الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الثاني وهو إغلاق الباب دونه فإن أريد استمرار إغلاقه فلا يفتح له أصلاً فهذا واضح لأنه لم يتمكن من حضور الوليمة فلا يمكن القول بوجوبه عليه، وإن أريد إغلاقه حتى يحتاج إلى الإعلام والتوسل فيفتح فهذا محتمل ولا يبعد على قواعدنا القول به لما في الوقوف على الأبواب من الذل الذي يصعب على الإنسان ويشق عليه احتماله، والله أعلم (1).
وعلى هذا فهذا الشرطان ليسا على الإطلاق بل لا بد من تقييد الزحام بما يتضرر به، وإغلاق الباب بما إذا لم يفتح أو استلزم الذلة والتوسل قبل الفتح، أما مجرد إغلاق الباب فهذا لا يمنع الإجابة، لأن هذا شأن البيوت غالبًا إغلاق أبوابها فإذا جاء يستأذن كما ورد في السنة فإن لم يؤذن له كان معذورًا.
الشرط العاشر: أن تكون الدعوة في اليوم الأول
(2)
وهذا الشرط على المشهور كما قاله الحافظ ابن حجر (3) وإلا فإن في المسألة خلافًا كما سيأتي.
دليل هذا الشرط:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الوليمة أول يوم حق والثاني معروف والثالث رياء وسمعة» .
وهذا الحديث مروي عن جماعة من الصحابة هم: زهير بن عثمان وأبو هريرة وابن مسعود وأنس بن مالك وابن عباس ووحشي بن حرب.
(1) طرح التثريب (7/ 77).
(2)
ذكر هذا الشرط النووي في شرح مسلم (9/ 234) وابن قدامة في المغني (7/ 3) والعراقي في طرح التثريب (7/ 71) وابن حجر في الفتح (9/ 242) والشوكاني في النيل (6/ 202) والصنعاني في السبل (3/ 274) وصاحب عون المعبود (10/ 203).
(3)
الفتح (9/ 242).
فأما حديث زهير بن عثمان
فأخرجه أبو داود (1) والنسائي (2) وأحمد (3) والبخاري في التاريخ الكبير (4) والدارمي (5) والطحاوي (6) والطبراني (7) والبيهقي (8).
كلهم من طريق همام حدثنا قتادة عن الحسن عن عبد الله بن عثمان الثقفي عن رجل أعور من ثقيف قال قتادة: كان يقال له معروفًا - أي يثني عليه خيرًا - يقال له زهير بن معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم، به.
وفي بعضها قال قتادة: وكان يقال له معروفًا إن لم يكن اسمه زهير بن عثمان فلا أدري ما اسمه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، به.
وهذا الطريق معلول من أوجه:
الأول: الخلاف في صحبة زهير بن عثمان.
قال البخاري عقب إخراجه لهذا الحديث في ترجمة زهير: ولم يصح إسناده ولا يعرف له صحبة (9).
(1) في سننه (4/ 26 رقم 3745) كتاب الأطعمة، باب في كم تستحب الوليمة.
(2)
في الكبرى (4/ 137 رقم 6596) كتاب الوليمة، باب عدد أيام الوليمة.
(3)
في مسنده (5/ 28).
(4)
(3/ 425).
(5)
في سننه (2/ 104، 105) كتاب الأطعمة، باب في الوليمة.
(6)
شرح مشكل الآثار (8/ 23 رقم 3021).
(7)
في المعجم الكبير (5/ 272 رقم 5306).
(8)
في سننه (7/ 260) كتاب الصداق، باب أيام الوليمة.
(9)
التاريخ (3/ 425).
وساقه ابن عبد البر من طريق الحسن بن عبد الله بن عثمان عنه قال: يقال إنه مرسل (1).
وقال ابن السكن: ليس بمعروف في الصحابة (2).
لكن قال الحافظ ابن حجر عقب قول البخاري: وأثبت صحبته ابن أبي خيثمة وأبو حاتم والترمذي والأزدي وغيرهم (3).
وقال في التهذيب تبعًا للمزي: وعداده في الصحابة الذين نزلوا البصرة (4)، وجزم بصحبته في التقريب (5).
الثاني: جهالة عبد الله بن عثمان الثقفي كما قاله الحافظ ابن حجر (6).
الثالث: الإرسال فقد وصله همام عن قتادة وخالفه معمر عن قتادة عن الحسن مرسلاً، فلم يذكر عثمان ولا زهيرًا.
أخرجه عبد الرزاق (7) والبغوي (8) وقال: هكذا رواه معمر مرسلاً ويروى متصلاً عن ابن مسعود بإسناد غريب.
وأخرجه النسائي (9) من طريق يونس عن الحسن مرسلاً أيضًا، وقال
(1) الاستيعاب (1/ 577).
(2)
الإصابة (1/ 554).
(3)
الإصابة (1/ 554).
(4)
(3/ 247).
(5)
(217).
(6)
التقريب (313).
(7)
في مصنفه (10/ 447 رقم 19661) كتاب الجامع، باب الوليمة.
