الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زهير رضي الله عنه لما أنشد النبي صلى الله عليه وسلم قصيدته -بانت سعاد- رمى إليه ببردة كانت عليه، فلما كان زمن معاوية رضي الله عنه كتب إلى كعب؛ بعنا بردة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرة آلاف درهم. فأبى عليه، فلما مات كعب بعث معاوية إلى أولاده بعشرين ألف درهم، وأخذ منهم البردة التي هي عند الخلفاء آل العباس، وهكذا قال خلائق آخرون.
وأما الذهبي فقال في تاريخه: أما البردة التي عند الخلفاء آل العباس فقد قال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، في قصة غزوة تبوك: إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أهل أيلة بردة مع كتابه الذي كتب لهم أمانًا لهم، فاشتراها أبو العباس السفاح بثلاثمائة دينار.
قلت: فكانت التي اشتراها معاوية فقدت عند زوال دولة بني أمية.
وأخرج الإمام أحمد بن حنبل في الزهد1، عن عروة بن الزبير رضي الله عنه: أن ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يخرج فيه للوفد رداء حضرمي طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراعان وشبر، فهو عند الخلفاء قد خلق وطووه بثياب تلبس يوم الأضحى والفطر. في إسناده ابن لهيعة.
وقد كانت هذه البردة عند الخلفاء يتوارثونها ويطرحونها على أكتافهم في المواكب جلوسًا وركبوا، وكانت على المقتدر حين قتل، وتلوثت بالدم، وأظن أنها فقدت في فتنة التتار فإنا لله وإنا إليه راجعون.
1 أخرجه أحمد بن حنبل في الزهد "ص: 38".
فصل: في فوائد منثورة تقع في التراجم
ولكن ذكرها في موضع واحد أنسب وأفيد
قال ابن الجوزي: ذكر الصولي أن الناس يقولون، إن كل سادس يقوم للناس يخلع، قال: فتأملت هذا فرأيته عجبًا، اعتقد الأمر لنبينا صلى الله عليه وسلم ثم قام به بعده أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والحسن فخلع؛ ثم معاوية، ويزيد بن معاوية، ومعاوية بن يزيد، ومروان، وعبد الملك بن مروان، وابن الزبير فخلع؛ ثم الوليد، وسليمان، وعمر بن عبد العزيز، ويزيد، وهشام، والوليد فخلع، ثم لم ينتظم لبني أمية أمر، فولي السفاح، والمنصور، والمهدي، والهادي، والرشيد، والأمين فخلع، ثم المأمون، والمعتصم، والواثق، والمتوكل، والمنتصر، والمستعين فخلع، ثم المعتز، والمهتدي، والمعتمد، والمعتضد، والمستكفي، والمقتدر، فخلع مرتين ثم قتل؛ ثم القاهر، والراضي، والمتقي، والمستكفي، والمطيع، والطائع فخلع، ثم القادر، والقائم، والمقتدي، والمستظهر، والمسترشد، والراشد فخلع، هذا آخر كلام ابن الجوزي، قال الذهبي: وما ذكره ينخرم بأشياء:
أحدهما: قوله وعبد الملك، وابن الزبير، وليس الأمر كذلك، بل الزبير خامس، وبعده عبد الملك، أوكلاهما خامس، أو أحدهما خليفة، والآخر خارج؛ لأن ابن الزبير سابق البيعة عليه، وإنما صحت خلافة عبد الملك من حين قتل ابن الزبير.
والثاني: تركه لعدّ يزيد الناقص وأخيه إبراهيم الذي خلع ومروان، فيكون الأمين باعتبار عددهم تاسعًا.
قلت: قد تقدم أن مروان ساقط من العدد؛ لأنه باغ، ومعاوية بن يزيد كذلك؛ لأن ابن الزبير بويع له بعد موت يزيد، وخالف عليه معاوية بالشام فهما واحد، وإبراهيم الذي بعد يزيد الناقص لم يتم له أمر؛ فإن قومًا بايعوه بالخلافة، وآخرين لم يبايعوه، وقوم كانوا يدعونه بالإمارة دون الخلافة، ولم يقم سوى أربعين يومًا أو سبعين يومًا؛ فعلى هذا مروان الحمار سادس؛ لأنه الثاني عشر من معاوية، والأمين بعده سادس.
