الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصل فِي الرُّجُوع إِلَى الهظب أغار جمَاعَة من قبائل الْبِلَاد على آخر الْقَافِلَة فَمَنعهُمْ أَهلهَا وتراجموا بِالْحِجَارَةِ فَرجع الآغا ورما بالبنادق وَقتل مِنْهُم أَرْبَعَة وهرب الْبَاقُونَ وَتبع حَاج الْيمن فِي الْخُرُوج وَزِير الشريف وَمَعَهُ بعض الحشم والمماليك فأدركهم بحلي وَوصل مَعَ الْأَمِير إِلَى حَضْرَة الإِمَام
وَلما تألبت هَذِه الجموع على الشريف أَخذ حذره وَأحكم أمره فوصل عَرَفَات ثمَّ نزل منا وَأصْبح يَوْم النَّفر الأول عَازِمًا على جبل الطَّائِف وَأعْرض عَن لِقَاء الْأُمَرَاء والبواش فَلَمَّا سَار حصل من هُذَيْل الإنتهاب لمن لحق فِي الأعقاب بوادي نعْمَان وانتهب هُذَيْل بني عصيه وَقتلُوا مِنْهُم من لم يسلم سلبه وَاسْتقر سعد هَذِه الْأَيَّام بِالطَّائِف
وفيهَا جَاءَت الْأَخْبَار بِأَن الفرنج وصلوا إِلَى السَّاحِل وَمنعُوا الْخَارِج والداخل فِي أحد عشر مركبا فاستدعى السَّيِّد الْحسن بن المطهر أَخَاهُ جَعْفَر بن المطهر فوصل إِلَيْهِ من العدين فِي أَربع مائَة مقَاتل واستدعى من زبيد نَحْو الْمِائَة وَعز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن بن الإِمَام أعد جَيْشًا نَافِعًا لوقت حَاجته وَصرف السَّيِّد الْحسن إِلَى دواير المخا جملَة من الْعَسْكَر وَكَانَ قد أنفذ رُتْبَة إِلَى قلعة فضلي فاستمر الحطاط على المخا قدر شهر ثمَّ وَقعت المراسلة بَين الفرنج وَالسَّيِّد بِالصُّلْحِ على أَن يسْقط على تجارهم الداخلين المخا بِقدر مَا كَانَ أَخذه السَّيِّد زيد بن عَليّ أَيَّام ولَايَته ثمَّ دخل تجارهم بعد ذَلِك إِلَى البندر وَرجع الْآخرُونَ إِلَى بِلَادهمْ
وفيهَا شرع صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن فِي اسْتِخْرَاج غيل بِالْقربِ من الْحَمْرَاء وَلما توَسط الحفارة فِي عمله انْهَدم عَلَيْهِم فَهَلَك نَحْو سَبْعَة فَاضْرب عَن الْعَمَل فِيهِ
وَدخلت سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَألف
فِي غرَّة محرم مِنْهَا حل زحل آخر برج الْحُوت وَاتفقَ قرَان الزهرة وزحل
ببرج الْحُوت
وَلما استفصل من فِي الْيمن خبر سعد والأروام وَرفع خبر التَّجْهِيز عَلَيْهِ إِلَى مسامع الإِمَام وَكَانَ فِي الْأَخْبَار تهويل يقْضِي بِأَن مَكَّة غير مُنْتَهى سفرهم فَإِنَّهُم لَا يتركون الْيمن وَقد تمكنوا وخاض مَعَ الإِمَام بعض النَّاس فِي الْأَخْذ للأهبة وملاحظة جَانب سعد بالتقوية حَتَّى عَاد جَوَاب صفي الْإِسْلَام أَحْمد ابْن الْحسن وَولده عز الْإِسْلَام بعد استمداد مشورتهما أَن الرَّأْي إِظْهَار الْغَفْلَة فَاسْتحْسن ذَلِك الإِمَام وَرَأى أَن الصّلاح موادعة الأروام وَأَن الرَّأْي كَمَا قَالَ بعض أهل الأحلام
(لَا تصغ إِن شردعا فالشران
…
تنهض لَهُ ينْهض وَإِن تسكن سكن)
(وسديد رَأْي لَا يُحَرك فتنه
…
سكنت وَإِن هِيَ حركته لَهَا اطْمَأَن)
وَلما لم يتم الْحَج لأهل الْيمن كَمَا وصفناه قَالَ الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن صَالح فِي ذَلِك
(أظلما عَن الْبَيْت الْحَرَام نذاد
…
على مثلهَا الْخَيل الْعتاق تقاد)
(وخسفا يسام الهاشميون إِنَّهَا
…
لفادحة فِيهَا الحتوف عتاد)
(فَلَا نَامَتْ الأجفان يَا آل قَاسم
…
وَكَيف وفيهن السيوف حداد)
(وَلَا حملتكم من نتايج داحس
…
شوازب إِن لم يستشب زناد)
(إِذا لم يصن عرض الْخلَافَة فِيكُم
…
فَمن أَيْن مجد طارف وتلاد)
(تدافعت البيد الموامي بقومكم
…
تدافع ذل فِي صماة صماد)
(وردوا حيارى خائبين بصفقة
…
ينَال بهَا ريح الردى ويفاد)
(وَقد شارفوا أرجاء مَكَّة فانثنوا
…
بفاقرة تفري الْأَدِيم وعادوا)
(بني الْقَاسِم الْمَنْصُور هَل تحسبونها
…
بهينة لَا بل عناء وعناد)
(فعزما فَأنْتم أسرة السؤدد الَّذِي
…
مبانيه فَوق النيرات تشاد)
(ألستم بِأَهْل الرُّكْن وَالْحجر والصفا
…
بِلَا وَهِي أوطان لكم وبلاد)
(فَلَا تتركوا الأتراك فِي جنباتها
…
على الغي قد ساسوا القروم وسادوا)
(وصولوا مصالا يتْرك الْبَحْر جذوة
…
وحزما فَمن فَوق الْجمار رماد)
(وَيَا آل قحطان وَيَا آل حاشد
…
وَآل بكيل آن آن جِهَاد)
(يذاد عَن الْبَيْت الْحَرَام حجيجكم