(8)
في شرح السنة (9/ 142 رقم 2319) كتاب النكاح، باب الإجابة إلى الوليمة إذا دعي إليها.
(9)
في الكبرى (4/ 137 رقم 6597).
الحافظ: وقد خالف يونس بن عبيد قتادة في إسناده فرواه عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً أو معضلا لم يذكر عبد الله بن عثمان ولا زهيرًا، أخرجه النسائي ورجحه على الموصول، وأشار أبو حاتم إلى ترجيحه (1).
والعجيب أن الحافظ ابن حجر قوَّى حديث زهير من هذا الطريق فقال: رواه أبو داود والنسائي بسند لا بأس به (2).
والحاصل أن الحديث بهذا الطريق ضعيف، وقد ضعفه البخاري في التاريخ، وأشار إلى ذلك في الصحيح فقال: ومن أولم سبعة أيام ونحوه، ولم يؤقت النبي صلى الله عليه وسلم يومًا ولا يومين.
وذكره عبد الحق في الأحكام الوسطى (3) وذكر قول البخاري ولم يتعقبه وقال ابن عبد البر: في إسناده نظر ويقال: إنه مرسل (4).
أما حديث أبي هريرة
فأخرجه ابن ماجة (5) من طريق عبد الملك بن حسين أبي مالك النخعي عن منصور عن أبي حازم عن أبي هريرة به. وسنده ضعيف.
(1) في الفتح (9/ 240).
(2)
في الإصابة (1/ 554).
(3)
(3/ 159).
(4)
في الاستيعاب (1/ 577).
(5)
في سننه (1/ 617 رقم 1915) كتاب النكاح، باب إجابة الداعي.
قال الحافظ في التلخيص: وفي إسناده عبد الملك بن حسين النخعي الواسطي: ضعيف (1)، وقال في التقريب: متروك (2)، وقال في الفتح: وفيه عبد الملك بن حسين، وهو ضعيف جدًا (3).
وقال البوصيري: هذا إسناد فيه عبد الملك بن حسين وهو ضعيف (4).
أما حديث ابن مسعود
فأخرجه الترمذي (5) والبيهقي (6) كلاهما من طريق زياد بن عبد الله البكائي حدثنا عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود به.
قال الترمذي: حديث ابن مسعود لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث زياد بن عبد الله، وزياد بن عبد الله كثير الغرائب والمناكير. قال وسمعت محمد بن إسماعيل يذكر عن محمد بن عقبة قال: قال وكيع: زياد بن عبد الله مع شرفه يكذب في الحديث. ا. هـ.
وقال البيهقي: وحديث البكائي أيضًا غير قوي (7).
وقال فيه الحافظ: صدوق ثبت في المغازي، وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين، ولم يثبت أن وكيعًا كذبه (8).
(1)(3/ 195).
(2)
(670).
(3)
(9/ 243).
(4)
في الزوائد (2/ 94).
(5)
في سننه (3/ 395 رقم 1097) كتاب النكاح، باب ما جاء في الوليمة.
(6)
في سننه (7/ 260).
(7)
في سننه (7/ 261).
(8)
في التقريب (220)
وقال في التهذيب: بعد قول وكيع: والذي في تاريخ البخاري عن ابن عقبة عن وكيع زياد أشرف من أن يكذب في الحديث، وكذا ساقه الحاكم أبو محمد في الكنى بإسناده إلى وكيع وهو الصواب ولعله سقط من رواية الترمذي «لا» وكان فيه مع شرفه لا يكذب في الحديث فتتفق الروايات. والله أعلم (1).
وقال في التلخيص: وقال الدارقطني: تفرد به زياد بن عبد الله عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عنه - أي ابن مسعود - قلت: وزياد مختلف في الاحتجاج به ومع ذلك فسماعه من عطاء بعد الاختلاط (2).
أما حديث أنس
فأخرجه البيهقي (3) من طريق بكر بن خنيس عن الأعمش عن أبي سفيان عن أنس به وقال: وليس هذا بقوي، بكر بن خنيس تكلموا فيه.
وقال فيه الحافظ ابن حجر: صدوق له أغلاط، أفرط فيه ابن حبان (4).
وبكر هذا تركه غير واحد أحمد بن صالح وابن خراش والدارقطني وغيرهم، وضعفه آخرون، وقال أبو حاتم لا يبلغ به الترك.
وقال ابن معين في رواية صالح لا بأس به إلا أنه يروي عن ضعفاء ويكتب من حديثه الرقاق وقال مرة: ليس بشيء (5).
(1) تهذيب التهذيب (3/ 377).
(2)
التلخيص (3/ 195).
(3)
في سننه (7/ 260، 261).
(4)
التقريب (126).
(5)
تهذيب الكمال (4/ 210) الضعفاء والمتروكين للدارقطني (290) تاريخ ابن معين (2/ 62) الجرح والتعديل (2/ 384).
وقال الحافظ: في إسناده بكر بن خنيس وهو ضعيف، وذكره ابن أبي حاتم والدارقطني في العلل من حديث الحسن عن أنس ورجحا رواية من أرسله (1).
