المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التجهيز على حسين باشا صاحب البصرة - تاريخ اليمن خلال القرن الحادي عشر = تاريخ طبق الحلوى وصحاف المن والسلوى

[الوزير الصنعاني]

فهرس الكتاب

- ‌قصَّة الْحَوَادِث

- ‌فتح بَغْدَاد

- ‌وقْعَة نقِيل الشيم

- ‌حِصَار ذِي مرمر

- ‌خلَافَة الإِمَام الْأَعْظَم المتَوَكل على الله إِسْمَاعِيل بن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن عَليّ

- ‌فتح بِلَاد الْأَمِير حُسَيْن صَاحب عدن

- ‌وُفُود الْأَخْبَار بوصول جنود عثمانية إِلَى مَكَّة واليمن

- ‌التَّجْهِيز على حُسَيْن باشا صَاحب الْبَصْرَة

- ‌قصَّة يهود الْيمن ودعواهم تحول لملك إِلَيْهِم لعنة الله عَلَيْهِم

- ‌تجلي حُسَيْن باشا عَن الْبَصْرَة بعد عَجزه عَن عَسَاكِر السلطنة

- ‌قصَّة الشريف حمود بن عبد الله والأروام

- ‌الْجُزْء الثَّانِي من طبق الْحَلْوَى وصحاف الْمَنّ والسلوى

- ‌وَدخلت سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَألف

- ‌منازلة الفرنج لبندر المخا

- ‌وَدخلت سنة إثنتين وَثَمَانِينَ وَألف

- ‌وَدخلت سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَألف

- ‌وَدخلت سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَألف

- ‌وَدخلت سنة خمس وَثَمَانِينَ وَألف فِي ثَالِث محرم حصلت عِنْد الإِمَام أَخْبَار مَكَّة وفيهَا أَن سَعْدا وَأحمد إبني زيد تحيزا إِلَى بِلَاد نجد الْعليا وبركات عَاد من بدر إِلَى مَكَّة صحبته بن مضيان بعد أَن ألبسهُ خلعة الْأمان واستطرق أَصْحَاب الْعمانِي هَذَا الْعَام جَزِيرَة سقطرى وَقتلُوا من أَهلهَا

- ‌تجهيز السُّلْطَان على الْيمن

- ‌كَرَامَة للشَّيْخ الصفي أَحْمد بن علوان أَيْضا

- ‌الدولة المهدوية وَمَا شجر فِي أَثْنَائِهَا

- ‌وَدخلت سنة تسع وَثَمَانِينَ وَألف

- ‌معركة الصلبة

- ‌خُرُوج الإِمَام من الْغِرَاس مترحلا إِلَى جِهَات شهارة

- ‌حَرْب الأبرق

الفصل: ‌التجهيز على حسين باشا صاحب البصرة

وَالنَّهَار حَتَّى كَاد أَن يسلب عقول أَهله كَمَا سلبهم الْقَرار ولصدور مثل هَذَا عَن الجان نَظَائِر وَأَشْبَاه وَأما تشكلهم فَفِيهِ الْخلاف وَأنْكرهُ الْعَلامَة صَاحب الْكَشَّاف وَتكلم عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {الَّذِي يتخبطه الشَّيْطَان من الْمس} بِمَا لَا تَدْعُو إِلَى تمحله الْحَاجة وَلَا يمس مُحَافظَة على قَاعِدَة إخوانه الْمُعْتَزلَة وَقد قابله كَلَام سعد الدّين بِمَا يَكْفِي ويشفي وَرَأَيْت سَيِّدي عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْمَنْصُور قد كتب على هَامِش حَاشِيَة السعد مَا لَفظه رَأينَا من هَذَا الشكل مَا يبهر الْعُقُول ويردع رائده عَن طرق الفضول انْتهى

وَفِي ثَانِي شَوَّال توفّي الشَّيْخ الرئيس أَحْمد بن عَامر الجماعي من مَشَايِخ الْيمن الْأَسْفَل وَهُوَ الَّذِي تزوج إِحْدَى بَنَات شرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن بن الْمَنْصُور وَفِي آخر شَوَّال سَار إِلَى مَكَّة بإمارة الْحَج السَّيِّد بدر الدّين مُحَمَّد بن صَلَاح الجحافي وَزِير الإِمَام وَعذر الْحَاج فرحان عَن ذَلِك لما حصل بَينه وَبَين الحرامية فِي الْعَام الْمَاضِي

‌التَّجْهِيز على حُسَيْن باشا صَاحب الْبَصْرَة

قد ذكرنَا فِيمَا مضى أَن الْحُسَيْن باشا صَاحب الْبَصْرَة أخرج عِيسَى باشا عَن وَكره وَضم قطره إِلَى قطره وَالْقدر يَقُول لعيسى أَنْت عَائِد إِلَى ربع ملكك الفسيح فاصبر كَمَا صَبر سميك الْمَسِيح حَيْثُ نسب إِلَيْهِ كل أَمر عَظِيم حَتَّى قيل هُوَ الْقَدِيم وَأحد الأقانيم وَأما الْحُسَيْن فقد ظلمك بسؤال نعجتك إِلَى نعاجه فسيرك التِّسْعَة وَالتسْعين بعد إزعاجه وَكَانَ عِيسَى قد عرض شكواه إِلَى

ص: 202

الْأَبْوَاب وابتهل مَعَ ذَلِك فِي الْبَاب الَّذِي لَيْسَ دونه من حجاب فَجَاءَهُ من خبر ذَلِك الإبتداء أَنه قد لبي لَهُ فِي ذَلِك النداء وَفِي أثْنَاء ذَلِك أَخذ حُسَيْن باشا يقبل مِنْهُ فِي الذرْوَة وَالْغَارِب ويشعره بِأَنَّهُ مقلع عَن تِلْكَ الْأَحْدَاث تائب وَأَنه يعاود ملكه وَلَا ملامة وَيقدم إِلَيْهِ على الرحب والسلامة فَأَشَارَ عَلَيْهِ بعض خواصه بِالْإِعْرَاضِ وَذكر أَن هَذَا التذلل من هَذَا الْجَبَّار لأغراض وَأَنَّك لَا تأمن الغوائل وأهونها السم الْقَاتِل فقد سلف مِنْهُ إِلَى بعض من عَارضه هَذِه الدسيسة وتحققت من فعلاته هَذِه الفعلة الخسيسة فرجح عِنْد الباشا جَانب المشير وقضت الخيره بِهِ وَمَا نَدم المستخير وَأجَاب إِنِّي إنْشَاء الله قادم عَلَيْهِ وَأخذ بالتحرز الْكُلِّي لَدَيْهِ فَسَار إِلَيْهِ واتفقا على ذَلِك الْكَلَام وَتَنَاول لذيذ خطابه وَامْتنع عَن طَعَامه وَشَرَابه وانفصل إِلَى قطره ملحوظا بِعَين الاعظام نَافِذ السِّهَام