…
كَمَا ذيد من ذيب الفلاة نقاد)
(فشدوا حزَام الحزم فالطرف أَن يدع
…
مشد حزَام مَال مِنْهُ بداد)
(أَلا أيقظوا نجل الْعُيُون عَن الْكرَى
…
فَلَيْسَ بهَا إِلَّا قذا وسهاد)
(إِذا فاتها من أسود الرُّكْن نظرة
…
فَلَا دَار فِي أحداقهن سَواد)
(قَلِيل بِأَن تشرى مني بمنية
…
ليَالِي لقى تزهوا بِهن سعاد)
(وتجريع كأس الْمَوْت أَن تدر زَمْزَم
…
واعوزت الوراد مِنْهُ ثماد)
(وَنحر الْفَتى المكروب فِي عرفاتها
…
على وَقفه فِيهَا الحروب ترَاد)
(ألذ وَأحلى للكمي مذاقه
…
أَلا انتبهوا يَا قوم طَال رقاد)
(إتقذا عُيُون مِنْكُم بمذلة
…
وتغضى عُيُون حشوهن قتاد)
(ويصفوا على ذَا الضَّم للْحرّ مشرب
…
وَكَيف وَشرب الْهون مِنْهُ براد)
(دعوتكم هَل تَسْمَعُونَ نِدَاء من
…
يحرض لَكِن لَا يُجيب جماد)
(فيا سيف سيف الله من حسن أجب
…
فقد لقحت حَرْب وثار نهاد)
(أأحمد مَاذَا الْعود مِنْهُم بِأَحْمَد
…
وَلَكِن حَدِيث الضيم مِنْهُ معاد)
(فثر ثورة واغضب لِرَبِّك غضبة
…
بعزم لَهُ فَوق النُّجُوم مهاد)
(وَقل لأمير الْمُؤمنِينَ أمثلها
…
يُرَاد بِنَا والمقربات جِيَاد)
(لأية مغنى هَذِه الْخَيل تَدعِي
…
وبيض المواضي والرماح صعاد)
(وفيم تجر الْجَيْش وَهُوَ عَرَمْرَم
…
لهام بِهِ غصت ربى ووهاد)
(أغايته يَوْم الغدير لزينة
…
وَغَايَة جرد الْخَيل مِنْهُ طراد)
(أَبَا الله وَالدّين الحنيف وصارم
…
على عاتق الْإِسْلَام مِنْهُ نجاد)
(ويأبى أَمِير الْمُؤمنِينَ وبأسه
…
وَفِي الثغر والرأي السديد سداد)
(وأنصاره الأساد أقيال يعرب
…
غطارف فِي دين الآله شَدَّاد)
(فيا أَيهَا الْمولى الْخَلِيفَة عَزمَة
…
فقد شَاب فود واستشب فؤاد)
(فَلَا تبر أقلاما سوى من لهاذم
…
لَهَا من دِمَاء المارقين مداد)
(وَلَا كتب إِلَّا الكتايب والظبى
…
وَلَا رسل إِلَّا قِنَا وجياد)
(دعى أَحْمد الْهَادِي بِمَكَّة مُفردا
…
فَمَال ذووه عَن دَعَاهُ وحادوا)
(وَقَامَ وجنح الْكفْر داج غدافه
…
وَمَا الْكَوْن إِلَّا ظلمَة وَفَسَاد)
(وَأَنت لَهُ فِينَا أجل خَليفَة
…
بكفك للنصر الْمُبين قياد)
(فسير أَمِير الْمُؤمنِينَ جحافلا
…
لَهُنَّ من السحب النقال مُرَاد)
(وحث بخيل الله وأبعث رعالها
…
فقد سَاءَ تأليف وَعز وداد)
(وجهز صفي الدّين يمْضِي بهمة
…
بأشراكها نسر السَّمَاء يصاد)
(وأيده بالأبطال إبنا عَمه
…
وبإبنك عز الْآل تثن وساد)
(وَلَا تطو أحشاء الفخار على جوى
…
تاجج مِنْهُ جذوة وزناد)
(أيقصى عَن الْبَيْت الْحَرَام رِكَابنَا
…
ويهدم من آل النَّبِي عماد)
(أَلا تذكر الأتراك غارب أثلة
…
وأنود إِذْ ذاقوا الوبال وبادوا)
(وَيَا رب يَوْم أدركوا فِيهِ مصرعا
…
وللوحش مِنْهُم منهل وزواد)
(فعودوا عَلَيْهِم عودة مضرية
…
يصاب سليم عِنْدهَا وَمُرَاد)
(إِذا أَحرمت بيض السيوف محلّة
…
وفاض نجيعا أبطح وجياد)
(هُنَالك يشفى غيظ نفس كَرِيمَة
…
وَقد حَان من أهل الضلال حصاد)
(ودونكم الحذا من قلب عَارِف
…
لَهَا حكم مَا أَن لَهُنَّ نَفاذ)
(لقد أرْسلت أَمْثَالهَا وترسلت
…
فواصل فِيهَا للعداة صفاد)
(أصيخوا لَهَا سمعا وعواما يَقُوله
…
خطيب بليغ الواعظات جواد)
(سَلام عَلَيْكُم إِن عملتم بحكمها
…
وَإِلَّا فَلَا جاد الديار عهاد)
وَكَانَ مَعَ عود الْوَزير حُسَيْن باشا مَعَ الْمحمل الشَّامي تمهيد أَحْوَال الْحجاز وَشد الْوَطْأَة على غَيره بِسَبَب مَا فَعَلُوهُ فِي الْعَام الْمَاضِي وَأخْبر الزوار عِنْد وصولهم أَنهم رجعُوا والعساكر العثمانية متوجهة على الشريف سعد لمناجزته وَإنَّهُ يَوْمئِذٍ يُرِيد الْخُرُوج من الطَّائِف إِلَى بحيلة وَكَانَت الْأَخْبَار قد ارْتَفَعت إِلَى حلب وَغَيره أَن صَاحب الْيمن قد استولى على الْحَرَمَيْنِ بمساعدة الشريف سعد وَأثبت لَهُ المراسيم الإمامية وَزَاد مؤذنه فِي الآذان حَيّ على خير الْعَمَل حَتَّى نفذ مكتوبان من حُسَيْن باشا أَحدهمَا إِلَى حلب وَالْآخر إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان بِمَا يتَضَمَّن إِنَّه بَاقٍ فِي الْمَدِينَة المنورة وَأَن سعد قد تزحلف عَن الْحَرَمَيْنِ اللَّذين هما مُسْتَقر سُلْطَان الْحجاز إِلَى غَيرهمَا من الْبِلَاد وَأَن صَاحب الْيمن بمغزل عَمَّا نقل عَنهُ
