الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحاصل من هذا أن وقت الوليمة يكون عقب الدخول كما في حديث أنس من زواجه صلى الله عليه وسلم بصفية كما تقدم.
قال العراقي عقب قول النووي ونقله عن المالكية: إن أريد أنه لا تجب الإجابة فيما إذا عملت الوليمة قبل العقد فهو واضح، لكن لا يحتاج إلى ذكره لأنها ليست وليمة عرس، ويبقى النظر فيما لو دعي قبل العقد ليحضر العقد، ويأكل طعامًا قد هيئ هل تجب الإجابة أم لا؟ فيه احتمال لكونه لم يعقد إلى الآن، والظاهر وجوب الإجابة لكون الوليمة إنما تفعل بعد العقد وإن كان الإعلان بها سابقًا. وإن أريد أنَّا إذا استحببنا أن تكون بعد الدخول فعملت قبله لا تجب الإجابة، فهو ممنوع لأنها وليمة عرس، وإن عدل بها صاحبها عن الأفضل فهو كمن أولم بغير شاة مع التمكن منها (1).
الشرط السابع: أن لا تخص الدعوة بالأغنياء
(2).
هذا الشرط ينص على أن الدعوة إذا اختصت بالأغنياء لم تجب الإجابة وسيأتي ذكر الخلاف في ذلك بعد سياق دليل هذا الشرط.
دليل هذا الشرط:
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء، ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله.
(1) طرح التثريب (7/ 76).
(2)
ذكر هذا الشرط القرطبي في المفهم (4/ 156) والنووي في شرح مسلم (9/ 234) وابن العربي في عارضة الأحوذي (5/ 9) والعراقي في طرح التثريب (7/ 71) والطيبي في شرح المشكاة (6/ 295) والأبى في إكمال إكمال المعلم (5/ 94) والحافظ في الفتح (9/ 242) والشوكاني في النيل (6/ 202) والصنعاني في السبل (3/ 273) وصاحب عون المعبود (10/ 203).
أخرجه البخاري (1)، ومسلم (2)، وأبو داود (3)، والنسائي (4)، وابن ماجة (5)، والطحاوي (6)، وابن عدي (7) من طرق عن أبي هريرة به موقوفًا وفي بعض طرقه مرفوعًا كما عند مسلم لكن الأكثر على وقفه، وتقدم هذا الحديث (8).
2 -
حديث ابن عمر رضي الله عنهما كما ذكره الحافظ من رواية أبي الشيخ كما تقدم، وأخرجه ابن عدي (9) من طريق سلام بن سليم عن إبراهيم الصائغ عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الغني ويترك الفقير ومن دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله» .
(1) في صحيحه (5/ 1985 رقم 4882) كتاب النكاح، باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله.
(2)
في صحيحه (2/ 1054 رقم 1432) كتاب النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي إلى دعوته.
(3)
في سننه (4/ 125 رقم 3742) كتاب الأطعمة، باب ما جاء في إجابة الدعوة.
(4)
في الكبرى
…
(4/ 141 رقم 6612، 6613) كتاب الوليمة، باب طعام العرس.
(5)
في سننه (1/ 616 رقم 1913) كتاب النكاح، باب إجابة الداعي.
(6)
في شرح مشكل الآثار (8/ 18 رقم 3016) باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطعام الذي يجب على من دعى عليه إتيانه.
(7)
في الكامل (7/ 2678) وعنده من طريق يحيى بن عثمان أبي سهل سمع يحيى بن عبد الله بن أبي مليكة عن أبيه - كناه يزيد بن هارون - سمع إسماعيل بن أمية عن مجاهد عن أبي هريرة «من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله، وأنت بالخيار في العرس والعذار» . لكن يحيى بن عثمان ضعيف. التقريب (594).
وأعله ابن الملقن بيحيى هذا. البدر المنير حديث رقم (5) من باب الوليمة والنثر.
(8)
ص: (12).
(9)
في الكامل (3/ 1148).
وتقدم الكلام عليه (1).
3 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الشبعان، ويحبس عنه الجائع» .
أخرجه الطبراني في الكبير (2) والأوسط (3)، والبزار (4)، وتقدم الكلام عليه (5).
غالب من ذكر الشروط في هذا الباب يذكر هذا الشرط منها، وأنه مسقط لوجوب الإجابة وقد حكى القرطبي (6) كراهية العلماء اختصاص الدعوة بالأغنياء.
وقال: ولا يفهم من هذا القول أعني: الحديث تحريم ذلك الفعل لأنه لا يقول أحد بتحريم إجابة الدعاء للوليمة فيما علمته (7).
