الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وضعفه الحافظ ابن حجر (1).
ووجه الدلالة منه أنه فرق بين دعوة الوليمة وغيرها، وسمَّى من لم يجب في الوليمة عاصيًا، أما غيرها فهو بالخيار.
القول الرابع:
إن إجابة وليمة العرس فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين.
وممن قال بهذا: بعض الشافعية والحنابلة (2).
أدلة هذا القول:
عموم الأدلة السابقة وقالوا إن الإجابة إكرام وموالاة فهي كرد السلام (3).
القول الخامس:
أن إجابة الدعوة تسن في العرس وتباح في غيره، حكاه العراقي عن بعض الحنابلة (4).
المناقشة:
بعد استعرض الأقوال في هذه المسألة اتضح أن الأقوال فيها خمسة المشهور منها ثلاثة: الوجوب والسنية والتفصيل وإن كان كل قول منها لا يسلم من اعتراض لكن قد يكون الاعتراض له حظ من النظر وقد لا يكون له حظ من النظر وفي هذا المبحث أود أن أورد الاعتراضات الواردة على أدلة كل
(1) التقريب (594).
(2)
انظر شرح مسلم للنووي (9/ 234) المغني (7/ 2) شرح الأبي على صحيح مسلم (5/ 93) طرح التثريب (7/ 71) الفتح (9/ 242) النيل (6/ 202) الإنصاف (8/ 318).
(3)
المغني (7/ 2).
(4)
طرح التثريب (7/ 78) وانظر الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل (8/ 318).
قول ومناقشتها قدر الإمكان مع ذكر أقوال أهل العلم في ذلك فأقول:
مناقشة أدلة أصحاب القول الأول:
نوقشت أدلة أصحاب القول الأول.
أما الدليل الأول وهو حديث أبي هريرة فاعترض عليه من وجهين:
الأول: بأن المراد به وليمة العرس، وذلك لأن الوليمة إذا أطلقت فالمراد بها وليمة العرس.
قال الحافظ ابن حجر: عقب تبويب البخاري «باب حق إجابة الوليمة والدعوة» : كذا عطف الدعوة على الوليمة فأشار بذلك إلى أن الوليمة مختصة بطعام العرس ويكون عطفه الدعوة عليها من العام بعد الخاص وقد تقدم بيان الاختلاف في وقته (1).
وأما اختصاص اسم الوليمة به فهو قول أهل اللغة فيما نقله عنهم ابن عبد البر (2) وهو المنقول عن الخليل بن أحمد وثعلب وغيرهما وجزم به الجوهري (3) وابن الأثير (4) وقال صاحب المحكم: الوليمة طعام العرس والإملاك، وقيل كل طعام صنع لعرس وغيره.
وقال عياض في المشارق: الوليمة طعام النكاح وقيل: الإملاك وقيل: طعام العرس خاصة.
وقال الشافعي وأصحابه: تقع الوليمة على كل دعوة تتخذ لسرور حادث من نكاح أو ختان أو غيرهما، لكن الأشهر استعمالها عند الإطلاق في النكاح وتقيد في غيره فيقال: وليمة الختان ونحو ذلك.
(1) الفتح (9/ 241).
(2)
التمهيد (10/ 182).
(3)
الصحاح (5/ 2054).
(4)
النهاية في غريب الحديث (5/ 226).
وقال الأزهري: الوليمة مأخوذة من الوَلم الجمع وزنًا ومعنى لأن الزوجين يجتمعان (1).
وقال ابن الأعرابي: أصلها من تتم الشيء واجتماعه.
وجزم الماوردي ثم القرطبي بأنها لا تطلق في غير طعام العرس إلا بقرينة وأما الدعوة فهي أعم من الوليمة
…
(2).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الوليمة تختص بطعام العرس في مقتضى كلام أحمد في رواية المروذي.
وقيل: تطلق على كل طعام لسرور حادث وقاله القاضي في الجامع وقيل: تطلق على ذلك إلا أنه في العرس أظهر (3).
وقال العراقي: اختلف العلماء وأهل اللغة في الوليمة والمشهور اختصاصها بطعام العرس (4)
…
ثم ساق نحو كلام الحافظ السابق.
وقال في القاموس: الوليمة طعام العرس أو كل طعام صنع لدعوة وغيرها وأَوْلَم صنعها (5).
قال ابن رسلان: وقول أهل اللغة أقوى لأنهم أهل اللسان وهم أعرف بموضوعات اللغة وأعلم بلسان العرب (6).