أما حديث ابن عباس
فأخرجه الطبراني (2) من طريق محمد بن عبيد الله العرزمي عن عطاء عن ابن عباس به.
قال الهيثمي: وفيه محمد بن عبيد الله العرزمي وهو متروك (3).
وقال الحافظ في التلخيص وعن وحشي بن حرب وابن عباس رواهما الطبراني في الكبير وإسنادهما ضعيف (4).
وقال في الفتح: أخرجه الطبراني بسند ضعيف (5).
أما حديث وحشي بن حرب
فأخرجه الطبراني (6) من طريق محمد بن سليمان ثنا وحشي بن وحشي عن أبيه عن جده بنحوه.
قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله وثقهم ابن حبان (7) وضعفهم الحافظ.
وقال الحافظ أيضًا: بعد ذكره هذا الحديث وشواهده: وهذه الأحاديث وإن كان كل منها لا يخلو عن مقال، فمجموعها يدل على أن للحديث أصلاً (8).
(1) التلخيص (3/ 196).
(2)
في الكبير (11/ 151 رقم 11331).
(3)
مجمع الزوائد (9/ 252).
(4)
(3/ 196).
(5)
(9/ 243).
(6)
في الكبير (22/ 136، 137 رقم 362).
(7)
مجمع الزوائد (9/ 252).
(8)
في الفتح (9/ 243).
وهذا الحديث وشواهده هو عمدة هذا الشرط وقد قال به جمع من أهل العلم واعتبروا الوجوب في اليوم الأول كما قاله ابن قدامة (1) والنووي (2) وغيرهما.
قال ابن قدامة: وإن صنعت الوليمة أكثر من يوم جاز فقد روى الخلال بإسناده عن أبي أنه أعرس، ودعا الناس ثمانية أيام.
وإذا دعا في اليوم الأول وجبت الإجابة، وفي اليوم الثاني تستحب الإجابة، وفي اليوم الثالث لا تستحب.
قال أحمد: الأول يجب، والثاني إن أحب، والثالث فلا، وهكذا مذهب الشافعي (3).
وحكى العراقي عن النووي في الروضة القطع بهذا، وقال: وليس كذلك فقد حكى ابن يونس في التعجيز وجهين في وجوب الإجابة في اليوم الثاني، وقال في شرحها أصحها الوجوب وبه قطع الجرجاني لوصف النبي صلى الله عليه وسلم الثاني بأنه معروف (4).
لكن هذا الحديث الذي هو عمدة هذا الشرط على القول بتقويته ظاهره يعارض ما أخرجه أبو يعلى في مسنده (5) عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج صفية
(1) المغني (7/ 3).
(2)
شرح مسلم (9/ 234).
(3)
في المغني (7/ 3).
(4)
طرح التثريب (7/ 71، 72).
(5)
(6/ 446 رقم 3834) قال الحافظ في الفتح (9/ 243) أخرجه أبو يعلى بسند حسن وقال الهيثمي في المجمع (4/ 94) هو في الصحيح باختصار الأيام. رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح خلا عيسى بن أبي عيسى ماهان وهو ثقة وفيه كلام لا يضر.
وجعل عتقها صداقها، وجعل الوليمة ثلاثة أيام، وبسط نطعا جاءت به أم سليم، وألقى عليه أقطًا وتمرًا، وأطعم الناس ثلاثة أيام.
وقال البخاري: باب حق إجابة الوليمة والدعوة: ومن أولم سبعة أيام، ولم يوقت (1) النبي صلى الله عليه وسلم يوما ولا يومين، وضعف حديث زهير كما تقدم، وقال (2) قال ابن عمر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليجب، ولم يخص ثلاثة أيام ولا غيرها وهذا أصح (3).
وأخرج عبد الرزاق (4) والبيهقي (5) من طريق معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال تزوج أبي فدعا الناس ثمانية أيام، فدعا أبي بن كعب فيمن دعا، فجاء يومئذ وهو صائم فصلى، يقول دعا بالبركة ثم خرج.
وأخرجه البيهقي من طريق وهيب عن أيوب عن محمد قال حدثتني حفصة أن سيرين عرس بالمدينة، فأولم فدعا الناس سبعا، وكان فيمن دعا أبي بن كعب فجاء وهو صائم فدعا لهم بخير وانصرف.
وقال عقبة: وكذا رواه حماد بن زيد عن أيوب سبعا، إلا أنه لم يذكر حفصة في إسناده وقال معمر عن أيوب ثمانية. والأول أصح.
وأخرجه من طريق عبد الوهاب عن أيوب عن محمد بن سيرين أن أباه دعا نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأتوا فيهم أبي بن كعب رضي الله عنه أحسبه قال فبارك وانصرف.
(1) أي أطلق في أحاديث إجابة الدعوة «إذا دعي أحدكم
…
» فلم يحدد.
(2)
أي البخاري. سنن البيهقي (7/ 261) طرح التثريب (7/ 71، 72).
(3)
الفتح (9/ 240).
(4)
في مصنفه (10/ 448 رقم 19665) كتاب الجامع، باب الوليمة.
(5)
في سننه (7/ 261) كتاب الصدقة، باب أيام الوليمة.