المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطيع لله أبو القاسم - تاريخ الخلفاء

[الجلال السيوطي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مقدمة المحقق

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌خطبة المؤلف وفيها بيان الداعي إل تأليف الكتاب

- ‌فصل: في بيان كونه صلى الله عليه وسلم لم يستخلف وسر ذلك

- ‌فصل: في بيان أن الأئمة من قريش والخلافة فيهم

- ‌فصل: في مدة الخلافة في الإسلام

- ‌فصل: في الأحاديث المنذرة بخلافة بني أمية

- ‌فصل: في الأحاديث المبشرة بخلافة بني العباس

- ‌فصل: في شأن البردة النبوية التي تداولها الخلفاء إلى آخر وقت

- ‌فصل: في فوائد منثورة تقع في التراجم

- ‌الخلفاء الراشدون

- ‌الخليفة الأول: ابو بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌الخليفة الثاني: عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌الخليفة الثالث: عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌الخليفة الرابع: علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌عهد بن أمية

- ‌معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه

- ‌يزيد بن معاوية أبو خالد الأموي

- ‌معاوية بن يزيد

- ‌عبد الله بن الزبير

- ‌عبد الملك بن مروان

- ‌الوليد بن عبد الملك

- ‌سليمان بن عبد الملك

- ‌عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه

- ‌يزيد بن عبد الملك بن مروان

- ‌هشام بن عبد الملك

- ‌الوليد بن يزيد بن عبد الملك

- ‌يزيد الناقص أبو خالد بن الوليد

- ‌إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك

- ‌مروان الحمار

- ‌عهد بني العباس في العراق

- ‌السفاح أول خلفاء بني العباس

- ‌المنصور أبو جعفر عبد الله

- ‌المهدي: أبو عبد الله محمد بن المنصور

- ‌الهادي أبو محمد، موسى بن المهدي

- ‌الرشيد هارون أبو جعفر

- ‌الأمين محمد، أبو عبد الله

- ‌المأمون عبد الله أبو العباس

- ‌المعتصم بالله أبو إسحاق محمد بن الرشيد

- ‌الواثق بالله هارون

- ‌المتوكل على الله جعفر

- ‌المنتصر بالله محمد أبو جعفر

- ‌المستعين بالله أبو العباس

- ‌المعتز بالله محمد

- ‌المهتدي بالله محمد بن الواثق

- ‌المعتمد على الله أبو العباس

- ‌المعتضد بالله أحمد

- ‌المكتفي بالله أبو محمد

- ‌المقتدر بالله أبو الفضل

- ‌القاهر بالله أبو منصور

- ‌الراضي بالله أبو العباس

- ‌المتقي لله أبو إسحاق

- ‌المستكفي بالله أبو القاسم

- ‌المطيع لله أبو القاسم

- ‌الطائع لله أبو بكر

- ‌القادر بالله أبو العباس

- ‌القائم بأمر الله أبو جعفر

- ‌المقتدي بأمر الله أبو القاسم

- ‌المستظهر بالله أبو العباس

- ‌المسترشد بالله أبو منصور

- ‌الراشد بالله أبو جعفر

- ‌المقتفي لأمر الله أبو عبد الله

- ‌المستنجد بالله أبو المظفر

- ‌المستضيء بأمر الله الحسن

- ‌الناصر لدين الله أحمد

- ‌الظاهر بأمر الله أبو نصر

- ‌المستنصر بالله

- ‌المستعصم بالله أبو أحمد بن المستنصر بالله

- ‌العباسيون في مصر:

