الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوالله يا أمير المؤمنين، ما غضب عليهن إذ أبين، ولا أكرهن إذ كرهن، وما أنا بحقيق أن تغضب علي إذ أبيت، وتكرهني إذا كرهت، فضحك وأعفاني.
وأخرج عن خالد بن صفوان قال: وفدت على هشام بن عبد الملك، فقال: هات يابن صفوان: قلت: إن ملكًا من الملوك خرج متنزهًا إلى الخورنق، وكان ذا علم مع الكثرة والغلبة، فنظر وقال لجلسائه: لمن هذا؟ قالوا: للملك، قال: فهل رأيتم أحدًا أعطي مثل ما أعطيت؟ وكان عنده رجل من بقايا حملة الحجة فقال: إنك قد سألت عن أمر، أفتأذن لي بالجواب؟ قال: نعم، قال: أرأيت ما أنت فيه، أشيء لم تزل فيه أم شيء صار إليك ميراثًا وهو زائل عنك إلى غيرك كما صار إليك؟ قال: كذا هو، قال: فتعجب بشيء يسير لا تكون فيه إلا قليلًا، وتنقل عنه طويلًا فيكون عليك حسابًا؟ قال: ويحك فأين المهرب؟ وأين المطلب؟ وأخذته قشعريرة، قال: إما أن تقيم في ملكك فتعمل بطاعة الله بما ساءك وسرك، وإما أن تنخلع من ملكك، وتضع تاجك، وتلقي عنك أطمارك، وتعبد ربك، قال: إني مفكر الليلة وأوافيك السحر، فلما كان السحر قرع عليه بابه فقال: إني اخترت هذا الجبل وفلوات الأرض، وقد لبست على أمساحي، فإن كنت لي رفيقًا لا تخالف، فلزم الجبل حتى ماتا، وفيه يقول عدي بن زياد العبادي:
أيها الشامت المعير بالدهـ
…
ـر أأنت المبرأ الموفور؟
أم لديك العهد الوثيق من الأ
…
يام؟ بل أنت جاهل مغرور
من رأيت المنون خلدن أم من
…
ذا عليه من أن يضام خفير؟
أين كسرى كسرى الملوك أبو سا
…
سان أم أين قبله سابور؟
وبنو الأصفر الكرام ملوك الـ
…
روم، لم يبق منهم مذكور
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجـ
…
لة تجبى إليه والخابور
شاده مرمرًا، وجلله كل
…
سا، فللطير في ذراه وكور
لم يهبه ريب المنون، فبالمـ
…
لك عنه، فبابه مهجور
وتذكر رب الخورنق إذ أشـ
…
ـرف يومًا، وللهدى تذكير
سره ماله، وكثرة ما يمـ
…
ـلك والبحر معرض والسدير
فارعوى قلبه، وقالك وما غبـ
…
ـطة حتى إلى الممات يصير؟
ثم بعد الفلاح والملك والأ
…
مة وارتهموا هناك القبور
ثم طاروا كأنهم ورق جـ
…
ـف فألوت به الصبا والدبور
قال: فبكى هشام حتى اخضلت لحيته، وأمر بابنتيه وطي فرشه، ولزم قصره، فأقبلت الموالي والحشم على خالد بن صفوان وقالوا: ما أردت إلى أمير المؤمنين؟ أفسدت عليه لذته، فقال: إليكم عني، فإني عاهدت الله ألا أخلو بملك إلا ذكرته بالله تعالى.
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
1
الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، الخليفة الفاسق، أبو العباس.
1 تولى الخلافة 125هـ وحتى 126هـ.
ولد سنة تسعين، فلما احتضر أبوه لم يمكنه أن يستخلفه؛ لأنه صبي، فعقد لأخيه هشام، وجعل هذا ولي العهد من بعد هشام، فتسلم الأمر عند موت هشام في ربيع الآخر سنة خمس وعشرين ومائة.
وكان فاسقًا، شريبًا للخمر، منتهكًا لحرمات الله، أراد الحج ليشرب فوق ظهر الكعبة، فمقته الناس لفسقه، وخرجوا عليه فقتل في جمادى الآخرة سنة ست وعشرين.
وعنه أنه لما حوصر قال: ألم أزد في أعطياتكم؟ ألم أرفع عنكم المؤن؟ ألم أعط فقراءكم؟ فقالوا: ما ننقم عليك في أنفسنا، لكن ننقم عليك انتهاك ما حرم الله، وشرب الخمر، ونكاح أمهات أولاد أبيك، واستخفافك بأمر الله.
ولما قتل وقطع رأسه وجيء به يزيد الناقص نصبه على رمح، فنظر إليه أخوه سليمان بن يزيد، فقال: بعدًا له أشهد أنه كان شروبًا للخمر، ماجنًا، فاسقًا، ولد راودني على نفسي.
وقال المعافى الجويري: جمعت شيئًا من أخبار الوليد ومن شعره الذي ضمنه له فجربه من خرقه وسخافته، وما صرح به من الإلحاد في القرآن والكفر بالله.
وقال الذهبي: لم يصح عن الوليد كفر ولا زندقة، بل اشتهر بالخمر والتلوط، فخرجوا عليه لذلك.
وذكر الوليد مرة عند المهدي فقال رجل: كان زنديقًا، فقال المهدي: مه، خلافة الله عنده أجل من أن يجعلها في زنديق.
وقال مروان بن أبي حفصة: كان الوليد من أجمل الناس وأشدهم وأشعرهم.
وقال أبو الزناد: كان الزهري يقدح أبدًا عن هشام في الوليد ويعيبه، ويقول: ما يحل لك إلا خلعه، فما يستطيع هشام، ولو بقي الزهري إلى أن يملك الوليد لفتك به.
وقال الضحاك بن عثمان، أراد هشام أن يخلع الوليد ويجعل العهد لولده، فقال الوليد:
كفرت يدًا من منعم لو شكرتها
…
جزاك بها الرحمن بالفضل والمن
رأيتك تبني جاهدًا في قطيعتي
…
ولو كنت ذا حزم لهدمت ما تبني
أراك على الباقين تجني ضغينة
…
فيا ويحهم إن مت من شر ما تجني
كأني بهم يومًا وأكثر قيلهم
…
ألا ليت أنا حين يا ليت لا تغني
وقال حماد الراوية: كنت يومًا عند الوليد، فدخل عليه منجمان، فقالا: نظرنا فيما أمرتنا فوجدناك تملك سبع سنين، قال حماد: فأردت أن أخدعه فقلت: كذبا ونحن أعلم بالآثار وضروب العلم، وقد نظرنا في هذا فوجدناك تملك أربعين سنة، فأطرق ثم قال: لا ما قالا يكسرني، ولا ما قلت يغرني، والله لأجبين المال من حلة جباية من يعيش الأبد، ولأصرفنه في حقه صرف من يموت الغد. وقد ورد في مسند أحمد حديث: "ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له: الوليد لهو أشد