الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأول سنة تولى مات أشناس الذي كان الواثق استحلفه على السلطنة، وخلف خمسمائة ألف دينار، فأخذها المعتز، وخلع خلعة الملك على محمد بن عبد الله بن طاهر، وقلده سيفين، ثم عزله وخلع خلعة الملك على أخيه -أعني: أخا المعتز أبا أحمد- وتوجه بتاج من ذهب، وقلنسوة مجوهرة، ووشاحين مجوهرين، وقلده سيفين، ثم عزله عن عامه ونفاه إلى واسط، وخلع على بغا الشرابي، وألبسه تاج الملك؛ فخرج على المعتز به سنة، فقتل وجيء إليه برأسه.
وفي رجب من هذه السنة خلع المعتز أخاه المؤيد من العهد، وضربه وقيده فمات بعد أيام، فخشى المعتز أن يتحدث عنه أنه قتله أو احتال عليه، فأحضر القضاة حتى شاهدوه وليس به أثر، وكان المعتز مستضعفًا من الأتراك، فاتفق أن جماعة من كبارهم أتوه وقالوا: يا أمير المؤمنين أعطنا أرزاقنا لنقتل صالح بن وصيف، وكان المعتز يخاف منه، فطلب من أمه مالًا لينفقه فيهم، فأبت عليه وشحت نفسها، ولم يكن بقى في بيوت المال شيء، فاجتمع الأتراك على خلعه، ووافقهم صالح بن وصيف، ومحمد بن بغا، فلبسوا السلاح وجاءوا إلى دار الخلافة، فبعثوا إلى المعتز أن اخرج إلينا، فبعث يقول: قد شربت دواء وأنا ضعيف، فهجم عليه الجماعة، وجروا برجله، وضربوه بالدبابيس، وأقاموه في الشمس في يوم صائف، وهم يلطمون وجهه ويقولون: اخلع نفسك، ثم أحضروا القاضي ابن أبي الشوارب والشهود وخلعوه، ثم أحضروا من بغداد إلى دار الخلافة -وهي يومئذ سامرا- محمد بن الواثق، وكان المعتز قد أبعده إلى بغداد، فسلم المعتز إليه بالخلافة وبايعه، ثم إن الملأ أخذو المعتز بعد خمس ليالٍ من خلعه، فأدخلوه الحمام فلما اغتسل عطش، فمنعوه الماء، ثم أخرج -وهو أول ميت مات عطشًا- فسقوه ماء بثلج، فشربه وسقط ميتًا، وذلك في شهر شعبان المعظم سنة خمس وخمسين ومائتين، واختفت أمه قبيحة، ثم ظهرت في رمضان، وأعطت صالح بن وصيف مالًا عظيمًا، من ذلك ألف ألف دينار وثلثمائة ألف دينار، وسفط فيه مكوك زمرد، وسفط فيه لؤلؤ حب كبار، وكيلجة ياقوت أحمر، وغير ذلك، فقومت السفاط بألفي دينار، فلما رأى ابن وصيف ذلك قال: قبحها الله؛ عرضت ابنها للقتل لأجل خمسين ألف دينار، وعندها هذا، فأخذ الجميع ونفاها إلى مكة، فبقيت بها إلى أن تولى المعتمد، فردها إلى سامرا، وماتت سنة أربع وستين.
مات في أيام المعتز من الأعلام: سري السقطي الزاهد، وهارون بن سعيد الأيلي، والدارمي صاحب المسند، والعتبي صاحب المسائل العتبية في مذهب مالك، وآخرون رحمهم الله تعالى.
المهتدي بالله محمد بن الواثق
1
المهتدي بالله الخليفة الصالح: محمد أبو إسحاق -وقيل: أبو عبد الله- بن الواثق بن المعتصم بن الرشيد
1 تولى الخلافة 252هـ، وحتى 255هـ.