ثمَّ لم يلبث الْحُسَيْن باشا أَن مَلَأت مسامعه الْأَلْسِنَة أَن البواش السُّلْطَانِيَّة والأمراء العثمانية قد أَقبلُوا إِلَيْهِ بالخول والخيول ورموا دَائِرَة مَمْلَكَته بأفلاذ كبد إسطنبول وَكَانَ قد ظهر فتكه وتأثل ملكه حَتَّى تسلطن على الْحَقِيقَة وَأخذ فِي يَده من صروف الأقدار وَثِيقَة فَلم عِنْد ذَلِك أَطْرَافه وَحمل مناواة صَاحب التخت أكتافه ووزع جيشوه على أَطْرَاف الْبَصْرَة وَرُبمَا ضرب تخت رمله وَنظر فِي النُّجُوم نظره وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهُ لاطف أُمَرَاء السُّلْطَان وعرفهم أَنه غُلَامه وبكرلبكيه وخدامه وَأَن الباشا عِيسَى قد طَابَ خاطره وقر بعوده على مَمْلَكَته ناظرة وَرُبمَا دس إِلَى الأكابر مَالا وَله مراهم فِي الْقُلُوب لَا تُوجد فِي كتاب مَالا وخوفهم بِأَنَّهُ مَقْصُود مدافع وَأَنَّهُمْ إِن لم يرجِعوا صب عَلَيْهِم الْبلَاء الْوَاقِع وَرمى بِنَفسِهِ إِلَى نحر المهالك وَكَانَ مَعَهم فِي الهلكة كصاحب مَالك حَيْثُ قَالَ

(اقتلوني ومالكا

واقتلوا مَالِكًا معي)

ص: 203

فعادوا عَنهُ إِمَّا لذاك وَإِمَّا لهَذَا وليتهم رجعُوا إِلَى اسطنبول يَتَسَلَّلُونَ لِوَاذًا فَإِنَّهُم عَادوا فِي هيعة وتجميع ونوبة وترجيع

(فهم فِي جموع لَا يَرَاهَا إِبْنِ داية

وهم فِي ضجيج لَا يحس بِهِ الْخلد (

قيل إِنَّهُم زهاء أَرْبَعِينَ ألفا من حَضْرَة السُّلْطَان ينضاف إِلَيْهِم جمع من بَغْدَاد وَكثير من الْبلدَانِ فَلَمَّا حصلوا فِي اسطنبول أَمر السُّلْطَان مُحَمَّد أعيانهم بالمثول وَقَالَ لَهُم أمرْتُم أَن تَأْتُوا بِحُسَيْن باشا فِي الْحَدِيد أم على هَذَا الْوَجْه الَّذِي يُنَافِي المرؤة ويسود وَجه الفتوة وَرُبمَا عرض الكبراء على السَّيْف وأذاقهم وبال الْميل والحيف وَكَانَ من خبر حُسَيْن باشا ثُبُوت الْوَطْأَة على مملكة الْبَصْرَة من هَذَا التَّارِيخ إِلَى سنة ثَمَان وَسبعين وَسَيَأْتِي هُنَاكَ تَمام الْخَبَر وَمَا رعفت بِهِ أنف الْقدر

وَفِي ذِي الْقعدَة توفّي بالأبناء القَاضِي الْعَارِف الْهَادِي بن عبد الله الحشيشي وَكَانَ قد بلغ الشيخوخة وَكَانَ من أعوان الإِمَام الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَولده الْمُؤَيد رَئِيس قومه بني حشيش وَأهل السِّرّ وَاتفقَ لَهُ تَعب كثير فِي ولَايَة سِنَان باشا فَإِنَّهُ شدد على عَالم الْفُقَهَاء الْبَوَادِي وَلما كَانَ الْمَذْكُور من جُمْلَتهمْ فر إِلَى بِلَاد خولان ورافق القَاضِي سعيد بن صَلَاح الهبل فبقى هُنَاكَ فِي حَال جميل حَتَّى دخل سِنَان باشا إِلَى خولان فهرب ورفيقه إِلَى بدبدة وَلم يشعروا إِلَّا وَقد أطل عَلَيْهِم من رُؤُوس الشواهق ولمعت من بطُون بنادقه البوارق وَكَانَ الْمَذْكُور مِمَّن الطّلب فِي أَثَره فألهم إِلَى تنكر الملبوس فَغير إِشَارَة الْفُقَهَاء وخلع عَن عَاتِقه

ص: 204

الأزرار واعتم بالسباعية وتأزر بالإزار وبقى على ذَلِك نَحْو ثَمَانِي سِنِين حَتَّى أفضت الْبِلَاد إِلَى يَد جَعْفَر باشا وعاوده الْأمان فَعَاد إِلَى الأوطان وَفِي ذِي الْحجَّة مَاتَ بِالْمرضِ بِبَيْت القابعي عَالم وَاتفقَ مثله ببندر المخا

وَدخلت سنة سِتّ وَسبعين وَألف فِي محرمها وصل حَاج الْيمن وَاتفقَ مَعَهم فِي الدُّخُول بعض شلش مَعَ الحرامية وَقتل مِنْهُم وَاحِد وَمن معسكر الْمحمل إثنان وَفِي هَذِه الْأَيَّام رَجَعَ صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن من الْجوف وَكَانَ فِي عزمه النّفُوذ إِلَى برط لتقرير الْوَاجِبَات وتمهيد الْأَحْوَال وَرُبمَا أَرَادَ ضبط الْبِلَاد بعمال فتفطن لذَلِك قُضَاة الْجِهَة وعلماؤها بني الْعَنسِي وَلَهُم الْوَاجِبَات تساق إِلَيْهِم بِغَيْر وَاسِطَة فاتفق رَأْيهمْ ورأي أَعْيَان برط أَن يسْتَدرك الصفي على وَجه خَفِي فحثوا الْبرد بالرسائل إِلَى الإِمَام وَإِلَى ابْن أَخِيه الْملك عز الْإِسْلَام بِمَا يتَضَمَّن أَن أَحْوَال الْبِلَاد فِي الصّلاح وَمَا هُنَاكَ خلل ومنادي طاعتها يُؤذن لدولتكم بحي على الْفَلاح حَيّ على خير الْعَمَل وصفي الْإِسْلَام لَا تحمله الْبِلَاد هَذِه الْأَيَّام والواجبات المفترضة فِي الْأَمْوَال قد توجه مصرفها من غير وَاسِطَة الْعمَّال فَعَاد أَحْمد بعد أَن نفذت تِلْكَ الرسائل ونجعت فِي خاطر الإِمَام وَعز الْإِسْلَام تِلْكَ الرسائل

وفيهَا سَار الْأَمِير الْفَاضِل عبد الْقَادِر بن الْأَمِير النَّاصِر إِلَى حَضْرَة الإِمَام فَقضى حق الزِّيَارَة وَأَشَارَ إِلَى اتساع التَّكْلِيف بعض إِشَارَة ووقف مَعَ الإِمَام على أَمر يرجع إِلَيْهِ وَكَلَام فِي ذَلِك يحسن السُّكُوت عَلَيْهِ

وفيهَا ساخت جبال بِالْيمن مِنْهَا جبل فِي جِهَة الأهجر حَتَّى كبس الطَّرِيق وَمنع الْمَارَّة عَنْهَا وَمِنْهَا بِبِلَاد كحلان وعفار وفيهَا مَاتَ الْفَقِيه الْعَلامَة بدر الدّين مُحَمَّد بن لطف الله الخواجا الشِّيرَازِيّ الأَصْل ثمَّ الصَّنْعَانِيّ بوطنه الجراف خرج

