المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المهدي: أبو عبد الله محمد بن المنصور - تاريخ الخلفاء

[الجلال السيوطي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مقدمة المحقق

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌خطبة المؤلف وفيها بيان الداعي إل تأليف الكتاب

- ‌فصل: في بيان كونه صلى الله عليه وسلم لم يستخلف وسر ذلك

- ‌فصل: في بيان أن الأئمة من قريش والخلافة فيهم

- ‌فصل: في مدة الخلافة في الإسلام

- ‌فصل: في الأحاديث المنذرة بخلافة بني أمية

- ‌فصل: في الأحاديث المبشرة بخلافة بني العباس

- ‌فصل: في شأن البردة النبوية التي تداولها الخلفاء إلى آخر وقت

- ‌فصل: في فوائد منثورة تقع في التراجم

- ‌الخلفاء الراشدون

- ‌الخليفة الأول: ابو بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌الخليفة الثاني: عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌الخليفة الثالث: عثمان بن عفان رضي الله عنه

- ‌الخليفة الرابع: علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌عهد بن أمية

- ‌معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه

- ‌يزيد بن معاوية أبو خالد الأموي

- ‌معاوية بن يزيد

- ‌عبد الله بن الزبير

- ‌عبد الملك بن مروان

- ‌الوليد بن عبد الملك

- ‌سليمان بن عبد الملك

- ‌عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه

- ‌يزيد بن عبد الملك بن مروان

- ‌هشام بن عبد الملك

- ‌الوليد بن يزيد بن عبد الملك

- ‌يزيد الناقص أبو خالد بن الوليد

- ‌إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك

- ‌مروان الحمار

- ‌عهد بني العباس في العراق

- ‌السفاح أول خلفاء بني العباس

- ‌المنصور أبو جعفر عبد الله

- ‌المهدي: أبو عبد الله محمد بن المنصور

- ‌الهادي أبو محمد، موسى بن المهدي

- ‌الرشيد هارون أبو جعفر

- ‌الأمين محمد، أبو عبد الله

- ‌المأمون عبد الله أبو العباس

- ‌المعتصم بالله أبو إسحاق محمد بن الرشيد

- ‌الواثق بالله هارون

- ‌المتوكل على الله جعفر

- ‌المنتصر بالله محمد أبو جعفر

- ‌المستعين بالله أبو العباس

- ‌المعتز بالله محمد

- ‌المهتدي بالله محمد بن الواثق

- ‌المعتمد على الله أبو العباس

- ‌المعتضد بالله أحمد

- ‌المكتفي بالله أبو محمد

- ‌المقتدر بالله أبو الفضل

- ‌القاهر بالله أبو منصور

- ‌الراضي بالله أبو العباس

- ‌المتقي لله أبو إسحاق

- ‌المستكفي بالله أبو القاسم

- ‌المطيع لله أبو القاسم

- ‌الطائع لله أبو بكر

- ‌القادر بالله أبو العباس

- ‌القائم بأمر الله أبو جعفر

- ‌المقتدي بأمر الله أبو القاسم

- ‌المستظهر بالله أبو العباس

- ‌المسترشد بالله أبو منصور

- ‌الراشد بالله أبو جعفر

- ‌المقتفي لأمر الله أبو عبد الله

- ‌المستنجد بالله أبو المظفر

- ‌المستضيء بأمر الله الحسن

- ‌الناصر لدين الله أحمد

- ‌الظاهر بأمر الله أبو نصر

- ‌المستنصر بالله

- ‌المستعصم بالله أبو أحمد بن المستنصر بالله

- ‌العباسيون في مصر:

- ‌المستنصر بالله أحمد بن الظاهر بأمر الله

- ‌الحاكم بأمر الله أبو العباس بن الحسن

- ‌المستكفي بالله أبو الربيع بن الحاكم بأمر الله

- ‌الواثق بالله إبراهيم بن المستمسك

- ‌الحاكم بأمر الله أبو العباس بن المستكفي

- ‌المعتضد بالله أبو الفتح بن المستكفي بالله

- ‌المتوكل على الله أبو عبد الله بن المعتضد

- ‌الواثق بالله عمر بن إبراهيم

- ‌المستعصم بالله زكرياء بن إبراهيم

- ‌المستعين بالله أبو الفضل بن المتوكل

- ‌المعتضد بالله أبو الفتح بن المتوكل

- ‌المستكفي بالله أبو الربيع بن المتوكل

- ‌القائم بأمر الله أبو البقاء بن المتوكل

- ‌المستنجد بالله خليفة العصر أبو المحاسن

- ‌المتوكل على الله أبو العز بن يعقوب

- ‌قصيدة للمؤلف فيها أسماء الخلفاء ووفياتهم

- ‌نبذة عن الدول التي قامت بالأندلس

- ‌فصل في الدولة الخبيثة العبيدية: "الفاطمية

- ‌فصل في دولة بني طباطبا العلوية الحسنية

- ‌فصل في الدولة الطبرستانية

- ‌الفهرس العام

الفصل: ‌المهدي: أبو عبد الله محمد بن المنصور

يقول: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركب فيها نجا، ومن تأخر عنها هلك"1.

