الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ستين، فكانت خلافته دون ستة أشهر، وتولى بعده بسنة الحاكم الذي كان بويع بحلب في حياته.
الحاكم بأمر الله أبو العباس بن الحسن
1
الحاكم بأمر الله: أبو العباس أحمد بن أبي علي الحسن بن أبي بكر بن الحسن بن علي القبي -بضم القاف وتشديد الباء الموحدة- ابن الخليفة المسترشد بالله بن المستظهر بالله.
كان قد اختفى وقت أخذ بغداد ونجا، ثم خرج منها وفي صحبته جماعة، فقصد حسين بن فلاح أمير بني خفاجة، فأقام عنده مدة، ثم توصل مع العربي إلى دمشق، وأقام عند الأمير عيسى بن مهنا مدة، فطالع به الناصر صاحب دمشق، فأرسل يطلبه فبغته مجيء التتار، فلما جاء الملك المظفر دمشق سير في طلبه الأمير قلج البغدادي، فأجمع به وبايعه بالخلافة وتوجه في خدمته جماعة من أمراء العرب، فافتتح الحاكم غانة بهم، والحديثة، وهيت، والأنبار، وصاف التتار، وانتصر عليهم، ثم كاتبه علاء الدين طيبرس نائب دمشق يومئذ والملك الظاهر يستدعيه، فقدم دمشق في صفر، فبعثه إلى السلطان، وكان المستنصر بالله قد سبقه بثلاثة أيام إلى القاهرة، فما رأى أن يدخل إليها خوفًا من أن يمسك، فرجع إلى حلب فبايعه صاحبها ورؤساؤها منهم عبد الحليم بن تيمية، وجمع خلقًا كثيرًا، وقصد غانة، فلما رجع المستنصر وافاه بغانة، فانقاد الحاكم له ودخل تحت طاعته، فلما عدم المستنصر في الوقعة المذكورة في ترجمته قصد الحاكم الرحبة وجاء إلى عيسى بن مهنا، فكاتب الملك الظاهر بيبرس فيه، فطلبه، فقدم إلى القاهرة ومعه ولده وجماعة، فأكرمه الملك الظاهر وبايعوه بالخلافة، وامتدت أيامه، وكانت خلافته نفيًا وأبعين سنة، وأنزله الملك الظاهر بالبرج الكبير بالقلعة وخطب بجامع القلعة مرات.
قال الشيخ قطب الدين: في يوم الخميس ثامن المحرم سنة إحدى وستين جلس السلطان مجلسًا عامًّا، وحضر الحاكم بأمر الله راكبًا إلى الإيواء الكبير بقلعة الجبل، وجلس مع السلطان، وذلك بعد ثبوت نسبه، فأقبل عليه السلطان وبايعه بإمرة المؤمنين، ثم أقبل هو على السلطان وقلده الأمور، ثم بايعه الناس على طبقاتهم، فلما كان من الغد يوم الجمعة خطب خطبة ذكر فيها الجهاد والإمامة، وتعرض إلى ما جرى من هتك حرمة الخلافة، ثم قال وهذا السلطان الملك الظاهر قد قام بنصر الإمامة عند قلة الأنصار، وشرد جيوش الكفر بعد أن جاسوا خلال الديار، وأول الخطبة: الحمد الله الذي أقام لآل العباس ركنا وطيدًا ثم كتب بدعوته إلى الآفاق.
وفي هذه السنة وبعدها تواتر مجيء جماعة من التتار مسلمين مستأمنين، فأعطوا أخبازًا وأرزاقًا، فكان ذلك مبدأ كفاية شرهم.
1 تولى الخلافة سنة 661هـ، وحتى 701هـ.
وفي سنة اثنتين وستين فرغت المدرسة الظاهرية بين القصرين وولي بها تدريس الشافعية التقي ابن رزين، وتدريس الحديث الشريف الدمياطي، وفيها زلزلت مصر زلزلة عظيمة.
وفي سنة ثلاث وستين انتصر سلطان المسلمين بالأندلس أبو عبد الله بن الأحمر على الفرنج، واسترجع من أيديهم اثنتين: من جملتها إشبيلية ومرسية.
وفيها كثر الحريق بالقاهرة في عدة مواضع، ووجدت لفائف فيها النار والكبريت على الأسطحة، وفيها حضر السلطان بحر أشمون، وعمل فيه بنفسه والأمراء، وفيها مات طاغية التتار هولاكو، وملك بعده ابنه أبغا.
وفيها سلطن السلطان ولده الملك السعيد وعمره أربع سنين، وركبه بأبهة الملك في قلعة الجبل، وحمل الغاشية بنفسه بين يدي ولده من باب السر إلى باب السلسلة، ثم عاد وركب إلى القاهرة والأمراء مشاة بين يديه.
وفيها جدد بالديار المصرية القضاة الأربعة، من كل مذهب قاضٍ، وسبب ذلك توقف القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز عن تنفيذ كثير من الأحكام، وتعطلت الأمور، وأبقى للشافي النظر في أموال الأيتام، وأمور بيت المال، ثم فعل ذلك بدمشق.
وفي رمضان منها حجب السلطان الخليفة، ومنعه الناس لكون أصحابه كانوا يخرجون إلى البلد ويتكلمون في أمر الدولة.