وَفِي ربيع الآخر توفّي بحصن مُبين نَائِب حجه السَّيِّد مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم الجحافي وَقعد مَكَانَهُ أَخُوهُ عَليّ بن الْحُسَيْن وَفِي هَذِه الْأَيَّام وصلت كتب مَكَّة معلنة بِخُرُوج الشريف بَرَكَات وَمَعَهُ جمَاعَة من عَسْكَر السلطنة وَصَاحب الْمحمل الْعِرَاقِيّ إِلَى محروس الْمَبْعُوث وَأَن الشريف يعد بن زيد سَار من الطَّائِف إِلَى بحيلة وَهِي مَا بَين الطَّائِف وبلاد بيشة

وَفِي خَامِس ربيع توجه صفي الدّين أَحْمد بن الْحسن من الْغِرَاس إِلَى صنعاء فَبَاتَ بداره ثمَّ سَار إِلَى ضوران حَضْرَة الإِمَام بعد أَن أزعجه الإِمَام للوصول للخوض فِيمَا كَانَ سعد بن زيد ذكره من استدعاء عَسَاكِر لأخذ الْحَرَمَيْنِ وَقد ذكرنَا فِيمَا مضى مَا أَشَارَ بِهِ الصفي وَولده الْعزي وَفِي أثْنَاء ذَلِك وصل مَكْتُوب السنجق دَار مُحَمَّد شاويش بكرلبكي السلطنة ونائبها فِي الْخُرُوج على سعد يذكر فِيهِ أَنه بلغه رُجُوع بعض حَاج الْيمن وَأَنه سَاءَهُ ذَلِك وَرُبمَا أَن التخوف من جَانب الباشا حُسَيْن وَأَن الشريف سعد إِذا أَرَادَ الْخُرُوج إِلَيْكُم فاحذروا عَن مساعدته واسعوا فِي مباعدته فخروجه إِلَى الْيمن مَظَنَّة لتغير خاطر السُّلْطَان وَالرجل مَرْفُوع خَبره متبوع أَثَره فصادف كَلَامه شَيْئا فِي نفس الصفي وَمن أَشَارَ بشوره

وَفِي جُمَادَى الأولى توفّي السَّيِّد الْعَلامَة صارم الْإِسْلَام إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد المؤيدي بِبَلَدِهِ العشة خَارج صعدة رحمه الله وَأعَاد من بركاته وَله الشَّرْح على هِدَايَة سَيِّدي صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد وَشرح الكافل وَغير ذَلِك وَقيل أَن لَهُ مؤلفا فِي الْأَنْسَاب سَمَّاهُ الرَّوْض الباسم وَفِي نسب آل الْقَاسِم يَعْنِي الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم وَلم اقف عَلَيْهِ

وَفِي هَذِه الْأَيَّام وصل مُحَمَّد عَامر من الْحَبَشَة إِلَى سَاحل المخا طريدا من سواكن بعد وُصُول عمر باشا إِلَيْهَا وَكَانَ قد أَسَاءَ إِلَى جَانب مصطفى باشا

ص: 205

جده من شيراز وَاسْتقر وَالِده لطف الله وشكر الله بِالْيمن وَأما صنع الله وشهرمين فسافرا إِلَى مَكَّة واستقرا بهَا وَكَانَ للطف الله وَالِد صَاحب هَذِه التَّرْجَمَة فِي نعومة الْعَيْش والتنقل إِلَى أَمَاكِن النزهة وَالْأَحْوَال المبسوطة حَال لَا يُشَارِكهُ فِيهِ غَيره نَشأ وَلَده هَذَا على منهاج الطّلب ولازم حَضْرَة القَاضِي فَخر الدّين عبد (118) الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الحيمي رحمه الله فَأدْرك فِي الْمعَانِي والنحو وَالْأُصُول والمنطق وَدفن بخزيمة وأنيف قَبره وَوضع عَلَيْهِ صَخْرَة فِيهَا تَعْرِيف نسبه ومرثاة بليغة أَنْشَأَهَا القَاضِي الْعَلامَة مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم السحولي وَله نظم فِي نِهَايَة اللطف مِنْهُ الْمَقْطُوع الَّذِي سلف

وَفِي جُمَادَى الأولى سَار الإِمَام من شهارة إِلَى حبور فصادف بهَا أَوْقَات روح وحبور وَاجْتمعَ هُنَاكَ من السَّادة آل جحاف بالعلماء الْأَعْلَام والكتبة الْكِرَام وَكَانَ كملاؤهم قد قَامُوا بمملكته وقعدوا فسعدت حَضرته بخدمتهم كَمَا سعدوا

وَفِي هَذَا الشَّهْر سَار عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام من ذمار الكرد إِلَى الْيمن الْأَسْفَل، فسكن بيريم وَحسن التَّدْبِير لَا يبرح وَلَا يريم ثمَّ طَاف بعد ذَلِك فِي الْبِلَاد إِلَى أَن اسْتَقر بجبلة.

وَفِي هَذِه السّنة خرج شرِيف من المأخذ عَن طَاعَة الإِمَام وَطعن فِي شَيْء من سيرته فِي الْأَنَام وَقَالَ أَن الْعَطاء قصر على نوع خَاص من تِلْكَ المصارف الثَّمَانِية وَرُبمَا تاقت نَفسه بعد ذَلِك إِلَى تُسنم الزعامة والتسمي بِالْإِمَامَةِ فَلَمَّا لم يتلق حَدِيثه بِالطَّاعَةِ والسمع وَرَأى لِسَان حَال النَّاس بِغَيْر الْجمع

(أَصمّ لَا يسمع الشكوى وأبكم لَا

يدْرِي الْمقَال وَعَن ال المشوق عمى)

توجه إِلَى عمان وأقع عَن ذَلِك الشَّأْن وَيُقَال إِنَّه ركب الْبَحْر فَمَاتَ فِيهِ

وفيهَا اسْتَقر شرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن بن الْحسن برداع فَأصْلح سورها ونظم أمروها

وفيهَا توفّي حَاكم زبيد القَاضِي إِسْحَاق بن جغمان من عُلَمَاء الشَّافِعِيَّة وَدفن بِمَدِينَة زبيد المحمية

وَفِي شعْبَان وصل صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن من

ص: 206

الخارد إِلَى حبور حَضْرَة الإِمَام بعد أَن استدعاه ليفاوضه فِيمَا يُجَاب بِهِ عَن الشاه بعد أَن وصل جَوَابه كَمَا سلف وَطلب فِيهِ الْإِعَانَة على التَّخْرِيج على ملك عمان لتوسطه بَين مملكتي الْيمن والعجم فَلَمَّا وَقع الْخَوْض فِي ذَلِك تولى الْجَواب بعض كملآء الحضرة بِأَن الرَّأْي أَن يسد هَذَا الْبَاب وَأَنْتُم الْآن أعنا بِمَا فِي قَاعِدَة مملكتكم من أَطْرَاف الإفتقاد وأنواع الإنتقاد وَالصَّوَاب طي هَذَا الْخَبَر والإشتغال بِمَا حضر وَأخذ يذكر الْوُجُوه المرجحة للتأخير فَوَقع كَلَامه من خاطر الإِمَام وَأجَاب على الشاه بِمَا مَضْمُونَة إِنَّا إِذا رَأينَا نهضة وقصدنا عمان وتقاضى الْحَال استمداد عون مِنْكُم مَال أَو رجال نبهناكم على ذَلِك