وقال الشوكاني: عقب دلالة هذا الحديث: والظاهر الوجوب للأوامر الواردة بالإجابة من غير صارف لها عن الوجوب ولجعل الذي لم يجب عاصيًا
(1) في تهذيب اللغة (15/ 406).
(2)
انتهى كلام الحافظ في الفتح.
(3)
الاختيارات (240).
(4)
طرح التثريب (7/ 70).
(5)
(4/ 189).
(6)
النيل (6/ 198).
وهذا في النكاح في غاية الظهور، وأما في غيرها من الولائم الآتية فإن صدق عليها اسم الوليمة شرعًا كما سلف في أول الباب كانت الإجابة إليها واجبة (1).
وقال أيضًا: ويمكن أن يقال: الوليمة في اللغة وليمة العرس فقط وفي الشرع للولائم المشروعة (2).
وبعد إيراد هذه النقول يظهر لنا أن المشهور عند أهل اللغة وغيرهم أن الوليمة لا تطلق إلا على وليمة العرس فقط، وعلى هذا لا يكون في الحديث دلالة على الوجوب إلا في وليمة العرس فقط.
قال الطحاوي: فتأملنا هذا الحديث - يعني حديث أبي هريرة - لنقف على معناه الذي أريد به إن شاء الله فوجدنا الطعام المقصود بما ذكر إليه فيه هو الوليمة وكانت صنفًا من الأطعمة لأن في الأطعمة أصنافًا سواها نحن ذاكروها في هذا الباب إن شاء الله، وهو ما سمعت أحمد بن أبي عمران يقول: كانت العرب تسمى الطعام الذي يطعمه الرجل إذا ولد له مولود طعام الخرس وتسمى طعام الختان طعام الأعذار، يقولون: قد أعذر على ولده وإذا بنى الرجل دارًا أو اشتراها فأطعم قيل طعام الوكيرة أي من الوكر وإذا قدم من سفر فأطعم قيل طعام النقيعة.
قال: وأنشد أبو نصر أحمد بن حاتم صاحب الأصمعي:
إنا لنضرب بالسيوف رؤوسهم
…
ضرب القدار نقيعة القدام
قال: والقدار الجزار، والقدام القادمون يقال قادم وقدّام كما يقال كاتب وكتاب.
وطعام المأتم يقال له طعام الهضيمة قال لنا ابن أبي عمران: وأنشدني
(1) النيل (6/ 202).
(2)
النيل (6/ 198).
الحسن بن عمرو الوائلي لأم حكيم بنت عبد المطلب لأبيها:
كفى قومه نائبات الخطوب
…
في آخر الدهر الأول
طعام الهضائم والمأدبات
…
وحمل عن الغارم المثقل
وطعام الدعوة: طعام المأدبة قال لي ابن أبي عمران: وما سمعت طعام الهضيمة من أصحابنا البغداديين وإنما سمعته بالبصرة من أهل اللغة بها.
قال أبو جعفر: وطعام الوليمة خلاف هذه الأطعمة وفي قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكلام الذي قصد به إليه فيه ما قد دل أنه حكمه في الدعاء إليه خلاف غيره من الأطعمة المدعى إليها، ولولا ذلك لاكتفى بذكر الطعام ولم يقصد إلى اسم من أسمائه فيذكره به ويدع ما سواه من أسمائه فلا يذكرها.
فنظرنا في المعنى الذي به حكم ذلك الطعام من حكم ما سواه من الأطعمة فوجدنا أبا أمية وإبراهيم بن أبي داود قد حدثانا قالا:
…
ثم ذكر حديث «لا بد للعرس من وليمة» وقال: فكان في هذا الحديث إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا بد للعرس من وليمة ثم ذكر حديث عبد الرحمن بن عوف «أولم ولو بشاة» وقال: فكان هذا الحديث أيضًا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف لما تزوج أنه يولم ثم ذكر حديث «الوليمة حق والثاني معروف والثالث رياء وسمعة» .
وقال: فكان في هذا الحديث إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الوليمة حق وفرق بين حكمها في الأيام الثلاثة فجعلها في أول يوم محمودًا عليها أهلها لأنهم فعلوا حقًا.
وجعلها في اليوم الثاني معروفًا لأنه قد يصل إليها في اليوم الثاني من عسى أن لا يكون وصل إليها في اليوم الأول ممن في وصله إليها من الثواب لأهلها ما لهم في ذلك.
وجعلها في اليوم الثالث بخلاف ذلك لأنه جعلها رياء وسمعة، وكان معلومًا أن
من دعي إلى الحق فعليه أن يجيب إليه، وأن من دعي إلى معروف فله أن يجيب إليه وليس عليه أن يجيب إليه، وأن من دعي إلى الرياء والسمعة فعليه أن لا يجيب إليه.