- ‌المستنصر بالله أحمد بن الظاهر بأمر الله

- ‌الحاكم بأمر الله أبو العباس بن الحسن

- ‌المستكفي بالله أبو الربيع بن الحاكم بأمر الله

- ‌الواثق بالله إبراهيم بن المستمسك

- ‌الحاكم بأمر الله أبو العباس بن المستكفي

- ‌المعتضد بالله أبو الفتح بن المستكفي بالله

- ‌المتوكل على الله أبو عبد الله بن المعتضد

- ‌الواثق بالله عمر بن إبراهيم

- ‌المستعصم بالله زكرياء بن إبراهيم

- ‌المستعين بالله أبو الفضل بن المتوكل

- ‌المعتضد بالله أبو الفتح بن المتوكل

- ‌المستكفي بالله أبو الربيع بن المتوكل

- ‌القائم بأمر الله أبو البقاء بن المتوكل

- ‌المستنجد بالله خليفة العصر أبو المحاسن

- ‌المتوكل على الله أبو العز بن يعقوب

- ‌قصيدة للمؤلف فيها أسماء الخلفاء ووفياتهم

- ‌نبذة عن الدول التي قامت بالأندلس

- ‌فصل في الدولة الخبيثة العبيدية: "الفاطمية

- ‌فصل في دولة بني طباطبا العلوية الحسنية

- ‌فصل في الدولة الطبرستانية

- ‌الفهرس العام

الفصل: ‌المطيع لله أبو القاسم

ولاد النحوي، وآخرون.

ولما بلغ القاهر أنه سمل قال: صرنا اثنين نحتاج إلى ثالث، فكان كذلك، سمل المستكفي.

ص: 286

‌المستكفي بالله أبو القاسم

1

المستكفي بالله: أبو القاسم عبد الله بن المكتفي بن المعتضد، أمه أم ولد اسمها أملح الناس، بويع بالخلافة عند خلع المتقي، في صفر سنة ثلاث وثلاثين وعمره إحدى وأربعون سنة، ومات تورون في أيامه، ومعه كاتبه أبو جعفر بن شيرزاد فطمع في المملكة، وحلف العساكر لنفسه، فخلع عليه الخليفة، ثم دخل أحمد بن بويه بغداد فاختفى ابن شيرزاد، ودخل ابن بويه دار الخلافة، فوقف بين يدي الخليفة فخلع عليه ولقبه: معز الدولة، ولقب أخاه عليًّا: عماد الدولة، وأخاهما الحسن: ركن الدولة، وضرب ألقابهم على السكة، ولقب المستكفي نفسه: إمام الحق، وضرب ذلك على السكة، ثم إن معز الدولة قوي أمره وحجر على الخليفة، وقدر له كل يوم برسم النفقة خمسة آلاف درهم فقط، وهو أول من ملك العراق من الديلم، وأول من أظهر السعاة ببغداد، وأغرى المصارعين والسباحين، فانهمك شباب بغداد في تعلم المصارعة والسباحة، حتى صار السباح يسبح وعلى يده كانون وفوقه قدرة، فيسبح حتى ينضج اللحم.

ثم إن معز الدولة تخيل من المستكفي، فدخل عليه في جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين فوقف -والناس وقوف على مراتبهم- فتقدم اثنان من الديلم إلى الخليفة فمد يديه إليهما ظنًّا أنهما يريدان تقبيلها، فجذباه من السرير حتى طرحاه إلى الأرض، وجراه بعمامته، وهاجم الديلم دار الخلافة إلى الحرم ونهبوها، فلم يبق فيها شيء، ومضى معز الدولة إلى منزله، وساقوا المستكفي ماشيًا إليه، وخلع، وسملت عيناه يومئذ، وكانت خلافته سنة وأربعة أشهر، وأحضروا الفضل بن المقتدر وبايعوه، ثم قدموا ابن عمه المستكفي، فسلم عليه بالخلافة، وأشهد على نفسه بالخلع، ثم سجن إلى أن مات سنة ثمانٍ وثلاثين وثلاثمائة وله ست وأربعون سنة وشهران وكان يتظاهر بالتشيع.

1 تولى الخلافة سنة 333 هـ وحتى 334هـ.

ص: 286

‌المطيع لله أبو القاسم

1

المطيع لله: أبو القاسم الفضل بن المعتضد، أمه أم ولد اسمها شغلة ولد سنة إحدى وثلاثمائة، وبويع له بالخلافة، عند خلع المستكفي في جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، وقرر له معز الدولة كل يوم نفقة مائة دينار فقط.

وفي هذه السنة من خلافته اشتد الغلاء ببغداد حتى أكلوا الجيف، والروث وماتوا على الطرق، وأكلت لحومهم، وبيع العقار بالرغفان، ووجدت الصغار مشوية مع المساكين، واشترى لمعز الدولة كر دقيق بعشرين ألف درهم، والكر سبعة عشر قنطارًا بالدمشقي.