وَمن الْأَسْبَاب فِي عدم تَمام التَّجْهِيز على صَاحب عمان عقابيل فتْنَة حُسَيْن باشا بِالْبَصْرَةِ وَكَون عز الْإِسْلَام (119) مائلا خاطره عَن هَذَا الرَّأْي بِالْكُلِّيَّةِ وَهَذَا أَمر عَظِيم لَا يعْقد من دونه مُفَاوَضَة ذَلِك الْملك الجسيم

وفيهَا جَاءَت الْأَخْبَار بِوُقُوع خسف عَظِيم فِي تبريز من بِلَاد الْعَجم وَقد كثر فِي الزَّمَان الْمُتَأَخر وُقُوعه فِي الْعَجم وَلَعَلَّ حكمته لعن آخر الْأمة أَولهَا فَإِن وفور هَذِه السمه فِي بِلَادهمْ وَقد أخبر بعض الْحَنَفِيَّة أَن رجلا من بِلَادهمْ حرق الْمُصحف الْكَرِيم بالنَّار اسْتِخْفَافًا فَمَا جرأ عَلَيْهِ أحد وَلَا انتهره أحد وَلَا يبعد أَن يكون مجوسيا فَأن بِلَاد الْعَجم وَفَارِس كَانَت مَجُوسِيَّة قبل النُّبُوَّة وهوموز الْآن وَقع الْخَسْف بِبَعْضِه وخلا السَّاكِن عَن جَمِيعه وَهُوَ فِي سواحل جِهَات بِلَاد الْعَجم مِمَّا يَلِي بندر كنح وكنح من بنادر فَارس والعجم وَهُوَ فِي مملكة الشاه وَكَانَ الفرنج قد ملكوا هرموز فِي الْمِائَة التَّاسِعَة ثمَّ زَالَت دولتهم عَنهُ.

ص: 207

سانحة بِلَاد الأزبك متوسطة بَين الْعَجم وسمرقند وبخارى وَهِي على تل سَاحل الْبَحْر الْهِنْدِيّ وهم حِينَئِذٍ أشعرية وَلَا يزَال السَّيْف مُصْلِتًا بَينهم وَبَين الإمامية لتقارب الْبِلَاد وَلِأَن بَين المذهبين نِسْبَة التضاد وَهِي دَاخِلَة فِي مملكة صَاحب سَمَرْقَنْد الشريف عبد الْعَزِيز وَهُوَ سُلْطَان مُسْتَقل لَهُ مَا وَرَاء النَّهر من بِلَاد الْإِسْلَام إِلَى حُدُود الْهِنْد فِي الْجِهَة الْبَريَّة مثل كاشغر وبلاد سَمَرْقَنْد وبخارى وَكثير من بِلَاد التّرْك الْمُسلمين فِي جِهَة الْمشرق ويليه بالوسط بِلَاد الشاه وَهِي جبال فَارس وشيراز إِلَى حُدُود تبريز وأصفهان يُحِيط بهَا من الْمغرب بَحر فَارس وَمن الْمشرق وبلاد مَا وَرَاء النَّهر وَهِي سَمَرْقَنْد وبخارى الْمَذْكُورَة والسند لَهُ ملك مُسْتَقل كالهند وَالتّرْك وخاقان ملك التّرْك ملكه إِلَى الْبَاب والأبواب يَلِي سد يَأْجُوج وَمَأْجُوج وأطراف

ص: 208

التّرْك فِي الْمشرق لَا يدْرِي الْآن هَل دخل أحد مِنْهُم فِي الْإِسْلَام أم الْكل باقون كَمَا كَانُوا عَلَيْهِ أَيَّام فتوح الدولتين الأموية والعباسية وَأما جَمِيع بِلَاد سَمَرْقَنْد وَهِي بِلَاد التّرْك الَّتِي تقرب إِلَى جِهَة بِلَاد الْإِسْلَام فهم مُسلمُونَ من أَيَّام العباسية وفتوحاتهم وَأما مَا خلفهَا فَالظَّاهِر أَنهم من التتر إِلَى حُدُود الصين وهم خلق كثير لَا يعْرفُونَ الْإِسْلَام وحد بِلَاد ابْن عُثْمَان صَاحب الرّوم الْبَصْرَة وَالْعراق والموصل وَأعظم هَؤُلَاءِ الْمُلُوك ملكا وآبهة واقتدارا هُوَ صَاحب الرّوم هَذَا مَا تَلقاهُ بعض النقلَة عَن لِسَان الشَّيْخ الْعَارِف مُحَمَّد بن الْحسن الملا الْحَنَفِيّ والعهدة عَلَيْهِمَا وَالله أعلم (120)

وفيهَا مَاتَ الْفَقِيه أَبُو بكر عبد الله صفير بالصَّاد الْمُهْملَة المضمومة وَالْفَاء الْمَفْتُوحَة وَالْيَاء المثناه التَّحْتِيَّة وَالرَّاء الْمُهْملَة وَرَأَيْت لَهُ شعرًا مقفا مَوْزُونا يمدح الإِمَام الْأَعْظَم الْقَاسِم بن مُحَمَّد.

وَفِي ذِي الْحجَّة من هَذِه السّنة استدعا صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن قَبيلَة هَمدَان.

لتسويد الْعِيد فتأهبوا للوصول وَبلغ بني الْحَارِث أَنهم سيضربون الطبل عِنْد الْمُرُور من بِلَادهمْ إِلَى الْغِرَاس فتحزبوا وتحرشوا وتنصبوا وأشعروا هَمدَان إِن من دون ذَلِك اخْتِلَاف المران وانعكاس المشرفية وإطراد الأعوجية فَإِنَّهَا بادرة تكون عَلَيْهِم فِيهَا عَار ويحلقهم من أجلهَا ظنية وشنار فَجَاشَتْ خواطر هَمدَان وَقَالُوا لَا بُد من

ص: 209

الْمُرُور غَايَته أَن تصطدم الرؤوس وتندق الصُّدُور فَنحْن الملا والغرانيق الْعلَا سابقتنا قديمَة ومنزلتنا عِنْد الْأَئِمَّة والملوك فخيمة وَنحن شيعَة أَئِمَّة الدّين وَالْمرَاد بقول أَمِير الْمُؤمنِينَ

(فَلَو كنت بوابا على بَاب جنَّة

لَقلت لهمدان ادخُلُوا بِسَلام)

فيا صَبَاحَاه لمصافحة الصفاح وَاخْتِلَاف خرصان الأرماح.