أمه أم ولد تسمى وردة، ولد في خلافة جده سنة بضع عشرة ومائتين، وبويع بالخلافة لليلة بقيت من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين وما قبل بيعته أحد حتى أتى بالمعتز، فقام المهتدي له وسلم عليه بالخلافة، وجلس بين يديه، فجيء بالشهود فشهدوا على المعتز أنه عاجز عن الخلافة، فاعترف بذلك ومد يده فبايع المهتدي، فارتفع حينئذ المهتدي إلى صدر المجلس.
وكان المهتدي أسمر، رقيقًا، مليح الوجه، ورعًا متعبدًا، عادلًا، قويًّا في أمر الله، بطلًا، شجاعًا لكنه لم يجد ناصرًا ولا معينًا.
قال الخطيب: لم يزل صائمًا منذ ولي إلى أن قتل، وقال هاشم بن القاسم: كنت بحضرة المهتدي عشية في رمضان، فوثبت لأنصرف، فقال لي: اجلس، فجلست، وتقدم فصلى بنا، ثم دعا بالطعام، فأحضر طبق خلاف وعليه رغيف من الخبز النقي، وفيه آنية فيها ملح طعام وخل وزيت، ودعاني إلى الأكل، فابتدأت آكل ظانًا أنه سيؤتي بطعام، فنظر إليّ وقال: ألم تك صائمًا؟ قلت: بلى، قال: أفلست عازمًا على الصوم؟ فقلت: كيف لا وهو رمضان؟ فقال: كل واستوف فليس ههنا من الطعام غير ما ترى، فعجبت ثم قلت: ولِمَ يا أمير المؤمنين؛ وقد أسبغ الله نعمته عليك؟! فقال: إن الأمر ما وصفت، ولكني فكرت في أنه كان في بني أمية عمر بن عبد العزيز وكان من التقلل والتقشف على ما بلغك فغرت على بني هاشم، فأخذت نفسي بما رأيت.
وقال جعفر بن عبد الواحد: ذاكرت المهتدي بشيء، فقلت له: كان أحمد بن حنبل يقول به، ولكنه كان يخالف -أشير إلى من مضى من آبائه- فقال: رحم الله أحمد حنبل والله لو جاز لي أن أتبرأ من أبي لتبرأت منه، ثم قال لي: تكلم بالحق وقل به، فإن الرجل يتكلم بالحق فينبل في عيني.
وقال نفطويه: حدثني بعض الهاشميين أنه وجد للمهتدي سفط في جبة صوف وكساء كان يلبسه بالليل ويصلي فيه، وكان قد اطرح الملاهي، وحرم الغناء، وحسم أصحاء السلطان عن الظلم، وكان شديد الإشراف على أمر الدواوين، يجلس بنفسه، ويجلس الكتاب بين يديه، فيعملون الحساب، وكان لا يخل بالجلوس الاثنين والخميس، وضرب جماعة من الرؤساء، ونفى جعفر بن محمود إلى بغداد، وكره مكانه؛ لأنه نسب عنده إلى الرفض.
وقدم موسى بن بغا من الري يريد سامرا لقتل صالح بن وصيف بدم المعتز، وأخذ أموال أمه ومعه جيشه، فصاحت العامة على ابن وصيف: يا فرعون! قد جاءك موسى، فطلب موسى من بغا الإذن على المهتدي، فلم يأذن له، فهجم بمن معه عليه وهو جالس في دار العدل فأقاموه، وحملوه على فرس ضعيفة، وانتهبوا القصر، وأدخلوا المهتدي إلى دار ناجود وهو يقول: يا موسى اتق الله، ويحك! ما تريد؟ قال: والله ما نريد إلا خيرًا، فاحلف لنا ألا تمالئ صالح بن وصيف، فحلف لهم، فبايعوه حينئذ ثم طلبوا صالِحًا ليناظروه على أفعاله، فاختفى، وندبهم المهتدي إلى الصلح فاتهموه أنه يدري مكانه، فجرى