وقال الصولي: حدثنا محمد بن موسى، حدثنا سليمان بن أبي شيخ، حدثنا أبو سفيان الحميري، سمعت المهدي يقول: حدثني أبي عن أبيه عن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرنا أميرًا وفرضنا له فرضًا، فما أصاب من شيء فهو غلول".

وقال الصولي: حدثنا جبلة بن محمد، حدثنا أبي، عن يحيى بن حمزة الحضرمي، عن أبيه قال: ولاني المهدي القضاء، فقال: اصلب في الحكم، فإني أبي حدثني عن أبيه، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله: وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمن ممن رأى مظلومًا يقدر أن ينصره فلا يفعل".

وقال الصولي حدثنا محمد بن العباس بن الفرج حدثني أبي، عن الأصمعي حدثني جعفر بن سليمان، عن المنصور، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي"2.

وقال الصولي: حدثنا أبو إسحاق محمد بن هارون بن عيسى، حدثنا الحسن بن عبيد الله الحصيبي، حدثنا إبراهيم بن سعيد، حدثني المأمون، عن الرشيد، عن المهدي، عن المنصور، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: لا تسافروا في محاق الشهر، ولا إذا كان القمر في العقرب.

مات في أيام المنصور من الأعلام:

ابن المقفع، وسهيل بن أبي صالح، والعلاء بن عبد الرحمن، وخالد بن يزيد المصري الفقيه، وداود بن أبي هند، وأبو حازم سلمة بن دينار الأعرج، وعطاء بن أبي مسلم الخراساني، ويونس بن عبيد، وسليمان الأحول، وموسى بن عقبة صاحب المغازي، وعمرو بن عبيد المعتزلي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والكلبي، وأبو إسحاق، وجعفر بن محمد الصادق، والأعمش، وشبل بن عباد مقرئ مكة، ومحمد بن عجلان المعدني الفقيه، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وابن جريج، وأبو حنيفة، وحجاج بن أرطأة، وحَمّاد الراوية، ورؤبة الشاعر، والجريري، وسليمان بن التميمي، وعاصم الأحول، وابن شبرمة الضبي، ومقاتل بن حبان، ومقاتل بن سليمان، وهاشم بن عروة، وأبو عمرو بن العلاء، وأشعب الطماع، وحمزة بن حبيب الزيات، والأوزاعي، وخلائق آخرون.

1 أخرجه الطبراني في الكبير "2638/3"، وأبو نعيم في الحلية "306/4"، والحاكم في المستدرك "343/2".

2 أخرجه الخطيب في تاريخه "271/10، 271/11"، والطبراني في الكبير "11621/11".

ص: 201

‌المهدي: أبو عبد الله محمد بن المنصور

1

المهدي: أبو عبد الله محمد بن المنصور: ولد بأيذج سنة سبع وعشرين ومائة، وقيل:

1 تولى الخلافة 158هـ وحتى 169هـ.

ص: 201

سنة ست وعشرين، وأمه أم موسى بنت منصور الحميرية.

وكان جوادًا ممدّحًا مليح الشكل، محببًا إلى الرعية، حسن الاعتقاد، تتبّع الزنادقة، وأفنى منهم خلقًا كثيرًا، وهو أول من أمر بتصنيف كتب الجدل في الرد على الزنادقة والملحدين، روى الحديث عن أبيه، وعن مبارك بن فضالة، حدث عنه يحيى بن حمزة، وجعفر بن سليمان الضبعي، ومحمد بن عبد الله الرقاشي، وأبو سفيان سعيد بن يحيى الحميري، قال الذهبي: وما علمت قيل فيه جرحًا ولا تعديلًا.

وأخرج ابن عدي من حديث عثمان مرفوعًا: "المهدي من ولد العباس عمي" 1 تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم، وكان يضع الحديث، وأورد الذهبي هنا حديث ابن مسعود مرفوعًا:"المهدي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي" 2 أخرجه أبو داود والترمذي وصححه.