فَلَمَّا نقل هَذَا التقاول إِلَى الإِمَام استدعى إِلَى حَضرته صفي الْإِسْلَام فوصل الصفي إِلَى صنعاء فَكَانَ ذَلِك حدا للخصام حَيْثُ حوا جمعا ومنعا

وَفِي ذِي الْحجَّة خسف الْقَمَر ببرج الْقوس

وَفِي ثَانِيَة توفّي السَّيِّد الْعَلامَة المؤرخ المطهر بن مُحَمَّد الجرموزي المفضلي بِبِلَاد ولَايَته عتمة وَدفن بهَا وَكَانَ قد جمع سيرة الْإِمَامَيْنِ الْمَنْصُور بِاللَّه وَولده الْمُؤَيد وطرفا من سيرة المتَوَكل وَلم أَقف عَلَيْهَا عِنْد رقم هَذَا الكشكول ليتصل بصفحات خَبره من قميصها ذيول وَولى عتمة فاستمر بهَا من دولة الْمُؤَيد إِلَى وَفَاته فِي عشر الثَّمَانِينَ ممتعا بسمعه وبصره

ص: 210

وَحين عرف الشَّيْخ رَاجِح الكينعي عَامل الإِمَام على دكة تعز أَنه لَا يتم لَهُ مَعَ عَامل عز الْإِسْلَام مُرَاد وَإِن الِاشْتِرَاك مَظَنَّة للْفَسَاد اعتذر هَذِه الْأَيَّام عَن نيابته وَاعْتَزل وَمن أمثالهم مكره أَخُوك لَا بَطل فَسَار إِلَى حَضْرَة ولي السَّعَادَة وَرُبمَا وَله فِي بَاطِن الْأَمر إِرَادَة.

وَدخلت سنة سبع وَسبعين وَألف فِي محرمها وصل خبر الْحَج بالسداد فَلم يتَّفق فِي حرم الله شَيْء من الإحاد غير أَن حَاج الْعرَاق انْقَطع بِسَبَب مَا اتّفق من فتْنَة حُسَيْن باشا

وَحج بِهَذِهِ السّنة الْمُتَقَدّمَة السَّيِّد الْعَلامَة جمال الْإِسْلَام فَرُبمَا حاول وَقْفَة من الشريف زيد فَاعْتَذر عَنْهَا وَاتفقَ بِالْيمن شدَّة (120) لتأخر معالم الْمَطَر وَظُهُور الْجَرَاد الَّذِي كثر وانتشر ثمَّ رخصت بآخر السّنة الأسعار واضمحلت أَسبَاب الأعسار

وَفِيه قرر الإِمَام على بِلَاد الحمية المجبا والضمانة وَكَانَت قبل مسوقة إِلَى الإِمَام بالأمانة لسوالف صنعوها مَعَ الْمُؤَيد يسْتَحقُّونَ بهَا التَّقْرِيب والتقرير لليد فَكَانَ الْبَعْض تساهل فِي الْحق الْوَاجِب وَلم يعرف أَنه ضَرْبَة لازب وَوجه الْمصلحَة مَكْشُوف والخرص دَلِيله مَعْرُوف وَلما امْتَنعُوا وارتفع مِنْهُم جمَاعَة إِلَى حَضْرَة الإِمَام شاكين لم يشكهم الإِمَام وَاسْتقر مَا أَرَادَهُ من الْأَحْكَام

وَفِيه سَار الإِمَام من محروس شهارة إِلَى سَوْدَة شظب لأحوال تقاضت وأسرار نظر فاضت.

وَفِي رَابِعَة وفدت أَخْبَار مَكَّة بوفاة زيد بن المحسن وَهُوَ أميرها الْمَشْهُور وهزبهرها الهصور وَإِلَيْهِ أَيْضا من السُّلْطَان نِيَابَة الْحجاز وَالْمَدينَة وينبع والصفراء وعنزة وَبدر وخيبر ونجد الأعلا كالطائف وَمَا يتَّصل بِهِ من الْيَمَامَة إِلَى بيشة إِلَى بِلَاد البديع الَّتِي بهَا الشَّيْخ الجميلي إِلَى

ص: 211

الصفده إِلَى حلي إِلَى عتود وبيش ورثاه الشَّيْخ صارم البلاغة إِبْرَاهِيم ابْن صَالح الْهِنْدِيّ بقوله

(بِأبي الْمجد عز أم الْقُرَّاء

وابك زيدا يَا عمر أَي بكاء)

(واجر حَمْرَاء دمعتيك لوجه

وسدوه بالراحة الْبَيْضَاء)

(مَاتَ من قدحه الْمُعَلَّى وأضحى

ثاويا فِي ضرائح المعلاء)

(يَا لناع أَصمّ لما نعاه

أذن المكرمات والعلياء)

(قرح الْقلب فِي الْمقَال بغيه آل

تُرَاب كم قد أثار من برحاء)

(يَا خليلي سَائِلًا كل ركب

أصحيح ممات زيد الْعَلَاء)

(واسألا عَن مشاعر الْبَيْت فالطائف

والمنحنا فشعب مناء)

(لَا عَجِيب لطيبة أَن نَعته

وبكته بِعَينهَا الزَّرْقَاء)

(واسألا عَن أبي قبيس أباق

هُوَ أم قد هوى إِلَى الْبَطْحَاء)

(إِذا مَا بَكت بِعَين حنين

بكة عَن حنين صَاد وباء)

(وَقَلِيل أَن يحزن الْحجر الْأسود

فالحزن عَادَة السَّوْدَاء)

ص: 212

(كم قُلُوب سعت إِلَى جمرات

الكرب واستسلمت إِلَى المسعاء)

(ونفوس سَالَتْ على مروة الوجد

ومالت عَن عهد ذَاك الصفاء)

(ومقام إِبْرَاهِيم لم يَك بردا

وَسلَامًا عَلَيْهِ نَار الأساء)

(وَلكم قد بَكَى لَهُ الرُّكْن وَالْحجر

بِعَين من زَمْزَم قرحاء)

(وَترى الْكَعْبَة الشَّرِيفَة لاحت

فِي حداد الرزية الداداء)

(وحجيج الشَّام لما نعاه

ذكر الْمُلْتَقى على الصَّفْرَاء)

(وشجى يَوْم مَوته ركب مصر

فبكاه بدمعة حَمْرَاء)

(أَي رزء عَم البسيطة كربا

مثل يَوْم الشَّهِيد فِي كربلاء)

(ومصاب لَدَيْهِ جدلت الآمال

صرعى وأسود وَجه الرَّجَاء)

(لَا تسل عَن عفاته أَيْن صَارُوا

لَحِقُوا بالعقاب والخنساء)

(حَملته بَنَات نعش فأمسوا

وهم فِي منَازِل العواء)

(حامليه على السرير رويدا

لَيْسَ بالمستطاع حمل حراء)

(دافنيه فِي الرمس مهلا أفيقوا

لَا تواروا بالترب شمس الضحاء)

ص: 213

(حاذروا كَفه فَذَاك عباب

موجه طافح بفيض النداء)

(كَانَ جيدا كم رمت أهدي إِلَيْهِ

قبل هَذَا الرثاء در ثَنَاء)

(فعزيز على البلاغة أَن تبدل

در الثنا بجزع الرثاء)

(أَيْن أخلاقه الْكَرِيمَة كَانَت

ذَات زهر كالروضة الْغناء)

(أَيْن أقلامه وَأَيْنَ مواض

مِنْهُ تجْرِي فِي الدَّهْر مجْرى الْقَضَاء)

(أَيْن خطيه المثقف إِمَّا

دارت الْحَرْب فَهُوَ قطب الرحاء)