وفيها وقع بين معز والدولة وبين ناصر الدولة ابن حمدان فخرج لقتاله ومعه المطيع، ثم

1 تولى الخلافة سنة 334 هـ وحتى 363هـ.

ص: 286

رجع والمطيع معه كالأسير، وفيها مات الإخشيد صاحب مصر وهو محمد بن طفج الفرغاني، والإخشيد ملك الملوك، وهو لقب لكن من ملك فرغانة كما أن الأصبهذ لقب ملك طبرستان، وصول ملك جرجان، وخاقان ملك الترك، والأفشين ملك أشرو سنة، وسامان ملك سمرقند، وكان الإخشيد شجاعًا مهيبًا، ولي مصر من قبل القاهر، وكان له ثمانية آلاف مملوك، وهو أستاذ كافور، وفيها مات القائم العبيدي صاحب المغرب، وقام بعده ولي عهده ابنه المنصور بالله إسماعيل، وكان القائم شرًّا من أبيه، زنديقًا ملعونًا، أظهر سب الأنبياء، وكان مناديه ينادي: العنوا الغار وما حوى، وقتل خلقًا من العلماء.

وفي سنة خمس وثلاثين جدد معز الدولة الأيمان بينه وبين المطيع، وأزال عنه التوكيل، وأعاده إلى دار الخلافة.

وفي سنة ثمانٍ وثلاثين سأل معز الدولة أن يشرك مع في الأمر أخاه علي بن بويه عماد الدولة، ويكون من بعده، فأجابه المطيع، ثم لم ينشب أن مات عماد الدولة من عامه، فأقام المطيع أخاه ركن الدولة والد عضد الدولة.

وفي سنة تسع وثلاثين أعيد الحجر الأسود إلى موضعه، وجعل له طوق فضة يشد به، ووزنه ثلاثة آلاف وسبعمائة وستون درهمًا ونصف.

وقال محمد بن نافع الخزاعي: تأملت الحجر الأسود -وهو مقلوع- فإذا السواد في رأسه فقط، وسائره أبيض، وطوله قدر عظم الذراع.

وفي سنة إحدى وأربعين ظهر قوم من التناسخية فيهم شاب يزعم أن روح علي انتقلت إليه، وامرأته تزعم أن روح فاطمة انتقلت إليها، وآخر يدعي أنه جبريل، فضربوا، فتعززوا بالانتماء إلى أهل البيت، فأمر معز الدولة بإطلاقهم لميله إلى أهل البيت؛ فكان هذا من أفعاله الملعونة، وفيها مات المنصور العبيدي صاحب المغرب بالمنصورية التي مصرها، وقام بالأمر ولي عهده ابنه معد، ولقب بالمعز لدين الله -وهو الذي بنى القاهرة- وكان المنصور حسن السيرة بعد أبيه وأبطل المظالم فأحبه الناس، وأحسن أيضًا ابنه السيرة، وصفت له المغرب.

وفي سنة ثلاث وأربعين خطب صاحب خراسان للمطيع، ولم يكن خطب له قبل ذلك، فبعث إليه المطيع اللواء والخلع.

وفي سنة أربع وأربعين زلزلت مصر زلزلة صعبة هدمت البيوت ودامت ثلاث ساعات، وفزع الناس إلى الله بالدعاء.

وفي سنة ست وأربعين نقص البحر ثمانين ذراعًا، وظهر فيه جبال وجزائر وأشياء لم تعهد، وكان بالري ونواحيها زلازل عظيمة، وخسف ببلد الطالقان، ولم يفلت من أهلها إلا نحو ثلاثين رجلًا، وخسف بمائة وخمسين قرية من قرى الري، واتصل الأمر إلى حلوان فخسف بأكثرها، وقذفت الأرض عظام الموتى، وتفجرت منها المياه، وتقطع بالري جبل، وعلقت قرية بين السماء والأرض بمن فيها نصف النهار، ثم خسف بها وانخرقت الأرض خروقًا عظيمة، وخرج منها مياه منتنة ودخان عظيم، هكذا نقل ابن الجوزي.

وفي سنة سبع وأربعين عادت الزلائل بقم وحلوان والجبال، فأتلفت خلقًا عظيمًا، وجاء جراد طبق الدنيا، فأتى على جميع الغلات والأشجار.