ولما شبّ المهدي أمّره أبوه على طبرستان وما والاها، وتأدب، وجالس العلماء وتميز، ثم إن أباه عهد إليه، فلما مات بويع بالخلافة، ووصل الخبر إليه ببغداد، فخطب الناس فقال: إن أمير المؤمنين عبد دعي فأجاب، وأمر فأطاع واغرورقت عيناه، فقال: قد بكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند فراق الأحبة، ولقد فارقت عظيمًا، وقلّدت جسيمًا، فعند الله أحتسب أمير المؤمنين، وبه أستعين على خلافة المسلمين، أيها الناس أسرّوا مثل ما تعلنون من طاعتكم نهبكم العافية، وتحمدوا العاقبة، واخفضوا جناح الطاعة لمن نشر معدلته فيكم وطوى الإصر3 عنكم، وأهال عليكم السلامة من حيث رآه الله مقدمًا ذلك، والله لأفنين عمري بين عقوبتكم والإحسان إليكم.

قال نفطويه: لما حصلت الخزائن في يدي المهدي أخذ في رد المظالم؛ فأخرج أكثر الذخائر ففرقها، وبر أهله ومواليه.

وقال غيره: أول من هنأ المهدي بالخلافة وعزّاه بأبيه أبو دلامة، فقال:

عيناي واحدة ترى مسرورة

بأميرها جذلى4، وأخرى تذرف

تبكي وتضحك تارة، ويسوؤها

ما أنكرت، ويسرها ما تعرف

فيسوؤها موت الخليفة محرم

ويسرها أن قام هذا الأرأف

ما إن رأيت كما رأيت، ولا أرى

شعرًا أسرحه وآخر ينتف

هلك الخليفة يا لدين محمد

وأتاكم من بعده من يخلف

أهدى لهذا الله فضل خلافة

ولذاك جنات النعيم تزخرف

1 أخرجه ابن عدي في الكامل "196/3".

2 أخرجه أبو داود "4282/4"، والترمذي "2231/4". وقال أبو عيسى: حسن صحيح.

3 الإصر: يطلق الإصر على العهد، والذنب أيضًا الثقل. انظر: مختار الصحاح "18".

4 جذلي: الجذل: الفرح أي فرحة مسرورة. انظر: مختار الصحاح "97".

ص: 202

وفي سنة تسع وخمسين بايع المهدي بولاية العهد لموسى الهادي، ثم من بعده لهارون الرشيد، ولديه.

وفي سنة ستين فتحت أربد من الهند عنوة؛ وفيها حج المهدي فأنهى إليه حجبة الكعبة أنهم يخافون هدمها؛ لكثرة ما عليها من الأستار، فأمر بها فجردت، واقتصر على كسوة المهدي، وحمل المهدي الثلج إلى مكة، قال الذهبي: لم يتهيأ ذلك لملك قط.

وفي سنة إحدى وستين أمر المهدي بعمارة طريق مكة، وبنى بها قصورًا، وعمل البرك، وأمر بترك المقاصير التي في جوامع الإسلام، وقصر المنابر، وصيرها على مقدار منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي سنة ثلاث وستين وما بعدها كثرت الفتوح بالروم.

وفي سنة ست وستين تحول المهدي إلى قصره المسمى بعيساباذ، وأمر فأقيم له البريد من المدينة النبوية، ومن اليمن ومكة إلى الحضرة، بغالًا وإبلًا. قال الذهبي: وهو أول من عمل البريد من الحجاز إلى العراق.

وفيها وفيما بعدها جدّ المهدي في تتبع الزنادقة، وإبادتهم، والبحث عنهم في الآفاق والقتل على التهمة.

وفي سنة سبع وستين أمر بالزيادة الكبرى في المسجد الحرام، وأدخل في ذلك دورًا كثيرة.

وفي سنة تسع وستين مات المهدي: ساق خلف صيد، فاقتحم الصيد خربة، وتبعه الفرس فدق ظهره في بابها، فمات لوقته، وذلك لثمانٍ بقين من المحرم، وقيل: إنه مات مسمومًا.