(أَيْن شهباء جرده حِين أضحى

ثاويا وسط بَاطِن الشَّهْبَاء)

(عظم الله يَا صفي الْمَعَالِي

لَك أجرا فِي سيد النبلاء)

(فِي أَخِيك الشريف زيد ومحض آل

ود فِي الْبعد مُؤذن بالإخاء)

(كَيفَ وَالْجَامِع السلالة مِنْكُم

نسب يعتزى إِلَى الزهراء)

(والملوك الْكِرَام فِي النَّاس أكفاء

وَحسن العزاء للأكفاء)

(أَنْتُم يَا بني الإِمَام وَزيد

وَبَنوهُ كأنجم الجوزاء)

(عز مِنْهُم مُحَمَّدًا أَو أَخَاهُ

أَحْمد الْجَعْد وَاضح الأنباء)

(ثمَّ عز الْهمام سَعْدا فسعد

فَهُوَ فأل الْخلَافَة القعساء)

(آس قلبا فِي صَدره الرحب شهما

فزوال الأساء بالتاساء)

(وبخير الورى التأسي وبالماضين

وَالتَّابِعِينَ وَالْخُلَفَاء)

(قل لَهُ أَنْت مرهف لَيْسَ تخشى

صدءا من حوادث الْجلاء)

(لم يمت يَا أَخا السِّيَادَة لَيْث

أَنْت فِي غابه صَنِيع الحماء)

(لَا وَلَا يطرى الحسود ببدر

أَنْت سَار من أفقه فِي سَمَاء)

(فاستنر كَوْكَب السرُور فقد لَاحَ

لومض العزا بحس الهناء)

(لَا تضق عَن أَبِيك ذرعا فزيد

خَالِد وسط جنَّة الماواء)

(صَار فِي زمرة النَّبِي وسبطيه

وضيف البتول والمرتضاء)

ص: 214

(غَابَ مستكرم السجية وَالْفضل

حميد الأصباح والأمساء)

(وَسَلام عَلَيْهِ تترى وجادت

تربه كل دِيمَة وطفاء)

وَدفن بِمَكَّة المشرقة على شرفها أفضل السَّلَام وَرَحْمَة الله

إضطراب أَحْوَال الْأَشْرَاف وتقرر الْملك لسعد بن زيد فتطاول الشريف حمود إِلَى أَن يكون صَاحب البندر الْمَعْقُود وَهُوَ خليق أَن يصعد عَلَيْهِ التَّاج وَيكون أَمِير تِلْكَ الفجاج لتِلْك النخوة القرشية والحركات السبعية

وَلَا يحوط جَانب ذَلِك الْمقَام سِيمَا مَعَ غربَة الْإِسْلَام غير من أطْعم الأساد وأروى الصعاد إِذا هَمهمْ مَالَتْ الْأسد عَن طرقه وَإِذا غضب خلع هياكل السلطنة من عُنُقه

(وُصُول إِلَى المستصعبات بِرَأْيهِ

فَلَو كَانَ قرن الشَّمْس مَاء لأوردا)

وَمَا المُرَاد أَهْلِيَّته لأجل مُلَاحظَة أَحْوَال الشَّرْع فَسَيَأْتِي أثْنَاء هَذَا التَّارِيخ مَا يقْضِي أَنه من رواء ظَهره لكنه كَانَ بِمَكَّة يَوْمئِذٍ من أعتام الْجَهْل من الْعَرَب وَالتّرْك وَالْعَبِيد وَغَيرهم من لَا يقمع رؤوسهم الأسيفه وَلَا يقوم إعوجاجهم إِلَّا حيفه فالحال كَمَا قَالَ

(قد استشفيت من دَاء بداء

وَأكْثر مَا أعلك مَا شفاكا)

لَكِن اتّفق أَن زيدا أَنْجَب أَوْلَادًا كَانُوا أعلق بذيل نِيَابَة السُّلْطَان وَأشهر إِلَى خاطر الأميرين ذِي الفقار وَشَعْبَان وَأكْثر الْميل إِلَى الشريف سعد وأخيه مُحَمَّد فاغتنم غَفلَة الشريف مُحَمَّد وَكَانَ يَوْمئِذٍ بِالْمَدِينَةِ وسنانه أطول وسنه أكبر وَأجل وَحين قضيت إِمَارَة سعد بلَيْل نَادَى مُحَمَّد يحيى بالثبور وَالْوَيْل وَقَالَ كَيفَ إِمَارَة الْأَحْدَاث لَا بُد أَن يجر على هَذَا المنصب أَنْوَاع الْأَحْدَاث وَيدل على إجتثاث هَذِه الرُّتْبَة من أَصْلهَا كَمَا دلّت فِي سالف الزَّمَان براقش على أَهلهَا

ص: 215

(أوردهَا سعد وَسعد مُشْتَمل

مَا هَكَذَا تورد يَا سعد الْإِبِل)

إِلَى كَلَام يخب فِيهِ وَيَضَع وتوجع عَظِيم لَو نفع

وَكَانَ انتصاب سعد مَشْرُوطًا بِرَفْع خَبره إِلَى الْأَبْوَاب وَمَا جَاءَ من هُنَاكَ فَهُوَ الْمُعْتَمد وَالصَّوَاب وَرُبمَا أَن رفع هَذِه الْقَضِيَّة إِلَى مسامع السلطنة العثمانية كَانَ عقب دس البراطيل الَّتِي انْتفع بهَا كم من عليل وانتقع بهَا كم من غليل فَوَقع الِاتِّفَاق من نَائِب جدة وَسَائِر أَعْيَان مَكَّة على أَن يرفعوا خبر الشريف زيد وَإِنَّهُم متوقفون على من تنْسب إِلَيْهِ تِلْكَ الْبقْعَة وَيذكر بِالْخطْبَةِ مَعَ صَاحب التخت وَتخرج برسمه الخلعة وَتَأَخر الْجَواب إِلَى رَجَب هَذِه السّنة ثمَّ ورد لسعد بِولَايَة مفوضة ودولة مُمكنَة فَكَانَ أَخُوهُ أَحْمد خَادِم إِشَارَته وَهَارُون وزارته فَالْتَفت سعد إِلَى ضبط المملكة بجأش ثَابت وَقدم أرسخ من الثوابت تركع بَين يَدَيْهِ الْأَشْرَاف والملوك وتزهوا باسمه ورسمه المنابر والصكوك وَحين لباه الْقدر وأسعد وَمَال عَن الشريفين حمود وَأحمد تردد فِي جَوَانِب الصَّفْرَاء وينبع وَتلك الديار مستندين فِي إِمْضَاء الْأَحْكَام إِلَى قَائِم السَّيْف البتار

(وَمن تكن الْأسد الضواري جدوده

يكن ليله صبحا ومطعمه غصبا)

وَفِي آخر ربيع الثَّانِي سَار إِلَى برط السَّيِّد بدر الدّين مُحَمَّد بن عَليّ الغرباني وانفذ رِسَالَة إِلَى الإِمَام تَتَضَمَّن الْقدح فِي شَيْء من الْأَحْكَام وَهَذَا السَّيِّد لَهُ فطنة قَوِيَّة وبلاغة عُلْوِيَّهُ وَبَاعَ فِي الْعُلُوم غير قصير وَنظر إِلَى سَائِر الكمالات غير حسير غير أَن الولايات أرزاق وَلَيْسَ التقيد بهَا لكل كَامِل على الْإِطْلَاق