وفيهَا انتهب سحار وَآل عمار قافلة خرجت من صعدة فِيهَا نقد كثير مصدر إِلَى صنعاء وبندر المخار قيل أَن سَببه أَن أَمِير تِلْكَ الْجِهَات جمال الْإِسْلَام
عَليّ بن أَحْمد بن الإِمَام كَانَ فِي هَذِه الْأَيَّام بِحَضْرَة الإِمَام ففارقه بعض مشائخ بِلَاده من غير أَن يُعينهُ على إِحْسَان من الإِمَام ينْفَصل بِهِ إِلَى بِلَاده فَضَاقَ صَدره واستحكم كبره وصنع مَا صنع وَلما سَار جمال الْإِسْلَام إِلَى صعدة اسْترْجع الْبَاقِي ورده على أَهله وَمَا زَالَ عقب ذَلِك يتخطف حول صعدة وَأحمد ابْن الْمُؤَيد وَهُوَ فِي عيان أرسل مَعَ بعض القوافل جمَاعَة من عسكره إِلَى بَاب صعدة وفيهَا جَاءَت الْأَخْبَار من الْجِهَة الشحرية بركَة أميرها أَمِير الدّين الْقرشِي وَأَنه اضْطر إِلَى مصالحة من بهَا من السلاطين
وَفِي ربيع الأول لما بلغ دهمة من برط فعل آل عمار بِبَاب صعدة كَانَ ذَلِك أُسْوَة لَهُم فِي الجرائة غير ملتفتين إِلَى العواقب وَأَن الْمَرْء إِنَّمَا يتغزى للمصائب وَلَا يتأسى بالمعائب فَخرج جمَاعَة مِنْهُم إِلَى رَأس المصراخ ونوروا فِيهِ للسَّيِّد مُحَمَّد ابْن عَليّ الغرباني قيل وَالسَّبَب فِيهِ أَن الإِمَام أَمر ابْن أَخِيه أَحْمد بن الْمُؤَيد بِاللَّه أَن يجمع مواد الْبِلَاد البرطية ويضمها إِلَى مصرف الْأَصْنَاف الثَّمَانِية وَمن لَهُ مَعْلُوم من قُضَاة برط أَخذه من مخزان بَيت المَال فشق ذَلِك على الْقُضَاة وأعوزهم إِلَى التبرم والتجرم وَلَا شكّ أَن تَغْيِير المراسم وانضراب المعالم سِيمَا فِيمَا يعود إِلَى الأرزاق أَمر تنفر عَنهُ الطباع وتنوء عَن حَدِيثه الأسماع وَلم يتم إِلَّا مَا قَالَه الضاة وَأخذُوا حُقُوقهم وَالسُّيُوف منتضاة وَفِي خلال ذَلِك غزاهم قبائل وائلة فانتهبوا شَيْئا من مَوَاشِيهمْ وَقتلُوا مِنْهُم اثْنَيْنِ وغزا برط إِلَى طَرِيق العمشية فنهبوا فِيهَا وعادوا إِلَى بِلَاد دهمة وَلما رأى السَّيِّد مُحَمَّد بن عَليّ تسارع الْفساد مَعَ عدم الْحَاصِل فِيمَا أَرَادَ نهاجها لَهُم وشاور فِي ذَلِك عقالهم وَسكن هَذِه الْمدَّة عَن حركات الدعْوَة
وَفِي هَذِه الْأَيَّام وصل إِلَى الإِمَام شكاة من أَطْرَاف بِلَاد سنحان فَوجه مَعَهم
على غرمائهم جمَاعَة من الْعَسْكَر فَلَمَّا استقروا حَيْثُ أَمر وأبلغ ذَلِك عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الإِمَام فاستدعى الْعَسْكَر الواصلين من الحضرة فَوَقع مِنْهُم التلكي فضاعف الرُّسُل لَهُم وأشخصوا إِلَى حَضرته فَأمر بانتهابهم وشدد فِي عقابهم فَعجب من ذَلِك الغبي من النَّاس وخبط فِي الْأَمر من لَا يتفرس مَوَاضِع الالتباس وَجَهل أَن ولَايَة عز الْإِسْلَام فِيهَا التَّفْوِيض فِي جَمِيع المطالب وَأَن الْبناء بَينه وَبَين وَالِده أَن الْحَاضِر يرا مَا لَا يرَاهُ الْغَائِب
وَفِي ربيع الأول وصل إِلَى الإِمَام بعض مشائخ جبل صَبر شاكين من الْعَامِل الشَّيْخ رَاجِح الأنسي وَلما أعرض عَنْهُم الإِمَام لمخامل ظَهرت لَهُ تحزبوا على الْخلاف وساعدهم على ذَلِك أهل الحجرية الأجلاف فكفوا يَد الْعَامِل وأشرعوا أسنة العوامل وحذفوا حَيّ على خير الْعَمَل من الآذان وَقتلُوا من الْعَسْكَر ثلثه
فِي ذَلِك الأوان وَرُبمَا وجهوا شَيْء من المطالب إِلَى حَضْرَة الإِمَام واستعانوا بِالْبَاقِي على حوادث تِلْكَ الْأَيَّام فَوجه إِلَيْهِم الإِمَام السَّيِّد الْمِقْدَام صَالح عقبات واعتنى عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن فِي إطفاء شرارهم وقمع أشرارهم وجدد حِينَئِذٍ عمَارَة المنصورة بِرَأْس جبل الحجرية وجر إِلَيْهَا المدافع وَهِي معقل قديم لملوك بني أَيُّوب وَذكرهَا ابْن خلكان فِي تَرْجَمَة السُّلْطَان طغتكين صنو السُّلْطَان صَلَاح الدّين بن أَيُّوب وَأَنه الَّذِي اختطها
وَفِي ربيع الآخر توفّي بحصن مُبين نَائِب حجَّة السَّيِّد مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم الجحافي وَقعد مَكَانَهُ أَخُوهُ عَليّ بن الْحُسَيْن وَفِي هَذِه الْأَيَّام وصلت كتب مَكَّة معلنة بِخُرُوج الشريف بَرَكَات وَمَعَهُ جمَاعَة من عَسْكَر السلطنة وَصَاحب الْمحمل الْعِرَاقِيّ إِلَى محروس الْمَبْعُوث وَأَن الشريف سعد بن زيد سَار من الطَّائِف إِلَى بحيلة وَهِي مَا بَين الطَّائِف وبلاد بيشة
