الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط السابع: أن لا يكون المدعو قاضيًا
(1)
هذا الشرط ذكره بعض أهل العلم وقالوا إن القاضي لا تجب عليه إجابة الدعوة كما حكاه العراقي عن بعض الشافعية والنووي وجها والماوردي أيضًا وهو المنقول عن مالك، وقاله ابن قدامة (2)
وعللوا ذلك بما يأتي:
1 -
قال ابن دقيق العيد: والذين استثنوا القاضي فإنما استثنوه لمعارض قام عندهم، وكأنه طلب صيانته عما يفضي إلى ابتذاله، وسقوط حرمته عند العامة، وفي ذلك عود ضرر على مقصود القضاء من تنفيذ الأحكام لأن الهيئات معينة عليها، ومن لم يعتبر هذا رجع إلى الأمر، وإن ترك العمل بمقتضاه مفسدة محققة (3).
وقال ابن عقيل في إجابة أهل الفضل: يورث دناءة وإسقاط الهيبة في نفوس الناس (4).
ثم رد ابن دقيق العيد وقال: وما ذكر من سبب التخصيص قد لا يفضي إلى مفسدة.
2 -
قال العراقي: ويحتمل أن يكون المعنى في المنع ما فيه من استمالته، وأنه قد يكون في معنى قبول الهدية والله أعلم (5).
(1) ذكر هذا الشرط النووي في روضة الطالبين (11/ 165) والعراقي في طرح التثريب (7/ 75).
(2)
انظر في ذلك: روضة الطالبين (11/ 165) والمغني (9/ 79) الآداب الشرعية (1/ 294). والحاوي الكبير (16/ 43) وطرح التثريب (7/ 75).
(3)
طرح التثريب (7/ 75).
(4)
الآداب الشرعية (1/ 294).
(5)
طرح التثريب (7/ 75).
3 -
أنهم لاختصاصهم بمصالح المسلمين يسقط عنهم فرض الإجابة بخلاف غيرهم ولذلك قال الشافعي: لا أحب أن يتخلف عن الوليمة، وأخرجه مخرج الاستحباب دون الوجوب لأن أمره عليه السلام يحتمل الخصوص فيما عدا الولاة وهذا قول ابن أبي هريرة قال الماوردي (1).
والذين قالوا بهذا القول وهو عدم وجوب حضور القاضي للدعوة اختلفوا في حكم حضوره على أقوال:
القول الأول: تحريم الإجابة كما حكاه النووي (2) أحد الوجوه في المسألة (3).
القول الثاني: كراهية الإجابة وهذا هو المنقول عن مالك إنه كره لأهل الفضل أن يجيبوا كل من دعاهم (4) كما قاله ابن دقيق العيد (5). وكذا قال بذلك ابن عقيل (6)، ومنهم من خص الكراهة بما إذا كانت الدعوة لأجل القاضي خاصة أو للأغنياء ودعي منهم كما حكاه النووي (7).
وقال في الموازنة: أكره أن يجيب أحدًا - أي القاضي - وهو في الدعوة خاصة أشد (8).
(1) الحاوي الكبير (16/ 44).
(2)
روضة الطالبين (11/ 165).
(3)
وقال الماوردي: والأولى به - أي القاضي - عندي في مثل هذا الزمان أن يعم بامتناعه جميع الناس لأن السرائر قد خبثت والظنون قد تغيرت. الحاوي الكبير (16/ 44).
(4)
قال القاضي عياض: وتأوله بعض أصحابنا على غير الوليمة، وقال: وتأوله بعضهم على غير أسباب السرور المتقدمة مما يصنع تفضلاً. طرح التثريب (7/ 78).
(5)
في شرح الإلمام حكاه عنه العراقي في طرح التثريب (7/ 78).
(6)
حكاه عنه ابن مفلح في الآداب الشرعية (1/ 294).
(7)
روضة الطالبين (11/ 165).
(8)
حكاه العراقي عنه في طرح التثريب (7/ 75).
القول الثالث: الاستحباب كما حكاه النووي أحد الوجوه، وقال: والصحيح لا تحرم ولا تجب بل تستحب بشرط التعميم، فإن كثرت وقطعته عن الحكم تركها في حق الجميع، ولا يخص بعض الناس لكن لو كان يخص بعض الناس قبل الولاية بإجابة وليمة فنقل ابن كج عن نص الشافعي رحمه الله أنه لا بأس بالاستمرار (1).
القوال الرابع: الجواز قال ابن قدامة: ويجوز للحاكم حضور الولائم لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحضرها ويأمر بحضورها وقال: «ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله» (2) فإن كثرت وازدحمت تركها كلها ولم يجب أحدًا؛ لأن ذلك يشغله عن الحكم الذي قد تعين عليه لكن يعتذر إليهم ويسألهم التحليل، ولا يجيب بعضاً دون بعض؛ لأن في ذلك كسرًا لقلب من لم يجبه إلا أن يخص بعضها بعذر دون بعض مثل أن يكون في أحدها منكرًا أو تكون في مكان بعيد أو يشتغل بها زمنًا طويلاً والأخرى بخلاف ذلك فله الإجابة إليها دون الأولى لأن عذره ظاهر من التخلف عن الأولى (3).