وفي ذلك ما قد دل على أن من الأطعمة التي يدعى إليها ما للمدعو إليه أن لا يأتيه، وأن منها ما على المدعو إليه أن يأتيه (1).
وأما قوله في آخر الحديث: «ومن ترك الدعوة» فقال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أن اللام في الدعوة للعهد من الوليمة المذكورة أولاً. وقد تقدم أن الوليمة إذا اطلقت حملت على طعام العرس بخلاف سائر الولائم فإنها تقيد (2).
الوجه الثاني:
ما حكاه ابن عبد البر بعد قوله صلى الله عليه وسلم: «ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله» قال: على أنه يحتمل والله أعلم من لم ير إتيان الدعوة فقد عصى الله ورسوله وهذا أحسن وجه حمل عليه هذا الحديث إن شاء الله (3).
وفي هذا نظر لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق العصيان على عدم الإتيان لا على الاعتقاد، والأصل حمل اللفظ على حقيقته إلا بقرينة تدل على أن هذا الظاهر
(1) شرح مشكل الآثار (8/ 19).
(2)
الفتح (9/ 245).
(3)
التمهيد (1/ 272).
غير مراد (1).
وأما الدليل الثاني وهو حديث ابن عمر رضي الله عنهما فإنه نوقش من وجهين هما:
الأول: أن يقال إن قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها» المراد به وليمة العرس كما تقدم بيان ذلك في الجواب عن حديث أبي هريرة.
(1) فإن قيل: إن حديث أبي هريرة موقوف أجيب عن ذلك بما قاله الحافظ في الفتح (9/ 244): أول هذا الحديث موقوف ولكن آخره يقتضي رفعه ذكر ذلك ابن بطال قال: ومثله حديث أبي الشعثاء أن أبا هريرة أبصر رجلاً خارجًا من المسجد بعد الأذان فقال: «أما هذا فقد عصى أبا القاسم» .
ومثل هذا لا يكون رأيًا ولهذا أدخله الأئمة في مسانيدهم.
وذكر ابن عبد البر: أن جل رواة مالك لم يصرحوا برفعه وقال فيه روح بن القاسم عن مالك بسنده: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذا أخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق إسماعيل بن مسلمة بن قعنب عن مالك.
وقد أخرجه مسلم من رواية معمر وسفيان بن عيينة عن الزهري شيخ مالك، وكما قال مالك، ومن رواية أبي الزناد عن الأعرج كذلك والأعرج شيخ الزهري فيه هو عبد الرحمن كما وقع في رواية سفيان قال: سألت الزهري فقال: حدثني عبد الرحمن الأعرج أنه سمع أبا هريرة فذكره.
ولسفيان فيه شيخ آخر بإسناد آخر إلى أبي هريرة صرح فيه برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
أخرجه مسلم أيضًا من طريق سفيان سمعت زياد بن سعد يقول: سمعت ثابتًا الأعرج يحدث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فذكر نحوه.
وكذا أخرجه أبو الشيخ من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعًا صريحًا وأخرج له شاهدًا من حديث ابن عمر كذلك.
وقال ابن عبد البر في التمهيد (10/ 175): هذا حديث مسند عندهم لقول أبي هريرة «فقد عصى الله ورسوله» وهو مثل حديث أبي الشعثاء عن أبي هريرة رأى رجلاً خارجًا من المسجد بعد الأذان فقال: «أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم» ولا يختلفون في هذا وذاك أنهما مسندان مرفوعان.
وأما رواية «أجيبوا هذه الدعوة» فقال الحافظ ابن حجر: وهذه اللام يحتمل أن تكون للعهد، والمراد وليمة العرس ويؤيده رواية ابن عمر الأخرى «إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها» وقد تقرر أن الحديث الواحد إذا تعددت ألفاظه وأمكن حمل بعضها على بعض تعين ذلك، ويحتمل أن تكون اللام للعموم، وهو الذي فهمه راوي الحديث فكان يأتي الدعوة للعرس ولغيره (1).
وأما رواية أبي داود وابن عدي والبيهقي «من دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله
…
» فإنها تدل على العموم وعدم التخصيص بالعرس لكنها ضعيفة كما تقدم بيان ذلك (2).
لكنه ورد عند أبي يعلى وصححه الحافظ (3) بلفظ «إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليجبها ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله» .
فجعل العصيان مقيدًا بممن لم يجب دعوة الوليمة لا كل دعوة.