وَفِي خَامِس ربيع توجه صفي الدّين أَحْمد بن الْحسن من الْغِرَاس إِلَى صنعاء فَبَاتَ بداره ثمَّ سَار إِلَى ضوران حَضْرَة الإِمَام بعد ان ازعجه الإِمَام للوصول للخوض فِيمَا كَانَ سعد بن زيد ذكره من استدعاء عَسَاكِر لأخذ الْحَرَمَيْنِ وَقد ذكرنَا فِيمَا مضى مَا أَشَارَ بِهِ الصفي وَولده الْعزي وَفِي أثْنَاء ذَلِك وصل مَكْتُوب السنجق دَار مُحَمَّد شاويش بكر لبكي السلطنة ونائبها فِي الْخُرُوج على سعد يذكر فِيهِ أَنه بلغه رُجُوع بعض حَاج الْيمن وَأَنه سَاءَهُ ذَلِك وَرُبمَا أَن التخوف من جَانب الباشا حُسَيْن وَأَن الشريف سَعْدا إِذا أَرَادَ الْخُرُوج إِلَيْكُم فاحذروا عَن مساعدته واسعوا فِي مباعدته فخروجه إِلَى الْيمن مَظَنَّة لتغير خاطر السُّلْطَان وَالرجل مَرْفُوع خَبره متبوع أَثَره فصادف كَلَامه شَيْئا فِي نفس الصفي وَمن أَشَارَ بشوره
وَفِي جُمَادَى الأولى توفّي السَّيِّد الْعَلامَة صارم الْإِسْلَام إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد المؤيدي بِبَلَدِهِ العشة خَارج صعدة رحمه الله وَأعَاد من بركاته وَله الشَّرْح على هِدَايَة سَيِّدي صارم الدّين إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد وَشرح الكافل وَغير ذَلِك وَقيل أَن لَهُ مؤلفا فِي الْأَنْسَاب سَمَّاهُ الرَّوْض الباسم وَفِي نسب آل الْقَاسِم يَعْنِي الْقَاسِم بن إِبْرَاهِيم وَلم أَقف عَلَيْهِ
وَفِي هَذِه الْأَيَّام وصل مُحَمَّد عَامر بن الْحَبَشَة إِلَى سَاحل المخا طريدا من سواكن بعد وُصُول عمر باشا إِلَيْهَا وَكَانَ قد أَسَاءَ إِلَى جَانب مصطفى باشا
نائبها الأول فَأخْرجهُ مِنْهَا ورام التغلب عَلَيْهَا وَلما انْتهى إِلَى السَّاحِل حَار فكره والتبس أمره فعرج عَن البندر وَلم يعلم أَيْن اسْتَقر
وفيهَا وَقع الْمَطَر الْجُود بجبل أرتل وَبَيت بوس جنوبي صنعاء وَاجْتمعت بخندقها السُّيُول وانهدم بهَا أَكثر الغيول سِيمَا غيل الإِمَام وَقد اعْتَادَ ذَلِك مُنْذُ أَيَّام وَكَانَت الشدَّة قد توالت والأسعار قد تعالت وتغالت وَمَا زَالَت تَتَرَدَّد فِي سنة سبع وَسبعين إِلَى تَارِيخ حُدُوث هَذَا الْغَوْث بِهَذَا الْغَيْث من السنين وَللَّه الْأَمر
وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة هرب من بيشة مُسْتَقر الشريف سعد بن زيد وزيره الآغا شعْبَان فِي زهاء أَرْبَعِينَ نَفرا من الْعَسْكَر والأعيان فوصلوا إِلَى حَضْرَة الإِمَام بِصَنْعَاء وَقد سلب فِي الطَّرِيق أَكثر سِلَاحهمْ وقاسوا اهوالا فِي مفاداة أَرْوَاحهم وَفِي هَذَا التَّارِيخ وصل الْخَبَر بوصول الجناب مُحَمَّد حبسي إِلَى جده ثمَّ دخل مَكَّة وَكَانَ خُرُوجه من مصر إِلَى الْبَحْر فِي نَحْو ثَلَاث مائَة من الْعَسْكَر وصحبته جوامك الْجند وَلما اسْتَقر ركاب مُحَمَّد شاويش بِالطَّائِف جمع مشائخ هُذَيْل وَغَيرهم وحبسهم واسترهنهم فِيمَا يحصل من التخطف حول الْحرم الشريف من اشرارهم
وَفِي هَذِه الْأَيَّام قبض عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن المتَوَكل على الله مَالا خطيرا أوصى بِهِ الآغا سعيد بن ريحَان لجَانب بَيت المَال وَكَانَ فِي الأَصْل مَمْلُوكا لملك الْيمن الْحسن بن الْقَاسِم فكاتب نَفسه وَلَعَلَّ مُكَاتبَة الْحسن لسَعِيد من بَاب الإسعاد وَإِلَّا فَإِنَّهُ من النَّوْع الْفَائِق فِي الْمُلُوك الأجواد
وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة مَاتَ السَّيِّد عَليّ بن حفظ الدّين سحلة بضوران وَكَانَ قد ولي بِلَاد حراز ثمَّ عذر مِنْهَا وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الله العياني بالروضة وَدفن بخزيمة وَكَانَ عُمْدَة مَعَ شرف الْإِسْلَام الْحسن فِي كثيرا من أُمُوره وَولي من قبله بِلَاد اليمانية من سنحان فاستمر بهَا إِلَى دولة المتَوَكل على الله وَحين تَوَجَّهت بِلَاده إِلَى صفي الْإِسْلَام أَحْمد بن الْحسن زَالَ نظره عَنْهَا