والثالث: أن الخلع ليس مقتصرًا على كل سادس؛ فإن المتعزر خلع، وكذا القاهر، والمتقي، والمستكفي.
قلت: لا انخرام1 بهذا؛ فإن المقصود أن السادس لابد من خلعه، ولا ينافي هذا كون غيره أيضًا يخلع.
ويقال زيادة على ما ذكره ابن الجوزي: ولي بعد الراشد المقتفي، والمستنجد، والمستضيء، والناصر، والظاهر، والمستنصر، وهو السادس فلم يخلع، ثم المستعصم، وهو الذي قتله التتار، وكان آخر دولة الخلفاء، وانقطعت الخلافة بعده إلى ثلاث سنين ونصف ثم أقيم بعده المستنصر فلم يُقم في الخلافة، بل بويع بمصر، وسار إلى العراق، فصادف التتار فقتل أيضًا، وتعطلت الخلافة بعده سنة، ثم أقيمت الخلافة بمصر، فأولهم الحاكم ثم المستكفي، ثم الواثق، ثم الحاكم، ثم المعتضد، ثم المتوكل وهو السادس فخلع، وولي المعتصم، ثم خلع بعده بخمسة عشر يومًا، وأعيد المتوكل ثم خلع، وبويع الواثق، ثم المعتصم، ثم خلع وأعيد المتوكل، فاستمر إلى أن مات، ثم المستعين، ثم المعتضد، ثم المستكفي، ثم القائم، وهو السادس من المعتصم ومن المعتصم الثاني فخلع، ثم المستنجد خليفة العصر، وهو الحادي والخمسون من خلفاء بني العباس.
فوائد
1-
يقال: لبني العباس فاتحة، وواسطة، وخاتمة؛ فالفاتحة المنصور، والواسطة المأمون، والخاتمة المعتضد.
2-
خلفاء بني العباس كلهم أبناء سرَاري، إلا السفاح، والمهدي، والأمين.
3-
ولم يل الخلافة هاشمي ابن هاشمية إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابنه الحسن، والأمين، قاله الصولي.
1 أي: لا انقطاع.
4-
ولم يل الخلافة من اسمه علي إلا علي بن أبي طالب، وعلي المكتفي.
5-
قال الذهبي: قلت: غالب أسماء الخلفاء أفراد، والمثنى منهم قليل والمتكرر كثير: عبد الله، وأحمد، ومحمد، وجميع ألقاب الخلفاء أفراد إلى المستعصم آخر خلفاء العراقيين. ثم كررت الألقاب في الخلفاء المصريين، فكرر المستنصر، والمستكفي، والواثق، والحاكم، والمعتضد، والمتوكل، والمستعصم، والمستعين، والقائم، والمستنجد، وكلها لم يتكرر غير مرة واحدة إلا المستكفي، والمعتضد فكررا مرة أخرى؛ فتلقب بهما من الخلفاء العباسيين ثلاثة، ولم يتلقب أحد من خلفاء بني العباس بلقب أحد من بني عبيد إلا القائم، والحاكم، والظاهر، والمستنصر، وأما المهدي والمنصور فسبق التلقب به لبني العباس قبل وجود بني عبيد.
قال بعضهم: وما تلقب أحد بالقاهر فأفلح، لا من الخلفاء ولا من الملوك.
قلت: وكذا المستكفي والمستعين، لقب بكل منهما اثنان من بني العباس فخلعا ونفيا.
والمعتضد من أجلّ الألقاب وأبركها لمن يلقب به.
6-
ولم يل الخلافة أحد بعد ابن أخيه إلا المقتفي بعد الراشد، والمستنصر بعد المعتصم، قاله الذهبي.
7-
قال: ولم يل الخلافة ثلاثة إخوة إلا أولاد الرشيد: الأمين، والمأمون، والمعتصم، وأولاد المتوكل: المستنصر، والمعتز، والمعتمد، وأولاد المقتدر: الراضي، والمقتفي، والمطيع.
