الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قصَّة الْحَوَادِث
وَأما صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن بن الإِمَام فَإِنَّهُ بعد ذَلِك تجرد من ذِي مرمر عَن أَسد يفترس ويهمهم ويزأر وَاسْتقر بِهِ السّفر الْقَرِيب إِلَى حَضْرَة أَخِيه مُحَمَّد بن الْحُسَيْن وَكَانَ شرف الْإِسْلَام قد عرض عَلَيْهِ ولَايَة أصَاب فامتثل فِي المبادىء وَإِلَى الْقبُول أجَاب ثمَّ أرجعها لحقارتها بِالنّظرِ إِلَى تَكْلِيفه وَأما الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه فَلم يسمح للْجَمِيع بِقَيْد شبر وَأجَاب لما سُئِلت الْولَايَة للأخوين بِأَنَّهَا لَيست من جملَة المياريث
ثمَّ أَن أَحْمد بن الْحسن تقدم من ذمار إِلَى أصَاب فِي شهر شعْبَان من هَذَا الْعَام ورحل برحلته من جنح إِلَيْهِ من فرسَان الصدام وأساد الإلتحام ثمَّ انْتقل عَنْهَا إِلَى بِلَاد عتمة فَخرج عَنْهَا واليها السَّيِّد الرئيس المطهر بن مُحَمَّد الجرموزي وَوصل إِلَى حَضْرَة الْحُسَيْن وَهُوَ بجبل ضوران فَرفع الْأَمر من حِينه إِلَى صنوه الإِمَام الْمُؤَيد بِاللَّه وَأخْبرهُ أَن أَحْمد بن الْحسن قد رفع وَالِي الْجِهَة وَأَن قصبتها صَارَت فِي بَاب الإستيلاء وَأَن الرجل متبوع وَأَن رأية لهيبته مسموع وَأَن المطالب قد انساقت من أَهلهَا إِلَيْهِ وَأَنَّهُمْ انثالوا رَغْبَة وَرَهْبَة عَلَيْهِ وَأَن عَليّ بن شمسان وَهُوَ الْوَالِي يَوْمئِذٍ بجهات الْيمن إب وبعدان قد مَال إِلَى
جَانب أَحْمد بن الْحسن ثمَّ تقدم شرف الْإِسْلَام لإستدراك فعلة ذَلِك الهصور القمقام قبل أَن يطير فِي الْيمن شِرَارهَا ويملأ الْكَوْن غبارها
(فَإِن النَّار بالزندين تورى
…
وَأَن الْحَرْب أَولهَا كَلَام (
وَكَانَت طَرِيقه وَادي النايجه واستناب وَلَده بدر الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الإِمَام فَبَاتَ بِبَلَد يُقَال لَهَا ذَاهِب أَسْفَل وَادي النايجة من أَطْرَاف بِلَاد آنس فَوق مَدِينَة العبيد على يسَار الذَّاهِب ثمَّ أحضر الْعَسْكَر الَّذين مَعَه ووجوه النَّاس إِلَى صرح مَسْجِد ذَلِك الْبَلَد وأفهمهم سَبَب التَّجْهِيز ووطنهم على الثَّبَات وعرفهم مَا هم قادمون عَلَيْهِ وَمن الَّذِي هم قادمون إِلَيْهِ وَكَانَ الْحُسَيْن أسدا من أسود الله وسيفا من سيوف الله المنتضاة تتجلى على يَدَيْهِ المعارك السود وتنجذ بروعة براثن الْأسود وَهُوَ كَأَنَّهُ فِي محاضرة صديق أَو مطالعة بحث غير عويق فَأجَاب عَلَيْهِ الْعَسْكَر بِلِسَان وَاحِدَة أَنا تَحت رَايَتك الْعقَاب الخافقة بنسيم الصَّوَاب وَلَو إِلَى مطالع الشَّمْس فأصدع بِأَمْرك وأفلج بقهرك
ثمَّ انْتقل الْيَوْم الثَّانِي إِلَى بلد مياس وَهُوَ مَزَار هُنَاكَ طيب الأنفاس وَأمر عِنْد وُصُوله لحفظ مغربة عتمة وبابها قبل أَن يقدم ذَلِك الهصور عيونه إِلَى ثناياها وشعابها فَيملك صوبي الطَّرِيق وَيكثر عِنْد ذَلِك التعويق