وقال سلم الخاسر يرثيه:

وباكية على المهدي عبري

كأن بها، وما جنت جنونًا

وقد خمشت محاسنها، وأبدت

غدائرها، وأظهرت القرونا

لئن بلى الخليفة بعد عز

لقد أبقى مساعي ما بلينا

سلام الله عدة كل يوم

على المهدي حين ثوى رهينا

تركنا الدين والدنيا جميعًا

بحيث ثوى أمير المؤمنينا

ومن أخبار المهدي قال الصولي: لما عقد المهدي العهد لولده موسى قال مروان بن أبي حفصة:

عقدت لموسى بالرصافة بيعة

شد الإله بها عرى الإسلام

موسى الذي عرفت قريش فضله

ولها فضيلتها على الأقوام

بمحمد بعد النبي محمد

حي الحلال ومات كل حرام

مهدي أمته الذي أمست به

للذل آمنة وللإعدام

موسى ولي عهد بالخلافة بعده

جفت بذاك مواقع الأقلام

ص: 203

وقال آخر:

يابن الخليفة إن أمة أحمد

تاقت إليك بطاعة أهواؤها

ولتملأن الأرض عدلًا كالذي

كانت تحدث أمة علماؤها

حتى تمنى لو ترى أمواتها

من عدل حكمك ما ترى أحياؤها

فعلى أبيك اليوم بهجة ملكها

وغدًا عليك إزارها ورداؤها

وأسند الصولي أن امرأة اعترضت المهدي، فقالت: يا عصبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انظر في حاجتي: فقال المهدي: ما سمعتها من أحد قط، اقضوا حاجتها. وأعطوها عشرة آلاف درهم.

وقال قريش الختلي: رفع صالح بن عبد القدوس البصري إلى المهدي في الزندقة، فأراد قتله، فقال: أتوب إلى الله، وأنشد لنفسه:

ما يبلغ الأعداء من جاهل

ما يبلغ الجاهل من نفسه

والشيخ لا يترك أخلاقه

حتى يوارى في ثرى رمسه

فصرفه، فلما قرب من الخروج ردّه، فقال: ألم تقل: والشيخ لا يترك أخلاقه؟ قال: بلى، قال: فكذلك أنت لا تدع أخلاقك حتى تموت، ثم أمر بقتله.

وقال زهير: قدم على المهدي بعشرة محدثين: منهم فرج بن فضالة، وغياث بن إبرهيم -وكان المهدي يحب الحمام- فلما أدخل غياث قيل له: حدّث أمير المؤمنين، فحدثه عن فلان عن أبي هريرة مرفوعًا:"لا سبق إلا في حافر أو نصل" وزاد فيه: "أو جناح" فأمر له المهدي بعشرة آلاف درهم، فلما قام قال: أشهد أن قفاك قفا كذاب، وإنما استجلبت ذلك، ثم أمر بالحمام فذبحت.

وروي أن شريكًا دخل على المهدي، فقال له: لا بدّ من ثلاث: إما أن تلي القضاء، أو تؤدب ولدي وتحدثهم، أو تأكل عندي أكلة؟ ففكر ساعة ثم قال: الأكلة أخف عليّ، فأمر المهدي بعمل ألوان من المخ المعقود بالسكر وغير ذلك، فأكل، قال الطباخ: لا يفلح بعدها، قال: فحدثهم بعد ذلك، وعلمهم العلم، وولي القضاء لهم.

وأخرج البغويّ في الجعديات عن حمدان الأصبهاني قال: كنت عند شريك، فأتاه ابن المهدي، فاستند وسأل عن حديث، فلم يلتفت شريك، ثم أعاد فعاد، فقال: كأنك تستخف بأولاد الخلفاء، قال: لا، ولكن العلم أزيد عنده أهله من أن يضيعوه، فجثا على ركبتيه ثم سأله، فقال شريك: هكذا يطلب العلم.

ومن شعر المهدي ما أنشده الصولي:

ما يكف الناس عنا

ما يملّ الناس منا

إنما همتهم أن

ينبشوا ما قد دفنّا

لو سكنّا بطن أرض

فلكانوا حيث كنّا

وهمُ إن كاشفونا

في الهوى يومًا مجنّا

ص: 204

وأسند الصولي عن محمد بن عمارة، قال: كان للمهدي جارية شغف بها، وهي كذلك، إلا أنها تتحاماه كثيرًا، فدس إليها من عرف ما في نفسها، فقالت: أخاف أن يملني ويدعني فأموت، فقال المهدي في ذلك:

ظفرت بالقلب مني

غادة مثل الهلال

كلما صحّ لها وُدّ

يَ جاءت باعتلال

لا لحب الهجر مني

والتنائي عن وصالي

بل لإبقاء على حبي

لها خوف الملال

وله في نديمه عمر بن بزيع:

ربّ تّمم لي نعيمي

بأبي حفص نديمي

إنما لذة عيشي

في غناء وكروم

وجوار عطرات

وسماع ونعيم

قلت: شعر المهدي أرق وألطف من شعر أبيه وأولاده بكثير.