وَفِيه رفع الإِمَام مَا كَانَ وَضعه بالأسواق وَلم يبْق من القبالات إِلَّا مَا كَانَ من قبل

وَفِي جُمَادَى الأولى اتّفق بِصَنْعَاء وَقت الضُّحَى زَلْزَلَة ورجفات وَمَضَت بهَا وَمَا حولهَا جَراد لم يعْهَد مثلهَا فِي الْكَثْرَة قيل أَنَّهَا ارْتَفَعت من بطُون تهَامَة إِلَى الْجبَال ثمَّ انتشرت فِي الشَّام حَتَّى بلغت دمشق وحلب ثمَّ انْتَهَت إِلَى الرّوم وَلم تعاود الْيمن إِلَى سنة خمس وَثَمَانِينَ كَمَا سَيَأْتِي

وَوجد مكتوبات فِي

ص: 216

أذنابها برقم نميم مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم فسبحان الْقَادِر الْحَكِيم

واضطربت هَذِه الْأَيَّام أَحْوَال الْأَشْرَاف وَخَافَ كل وَاحِد على نَفسه التلاف

وَفِي نصف جُمَادَى الْآخِرَة خسف الْقَمَر عِنْد طلوعه ببرج الجوزاء

وفيهَا أخبر تجار عمان الواصلون إِلَى الْيمن إِنَّه قد برز أَمر السُّلْطَان صَاحب القسطنطنية بالتجهيز على حُسَيْن باشا صَاحب الْبَصْرَة وعَلى ذكر الْبَصْرَة فَهِيَ الْآن فؤاد قطرها وَقَاعِدَة مصرها تنْسب تِلْكَ الْبِلَاد إِلَيْهَا على الْعُمُوم ويستقر بتختها مَنْصُوب الرّوم بهَا قُصُور وبروج يَتَخَلَّل حريمها بساتين ومروج وَلها نهر مجرور من دجلة يمْضِي فِي كل شوارعها ويتبلبل فِي حافتها فيلذ لمسامعها ولشعبه إِلَى بيوتها جداول مدمجة ينصب مِنْهَا إِلَى حِيَاض مصهرجة فينتفع بِهِ أتم الإنتقاع ثمَّ يُرْسل إِلَى تِلْكَ الْبَسَاتِين فيجاوب أطيارها بأفنان التلاحين وَيقبل أَرض رياضها المغدقة ويتلوث بأقدام أَغْصَانهَا المورقة فطوبى لمن وَصلهَا بِفضل الرّبيع واستملى من أزاهر أفنانها فن البديع ظلّ أَغْصَانهَا حَاجِب للشمس وَلَا يَأْذَن إِلَّا للنسيم لِأَن كل غُصْن ملك متوج من زهره بدر نظيم وطيرها لحنه فَارسي مُعرب التلحين فَلَو تكلم بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين لأفصح معربا وَأنْشد مطربا

(بَادر لروضك تلق فِيهِ مهيئا

للقاك بِالْمَعْنَى الَّذِي يسْتَغْرق)

(فالطير تشدو والنسيم محركا

والغصن يرقص والغدير يصفق)

وَلها فضل على بَغْدَاد بتخلل النَّهر جَمِيعهَا فَلِكُل حارة مِنْهَا حَظّ مقسوم وَشرب مَعْلُوم

وَتلك لاستعلاء بَعْضهَا عجز نهرها عَن سير الِارْتفَاع وانسابت ثعابينه فِيمَا انحدر من الْبِقَاع وَأما الْكُوفَة فَهِيَ الْآن خراب لَا يسكنهَا غير الضبا والضباب شعرًا

ص: 217

(لبلدة سامراء قد فاض سرها

فسبحان حامي سر مرا وماحيها)

وَفِي سَابِع وَعشْرين من رَجَب توفّي القَاضِي الْعَلامَة فَخر الْإِسْلَام عبد الْقَادِر ابْن عَليّ المحيرسي بِبَلَدِهِ المحيرس من أَعمال الشاحذية ولي الحكم هُنَالك فسلك فِيهِ أَيمن المسالك بقدم وَاقِف فِي الْعُلُوم على تخوم الرسوخ وغرار فهم يقطع من مقاولة الْخُصُوم عرق اليافوخ

قَرَأَ على الْعَلامَة الْمُفْتِي بعلمي الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول وَوَافَقَ رَأْيه فِي مختارات الْأُصُول وَكِلَاهُمَا متشرع فِي بَحر الْحجَّة مُحَمَّد ابْن إِبْرَاهِيم مشرع إِلَى بَحر الشّبَه خطى تصميمه الصميم وَقد دَار بَينه وَبَين الإِمَام كؤوس خلاف هِيَ الذمن المدام وَكَانَ القَوْل فِيهَا مَا تَقول حذام وَمن رأى مَا فِي كتابي الإيثار والعواصم من تيسير جعل الْخلاف لفظيا أعرض عَن تَطْوِيل تِلْكَ الأبحاث ونبذها ظهريا وَمَا أحسن قَول صَاحب الْجمل

(يَكْفِيك من جِهَة العقيدة مُسلم

وَمن الْإِضَافَة أحمدي حيدري)

وَقد لَاقَى حَاصِل مَعنا قَول بن دَقِيق الْعِيد

(تجاوزت حد الْأَكْثَرين إِلَى الْعلَا

وسافرت واستبقيتهم فِي المراكز)

(ولججت فِي الأفكار حَتَّى تراجع

اخْتِيَاري إِلَى اسْتِحْسَان دين الْعَجَائِز)

قلت حَدِيث عَلَيْكُم بدين الْعَجَائِز

قَالَ السخاوي لَا أصل لَهُ لَكِن عِنْد

ص: 218

الديلمي من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْبَيْلَمَانِي عَن أَبِيه عَن ابْن عمر مَرْفُوعا إِذا كَانَ فِي آخر الزَّمَان وَاخْتلفت الْأَهْوَاء فَعَلَيْكُم بدين أهل الْبَادِيَة وَالنِّسَاء

وَابْن الْبَيْلَمَانِي ضَعِيف جدا قَالَ ابْن حبَان حدث عَن أَبِيه بنسخة مَوْضُوعَة لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ انْتهى

من مؤلفات صَاحب التَّرْجَمَة حَاشِيَة على شرح الأزهار قرر فِيهَا طَهَارَة رُطُوبَة الْكفَّار وَهُوَ الَّذِي نَهَضَ بِهِ الدَّلِيل كَمَا قَرَّرَهُ الْأَمِير الْحُسَيْن وَصرح بِهِ فِي بعض شُرُوح الْبَحْر وَإِن الطَّلَاق يتبع الطَّلَاق حَيْثُ كَانَ بِأَلْفَاظ وأحسب أَن لَهُ شرحا على الثَّلَاثِينَ مسئلة فقد مِنْهُ نُسْخَة منسوبة إِلَيْهِ وفيهَا من الْعبارَات الرائقة والتحقيقات الفائقة مَا يسلب الأذهان ويهلى عَن صغد شغد سَمَرْقَنْد وَشعب بوان وَله جَوَاب على الْفَقِيه الْعَلامَة أَحْمد بن مطير فِي شَأْن المعونات الَّتِي يَأْخُذهَا أَرْبَاب الْأَمر