وأما رواية «عرسًا كان أو نحوه» فإنها تدل على عدم التخصيص بوليمة العرس لأنه قال أو نحوه لكن يمكن أن يجاب عنه:
بأن يقال هذه الرواية تدل على أنه لا يجب إجابة كل دعوة، وذلك لأن الحديث أمر بإجابة دعوة العرس ونحوه فما المراد بهذا النحو فهل المراد به نحوه من حيث الكبر أو غير ذلك إلا أن يقال: بينه فهم ابن عمر، وأنه كان يأتي في العرس وغير العرس لكن هذا لا يدل على الوجوب أيضًا لأن تطبيق ابن عمر للإتيان إنما هو لكونه مأمورًا بهذا ولو كان على سبيل الاستحباب، لما عُرف عنه من شدة تحريه للسنة وقد يكون أخذ إتيان وليمة العرس من هذا الحديث، وغير وليمة العرس من أحاديث أُخر كحديث البراء وغيره ففعله لا يدل على
(1) الفتح (9/ 246).
(2)
ص: (15).
(3)
في التلخيص (3/ 195) عزاه لأبي يعلى وذكر سنده وصححه.
وجوب الجميع والله أعلم.
وقال الطحاوي: قد يحتمل أن يكون ذلك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يحتمل أن يكون من كلام رواة هذين الخبرين.
وقد روى حديث ابن عمر هذا جماعة عن نافع بغير ذكر هذا المعنى الذي هو خلاف العرس، ثم ساقه من طريق عمر بن محمد العمري عن نافع بلفظ «إذا دعيتم فأجيبوا» .
ومن طريق موسى بن عقبة عن نافع بلفظ «أجيبوا الدعوة إذا دعيتم لها» .
ومن طريق أيوب السختياني عن نافع بلفظ «ائتوا الدعوة إذا دعيتم» .
ثم قال: فاحتمل أن تكون تلك الدعوة المرادة في هذه الآثار هي الدعوة المذكورة في الآثار الأول فتتفق هذه الآثار ولا تختلف، فنظرنا هل رُوي شيء يدل على أنها تلك الدعوة كما ذكرنا؟
فوجدنا يونس قد حدثنا قال أنبأنا ابن وهب أن مالكًا أخبره عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها» فبين هذا الحديث أن الذي يجب إتيانه من الأطعمة التي يدعى إليها في أحاديث ابن عمر هي هذه الوليمة
…
(1).
تنبيه:
قال ابن عبد البر: قد رواه معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر فقال فيه «عرسًا كان أو غيره» ذكره عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دعا أحدكم أخاه فليجبه عرسًا كان أو غيره» وذكر أبو داود قال: حدثنا الحسن بن علي قال: حدثنا عبد الرزاق بإسناده مثله وقال: «عرسًا كان أو دعوة» قال أبو داود: وكذلك رواه
(1) شرح مشكل الآثار (8/ 25).
الزبيدي عن نافع مثل حديث معمر عن أيوب ومعناه سواء
…
(1).
ففي هذه الرواية التي ذكرها ابن عبد البر وعزاها لأبي داود وكذا لعبد الرزاق يبطل التأويل السابق لقوله صلى الله عليه وسلم: «عرسًا كان أو نحوه» فإن رواية أبي داود وعبد الرزاق تدل على العموم في العرس وغيره إلا أن هذه الرواية التي ذكرها ابن عبد البر وعزاها لأبي داود وعبد الرزاق لم أجدها عندهما بهذا اللفظ بل عندهما (2) بلفظ «عرسًا كان أو نحوه» من نفس الطريق التي ذكرها ابن عبد البر فليتأمل ذلك لعله في نسخ أخرى غير هذه أو تكون تصحيفًا، إلا أن يقال لو صحت حملت على حديث البراء وغيره لأنه لم يرتب العصيان على من لم يجب في هذه الرواية والله أعلم.
الوجه الثاني:
حمل المطلق على المقيد وذلك أنه ورد في بعض روايات هذا الحديث إطلاق الوليمة وفي بعضها قال: «إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجيب» كما عند مسلم وغيره.
قال النووي عقب هذه الرواية: قد يحتج به من يخصص وجوب الإجابة بوليمة العرس ويتعلق الآخرون بالروايات المطلقة ولقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية التي بعد هذه «إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسًا كان أو نحوه» ويحملون هذا على الغالب أو نحوه من التأويل (3).
وقال العراقي: ويدل على عدم الوجوب في غير وليمة العرس التقييد في بعض الروايات بقوله «وليمة عرس» وقد تقدم ذكرها فيحمل المطلق على
(1) في التمهيد (1/ 273).