وأسند الصولي عن ابن كريمة، قال: دخل المهدي إلى حجرة جارية على غفلة، فوجدها وقد نزعت ثيابها وأرادت لبس غيرها، فلما رأته غطت بيدها فقصرت كفها عنه فضحك وقال:

نظرت في القصر عيني

نظرة وافق حيني

ثم خرج فرأى بشارًا فأخبره وقال: أجز، فقال بشار:

سترته إذ رأتني

دونه بالراحتين

فبدا لي منه فضل

تحت طي العكنتين

وأسند عن إسحاق الموصلي، قال: كان المهدي في أول أمره يحتجب عن الندماء تشبيهًا بالمنصور نحوًا من سنة، ثم ظهر لهم، فأشير عليه أن يحتجب، فقال: إنما اللذة مع مشاهدتهم.

وأسند عن مهدي بن سابق قال: صاح رجل بالمهدي وهو في موكبه:

قل للخليفة حاتِمٌ لك خائن

فخف الإله وأعفنا من حاتم

إن العفيف إذا استعان بخائن

كان العفيف شريكه في المأثم

فقال المهدي: يعزل كل عامل لنا يدعى حاتِمًا

وأسند عن أبي عبيدة قال: كان المهدي يصلي بنا الصلوات الخمس في المسجد الجامع بالبصرة لما قدمها، فأقيمت الصلاة يومًا، فقال أعرابي: لست على طهر، وقد رغبت في الصلاة خلفك، فأمر هؤلاء بانتظاري، فقال: انتظروه، ودخل المحراب، فوقف إلى أن قيل: جاء الرجل، فكبر فعجب الناس من سماحة أخلاقه.

ص: 205

وأسند عن إبراهيم بن نافع أن قومًا من أهل البصرة تنازعوا إليه في نهر من أنهار البصرة، فقال: إن الأرض لله في أيدينا للمسلمين، فما لم يقع له ابتياع منها يعود ثمنه على كافتهم وفي مصلحتهم، فلا سبيل لأحد عليه فقال القوم: هذا النهر لنا بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه قال: "من أحيا أرضًا ميتة فهي له". وهذه موات، فوثب المهدي عند ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى ألصق خده بالتراب وقال: سمعت لما قال وأطعت، ثم عاد، وقال: بقي أن تكون هذه الأرض مواتًا حتى لا أعرض فيها، وكيف تكون مواتًا والماء محيط بها من جوانبها؟ فإن أقاموا البينة على هذا سلمت.

وأسند عن الأصمعي قال: سمعت المهدي على منبر البصرة يقول: إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثَنّى بملائكته فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي} الآية [الأحزاب: 56] آثره بها من بين الرسول إذ خصكم بها من بين الأمم.

قلت: وهو أول من قال ذلك في الخطبة، وقد استسنها الخطباء إلى اليوم.

ولما مات قال أبو العتاهية وقد علقت المسوح على قباب حرمه:

رحن في الموشى وأصبحن عليهنّ المسوح

كل نطّاح من الدهر له يوم نطوح

لست بالباقي ولو عمّرت ما عمّر نوح

نح على نفسك يا مسكين إن كنت تنوح

فصل: ذكر أحاديث من رواية المهدي

قال الصولي: حدثني أحمد بن محمد بن صالح التمار، حدثنا يحيى بن محمد القرشي، حدثنا أحمد بن هشام، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن مسلم المدائني -وهو ثقة صدوق- قال: سمعت المهدي يخطب فقال: حدثنا شعبة عن علي بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم خطبة من العصر إلى مغيربان الشمس، حفظها من حفظها، ونسيها من نسيها، فقال:"ألا إن الدنيا حلوة خضرة" 1 الحديث بطوله.

وقال الصولي: حدثنا إسحاق بن إبراهيم القزاز، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، حدثني أبو يعقوب بن حفص الخطابي، سمعت المهدي يقول: حدثني أبي عن أبيه عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه أن وفدًا من العجم قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم -وقد أحفوا لحاهم وأعفو شواربهم- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "خالفوهم، اعفوا لحاكم واحفوا شواربكم" 2 وإحفاء الشارب، أخذ ما نزل على الشفة منه، ووضع المهدي يده على أعلى شفته.

1 أخرجه أحمد في المسند "19/3"، وأبو نعيم في الحلية "311/7".

2 أخرجه الطبراني في الكبير "11724/11".

ص: 206