وَفِي رَجَب عَاد مُحَمَّد شاويش من جبل الطَّائِف وَنزل إِلَى مَكَّة بِمن مَعَه من الْجنُود والطوائف وَهُوَ على مَسَافَة يَوْمَيْنِ وَترك فِيهِ عصبَة من الرُّتْبَة وبالقنفذة ايضا قدر مِائَتَيْنِ بِنَظَر الشريف بَرَكَات وَاسْتقر بَرَكَات هَذِه الْمدَّة بِمَكَّة وَثبتت لَهُ الوسادة بعد أَن تحولت أَحْوَال صَاحب دَار السَّعَادَة
أَخْبرنِي بعض من وقف فِي خدمَة سعد دهرا طَويلا أَن بَرَكَات كَانَ فِي أَيَّام مملكة سعد أخص خواصه لأوقات الصفو والإستراحة وَكَانَت الأذهان منصرفة عَن أَن يَنَالهُ حِصَّة من ملك الْحَرَمَيْنِ فَلَمَّا أجلى الشريف سعد عَن مَكَّة تطلعت نفوس أكَابِر الْأَشْرَاف إِلَى خطته فتلطف بَرَكَات فِي أثْنَاء اللَّيْل فِي إرْسَال مَنْدُوب ظريف أَصْحَبهُ أكياسا فِيهَا مَال خطير إِلَى نَائِب السلطنة وَكَانَ الْأَمر بِيَدِهِ فِي نصب من يرَاهُ آهلا بطريقة التَّفْوِيض فَجمع النَّائِب لتسلم الخلعة وَتَقْرِير مراسم المملكة أَعْيَان الْأَشْرَاف وَقرر عَلَيْهِم إمتثال مَا بِيَدِهِ من السلطنة فِي إِقَامَة من يرَاهُ فأذعنوا لأَمره وَفِي بالهم أَن ينص على من عدا بَرَكَات وَلما حصلوا فِي حَضرته قَامَ أَرْبَاب الخلعة وناطوها بعاتق بَرَكَات قَالَ الرَّاوِي فشاهدت من تغير ألوان أُولَئِكَ الْأَعْيَان مَا يدهش لَهُ الْفُؤَاد وينصدع لَهُ الجماد غير أَنه لم يسعهم بعد تقدم المواطأة غير السّمع وَالطَّاعَة وأخفق مسعى أُولَئِكَ الجم الْغَفِير وَلم يتم غير مَا سبق بِهِ علم اللَّطِيف الْخَبِير
وَفِيه حصلت المواحشة بَين جمال الْإِسْلَام عَليّ بن أَحْمد وَشرف الْإِسْلَام الْحسن بن المتَوَكل على الْعَزِيز العلام بِسَبَب ان بعض أَصْحَاب عَليّ رما فِي العرضة فَأصَاب لِوَاء الْحسن فَانْكَسَرت صعدته وَكَاد العسكران أَن يفترقا فحبس الرَّامِي فِي الْحَال وحسم بذلك مَادَّة النصال
وَلما اسْتَقر الْحسن بصعدة طَالب مَشَايِخ آل عمار وسحار فِيمَا ذهب على الْقَافِلَة من التُّجَّار فَأَجَابُوا أَن أَكثر الفاعلين هربوا وَهَذِه بُيُوتهم بَين أَيْدِيكُم فَأَمرهمْ بِتَسْلِيم مَا فَرْضه وَالِده من الْآدَاب عَلَيْهِم وسلموه وأخربت بيُوت
الهاربين وَكَانَ قد قبض على سَبْعَة أَنْفَار من الناهبين فَأمر أَن تضرب الرّيح على أكتافهم فِي سوق صعدة وَحين خرج عَنْهَا أَمر بِضَرْب أَعْنَاق ثَلَاثَة مِنْهُم وَأرْسل بباقيهم فِي الأغلال إِلَى حَضْرَة وَالِده وَحصل هزج عَظِيم فِيمَا فعله فيهم سِيمَا عِنْد من طَرِيقَته أَن الْمُحَارب إِنَّمَا يقتل إِذا كَانَ قد قتل وَإِلَّا فقد قَالَ الْحسن وَالنَّخَعِيّ أَن الإِمَام مُخَيّر فِي الْعُقُوبَات الْمَذْكُورَة فِي آيَة الْمُحَارب لكل جَان عملا بظاهرها وَرُوِيَ ذَلِك عَن إِبْنِ عَبَّاس وَعَطَاء وإبن الْمسيب
وَفِي يَوْم الْأَحَد سَابِع شعْبَان وَقع قرَان بَين المريخ وزحل فِي أول برج الْحمل وَكَانَ المريخ حِينَئِذٍ فِي بَيته وقوته وزحل فِي بَيت هُبُوطه وارتفع المريخ على زحل فِي الْأُفق الشمالي بِقدر ذِرَاع على حسب الزيج بتقسيم الْمُتَأَخِّرين وَفِي هَذِه الْأَيَّام أرسل الإِمَام بِصَدقَة الْهِنْد إِلَى الشريف سعد بن زيد بعد وُصُول رَسُول السُّلْطَان أورنقزيت إِلَى حَضْرَة الإِمَام وَكَانَت مصدرة إِلَى الشريف قبل ان يبلغ خبر الْخَارِجَة عَلَيْهِ إِلَى الممالك الْهِنْدِيَّة فَاسْتحْسن الإِمَام إستصاب الْحَال وَكَانَ الْوَاصِل بهَا السَّيِّد عُثْمَان بن عَليّ الْحلَبِي وَادّعى أَنه كَانَ الْعَام الأول بِمَكَّة وَأَنه قدم الشريف جانبا من حِصَّة هَذَا الْعَام فَأخر نصف التصدير وَبعث بِمَا بقى عَلَيْهِ على ذَلِك التَّقْدِير وصادف وُصُول المَال إِلَيْهِ وَهُوَ ببيشة انحصار الْحَال وضيق الْمَعيشَة فَكَانَ لَهُ خطر جسيم وموقع عَظِيم
وَفِي آخر رَمَضَان وصل خبر بِخُرُوج قلياطة من نَائِب مصر من صوب الْبَحْر فِيهَا طَعَام وجوامك عَسْكَر الأروام وخلعتان للشريف والسنجق دَار مُحَمَّد شاويش ونوبة رُومِية ولواء وَزِيَادَة عَسْكَر نَحْو الْمِائَتَيْنِ وإيداع إِلَى الشريف والسنجق أَن يشخصا قُضَاة مَكَّة إِلَى محروسة مصر
وَفِي هَذِه الْأَيَّام وصل الْخَبَر ان مَكَّة لبست شعار الْبُشْرَى بصلاح مَا قد كَانَ فسد على صَاحب الْأَبْوَاب فِي أطرف بِلَاده وَوصل إِلَى الإِمَام جَوَاب الشريف بَرَكَات والجناب مُحَمَّد شاويش يتَضَمَّن ان الْحَج ثَابت وَلَا منع لأحد