(2)
سنن أبي داود (4/ 124 رقم 3738) ومصنف عبد الرزاق (10/ 448 رقم 19666).
(3)
شرح مسلم (9/ 234).
المقيد (1).
وقد تعقب الشوكاني هذا الوجه فقال: لا يقال ينبغي حمل مطلق الوليمة على الوليمة المقيدة بالعرس كما وقع في رواية حديث ابن عمر المذكورة بلفظ «إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب» لأنا نقول: ذلك غير ناتج للتقييد لما وقع في الرواية المتعقبة لهذه الرواية بلفظ «من دعي إلى عرس أو نحوه» وأيضًا قوله: «من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله» يدل على وجوب الإجابة إلى غير وليمة العرس (2).
لكن تقدم أن رواية «من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله» هذه مقيدة بالوليمة كما في الصحيحين.
أما رواية أبي داود المطلقة فإنها ضعيفة.
وأما رواية «إلى عرس أو نحوه» فتقدم الجواب عنها وأنها لا تدل على وجوب كل دعوة، والله أعلم.
وأما الدليل الثالث حديث البراء:
فقال ابن عبد البر: قال البراء: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع فذكر منها إجابة الداعي وذكر منها أشياء منها ما هو فرض على الكفاية ومنها ما هو واجب وجوب سنة، فكذلك إجابة الدعوة والله نسأل العصمة (3).
وأما الدليل الرابع حديث أبي هريرة:
هذا الحديث لفظ الصحيحين «حق» لكن عند مسلم في لفظ «خمس تجب» وهذا اللفظ ظاهره الوجوب إلا أن الحافظ حمله على وجوب الكفاية فقال: وقد تبين أن معنى الحق هنا الوجوب خلافًا لقول ابن بطال: المراد حق
(1) طرح التثريب (7/ 77، 78).
(2)
النيل (6/ 202).
(3)
التمهيد (1/ 275).
الحرمة والصحبة والظاهر أن المراد به هنا وجوب الكفاية (1).
ولعله أخذ هذا مما قرن معه من عيادة المريض واتباع الجنائز ورد السلام وتشميت العاطس مع ما في دلالة الاقتران من الكلام عند الأصوليين.
وقال الطحاوي: عقب هذا الحديث: فقد تحتمل أيضًا أن يكون الحق الواجب في إجابة الدعوة يراد به الدعوة التي هي وليمة لا ما سواها، فلم يبين لنا في شيء مما روينا وجوب إتيانه من الطعام المدعى إليه غير طعام الوليمة التي هي الأعراس والله سبحانه نسأله التوفيق (2).
وقال أيضًا في الجواب عن حديث أبي أيوب: فقال قائل: ففي هذا الحديث من كلام أبي أيوب ما قد دل على أن الدعوة التي من حق المسلم على أخيه إجابته إليها هو مثل ما دعا إليه فأجاب إليه.
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه: أنه قد يحتمل أن يكون ذلك كما قد ذكر، ويكون الأحسن بالناس إذا دعوا إلى مثله أن لا يتخلفوا عنه، ويكون حضور بعضهم إياه مسقطًا لما على غيرهم منه ويكون من الأشياء التي يحملها العامة على الخاصة كحضور الجنائز وكدفن الموتى.
ويحتمل أن يكون ذلك على ما يجب أن يكون الناس عليه في أسفارهم مع إخوانهم من الزيادة في مواصلتهم والانبساط إليهم والجود عليهم أكثر مما يكونون لهم عليه في خلاف السفر، فيكون ما كان من أبي أيوب لذلك والذي كان منه فلم يذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وإنما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ما سوى ذلك مما في هذا الحديث.
وقد يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد بما في هذا الحديث من إجابة الدعوة
(1) الفتح (3/ 113).
(2)
شرح مشكل الآثار (8/ 33، 34).
الوليمة التي ذكرنا لا ما سواها (1).
وأما الدليل الخامس حديث أبي أمامة والدليل الثامن حديث أبي هريرة والدليل التاسع حديث يعلى بن مرة فإنها ضعيفة وتقدم بيان ضعفها.
أما الدليل السادس حديث ابن مسعود فيجاب عنه بمثل ما أجيب عن الدليل الثالث والرابع حديث البراء وأبي هريرة رضي الله عنهما.
وقال الطحاوي: في الجواب عن حديث ابن مسعود: ففي هذا الحديث الأمر بإجابة الداعي وبقبول الهدية والمنع من ردها فقد يحتمل أن تكون هذه الإجابة وهذا الممنوع من رده من جنس واحد، ويكون المدعى إليه هو خلاف الوليمة وقد يحتمل أن يكون كل واحد منهما جنسًا غير الجنس الآخر فيكون المدعى إليه هو الوليمة الواجب إتيانها والهدية بخلافها (2).