ثم إنه لما حكى الكراهية لهذا الفعل حكى الخلاف فيمن فعل ذلك هل تجاب دعوته أم لا؟ فقال ابن مسعود: لا تجاب ونحوه يحيى بن حبيب من أصحابنا،
(1) ص: (12).
(2)
(12/ 159 رقم 12754).
(3)
مجمع البحرين (3/ 328 رقم 1903) كتاب الوليمة والعقيقة، باب في الطعام يدعى إليه الشبعان ويحبس عنه الجيعان. لكن عنده «بئس» بدل «شر» .
(4)
كشف الأستار (2/ 75 رقم 1240) أبواب الصيد، باب الوليمة.
(5)
ص: (! 3).
(6)
المفهم (4/ 156).
(7)
المفهم (4/ 155) عند الكلام على شرح حديث أبي هريرة «شر الطعام طعام وليمة العرس» وقال في معنى الحديث: وقد تبين في سياق الحديث أن الجهة التي يكون فيها طعام الوليمة شر الطعام إنما هي ترك الأولى وذلك: أن الفقير هو المحتاج للطعام الذي إن دعي سارع وبادر ومع ذلك فلا يدعى، والغني غير محتاج ولذلك قد لا يجيب أو تثقل عليه الإجابة ومع ذلك فهو يدعى، فكان العكس أولى: وهو أن يدعى الفقير ويترك الغني ولا يفهم من هذا القول أعني: الحديث تحريم ذلك الفعل؛ لأنه لا يقول أحد بتحريم إجابة الدعاء للوليمة فيما علمته.
وإنما هذا مثل شر صفوف الرجال آخرها وخيرها أولها وشر صفوف النساء أولها وخيرها آخرها. فإنه لم يقل أحد: إن صلاة الرجل في آخر صف حرام ولا صلاة النساء في أول صف حرام، وإنما ذلك من باب ترك الأولى، كما قد يقال عليه مكروه وإن لم يكن مطلوب الترك على ما يعرف في الأصول، فإن الشر المذكور هنا قلة الثواب والأجر والخير كثرة الثواب والأجر؛ ولذلك كره العلماء اختصاص الأغنياء بالدعوة. ا. هـ.
وظاهر كلام أبي هريرة وجوب الإجابة (1) ودعا ابن عمر في وليمة الأغنياء والفقراء، فأجلس الفقراء على حدة وقال: هاهنا لا تفسدوا عليهم ثيابهم، فإنا سنطعمكم مما يأكلون.
وقال الحافظ: أنها تكون شر الطعام إذا كانت بهذه الصفة ولهذا قال ابن مسعود: إذا خص الغني وترك الفقير أمرنا أن لا نجيب (2).
وقال ابن بطال: إذا ميز الداعي بين الأغنياء والفقراء فأطعم كلا على حدة لم يكن به بأس، وقد فعله ابن عمر (3).
وفي اشتراط هذا الشرط نظر لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى الوليمة التي هذه حالها شر الطعام ثم حكم على من لم يجب بالعصيان، فلو كان ذلك مسقطًا للوجوب ما حكم صلى الله عليه وسلم على المدعو إذا لم يجب بالعصيان والله أعلم.
الشرط الثامن والتاسع: أن لا يكون فيها زحام (4) أو إغلاق باب.
قال العراقي: واعتبر مالك رحمه الله في وجوب الإجابة أن لا يكون هناك زحام ولا إغلاق باب دونه، حكاه ابن الحاجب في مختصره، فأما الأول وهو انتفاء الزحام فقد صرح الروياني من أصحابنا بخلافه وقال: إن الزحام ليس عذرًا، وقد يقال إنه مخالف لما سبق من اعتبار أن لا يكون هناك من يتأذى به فإن الزحام مما يتأذى به.
(1) ووجه ذلك أن أبا هريرة رضي الله عنه وصف من لم يجب الدعوة التي هذه صفتها بالعصيان.
(2)
الفتح (9/ 245).
(3)
وقال ابن العربي عقب فعل ابن عمر هذا: وهذا ما لم يثبت فلا يعول عليه، ولو أردنا الجمع بين أهل الأحوال والفقراء لفقرهم ولم يعتذر إليهم فإن هذا كسر لنفوسهم وإثم يدخل عليه من جهتهم، فلا يفي إشباعهم بإجاعتهم. عارضة الأحوذي (5/ 9).
(4)
ذكر هذا الشرط العراقي في طرح التثريب (7/ 77) والأبي في إكمال إكمال المعلم (5/ 94).