مِنْهُ خلى أَنَّهُمَا شرطا على الإِمَام أَن لَا يبْعَث بأمير يَصْحَبهُ عَسْكَر وَطلب االشريف من الإِمَام مَا كَانَ يصير إِلَى السُّلْطَان الأول سعد بن زيد فَاجْتمع رَأْي الإِمَام ورأي الصفي أَحْمد بن الْحسن أَن يعدل عَن الآغا فرحان وَأَن يَكْتَفِي بالشريف أَحْمد بن صَلَاح صَاحب أبي عَرِيش وجيزان وَكَانَ قد اعْتَادَ ذَلِك أَيَّام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم رحمه الله فَلَمَّا اتّفقت عَلَيْهِ الْكَلِمَة وَهُوَ بالحضرة نفذ إِلَى مَكَّة المشرفة فِي قدر ثَلَاث مائَة من الْجند وتوابعهم وَمَعَهُ تصدير الصر إِلَى الشريف بَرَكَات قدر أَرْبَعَة عشر ألف قِرْش فَسَار الْمَذْكُور من ضوران طَرِيق تهَامَة فَلَمَّا وصل الْعَسْكَر إِلَى أبي عَرِيش اتّفق بَينهم افْتِرَاق وَحدث بَين خَاصَّة السَّيِّد وَمن عداهم من الْعَسْكَر شقَاق فَرجع بَعضهم إِلَى قريته وَبَعْضهمْ اعتل بحدوث علته فنفذ بِمن بَقِي مَعَه وَكَانَ لَهُ من الْجَمِيع مندوحة وسعة فَإِن التَّخْفِيف كَانَ مقترح الشاويش وَفِي رَابِع وَعشْرين من شَوَّال اتّفق قرَان الزهرة لزحل وَكَانَ على حِسَاب الْمُتَأَخِّرين ببرج الْحمل
وَفِي هَذَا الشَّهْر استخرج عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الإِمَام بجبل ثايبة من بِلَاد نهم معدنا من الْحَدِيد إِلَّا أَن فِيهِ قساوة مفرطة وأعمال تَحْصِيله عسيرة وَلما جربه الحدادون بِصَنْعَاء لم يحصل للْعَمَل بل تكسر عِنْد صك المطارق واضممل فَترك بعد ذَلِك وَلَعَلَّه من معادن الْفضة لكته فاتهم صفة عقده فَإِنَّهُ قد ذكر صَاحب سيرة الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه عبد الله بن حَمْزَة عليه السلام أَنه ظهر هَذَا الْمَعْدن بدولته واستخرج مِنْهُ رَئِيس الْبَلَد الْفضة وحمها الإِمَام عليه السلام وَلم يبْق فِي هَذَا الزَّمَان من يعرف ذَلِك وَإِنَّمَا يصنع فِي هَذَا الْجَبَل الرصاص
وَفِيه جَاءَت الْأَخْبَار أَن صَاحب عمان صَالح الفرتقال كَذَا واستراح من شرهم واستقال وبخامس ذِي الْحجَّة كَانَ وَقت تَحْويل سنة الْعَالم بحلول الشَّمْس أول دَرَجَة فِي الْحمل على حِسَاب الْمُتَأَخِّرين وزحل وَعُطَارِد فِي الْحمل أَيْضا والزهرة والأسد وَأعلم أَنه قد تكَرر بِهَذَا الْمَجْمُوع ذكر مثل هَذَا لَا نُرِيد بِهِ إِلَّا تَبْيِين مَوَاضِع الْكَوَاكِب لأمارات ذكرت بِأَن الْمُتَصَرف فِي الكائنات يحدث عِنْد
اخْتِلَاف تِلْكَ الحلولات مقدورات مُخْتَلفَة وَتلك الْكَوَاكِب بحلولها تِلْكَ الْمَرَاتِب مَا هِيَ إِلَّا معالم ولحلول الحادثات مواسم وَإِلَّا فَلهُ الْخلق وَالْأَمر تبَارك الله رب الْعَالمين
وَمَا وَقع من ذَلِك من كثير من الشُّعَرَاء بل جمَاعَة من عُلَمَاء أَصْحَابنَا وَغَيرهم فِي نظم ونثر فَهُوَ على طَريقَة تقبل التَّأْوِيل وَمَعَ هَذَا فَالْأَمْر خطير والتقصي عَن إِشْكَال مُجَرّد الذّكر عسير غير يسير غير إِنَّا قد رَأينَا من نظر فِي هَذَا الْفَنّ وَهُوَ بِمَنْزِلَة من التَّقْوَى عَظِيمَة ورتبة من الْوَرع جسيمة كَالْقَاضِي عَلامَة الزيدية وشيعها عبد الله بن زيد الْعَنسِي صَاحب المحجة الْبَيْضَاء ذكر عِنْد سَيِّدي الْهَادِي بن إِبْرَاهِيم فِي بعض مصنفاته مَا مَعْنَاهُ أَنه دعى فِي بعض مواقفه بالزيج المظفري لمُحَمد بن أبي بكر الْفَارِسِي فَنظر فِيهِ ثمَّ تغير لَونه واستدعى ورقة يكْتب فِيهَا وَصيته فَلم يتَمَكَّن بِعَدَد ذَلِك على غير خطّ من طرف الورقة إِلَى الطّرف الآخر وَقبض إِلَى رَحْمَة الله هَذَا معنى مَا ذكره أَو أَكثر مَعْنَاهُ وَهَا أَنا أورد فصلا نَافِعًا فِي هَذَا الْكتاب زاجرا لمعتقد التَّأْثِير ومزهدا هَذَا لصَاحب الطّرف الْأَخير الَّذِي أَشرت إِلَيْهِ وَإِن كنت قد جريت على نمطه ومشيت عَلَيْهِ وَلَا شكّ أَنه أقل شغبا وأهون محذورا والأعمال بِالنِّيَّاتِ فَأَقُول