وأما الدليل السابع حديث جابر فيجاب عنه بمثل ما أجيب عن الدليل الثالث والرابع حديث البراء وأبي هريرة.
وقال الطحاوي أيضًا في الجواب عن هذا الحديث: فكان ذلك محتملاً أن يكون أريد به الطعام المذكور في الآثار الأول (3) لا ما سواه منها (4).
وقد يجاب عن هذه الأدلة كلها عدا الدليل الأول والثاني بأن المراد بها إما وليمة العرس كما أشار إليه الطحاوي، وإما أنها محمولة على الاستحباب والصارف لها عن الوجوب هو حديث أبي هريرة وابن عمر في رواية أبي يعلى حيث رتب العصيان على من لم يجب الوليمة، فهذا يدل على أن غير الوليمة لها حكم آخر غير الوجوب وهو الندب، وسيأتي مزيد بحث في ذلك عند مناقشة
(1) شرح مشكل الآثار (8/ 32، 33).
(2)
شرح مشكل الآثار (8/ 29).
(3)
يريد به وليمة العرس.
(4)
شرح مشكل الآثار (8/ 28، 29).
أصحاب القول الثالث إن شاء الله تعالى.
مناقشة أدلة أصحاب القول الثاني:
أدلة أصحاب هذا القول لا تخلو عن ثلاثة أحوال:
الأول: بعضها ظاهر الدلالة على السنية مثل الدليل الأول والثاني والثالث والرابع مع ضعف في الثالث والرابع.
والثاني: بعضها ظاهر الدلالة على الوجوب وذلك في مثل حديث أبي هريرة وابن عمر حيث أطلق العصيان على من لم يجب الدعوة والعصيان يكون بترك الواجب أو فعل المحرم وهذا ظاهر في وليمة العرس محتمل في غيرها.
الثالث: بعضها محتملة للوجوب والسنية وذلك بحسب القرائن وهذا في مثل الأحاديث التي فيها الأمر بإجابة الدعوة كحديث البراء وغيره.
فعلى هذا هذه الأدلة لا تسلم دلالتها على السنية مطلقًا لأن فيها أدلة تدل على الوجوب كما تقدم.
مناقشة أصحاب القول الثالث:
هذا القول وسط بين القولين السابقين الوجوب مطلقًا والسنية مطلقًا والأدلة التي استدلوا بها ظاهرة الدلالة على هذا القول بالجملة إلا أنه قد ينازع في بعضها وهي التي فيها الأمر بإجابة الدعوة مطلقًا من غير تقييد بالوليمة إذ الأصل في الأمر الوجوب إلا أن يصرفه صارف، إلا أن يقال إن الصارف لهذه الأدلة عن الوجوب - غير وليمة العرس - هو:
1 -
ما أخرجه مسلم (1) والنسائي (2) من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أن جارًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فارسيًا كان طيب المرق فصنع لرسول الله
(1) في صحيحه (3/ 1609 رقم 2037) كتاب الأشربة، باب ما يفعل الضيف إذا تبعه غير من دعاه صاحب الطعام واستحباب إذن صاحب الطعام للتابع.
(2)
في سننه (6/ 158 رقم 3436) كتاب الطلاق، باب الطلاق بالإشارة المفهومة.
- صلى الله عليه وسلم ثم جاء يدعوه فقال: وهذه؟ لعائشة، فقال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، فعاد يدعوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهذه؟ فقال: لا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، ثم عاد يدعوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه؟ قال: نعم في الثالثة، فقاما يتدافعان حتى أتيا منزله.
ووجه الدلالة هو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعاه قال: لا لما لم يوافق على مجيء عائشة رضي الله عنها معه، ولو كان الأمر في الدعوة للوجوب لما قال لا، وهذه الدعوة ظاهرها أنها ليست دعوة عرس، فهذا قد يستأنس به على أنه مخصص لدعوة غير العرس فتحمل على الاستحباب.
2 -
حديث أبي هريرة رضي الله عنه «شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله» .
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما رواية أبي يعلى «إذا دُعي أحدكم إلى وليمة فليجبها ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله» .
ووجه ذلك هو أنه أطلق العصيان على من لم يجب الدعوة إلى الوليمة ولم يرد هذا الحكم في غير الوليمة إلا في رواية عن أبي داود وغيره ومن حديث ابن عمر «من دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله» لكنها ضعيفة كما تقدم.