وفي سنة خمس وستين وستمائة أمر السلطان بعمل الجامع بالحسنية، وتم في سنة سبع وستين، وقرر له خطيب حنفي.
وفي سنةأربع وسبعين وجه السلطان جيشًا إلى النوبة ودنقلة، فانتصروا وأسر ملك النوبة، وأرسل به إلى الملك الظاهر، ووضعت الجزية على أهل دنقلة، ولله الحمد.
قال الذهبي: وأول ما غزيت النوبة في سنة إحدى وثلاثين من الهجرة، غزاها عبد الله بن أبي سرح في خمسة آلاف فارس ولم يفتحها، فهادنهم ورجع، ثم غزيت في زمن هشام، ولم تفتح، ثم في زمن المنصور، ثم غزاها تكن الزنكي، ثم كافور الإخشيدي، ثم ناصر الدولة ابن حمدان، ثم توران شاه أخو السلطان صلاح الدين في سنة ثمانٍ وستين وخمسمائة، ولم تفتح إلا هذا العام، وقال في ذلك ابن عبد الظاهر:
هذا هو الفتح لا شيء سمعت به
…
في شاهد العين لا ما في الأسانيد
وفي سنة ست وسبعين مات الملك الظاهر بدمشق في المحرم، واستقل ابنه الملك السعيد محمد بالسلطنة وله ثماني عشرة سنة.
وفيها جمع التقي ابن رزين بين قضاة مصر والقاهرة، وكان قضاء مصر قبل ذلك مفردًا عن قضاء القاهرة، ثم لم يفرد بعد ذلك قضاء مصر عن قضاة القاهرة.
وفي سنة ثمانٍ وسبعين خلع الملك السعيد من السلطنة، وسير إلى الكرك سلطانًا بها، فمات من عامه، وولوا مكانه بمصر أخاه بدر الدين سلامش -وله سبع سنين- ولقبوه بالملك
العادل وجعلوا أتابكه الأمير سيف الدين قلاوون وضرب السكة باسمه على وجه، ودعي لهما في الخطبة، ثم في رجب نزع سلامش من السلطنة بغير نزاع، وتسلطن قلاوون ولقب بالملك المنصور.
وفي سنة تسع وسبعين يوم عرفة وقع بديار مصر برد كبار وصواعق.
وفي سنة ثمانين وصل عسكر التتار إلى الشام، وحصل الرجيف، فخرج السلطان لقتالهم ووقع المصاف، وحصل مقتلة عظيمة، ثم حصل النصر للمسلمين والحمد لله.
وفي سنة ثمانٍ وثمانين أخذ السلطان طرابلس بالسيف، وكانت في أيدي النصارى من سنة ثلاث وخمسمائة إلى الآن، وكان أول فتحها في زمن معاوية، وأنشأ التاج ابن الأثير كتابًا بالبشارة بذلك إلى صاحب اليمن يقول فيه: وكانت الخلفاء والملوك في ذلك الوقت ما فيهم إلا من هو مشغول بنفسه، مكب على مجلس أنسه، يرى السلامة غنيمة، وإذا عن له وصف الحرب لم يسأل إلا عن طريق الهزيمة، قد بلغ أمله من الرتبة، وقنع بالسكة والخطبة، أموال تنهب، وممالك تذهب، لا يبالون بما سلبوا، وهم كما قيل:
إن قاتلوا قتلوا، أو طاردوا طردوا
…
أو حاربوا حربوا، أو غالبوا غلبوا
إلى أن أوجد الله من نصر دينه، وأذل الكفر وشياطينه.
وذكر بعضهم أن معنى طرابلس باللسان الرومي ثلاثة حصون مجتمعة.
وفي سنة تسع وثمانين مات السلطان قلاوون في ذي القعدة، وتسلطن ابنه الملك الأشرف صلاح الدين خليل، فأظهر أمر الخليفة، وكان خاملًا في أيام أبيه، حتى إن أباه لم يطلب منه تقليدًا بالملك، فخطب الخليفة بالناس يوم الجمعة، وذكر في خطبته توليته للملك الأشرف أمر الإسلام.
ولما فرغ من الخطبة صلى بالناس قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، ثم خطب الخليفة مرة خطبة أخرى جهادية، وذكر بغداد وحرض على أخذها.
وفي سنة إحدى وتسعين سافر السلطان فحاصر قلعة الروم.
وفي سنة ثلاث وتسعين وستمائة قتل السلطان بتروجة، وسلطنوا أخاه محمد بن المنصور، ولقب بالملك الناصر، وله يومئذ تسع سنين، ثم خلع في المحرم سنة أربع وتسعين، وتسلطن كتبغا المنصوري، وتسمى بالملك العادل.
وفي هذه السنة دخل في الإسلام قازان بن أرغون بن أبغا بن هولاكو ملك التتار وفرح الناس بذلك، وفشا الإسلام في جيشه.
وفي سنة ست وتسعين وستمائة كان السلطان بدمشق، فوثب لاجين على السلطنة وحلف له الأمراء، ولم يختلف عليه اثنان، ولقب الملك المنصور وذلك في صفر، وخلع عليه الخليفة الخلعة السوداء، وكتب له تقليدًا وسير العادل على صرخد نائبًا بها، ثم قتل لاجين في جمادى الآخرة سنة ثمانٍ وتسعين، وأعيد الملك الناصر محمد بن المنصور قلاوون، وكان