فصل أخرج رزين الْعَبدَرِي عَن إِبْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من اقتبس بَابا من علم النُّجُوم لغير مَا ذكر الله فقد اقتبس شُعْبَة من السحر المنجم كَاهِن والكاهن سَاحر والساحر كَافِر وَأخرج السِّتَّة إِلَّا التِّرْمِذِيّ عَن زيد بن خَالِد رضي الله عنه قَالَ صلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الصُّبْح بِالْحُدَيْبِية فِي أثر سَمَاء كَانَت من اللَّيْل فَلَمَّا انْصَرف أقبل على النَّاس فَقَالَ هَل تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ ربكُم قَالُوا لله وَرَسُوله أعلم قَالَ قَالَ أصبح من عبَادي مُؤمن بِي كَافِر فَأَما من قَالَ مُطِرْنَا بِفضل الله وَرَحمته فَذَلِك مُؤمن بِي وَكَافِر بالكواكب وَأما من قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا فَذَلِك كَافِر بِي مُؤمن بالكواكب
النوء هُوَ طُلُوع نجم وغروب آخر قَالَ ابْن الْأَثِير فِي جَامعه وَإِنَّمَا غلظ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي أمرهَا لِأَن الْعَرَب كَانَت تنْسب الْفِعْل إِلَيْهَا فَأَما من جعل الْمَطَر من فعل الله تَعَالَى وَأَرَادَ بقوله مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا أَي فِي وَقت كَذَا وَهَذَا هُوَ النوء االفلاني فَذَلِك جَائِز انْتهى
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن أبي سعيد رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَو أمسك الله تَعَالَى الْقطر عَن عباده خمس سِنِين ثمَّ أرْسلهُ لأصبحت طَائِفَة من النَّاس كَافِرين يَقُولُونَ مُطِرْنَا بِنَوْء المجدح المجدح بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْجِيم آخِره حاء نجم يُقَال لَهُ الدبران وَبَعْضهمْ يضم الْمِيم وَعَن قتاده قَالَ خلق الله هَذِه النُّجُوم لثلاث جعلهَا زِينَة للسماء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدا بهَا فَمن تَأَول فِيهَا غير هَذَا فقد أَخطَأ حَظه وأضاع نصِيبه وتكلف مَا لَا يعنيه وَمَا لَا علم لَهُ بِهِ وَمَا عجز عَن علمه الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة صلوَات الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ وَعَن الرّبيع مثله وَزَاد وَالله مَا جعل الله فِي نجم حَيَاة أحد وَلَا مَوته وَلَا رزقه وَإِنَّمَا يفترون على الله الْكَذِب ويتعلقون بالنجوم وَأخرجه رزين وَهُوَ فِي البُخَارِيّ تَعْلِيقا من أَوله إِلَى قَوْله مَالا علم لَهُ بِهِ وَقد تكلم
شرَّاح الحَدِيث فِي هَذِه الْمَادَّة بِمَا يشفي وَيَكْفِي فليؤخذ من مظانه وَقد رَأَيْت بعض متأخري أَصْحَابنَا الزيدية وضع تَارِيخا وَذكر فِي أغلب أَحْوَاله حُلُول الْكَوَاكِب واجتماعها وافتراقها ومعالم خُسُوف النيرين ورتب على ذَلِك حوادث مستقبله يغلب نَفسه على الطّرف الأول فَسَيَأْتِي ذَلِك فَإنَّا لله
وَقد برع من أهل الْوَقْت فِي مدارك الفهوم من مواقع النُّجُوم بعض من جمعني وإياه وشجة الرَّحِم من أَشْرَاف الْعَصْر وصنف كتابا سَمَّاهُ النَّجْم الثاقب فِي حركات الْكَوَاكِب وَكَانَ قد حصل بيني وَبَينه من المكاتبات مَا يلهوان السهير وَمن الوداد مَا يناجى بِهِ الضَّمِير للعلاقات الأدبية والإجتماع فِي السلسلة الذهبية وَكنت كتبت رِسَالَة فِي تقريض مُؤَلفه أودعها إخْوَان الصفاء أصداف الْقُلُوب وصدور كل سطر مَكْتُوب وعندما رَأَيْته يرى أَنَّهَا قَاصِرَة فِي ذَلِك الصِّنْف شفعتها من خُيُول البلاغة بِمَا لَا يسْبق فِي ميدان الْألف فَقلت
(ردوا جدول الْعين الَّتِي طَابَ سقياها
…
فقد سلسلت فِي رَوْضَة الخدا مواها)
(وحاكت لآليها ليَالِي بعدكم
…
نَظَائِر من زهر النُّجُوم وأشباها)
(فَلَو نظمت زهر الدواري بعاتق
…
كفيضان دمعي كَانَ ذَاك قصارها) (سلوا الْفلك لدوار عَن مهجتي الَّتِي
…
تمنا حبيبا عِنْده يتمناها)
(مشاشة نفس أثرت بعد بعْدهَا
…
سموا فَلم ترض الثراء عَن ثرياها)
(وبالرغم مِنْهَا أَنَّهَا سَافَرت وَمَا
…
أراحت يَد الجوزاء رَاحَة يمناها) (تزاحم شمس الْأُفق فِي برجها فَلَا
…
يعللها عَن ذَاك برج حمياها)
(وتعبر من نهر المجرة مرتقا
…
إِلَى أبرج مِنْهَا لكيوان أسماها)
(فتطلب فِي أَثْنَائِهَا من عُطَارِد
…
طَرِيقا إِلَى اسْتِخْرَاج بعض خباياها)
(أحبة قلبِي أَن سمحتم بزورة
…
لروحي فمنوا قبل ن تدنوا مناياها)
(إِذا كَانَ هَذَا الْبَين جائزه الْهوى
…
فأها لما أسلفت من صبوتي آها)