8-
قال: وولي الأمر من أولاد عبد الملك أربعة، ولا نظير لذلك إلا في الملوك.
قلت: بل له نظير في الخلفاء بعد النبي صلى الله عليه وسلم فولي الخلافة من أولاد المتوكل محمد أربعة، بل خمسة: المستعين، والمعتضد، والمستكفي، والقائم، والمستنجد خليفة العصر.
9-
ولم يل الخلافة أحد في حياة أبيه إلا أبو بكر الصديق، وأبو بكر الطائع بن المطيع، حصل لأبيه فالج فنزل لابنه عنها طوعًا.
10-
قال العلماء: أول من ولي الخلافة وأبوه حي أبو بكر، وهو أول من عهد بها، وأول من اتخذ من بيت المال، وأول من سمى المصحف مصحفًا، وأول من سمّي بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وأول من اتخذ الدرة، وأول من أرّخ من الهجرة، وأول من أمر بصلاة التراويح، وأول من وضع الديوان، وأول من حمى الحمى عثمان، وهو أول من أقطع الإقطاعات أي أكثر من ذلك، وأول من زاد الأذان في الجمعة، وأول من رزق المؤذنين، وأول من أُرتج عليه في الخطبة، وأول من اتخذ صاحب الشرطة، وأول من استخلف وليّ العهد في حياته معاوية، وهو أول من أخذ الخصيان لخدمته، وأول من حملت إليه الرءوس عبد الله بن الزبير، وأول من ضرب اسمه على السكة عبد الملك بن مروان، وأول من منع من ندائه باسمه الوليد بن عبد الملك، وأول ما حدثت الألقاب لبني العباس
وقال ابن فضل الله: زعم بعضهم أن لبني أمية ألقابًا مثل ألقاب بني العباس.
قلت: وكذا ذكر بعض المؤرخين أن لقب معاوية الناصر لدين الله، ولقب يزيد المستنصر، ولقب معاوية ابنه الراجح إلى الحق، ولقب مروان المؤتمن بالله، ولقب عبد الملك الموفق لأمر الله، ولقب ابنه الوليد المنتقم بالله، ولقب عمر بن عبد العزيز المعصوم بالله، ولقب يزيد بن عبد الملك القادر بصنع الله، ولقب يزيد الناقص الشاكر لأنعم الله.
11-
أول ما تفرقت الكلمة في دولة السفاح، وأول خليفة قرّب المنجمين وعمل بأحكام النجوم المنصور، وهو أول خليفة استعمل مواليه في الأعمال وقدّمهم على العرب، أول من أمر بتصنيف الكتب في الرد على المخالفين المهدي، أول من مشت الرجال بين يديه بالسيوف والأعمدة الهادي، أول من لعب بالصوالجة في الميدان الرشيد. أول من دعي وكتب للخليفة بلقبه في أيامه الأمين. وأول من أدخل الأتراك الديوان المعتصم. وأول من أمر بتغيير أهل الذمة زيّهم المتوكل. أول من تحكمت الأتراك في قتله المتوكل، وظهر بذلك تصديق الحديث النبوي كما أخرج الطبراني بسند جيد عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتركوا الترك ما تركوكم؛ فإن أول من يسلب أمتي ملكهم وما خولهم الله بنو قنطوراء"1. أول من أحدث لبس الأكمام الواسعة وصغر القلانس2 المستعين. أول خليفة أحدث الركوب بحلية الذهب المعتز. أول خليفة قهر وحجر عليه ووكل به المعتمد. أول من ولي الخلافة من الصبيان المقتدر.
12-
آخر خليفة انفرد بتدبير الجيوش والأموال الراضي، وهو آخر خليفة له شعر مدون، وآخر خليفة خطب وصلى بالناس دائمًا. وآخر خليفة جالس الندماء. وآخر خليفةكانت نفقته وجوائزه وعطاياه وخدمه وجارياته وخزائنه ومطابخه ومشاربه ومجالسه وحجابه وأموره جارية على ترتيب الخلافة الأولية، وهو آخر خليفة سافر بزيّ الخلفاء القدماء.