وَلما عرف أَحْمد بن الْحسن أَن أَصْحَاب عَمه قد استقروا بذلك الْمَكَان هيأ فرسَان
العراك وأسود الطعان وَتقدم عَمه الْحُسَيْن إِلَى إسعار نَار الْحَرْب وَإِقَامَة سوق الطعْن وَالضَّرْب فَلم يشْعر أَصْحَاب الْحُسَيْن إِلَّا وَقد طلع عَلَيْهِم بيرق دَار من تِلْقَاء ابْن أَخِيه وورأه الْجَيْش الجرار عَلَيْهِ الْمِقْدَام عطيه
وَأحمد بن الْحسن اسْتَقر فِي بلد الْحَوَادِث وَأَرَادَ أَن يكون مهبط الوقائع ومنبع الْحَوَادِث وَلما تلاحم الْفَرِيقَانِ واصطدم الخصمان كَاد أَصْحَاب الْحُسَيْن أَن يولوا الأدبار لَكِن وَإِلَى أَيْن فالتجأوا بعد ذَلِك إِلَى الْجَبَل بعد أَن أعوزتهم الْحِيَل ثمَّ أرْسلُوا مَا فِي بطُون البنادق فأنهلت على المعسكر الْأَسْفَل بصواعق وَأخذت الْأَرْوَاح واجتذت العلايق وانصرفت إِلَى عطيه وَهُوَ مقدم الْقَوْم رصاصة دعت إِلَيْهِ حِينه وخلاصه وَعند ذَلِك حانت هزيمَة عَسْكَر صفي الْإِسْلَام وَأخذُوا النجا بِرَفْع السَّاق عَن ذَلِك الْمقَام وَشرف الْإِسْلَام خرج أول اللَّيْل من مياس وَصعد الْعقبَة فِي الديماس وَبَقِي بَقِيَّة اللَّيْل فِي بلد سوق الربوع وَلما أصبح الصُّبْح بَادر إِلَى تِلْكَ الْقرْيَة الخراب الَّتِي وَقع فِيهَا الْحَرْب والحراب وَضربت هُنَاكَ خيامه وركزت ثمَّ أَعْلَامه
ثمَّ أَن جمَاعَة من أَصْحَاب السَّيِّد مطهر ثارت أحقادهم وتطلع إِلَى الشَّقَاء أحادهم انشمروا إِلَى حَضْرَة الصفي محاربين من غير أَن يشْعر بهم شرف الدّين فحاول رجوعهم بعد أَن علم فَلم يمتثلوا وَلم يَلْبَثُوا أَن سمعُوا تحضيره الْحَرْب بالحوادث فَعَلمُوا أَنه الْخطب الكارث وَكَانَ بِحَضْرَة الْحُسَيْن السَّيِّد الإِمَام الْعَلامَة أَحْمد بن عَليّ الشَّامي فَقَالَ لشرف الْإِسْلَام أما بعد
التحضيرة وعزم تِلْكَ الطَّائِفَة الْيَسِيرَة فَلَا يصلح مِنْكُم التواني فبادروا قبل أَن تتخطفهم الرماح الشواجر ويلحقوا بأمس الدابر فَتغير وَجه الْحُسَيْن لِأَنَّهُ كَانَ يُرِيد أَن تنحسم فتْنَة ابْن أَخِيه بِدُونِ هَذَا شَفَقَة عَلَيْهِ ومحبة فِي حقن الدما وتسكين الدهماء ثمَّ أَنه أَمر بعد ذَلِك بِأخذ الأهبة والتعبئة لِلْقِتَالِ وَركب واحترك الْعَسْكَر بأجمعه وَتقدم بيرق أَحْمد الحاشي صَاحب الشّرف فشارف الْوُصُول وَقد التحم الْحَرْب واتصل الطعْن وَالضَّرْب وَقتل جمَاعَة وَأسر آخَرُونَ ثمَّ تراجع الْفَرِيقَانِ بِسَبَب البنادق وحجزها مَا بَين الفيالق وَكَانَ النَّقِيب سرُور شلبي من أَصْحَاب صفي الْإِسْلَام وَمن انضاف إِلَيْهِ قد ترَتّب فِي المغربة وَطَرِيق الْحَوَادِث والنقيب حسن البحش قد أَخذ راس الأكمه وَعمر المتاريس فاتصل الْحَرْب بالبنادق من ضحوة النَّهَار إِلَى الظّهْر وبسبب إصْلَاح التعبئة من أَصْحَاب الصفي أَحْمد بن الْحسن استعلوا على