(أيقضى على روحي وَعِيد مهاتكم
…
دُيُون لَهُ من قبل أَن يتقاضاها)
(أوت سرح قلبِي وَهُوَ أَخْضَر نَاظر
…
وصيرته بعد الخميلة مأواها)
(فَلَمَّا رعت من زهره كل يَانِع
…
لوت جيدها أسرابها نَحْو مرعاها)
(وصاحبها نومي فَإِن عز طيفها
…
وَقد سلبت عَيْني الْكرَى كَيفَ أَلْقَاهَا)
(أخوض بدمعي لجة فِي سفينة
…
من الشوق بِسم الله فِي اليم مجْراهَا)
(فَلَو أنني القيت نوحًا وَأَهله
…
لألقيتها لما اسْتَوَت حَيْثُ أَلْقَاهَا)
(وَلم أتحمل من رواسي صبابتي
…
نوا يسْأَل الجودي أَيَّانَ مرْسَاها)
(وَلَا ساهم الشوق المليم عواذلي
…
فأدحض فِي أولى السِّهَام وآخراها)
(وَلَا خضت بَحر الْحبّ فالتقم النَّوَى
…
فُؤَادِي لَوْلَا أَنه سبح ألاها)
(فأنس بعد الكرب فُرْجَة يُونُس
…
بِمن حل أبراج الْكَمَال وحلاها) (بِمن إِن دجت من مُشكل الْخطب ظلمَة
…
جلاها بِنور الْفِكر مِنْهُ وجلاها)
(أَضَاء بِنَجْم ثاقب من علومه
…
فَدلَّ إِلَيْهِ الزاهرات ودلاها)
(أَفَاضَ على زهر النُّجُوم جداولا
…
فأحيا بِهِ تِلْكَ الزهور وحياها)
(وجر على نهر المجرة مطرفا
…
يحكم بِهِ سَاس الدراري ورباها)
(وَصرف برجيسا بثاقب رَأْيه
…
على راحتي يمنى الأكف ويسراها) (أعَار كسوف الشَّمْس نور ذكائه
…
فقد صَار يخشاها الَّذِي كَانَ يَغْشَاهَا)
(وَمَا الزهرة الغرا إِلَّا خريدة
…
تروم السَّرَّاء سرا لتستر مغزاها)
(فهيا باسطرلابها برجها الَّذِي
…
بِهِ نزلت قبل الشُّرُوع بمسراها)
(رَاء الْقَمَر النوار مِنْهُ بروضة
…
تميل على الأغصان مِنْهَا قماراها)
(فأخدمه تِلْكَ الْجَوَارِي الَّتِي سرت
…
على رسمه من غير أَن يتسراها)
(وأصحبه فِي سير كل دقيقة
…
قيودا إِلَى الإخطاء لَا يتخطاها)
(على نَفسه فليبك حاماس حسرة
…
وإياه فِي الْأَحْكَام جهلا وَإِيَّاهَا)
(أيا ابْن عَليّ بن الإِمَام إِبْنِ لنا
…
تدلت لَك الأفلاك أم حزت مرقاها)
(فَفِي عَالم الأفلاك خطك نَافِذ
…
وَفِي عَالم الأفلاك حظك أَعْلَاهَا)
(فَلَو نطقت زهر الدراري لعطرت
…
بشكرك أَفْوَاجًا هُنَاكَ وأفواها)
(لمثل عطاياك الَّتِي عَمت الورى
…
وَمن للسحاب الخؤن أَن يتعاطاها)
(ركبت مطا آثَار آبَائِك الأولى
…
بهم وخدت للمكرمات مطاياها)
(سلكت حاما كَانَ فِي كف حيدر
…
أَبِيك وسلسلت الْكَمَال إِلَى طه)
(لَك الْفَخر بِالْآبَاءِ إِذْ حزت شأوهم
…
على كل من بارا كمالك أوباها)
(وَهل خطه الآهلين إِرْث فيزدهي
…
بهَا قَاصِر عَنْهَا كمن هُوَ يرقاها)
(بتجديد فولاذ السيوف مضاؤها
…
فسقيا لَهُ دهرا بعزمك سقياها)
(وَللَّه نظم أَنْت بَيت قصيده
…
وَرَيْحَانَة فِي الْمجد غصنك أَعْلَاهَا)
وَهَذَا عَارض جَرّه ذكر النُّجُوم وَفِي الْعَصْر يبين من لَهُ حِصَّة وافرة فِي معرفَة تَحْرِيك الأفلاك إِن أنجح الله االأمل ببلوغ سير قمر التسطير إِلَى برج التسيير شرحت حَالهم وبينت كمالهم
وَفِي هَذِه الْأَيَّام اسْتَقر سُلْطَان مَكَّة الْقَدِيم وَملك تختها الجسور الجسيم سعد بن زيد بن محسن ببيشة مَكَان ثمال أسودها وعقاب بنودها يظْهر عَن مملكة الْحجاز المجانبة وَلَو شَاءَ لمد إِلَيْهَا مخالبه وَسَيَأْتِي من خَبره مَا يقْضِي بِأَنَّهُ الْمولى عَلَيْهَا وَأَن لَهُ العودة بعد العودة إِلَيْهَا
قلت فِي بعض أشعار الْفَقِيه بن أبي مخرمَة فِي طَرِيق الْكَشْف مَا يقْضِي أَن سَعْدا أخر إمرة يقصا عَن مملكة الْحَرَمَيْنِ وينال مَا نَالَ جده المحسن بن الْحُسَيْن {وَللَّه غيب السَّمَاوَات وَالْأَرْض}
وَاتفقَ بِخَارِج مَكَّة بِهَذَا الْوَقْت حَرْب بَين الشريف أَحْمد بن زيد بن مِمَّن والشريف حمود ذهب فِيهِ جمع من الطَّائِفَتَيْنِ وَفِي خَامِس ذِي الْحجَّة سَار الْحسن ابْن الإِمَام من صعدة إِلَى رازح وَكَانَ قد نقل عَن جنابها وَصَارَ ثَانِي الحسامين فِي قرابها لمزاحمة صَاحب بختها ومدبر تختها
وَفِي هَذِه السّنة عقد الإِمَام محفلا للدرس فِي مشكاة المصابيح لِلْحَافِظِ التبريزي وسرده عَلَيْهِ مَا عدا مَا أَوله الْحفاظ من الْأَحَادِيث المعدودة خشيَة أَن ينطبع ظواهرها فِي أذهان الأغمار الَّذين لَا يعْرفُونَ الْبَاطِن لظواهر الاثار وَهُوَ مقَام خطابي لعذر التارك لتِلْك الْأَحَادِيث فَإِن الْقُرْآن الْمجِيد الَّذِي