ص: 287

وفي سنة خمسين بنى معز الدولة ببغداد دارًا هائلة عظيمة أساسها في الأرض ستة وثلاثون ذراعًا، وفيها قلد القضاء أبا العباس عبد الله بن الحسن بن أبي الشوارب، وركب بالخلع من دار معز الدولة وبين يديه الدبادب، والبوقات، وفي خدمته الجيش، وشرط على نفسه أن يحمل في كل سنة إلى خزانة معز الدولة مائتي ألف درهم، وكتب عليه بذلك سجلًا، وامتنع المطيع من تقلده ومن دخوله عليه، وأمر أن لا يمكن من الدخول إليه أبدًا.

وفيها ضمن معز الدولة الحسبة ببغداد والشرطة، وكل ذلك عقب ضعفه ضعفها وعوفي منها، فلا كان الله عافاه، وفيها أخذت الروم جزيرة إقريطش من المسلمين، وكانت فتحت في حدود الثلاثين والمائتين وفيها توفي صاحب الأندلس الناصر لدين الله، وقام بعده ابنه الحاكم.

وفي سنة إحدى وخمسين كتبت الشيعة ببغداد على أبواب المساجد لعنة معاوية، ولعنة من غصب فاطمة حقها من فدك، ومن منع الحسن أن يدفن مع جده، ولعنة من نفى أبا ذر، ثم إن ذلك محي في الليل، فأراد معزل الدولة أن يعيده فأشار عليه الوزير المهلبي أن يكتب مكان ما محي: لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصرحوا بلعنة معاوية فقط.

وفي سنة اثنتين وخمسين يوم عاشوراء ألزم معز الدولة الناس بغلق الأسواق ومنع الطباخين من الطبيخ ونصبوا القباب في الأسواق، وعلقوا عليها المسوح، وأخرجوا النساء منتشرات الشعور يلطمن في الشوارع ويقمن المآتم على الحسين، وهذا أو يوم نيح عليه فيه ببغداد، واستمرت هذه البدعة سنين، وفي ثاني عشر ذي الحجة منها عمل عيد غدير خم، وضربت الدبادب، وفي هذه السنة بعث بعض بطارقة الأرمن إلى ناصر الدولة ابن حمدان رجلين ملتصقين عمرهما خمس وعشرون سنة، والالتصاق في الجنب، ولهما بطنان وسرتان، ومعدتان، ويختلف أوقات جوعهما وعطشهما وبولهما، ولكل واحد كفان، وذراعان ويدان وفخذان، وساقان، وإحليلان، وكان أحدهما يميل إلى النساء والآخر يميل إلى المرد، ومات أحدهما وبقى أياما وأخوه حي فأنتن، وجمع ناصر الدولة الأطباء على أن يقدروا على فصل الميت، من الحي، فلم يقدروا، ثم مرض الحي من رائعة الميت ومات.

وفي سنة أربع وخمسين ماتت أخت معز الدولة، فنزل المطيع في طيارة إلى دار معز الدولة يعزيه، فخرج إليه معز الدولة، ولم يكلفه الصعود من الطيارة، وقبل الأرض مرات، ورجع الخليفة إلى داره، وفيها بنى يعقوب ملك الروم قيسارية قريبًا من بلاد المسلمين، وسكنها ليغير كل وقت. وفي سنة ست وخمسين مات معز الدولة، فأقيم ابنه بختيار مكانه في السلطة ولقبه المطيع: عز الدولة.

وفي سنة سبع ملك القرامطة دمشق، ولم يحج أحد فيها لا من الشام ولا من مصر، وعزموا على قصد مصر ليملكوها، فجاء العبيديون فأخذوها، وقامت دولة الرفض في الأقاليم: المغرب، ومصر، والعراق، وذلك أن كافور الإخشيدي صاحب مصر لما مات اختل النظام وقلت الأموال على الجند، فكتب جماعة إلى المعز يطلبون منه عسكرًا ليسلموا إليه مصر، فأرسل مولاه جوهرًا القائد في مائة ألف فارس، فملكها ونزل موضع القاهرة اليوم واختطها، وبنى دار الإمارة للمعز، وهي المعروفة الآن بالقصرين، وقطع خطبة بني

ص: 288

العباس، وألبس الخطباء البياض، وأمر أن يقال في الخطبة: اللهم صلّ على محمد المصطفى، وعلى علي المرتضى، وعلى فاطمة البتول، وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول، وصلّ على الأئمة آباء أمير المؤمنين المعزل بالله، وذلك كله في شهر شعبان سنة ثمانٍ وخمسين. في ثم ربيع الآخر سنة تسع وخمسين أذنوا في مصر بـ: حي على خير العمل، وشرعوا في بناء الجامع الأزهر، ففرغ في رمضان سنة إحدى وستين.