أَصْحَاب عَمه وانهمكوا فيهم جرحا وقتلا فَلَمَّا استرسل ذَلِك أَمر الْحُسَيْن البيرقدار وَهُوَ صَلَاح الحملاني أَن يتَوَجَّه بِمن بَقِي من الْعَسْكَر إِلَى الْقرْيَة الَّتِي هِيَ أيسر الأكمة الْمَمْلُوكَة وَقَالَ لَهُ إِذا دَخَلتهَا واستوليت عَلَيْهَا فَاطلع على الَّذين فِي الأكمة من ورائهم ليَكُون ذَلِك نفسا على من تَحْتهم من أَصْحَابنَا فعزم الْمَذْكُور فِي الْحِين وَمَعَهُ نَحْو الْعشْرين وَدخل الْقرْيَة بِغَيْر شجار وأحرق ثلثهَا بالنَّار وَتجَاوز عَنْهَا للتفتيش على أُولَئِكَ من مضيق الْحصار فَلَمَّا رَآهُ أهل الأكمة لم يَلْبَثُوا أَن ولوا الأعقاب وَكَانَ ذَلِك النّظر الشرفي من أقوى الْأَسْبَاب وَأُصِيب النَّقِيب ياقوت شلبي فِي يَده وَإِنَّمَا كَانَ جُمْهُور الضَّرَر من قبل مدده فَتَبِعهُمْ
الْعَسْكَر فِي الْأَثر وطلع بدر النَّصْر وزهر وَقتل من قتل مِنْهُم حَال الْهَزِيمَة واتصلت بمسامع صفي الْإِسْلَام هَذِه الفعلة الجسمية ثمَّ أَن شرف الْإِسْلَام لحق بآخر الْوَقْعَة وَشَاهد الْقَتْلَى مجدلين وبدمائهم مجللين وَأَكْثَرهم من أَصْحَابه وَأما الْعَسْكَر فَإِنَّهُم اشتغلوا بالإنتهاب فِي محطة صفي الْإِسْلَام وَهُوَ إنحاز بعد ذَلِك إِلَى الْقرْيَة السفلا وَقد فَازَ عَمه بالقدح المعلا
ثمَّ أَن الْحُسَيْن أرسل إِلَى ابْن أَخِيه السَّيِّد عبد الله بن أَمِير الدّين وَأمره بالوصول إِلَيْهِ فوصل وخلع عَلَيْهِ وَوجه أَسبَاب الْأنس إِلَيْهِ وَأمسى الْكل بالحوادث وَكَانَ قد اتّفق فِي خلال هَذَا الكارث حَرْب آخر فِي بني بَحر من عتمة بَين جمَاعَة من الْعَسْكَر وَأهل الْبِلَاد وَأَصْحَاب أَحْمد بن الْحسن ويروى أَن بدر الْإِسْلَام كَانَ قد جهز إِلَيْهِ جمَاعَة من عَسَاكِر الصدام فصادف ذَلِك أَن الْحَرْب قد وضعت أَوزَارهَا وأطفئت بيد الْحُسَيْن شِرَارهَا وَالْحَمْد لله
وَأما حَدِيث عَليّ بن شمسان فَإِنَّهُ كَانَ قد جهز مدَدا لِأَحْمَد بن الْحسن من الْيمن وَأَرَادَ الإرتحال فَبَلغهُ انجلاء المعركة عَن قبض مخدومه فتشوش خاطره وحار وَمَا زَالَ يدبر حِيلَة للفرار ثمَّ آل بِهِ الْحَال إِلَى أَنه استجار بِابْن عبد الْقَادِر صَاحب عدن وَقد حكى من عرف أنفاس الْحُسَيْن يَوْمئِذٍ أَنه لَو وصل لما ناله إِلَّا كل خير وَكَانَت وقْعَة الْحَوَادِث يَوْم الْخَمِيس فِي الْعشْر الْآخِرَة من شعْبَان هَذِه السّنة
وَفِي آخر هَذَا الشَّهْر وصل شرف الْإِسْلَام إِلَى محروس إب وصحبته ولد أَخِيه أَحْمد بن الْحسن وَوصل عقب ذَلِك كتاب الْمُؤَيد بِاللَّه إِلَى صنوه الْحُسَيْن باستدعاء ولد أَخِيه وَعلي بن شمسان إِلَى حَضرته فَسَار إِلَيْهِ وَلما وصلا قابلهما بالإجلال والإعظام والتبجيل والاحتشام فَأَما أَحْمد بن الْحسن فاستقر عِنْد الإِمَام مَا شَاءَ الله وَعَاد عَن أمره إِلَى صنعاء على أوضاع جعلهَا بِيَدِهِ فِيهَا