فهذا يفهم منه أن العصيان يختص بعدم إتيان الوليمة فقط دون غيرها من الدعوات فتحمل على الاستحباب، وتقدم أن الوليمة المراد بها وليمة العرس عند الإطلاق كما هو قول أكثر أهل اللغة وغيرهم.
3 -
ما أخرجه الطبراني (1) من حديث صهيب رضي الله عنه قال: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعامًا فأتيته وهو في نفر جالس فقمت حياله فأومأت إليه فقال: وهؤلاء؟ فقلت: لا فسكت، فقمت مكاني فلما نظر إلي أومأت إليه فقال: وهؤلاء؟
(1) في المعجم الكبير (8/ 45 رقم 7321).
فقلت: لا مرتين فعل ذلك أو ثلاثًا، فقلت: نعم وهؤلاء، وإنما كان شيئًا يسيرًا صنعته له فجاء وجاؤوا معه فأكلوا، وأحسبه قال: وفضل منه.
ووجه الدلالة منه أنه لم يجب الدعوة حتى أذن لمن معه.
لكن قال الهيثمي فيه: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح إلا أن ضريب بن نفير لم يسمع من صهيب (1).
4 -
حديث أبي هريرة رضي الله عنه الدليل الرابع من أدلة القول وهو نص في محل النزاع لكنه ضعيف.
مناقشة أدلة أصحاب القول الرابع:
أدلة أصحاب هذا القول هي عموم أدلة الأقوال السابقة وسبق مناقشتها إلا أن جعل الأدلة تدل على أنه فرض كفاية محل نظر لأمور هي:
الأول: قلة القائلين به ولا يعرف أحد من الأئمة المشهورين قال به، بل حكي عن بعض الشافعية والحنابلة، وإن كان هذا لا يكفي في رد القول لكن يستأنس به.
الثاني: أن فرض الكفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين فالمقصود في فروض الكفاية قيام هذا الفعل فليس معلقًا بالجميع بل بالبعض مثل الآذان، بخلاف إجابة الدعوة فإن الخطاب متوجه لكل من دعي وغالبًا يكون مقصودًا في الدعوة فإذا لم يحضر فإنه يؤثر على الداعي ولو حضر غيره.
الثالث: أن في حديث أبي هريرة قال: من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله، وفي حديث ابن عمر قال:«ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله» .
الخطاب هنا ظاهره متوجه إلى كل من دعي، فإذا لم يجب يكون عاصيًا إلا
(1) مجمع الزوائد (4/ 55).
ما قام الدليل على تخصيصه بخلاف فرض الكفاية فإن الخطاب موجه إلى البعض وإنما يأثم الجميع إذا لم يمتثل الكل، نعم لو كان لفظ الحديث «من دعي فلم يُجب
…
» لكان يدل على هذا القول والله أعلم.
الرابع: قال ابن دقيق العيد في شرح الإلمام: محل ذلك - أي فرض الكفاية - إذا عمت الدعوة أما لو خص كل واحد بالدعوة فإن الإجابة تتعين (1).
مناقشة أصحاب القول الخامس:
هذا القول لا أعلم لهم دليلاً على هذا التفصيل إلا إن كان القائل به لم يبلغه إلا حديث أبي هريرة «شر الطعام
…
» فحمله على الندب وما عداه على الإباحة، وهذا القول أضعف الأقوال في هذه المسألة بل هو خلاف الأدلة الواردة وليس على هذا التفريق دليل يعتمد عليه، والله أعلم.
الترجيح:
من خلال تأمل الأحاديث الواردة في هذه المسألة نجدها ظاهرة الدلالة على القول الأول وهو القول بالوجوب مطلقًا، والقول الثالث وهو التفصيل، وأن الدعوة تجب إجابتها في العرس وتسن فيما عداه وهو قول جمهور أهل العلم، وهذا القول أقوى في نظري لقوة أدلته؛ ولأن فيه توسطًا بين القول الأول والثاني؛ ولأن حمل حديث أبي هريرة وابن عمر والذي فيهما إطلاق العصيان على من لم يجب الدعوة على وليمة العرس فيه قوة، ويكون كافيًا في تخصيص وليمة العرس بالوجوب دون غيرها، وذلك لأن حمل الوليمة على وليمة العرس هو قول أكثر أهل العلم وهو قول أكثر أهل اللغة فهذا يدل على أن هذا هو الغالب في استعمال هذا اللفظ، والأحكام إنما تعلق بالغالب لا بالنادر الذي لا يقع إلا قليلاً، والله أعلم.