وفي سنة تسع وخمسين انقض بالعراق كوكب عظيم أضاءت منه الدنيا حتى صار كأنه شعاع الشمس، وسمع بعد انقضاضه صوت كالرعد الشديد.

وفي سنة ستين أعلن المؤذنون بدمشق في الأذان بـ: حي على خير العمل، بأمر من جعفر بن فلاح نائب دمشق للمعز بالله، ولم يجسر أحد على مخالفته.

وفي سنة اثنتين وستين صادر السلطان بختيار المطيع، فقال المطيع: أنا ليس لي غير الخطبة فإن أحببتم اعتزلت، فشدد عليه حتى باع قماشه، وحمل أربعمائة ألف درهم وشاع في الألسنة أن الخليفة صودر، وفيها قتل رجل من أعوان الموالي ببغداد، فبعث الوزير أبو الفضل الشيرازي من طرح النار من النحاسين إلى السماكين، فاحترق حريق عظيم لم ير مثله، واحترقت الأموال وأناس كثيرون في الدور والحمامات، وهلك الوزير من عامه، ولا رحمه الله!. وفي رمضان من هذه السنة دخل المعز إلى مصر ومعه توابيت آبائه.

وفي سنة ثلاث وستين قلد المطيع القضاء أبا الحسن محمد ابن أم شيبان الهاشمي بعد تمنع، وشرط لنفسه شروطًا، منها: أن لا يرتزق على القضاء، ولا يخلع عليه، ولا يشفع إليه فيما يخالف الشرع، وقرر لكاتبه في كل شهر ثلاثمائة درهم، ولحاجبه مائة وخمسين، للفارض على بابه مائة، ولخازن ديوان الحكم والأعوان ستمائة، وكتب له عهد صورته:

هذا ما عهد به عبد الله الفضل المطيع لله أمير المؤمنين إلى محمد بن صالح الهاشمي، حين دعاه إلى ما يتولاه من القضاء بين أهل مدينة السلام مدينة المنصور، والمدينة الشرقية من الجانب الشرقي، والجانب الغربي، والكوفة، وسقى الفرات وواسط، وكرخي، وطريق الفرات، ودجلة، وطريق خراسان، وحلوان، وقرميسين، وديار ربيعة، وديار بكر، والموصل، والحرمين، واليمين، ودمشق، وحمص، وجند قنسرين، والعواصم، ومصر، والإسكندرية، وجند فلسطين، والأردن، وأعمال ذلك كلها، ومن يجري من ذلك من الأشراف على من يختاره من العباسيين بالكوفة، وسقى الفرات وأعمال ذلك وما قلده إياه من قضاء القضاة، وتصفح أحوال الحكام، والاستشراف على ما يجري عليه أمر الأحكام من سائر النواحي، والأمصار التي تشتمل عليها المملكة، وتنتهي إليها الدعوة وإقرار من يحمد هديه وطريقه، والاستبدال بمن يذم شيمته وسجيته، احتياطًا للخاصة والعامة، وحنوا على الملة والذمة، عن علم بأنه المقدم في بيته وشرفه، المبرز في عفافته، الزكي في دينه وأمانته، الموصوف في ورعه ونزاهته، المشار إليه بالعلم والحجى، المجمع عليه في الحلم والنهى البعيد من الأدناس، اللابس من التقى أجمل اللباس، النقي الحبيب المحبو بصفاء الغيب، العالم بمصالح الدنيا، العارف بما يفسد سلامة العقبى، أمره بتقوى الله فإنها الجنة الواقية، وليجعل كتب الله في كل ما يعمل فيه رويته، ويرتب عليه حكمه وقضيه، إمامه