13-
أول ما كررت الألقاب من المستنصر الذي تولى بعد المعتصم.
14-
في الأوائل للعسكري: أول خليفة ولي في حياة أمه عثمان بن عفان رضي الله عنه ثم الهادي، ثم الرشيد، ثم الأمين، ثم المتوكل، ثم المنتصر، ثم المستعين، ثم المعتز، ثم المعتضد، ثم المطيع، ولم يل الخلافة في حياة أبيه غير أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وزيد عليه الطائع.
15-
وقال الصولي: لا نعرف امرأة ولدت خليفتين إلا ولادة أم الوليد وسليمان ابني عبد الملك، وشاهين أم يزيد الناقص وإبراهيم ابني الوليد والخيزران أم الهادي والرشيد.
قلت: ويزاد أم العباس، وحمزة، وأم داود وسليمان أولاد المتوكل الأخير.
1 بنو قنطوراء: يقال: إن قنطوراء كانت جارية لإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام ولدت له أولادًا منهم الترك والصين، انظر: النهاية "113/4" قنطر.
2 القلانس: جمع قلنسوه: بفتح القاف وضم السين أو بضمها وكسر السين تلبس في الرأس.
16-
فائدة: المتسمون بالخلافة من العبيديين أربعة عشر: ثلاثة بالمغرب: المهدي والقائم، والمنصور، وأحد عشر بمصر: المعز، والعزيز، والحاكم، والظاهر، والمستنصر والمستعلي، والآمر، والحافظ، والظافر، والفائز، والعاضد.
وكان ابتداء أمر مملكتهم سنة بضع وتسعين ومائتين، وانقراضها في سنة سبع وستين وخمسمائة.
قال الذهبي: وهي الدولة المجوسية واليهودية، لا العلوية، والباطنية لا الفاطمية، وكانوا أربعة عشر متخلفًا، لا مستخلفًا. انتهى.
17-
فائدة: المتسمون بالخلافة من الأمويين بالمغرب كانوا أحسن حالًا من العبيديين بكثير إسلامًا وسنة وعدلًا وفضلًا وعلمًا وجهادًا وغزوًا، وهم كثير حتى إنه اجتمع بالأندلس في عصر واحد ستة كلهم تسمّى بالخلافة.
18-
فائدة: أفرد تواريخ الخلفاء بالتأليف جماعة من المتقدمين: منها تاريخ الخلفاء لنفطويه النحوي، مجلدان، انتهى إلى أيام القاهر. والأوراق للصّوليّ ذكر فيه العباسيين فقط وانتهى إليه.
قلت: وقد وقفت عليه وتاريخ خلفاء بني العباس لابن الجوزي، رأيته أيضًا، انتهى إلى أيام الناصر، وتاريخ الخلفاء لأبي الفضل أحمد بن أبي طاهر المروزي الكاتب أحد فحول الشعراء مات في سنة ثمانين ومائتين، وتاريخ خلفاء بني العباس للأمير أبي موسى هارون بن محمد العباسي.
19-
فائدة: أخرج الخطيب في التاريخ بسنده عن محمد بن عبادة قال: لم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء إلا عثمان بن عفان رضي الله عنه والمأمون.
قلت: وهذا الحصر ممنوع، بل حفظه أيضًا الصديق رضي الله عنه على الصحيح، وصرح به جماعة منهم النووي في تهذيبه، وعلي رضي الله عنه وورد من طريق أنه حفظه كله بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.
20-
فائدة: قال ابن الساعي: حضرت مبايعة الخليفة الظاهر؛ فكان جالسًا في شباك القبة بثياب بيض، وعليه الطرحة، وعلى كتفه بردة النبي صلى الله عليه وسلم والوزير قائم بين يديه على منبر، وأستاء الدار دونه بمرقاة وهو يأخذ البيعة على الناس. ولفظ المبايعة: أبايع سيدنا ومولانا الإمام المفترض الطاعة على جميع الأنام أبا نصر محمدًا الظاهر بأمر الله، على كتاب الله وسنة نبيه واجتهاد أمير المؤمنين، وأن لا خليفة سواه، انتهى.