وهذا الشرط ليس محل وفاق بين أهل العلم بل محل خلاف وهذا القول الذي سبق أحد الأقوال في المسألة وهناك أقوال أخر فيها وهي:
القول الثاني: أن القاضي لا ينبغي له أن يجيب الدعوة إلا في الوليمة وحدها للحديث (4) كما حكاه العراقي (5) عن مطرف وابن الماجشون من المالكية.
(1) روضة الطالبين (11/ 165).
(2)
وتقدم تخريجه في المبحث الأول أن لا يخص بالدعوة الأغنياء.
(3)
المغني (9/ 79).
(4)
والمراد به حديث أبي هريرة رضي الله عنه «شر الطعام» وتقدم ص (12).
(5)
طرح التثريب (7/ 75).
وحكاه عنهما ابن حبيب (1) وذكرا تخصيص الوليمة إلا أن يكون لأخ في الله أو خاصة أهله أو ذوي قرابته فلا بأس بذلك (2).
لكن قال ابن دقيق العيد عقب هذا: وهذا تخصيص آخر مقتضاه أضعف من الأول (3) يعني استثناء القاضي (4).
القول الثالث: أن القاضي لا يحضر وليمة أحد الخصمين في حال خصومتهما ولا وليمتهما لأنه قد يزيد أحدهما في إكرامه فيميل إليه قلبه كما قاله النووي (5).
القول الرابع: أن القاضي إن كان مرتزقًا لم يحضر لأنه أجير للمسلمين فلم يجز أن يفوت عليهم حقهم من زمانه، وإن كان متطوعًا غير مرتزق حضر وكان كغيره من الناس حكاه الماوردي (6) وجها عند الشافعية.
وقال: فتكون الإجابة على هذا الوجه مفصلة باعتبار حاله في الارتزاق والتطوع.
القول الخامس: أن القاضي يكون حكمه حكم غيره في الإجابة وعدمها في سائر الدعوات فمن يرى وجوب الوليمة خاصة أوجبها عليه واستحب الإجابة في غيرها، ومن يرى الوجوب أو الاستحباب مطلقًا جعله مثل غيره
(1) طرح التثريب (7/ 78) حكاه عن ابن حبيب عنهما.
(2)
أي لا بأس بأن يجيب الدعوة ولو لم تكن وليمة في هذه الأحوال.
(3)
يعني به ما تقدم في التعليل الأول من سبب تخصيص القاضي بعدم إجابة الدعوة لما في الإجابة من المفسدة بالابتذال وغيره.
(4)
طرح التثريب (7/ 78).
(5)
روضة الطالبين (11/ 165).
(6)
الحاوي الكبير (16/ 44).
ولا يخص القاضي بشيء وهذا ما لم يتضرر بذلك كما حكاه النووي (1) وقاله ابن دقيق العيد (2) والماوردي (3) وهو ظاهر كلام الشافعي رحمه الله حيث قال: ولا أحب أن يتخلف عن الوليمة إما أن يجيب كلاً وإما أن يترك كلاً ويعتذر ويسألهم التحليل (4).
ودليل هذا القول عموم الأدلة الواردة في إجابة الدعوة وليس فيها تخصيص القاضي بشيء.
قال ابن دقيق العيد: والعموم يقتضي ظاهره المساواة بين القاضي وغيره (5).
وقال أيضًا: إن الحديث عام بالنسبة إلى أهل الفضل وغيرهم
…
ثم ذكر المنقول عن مالك وقال: وظاهر الحديث يقتضي الإجابة والمروءة والفضل والهدى في اتباع ما دل عليه الشرع ثم قال: نعم إذا تحققت مفسدة راجحة فقد يجعل ذلك مخصصًا (6).
(1) روضة الطالبين (16/ 165).
(2)
طرح التثريب (7/ 75، 78) نقلاً عن شرح الإلمام لابن دقيق العيد.
(3)
الحاوي (16/ 43).
(4)
الحاوي الكبير (16/ 43).
(5)
طرح التثريب (7/ 75) نقلاً عن شرح الإلمام لابن دقيق العيد.
(6)
طرح التثريب (7/ 78) نقلاً عن شرح الإلمام لابن دقيق العيد.
الترجيح:
من خلال تأمل أقوال أهل العلم في هذا الشرط يظهر قوة ما ذهب إليه ابن دقيق العيد رحمه الله ومن معه من أن القاضي حكمه حكم غيره في إجابة الدعوة لعموم الأدلة الواردة في الأمر بإجابة الدعوة والحث عليها، وليس فيها ما يقتضي تخصيصه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجيب الدعوة إذا دعي لها حتى ولو كانت على شيء يسير.
نعم إذا كان القاضي يتضرر بحضوره الدعوة سواءً كانت وليمة أو غيرها كأن تكثر عليه وتؤثر على عمله، أو كان حضوره يؤدي إلى مفاسد تؤثر على منصب القضاء، أو كانت الدعوة من أجل استمالته والتأثير عليه في الأحكام، فإن ذلك يكون عذرًا يمنعه من الإجابة وسد باب الذرائع مشروع، لكن ليس هذا خاصًا بالقاضي وحده بل في كل من يحصل له ضرر بسبب الدعوة، والله أعلم.