ص: 289

الذي يفزع إليه، وأن يتخذ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم منارًا يقصده، ومثالًا يتبعه، وأن يراعي الإجماع، وأن يقتدي بالأئمة الراشدين، وأن يعمل اجتهاده فيما لا يوجد فيه كتاب ولا سنة ولا إجماع، وأن يحضر مجلسه من يستظهر بعمله ورأيه، وأن يسوي بين الخصمين إذا تقدما إليه في لحظة ولفظه، ويوفي كلًا منهما من إنصافه وعدله، وحتى يأمن الضعيف حيفه، وييأس القوي من ميله، وأمره أن يشرف على أعوانه وأصحابه، ومن يعتمد عليه من أمنائه وأسبابه، إشرافًا يمنع من التخطي إلى السيرة المحظورة، ويدفع عن الإسفاف إلى المكاسب المحجورة. وذكر من هذا الجنس كلامًا طويلًا.

قلت: كان الخلفاء يولون القاضي المقيم ببلدهم القضاء بجميع الأقاليم والبلاد التي تحت ملكهم، ثم يستنيب القاضي من تحت أمره من شاء في كل إقليم وفي كل بلد؛ ولهذا كان يلقب قاضي القضاة، ولا يلقب به إلا من هو بهذه الصفة، ومن عداه بالقاضي فقط أو قاضي بلد كذا وأما الآن فصار في البلد الواحد أربعة مشتركون، كل منهم يلقب قاضي القضاة، ولعل آحاد نواب أولئك كان في حكمه أضعاف ما كان في حكم الواحد من قضاة القضاة الآن، ولقد كان قاضي القضاة إذ ذاك أوسع حكمًا من سلاطين هذا الزمان.

وفي هذه السنة -أعني: سنة ثلاث وستين- حصل للمطيع فالج، وثقل لسانه فدعاه حاجب عز الدولة الحاجب سبكتكين إلى خلع نفسه، وتسليم الأمر إلى ولده الطائع لله، ففعل، وعقد له الأمر في يوم الأربعاء ثالث عشر ذي القعدة، فكانت مدة خلافة المطيع تسعًا وعشرين سنة وأشهرًا، وأثبت خلعه على القاضي ابن أم شيبان، وصار بعد خلعه يسمى الشيخ الفاضل قال الذهبي: كان المطيع وابنه مستضعفين مع بني بويه، ولم يزل أمر الخلفاء في ضعف إلى أن استخلف المقتفي لله، فانصلح أمر الخلافة قليلًا، وكان دست الخلافة لبني عبيد الرافضة بمصر أميز، وكلمتهم أنفذ ومملكتهم تناطح مملكة العباسيين في وقتهم، وخرج المطيع إلى واسط مع ولده، فمات في المحرم سنة أربع وستين، قال ابن شاهين: خلع نفسه غير مكره فيما صح عندي، قال الخطيب: حدثني محمد بن يوسف القطان، سمعت أبا الفضل التميمي، سمعت المطيع لله، سمعت شيخي ابن منيع، سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا مات أصدقاء الرجل ذل.

وممن مات في أيام المطيع من الأعلام: الخرقي شيخ الحنابلة، وأبو بكر الشبلي الصوفي، وابن القاص إمام الشافعية، وأبو رجاء الأسواني، وأبو بكر الصولي، والهيثم بن كليب الشاشي، وأبو الطيب الصعلوكي، وأبو جعفر النحاس النحوي، وأبو نصر الفارابي، وأبو إسحاق المروزي إمام الشافعية، وأبو القاسم الزجاج النحوي، والكرخي شيخ الحنفية، والدينوري صاحب المجالسة، وأبو بكر الضبعي، والقاضي أبو القاسم التنوخي، وابن الحداد صاحب الفروع، وأبو علي بن أبي هريرة من كبار الشافعية، وأبو عمر الزاهد، والمسعودي صاحب مروج الذهب، وابن درستويه، وأبو علي الطبري أول من جرد الخلاف، والفاكهي صاحب تاريخ مكة، والمنتهى الشاعر، وابن حبان صاحب الصحيح، وابن شعبان من أئمة المالكية، وأبو علي القالي، وأبو الفرج صاحب الأغاني.

ص: 290