِّر)، فما جاوز ذلك الشهرَ حتى قُبِض رضي الله عنه رواه مالك (2) -أيضًا". اهـ (3).

وقال الألباني -رحمه الله تعالى-: "ومعنى الحديث أنه لا يتمنى الموت تديُّنًا وتقربًا إلى الله وحبًّا في لقائه، وإنما لِما نزل به من البلاء والمحن في أمور دنياه، ففيه إشارة إلى جواز تمني الموت تدينًا، ولا ينافيه قوله- صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنينَّ أحدُكم الموتَ لضر نزل به .. "؛ لأنه خاص بما إذا كان التمني لأمر دنيوي كما هو ظاهر، قال الحافظ: "ويؤيده ثبوت تمني الموت عند فساد أمر الدين عن جماعة من

(1) رواه الإِمام مالك في "الموطأ"(1/ 218) رقم (508)، والترمذي (5/ 366) رقم (3233)، والطبراني في "الكبير"(20/ 109) رقم (216) من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، والإمام أحمد في "المسند"(1/ 368) رقم (3484) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي"(3/ 97، 98) رقم (2580).

(2)

رواه مالك في "الموطأ"(2/ 824) رقم (1506)، وفي "الجامع" لابن أبي زيد ص (128) أن مالكًا قال:"ولا أرى عمر دعا ما دعا به من الشهادة إلا أنه خاف التحول من الفتن".

(3)

"التذكرة"(1/ 118، 119).

ص: 135

السلف، قال النووي: لا كراهة في ذلك، بل فَعَلَه خلائق من السلف منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه

" (1). اهـ.

وفي كتاب "الفتن" من رواية عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه قال: "يوشك أن تمر الجنازة في السوق على الجماعة فيراها الرجل، فيهز رأسه، فيقول: ياليتني مكان هذا"، قلت: يا أبا ذر! إن ذلك لَمِن أمرٍ عظيم، قال: أجل (2).

قال ابن وهب: وحدَّثني مالك قال: كان أبو هريرة رضي الله عنه يلقى الرجل فيقول له: "مت إن استطعت"، فيقول له: لِمَ؟ قال: "تموت وأنت تدري على ما تموت، خير لك من أن تموت وأنت لا تدري على ما تموت عليه"(3).

وأخرج الحاكم من طريق أبي سلمة قال: عدت أبا هريرة، فقلت: اللهم اشف أبا هريرة، فقال:"اللهم لا ترجعها، إن استطعت يا أبا سلمة فمت، والذي نفسي بيده ليأتين على العلماء زمانٌ الموت أحب إلى أحدهم من الذهب الأحمر، وليأتين أحدُهم قبر أخيه، فيقول: ياليتني مكانه"(4).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "إذا رأيتم ستًّا فإن كانت نفسُ أحدِكم في يده، فليرسلها؛ فلذلك أتمنى الموتَ، أخافُ أن تدركَني:

(1)"السلسلة الصحيحة"(1/ 100) رقم (578).

(2)

"فتح الباري"(13/ 76).

(3)

"التذكرة"(3/ 1141).

(4)

"فتح الباري"(13/ 76).

ص: 136

إذا أُمِّرتِ السفهاء، وبيع الحُكْمُ، وتُهُوِّنَ بالدم، وقُطعت الأرحام، وكَثُرت الجلاوزة (1)، ونشأ نشء يتخذون القرآن مزامير" (2).

ورُوي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "سيأتي عليكم زمانٌ، لو وجد أحدُكم الموتَ يُباعُ، لاشتراه".

وقد قيل:

وهذا العيشُ ما لا خير فيه

ألا موتٌ يُباع فأشتريه

وعن عبد الرحمن بن عمر قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي، وسُئل عن الرجل يتمنى الموت؛ قال:"ما أرى بذلك بأسًا: إذ يتمنى الموتَ الرجلُ، مخافة الفتنة على دينه؛ ولكن: لا يتمنى الموت من ضربة أوفاقة، أو شيء مثل هذا"؛ ثم قال عبد الرحمن: "تمنى الموتَ أبو بكر وعمر ومَن دونهما"؛ وسمعته ونحن مقبلون من جنازة عبد الوهاب؛ فقال: "إني لأشم ريح فتنة، إني لأدعو الله أن يسبقني بها"؛ وسمعته يقول: "كان لي إخوان، فماتوا ودُفِعَ عنهم شَرُّ ما نرى، وبقينا بعدهم؛ وما بقي لي أخ، إلا هذا الرجل يحيي بن سعيد؛ وما يُغْبَطُ اليوم: إلا مؤمن في قبره"(3).

(1) الجَلاوزة: الشرطة، مفردها: الجِلواز: الشرطي، كما في "القاموس المحيط" مادة (جلز)(2/ 175).

(2)

"حلية الأولياء"(1/ 384)، "البداية والنهاية"(8/ 113).

(3)

"نفس المصدر"(9/ 13).

ص: 137

وهذا آخر ما قصدت جمعه في هذا الكتاب، بمعونة الملكِ الوهاب، سائلًا الله عز وجل أن يجنبنا مُضِلَّاتِ الفتن، وأن يعصِمنا من المِحَن، وأن يغفر لنا ذنوبنا التي جنيناها في السر والعلن، والحمد لله رب العالمين.

ص: 138