(1) الفتح (9/ 242).
قال الشافعي رحمه الله: إتيان دعوة الوليمة حق، والوليمة التي تعرف وليمة العرس، وكل دعوة دعا إليها رجل وليمة، فلا أرخص لأحد في تركها ولو تركها لم يتبين لي أنه عاص في تركها كما تبين لي في وليمة العرس (1).
ورجح الطحاوي (2) هذا القول وأطال في الجواب عن الأحاديث كما تقدم نقل غالب كلامه. والله أعلم.
(1) الفتح (9/ 247).
(2)
في شرح مشكل الآثار وتقدم كلامه مرارًا.
مسألة: إجابة الدعوة لمن كان صائمًا
ظاهر الأحاديث الواردة تدل على أن الصوم ليس بعذر يمنع من إجابة الدعوة كما ذكر ذلك غير واحد من أهل العلم (1).
ومن هذه الأحاديث:
1 -
حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان صائمًا فليصل وإن كان مفطرًا فليطعم» وفي لفظ «إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل إني صائم» . أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وتقدم (2) وله شاهد من حديث جابر عند ابن ماجة ومن حديث ابن مسعود عند النسائي والطبراني ومن حديث ابن عمر عند أبي داود والبيهقي وتقدمت (3).
2 -
عموم الأحاديث الواردة في إجابة الدعوة لم تستثن الصائم.
3 -
أن هذا فعل ابن عمر (4) رضي الله عنهما يجيب الدعوة وهو صائم وكذا ورد عن يعلى بن مرة (5) وأبي أيوب رضي الله عنهما (6).
(1) انظر في ذلك شرح مسلم للنووي (9/ 237) وروضة الطالبين (7/ 366) وإكمال إكمال المعلم (5/ 95) وطرح التثريب (7/ 79) وفتح الباري (9/ 247) وعمدة القاري (16/ 356) وسبل السلام (3/ 276) ونيل الأوطار (6/ 203).
(2)
ص: (22).
(3)
حديث جابر ص: (21) وحديث ابن مسعود ص: (22) وحديث ابن عمر ص: (14).
(4)
ص: (14).
(5)
ص: (23).
(6)
ص: (18) في الحاشية.
قال النووي عقب حديث ابن عمر «ويأتيها وهو صائم» : فيه أن الصوم ليس بعذر في الإجابة وكذا قاله أصحابنا قالوا: إذا دعي وهو صائم لزمه الإجابة كما يلزم المفطر ويحصل المقصود بحضوره وإن لم يأكل
…
(1).
وقال في الروضة: والصوم ليس عذرًا في ترك إجابة الدعوة (2).
وقال العراقي: إن الصوم ليس عذرًا في ترك الإجابة (3).
وقال الحافظ ابن حجر: ويؤخذ من فعل ابن عمر أن الصوم ليس عذرًا في ترك الإجابة، ولا سيما مع ورود الأمر للصائم بالحضور والدعاء، نعم لو اعتذر به المدعو فقبل الداعي عذره لكونه يشق عليه أن لا يأكل إذا حضر أو لغير ذلك - كان ذلك عذرًا له في التأخر (4).
وقال الشوكاني في حديث ابن عمر: وفي الحديث دليل على أنه يجب الحضور على الصائم ولا يجب عليه الأكل لكن هذا بعد أن يقول للداعي إني صائم كما في الرواية الأخرى، فإن عذره في الحضور بذلك وإلا حضر (5).
وقال الصنعاني في حديث أبي هريرة: فيه دليل على أنه يجب على من كان صائمًا أن لا يتعذر بالصوم (6).
(1) شرح مسلم (6/ 237).
(2)
(7/ 336).
(3)
طرح التثريب (7/ 97).
(4)
الفتح (9/ 247).
(5)
النيل (6/ 203).
(6)
السبل (3/ 276).
وقال الحسيني بعد قوله: «وإن كان صائمًا فليدع» أي فليدع أخذ به الشافعي فأسقط الإجابة على الصائم، وإنما يطلب منه أن يدعو لأهل البيت بالمغفرة والبركة.
وقال أصبغ: ليست إجابة الصائم بالوكيد وإنه لخفيف.
وقال مالك في كتاب محمد: أرى أن يجيب.
قال الباجي: فقول مالك على أن الأكل ليس بواجب، وقول أصبغ على أنه واجب، فإذا أسقط الصوم فقد سقط وسيلته وهو الإجابة (1).
والحاصل أن الصوم لا يعتبر عذرًا مسقطًا للإجابة.
(1) مكمل إكمال إكمال المعلم (5/ 95).