وَفِي هَذِه السّنة جَاءَت الْأَخْبَار بوفاة الشاه عَبَّاس بن الشاه صفي بن الشاه عَبَّاس ملك الْعَجم فتسنم تَحْتَهُ أحد أَوْلَاده ثمَّ قَتله سُلَيْمَان أَخُوهُ وَمَشى فِي رسمه وتقلد عضب حكمه وباء بإثمه وإثمه وَسَببه الْحَسَد الَّذِي مَا خلا عَنهُ جَسَد

(دَاء دَعَا قابيل من قبله

إِلَى الَّذِي أحدث فِي صنوه)

ص: 219

قَالُوا وَغير سُلَيْمَان هَذَا كثيرا من أَحْدَاث وَالِده الَّتِي كَانَ قد تطهر بهَا مثل الْخمر والبغايا وهم بِالْمَنْعِ عَن نِكَاح الْمُتْعَة فصده عَن ذَلِك عُلَمَاء الإمامية فِي زَمَنه وَكَأَنَّهُم هموا بالتسجيل عَلَيْهِ إِنَّه صادم الشَّرْع المسكوك وَهُوَ المفتعل المأفوك ولعوام الْعَجم وَالروح جنوح إِلَى تَنْفِيذ مَا يصدر عَن عُلَمَائهمْ حَقًا كَانَ أَو بَاطِلا

واشتهر بِهَذَا عَسَاكِر الأروام فَإِن صَاحب تختهم مَتى صدر عَنهُ مَالا يرضاه الْعلمَاء نهضوا إِلَى شيخ الْإِسْلَام وَجمع بِحَضْرَتِهِ أهل الْحل والإبرام وحرر بمشهدهم سجلا يتَضَمَّن أَن السُّلْطَان قد تعطل عَن الْمصلحَة أَو غلب فَسَاده صَلَاحه وَبِذَلِك يتَوَجَّه رَفعه وَيتم خلعه وَأَن الحنكار الْأَعْظَم والجناب الْمُعظم الَّذِي كملت بِهِ الْمَقَاصِد وعرى من وُجُوه الْمَفَاسِد الْوَاجِب على من تحمل كلمة التَّصْدِيق وَتمسك من الشَّرْع بِحَبل وثيق أَن ينصر ألويته ويحف أنديته ثمَّ يضع شيخ الْإِسْلَام عَلَيْهِ خَتمه فيلتزم من عداهُ من الْعلمَاء الحضار خَتمه ثمَّ يفاض الْأَمر على وَزِير التخت فيشعر من عداهُ وَيتم الدست فَإِن قبل المخلوع قوبل بالسلامة وَإِلَّا نَالَ عواقب الندامة وَقد يعْدم الْأمان فيتمناه وَقد يذهب الَّذِي فِيهِ عَيناهُ

وَمَعَ عدم تَفْرِيط سُلَيْمَان فَإِنَّهُ نزل من الإفراط بمَكَان وَلم يعلم أَن تعمق التَّطْهِير للفرحين مَظَنَّة للْفَسَاد وَأَنه

(رُبمَا أخرج الحزين جوى الْحزن

إِلَى غير لَائِق بالسداد)

(مِثْلَمَا فَاتَت الصَّلَاة سُلَيْمَان

فأنحنا على رِقَاب الْجِيَاد)

نقل عَنهُ فِيمَن سكر بِالشرابِ أَنه أفرغ فِي حلقه الرصاص الْمُذَاب

وَفِي رَجَب وصل إِلَى حَضْرَة الإِمَام مَنْدُوب السُّلْطَان مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد خَان بن عُثْمَان صحبته هَدِيَّة لَيست بسنية وَفِي صحبته جمَاعَة من بواردية الإنقشارية والأسباهية فانقبضت عَنهُ الخواطر وَلم تقر بِمَا جَاءَ بِهِ

ص: 220

النواظر وأقصي عَن حَضْرَة الإِمَام بعد أَن مازجت الخواطر مِنْهُ أَوْهَام فأثابه الإِمَام بِمَا يَلِيق وَدلّ على قَارِعَة الطَّرِيق فَتوجه طَرِيق صنعاء وَقد ارْتَفع إِلَى الْخَواص بعض خَبره وَإنَّهُ أظهر فِيمَا بعد أَن الْهِنْد مُنْتَهى سَفَره

فَلَمَّا وصل صنعاء وَبهَا عَسَاكِر صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن وهم فِي أبهة لَهَا أساليب يرتجف لَهَا فؤاد شبيب وَقَائِدهمْ داهية فِي سربال وفارعة يقوم بهَا قِيَامَة الْأَبْطَال

(أَسد دم الْأسد الهزبر خضابه

موت فريص الْمَوْت مِنْهُ يرعد)

فَمَلَأ بِهِ النواظر وَلَقي مِنْهُ الهزبر الكاشر لكنه أَخذ يقلل حَاله فِي أعين النَّاس ويخبر عَن كَثْرَة شجعان بِلَاده وَمَا هم عَلَيْهِ من الباس ويخبر أَنه برز أَمر السُّلْطَان قبل الْعَام الْمَاضِي بالتجهيز على الفرنج وَأَن تعْمل المذاكي وتلمع المواضي فَرَمَاهُمْ على سَبِيل الْفَوْز بسبعة لكوك فصادف سُقُوط الثَّلج الَّذِي سد عَلَيْهِم طرق السلوك فاغتنم الفرصة الإفرنج

وَقتلُوا مِنْهُم خلقا عديدا

{هُنَالك ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وزلزلوا زلزالا شَدِيدا} بعد أَن تراموا بالزبارط والمكاحل ثمَّ اجتلدوا بِالرِّمَاحِ والمناصل وَكَانَت الدائرة بالهزيمة على الْمُسلمين وريح النَّصْر خافقة بهَا ألوية الْكَافرين وَلم يعد غير نصفهم إِلَى اسطنبول فَوَعَدَهُمْ السُّلْطَان بنيل السول ثمَّ كمل بهم عدَّة عشرَة لكوك وربط فيالقهم وكراديسهم بالبواش والوزراء والملوك وأنفذهم كالنصال إِلَى نحور الفرتقال فأنسوهم لَيْلَة الهرير وحصدوا من رقابهم الجم الْغَفِير

ثمَّ قَالَ مَا هَؤُلَاءِ الَّذين فِي حضرتكم إِلَّا فِي عدَّة أهل البلطات وهم الَّذين يحملون زبر الْحَدِيد تجاه الْجَيْش لإِصْلَاح الطرقات

فَتلقى حَدِيثه بِعَدَمِ الْجِدَال وحملت حماسته على كَاهِل الِاحْتِمَال وَلما وصل إِلَى حَضْرَة عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الْحسن بن الإِمَام وأشرف على العرضة الَّتِي عقدت بقاع جبلة فَرَأى أساليب الأروام بِتِلْكَ النّوبَة الَّتِي يحمحم لَهَا الْجواد الصَّافِن ويحترك لَهَا الْفُؤَاد السَّاكِن

ص: 221