الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اجْتَمعُوا وَقع خوض لم يفصل فِيهِ حَدِيث وَالسَّيِّد أَحْمد بن إِبْرَاهِيم صَادف إنفصاله عَن شهارة إستقلال الإِمَام بِبَيْت القابعي فرجح نظره الْمُرُور عَلَيْهِ وأنزله الإِمَام بِمَنْزِلَتِهِ من الإجلال والإعظام وعذره عَن الْبيعَة بعد تقدم بيعَة الدَّاعِي وانفصل الأممر بَينهمَا على نُفُوذ السَّيِّد إِلَى بَيته فَسَار إِلَيْهِ وَلما قرب مل الإِمَام بِبَيْت القابعي من مَحل يصل إِلَيْهِ الرَّمْي من شاهارة وَقع مِمَّن ذَلِك شَيْء إِلَى الوطاق وَكَانَ قد سمع أكاليم كَذَا من سفاسف النَّاس الَّذين بشهارة فرجح النقلَة عَن ممله إِلَى حَيْثُ يبعد عَن ذَلِك
وَفِي هَذِه الْأَيَّام جَاءَت الْأَخْبَار بِخُرُوج سُلْطَان الرازبوت على سُلْطَان مملكة الْهِنْد الباطشاه أورنقزيب وَكَانَ قد نصب مكايده للسُّلْطَان واستفحل أمره فِي العتود والطغيان واشتعلت فتنته وكادت أَن تقوى صولته فنصر الله ألوية الْحق عَلَيْهِ وَعَاد مَا نَوَاه من شَره إِلَيْهِ فوهن أمره واضمحل شَره
وَدخلت سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف
فِي أول يَوْم مِنْهَا كَانَ قرَان المُشْتَرِي والزهرة فِي برج الدَّلْو وَارْتَفَعت الزهرة عَلَيْهِ وَفِي نصف الشَّهْر انْتقل الإِمَام من شَرْقي شهارة إِلَى حاشف جنوبيها وَفِي تَاسِع محرم كَانَ تحول السّنة بِدُخُول الشَّمْس أول دَرَجَة فِي الْحمل وَكَانَ زحل فِي الجوزاء رَاجعا وَالْمُشْتَرِي والمريخ والزهرة بالدلو والذنب وَالرَّأْس وَالْقَمَر بالعقرب كل هَذَا بِحِسَاب المتؤخرين كَذَا وَفِي خَامِس وَعشْرين وصل أَوَائِل حَاج الْيمن وأخبروا بِخُرُوج الْمحمل الشَّامي من مصر أَو البواب وَفِي صحبته ابْن الشريف بَرَكَات وَمَعَهُ إِنَّه = إنعامات على وَالِده مِنْهَا الخلعة وَتَقْرِير الْولَايَة
حَرْب الأبرق
وَفِي ثَالِث صفر بلغ الْخَبَر إِلَى صنعاء المحمية بِاللَّه أَن علم الْإِسْلَام ندب للصدام بطريقه أميره الْمُقدم وهزبره الغشمشم إِبْرَاهِيم بن الحسبن بن الْمُؤَيد بِاللَّه فَتقدم إِلَى مساقط الأهنوم وَبلغ الأبرق مَا بَين الأهنوم وظليمة فَوق سوق
الثلوث فَوجه إِلَيْهِ الإِمَام للسرعة لهاميم الْحَرْب وشطار الطعْن وَالضَّرْب وَكَانَ من الصارم الرُّجُوع من مَحَله إِلَى بعض الْقرى وَكَانَ الإِمَام قد استدعى من الصلبة الْأَمِير أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن وَأما عَمه ملاعب الأسنة والصوارم والأسد الكاشر الضبارم فَكَانَ بِحَضْرَتِهِ وَكَانَ مِمَّن حضر حَرْب الأبرق وَأَبَان فِيهِ عَن بسالة عنترية وفتكات حيدرية
ثمَّ اتّفق الْحَرْب الشَّديد بَين أجناد الصارم وعساكر الإِمَام فَكَانَت الدائرة على أَصْحَاب إِبْرَاهِيم وَقتل مِنْهُم نَحْو الْخمسين وَأسر جمَاعَة مِنْهُم واستأسر بعد ذَلِك وَتعقب ذَلِك خراب لبيوت جمَاعَة من أهل الْقرى المحيطة بِمحل الإِمَام بِسَبَب الرَّمْي الَّذِي كَانَ يدْرك من حَولي تِلْكَ الْبيُوت وَكَانَ من علم الْإِسْلَام بعد ذَلِك مطالعة حَضْرَة الإِمَام بمكتوب يتَضَمَّن الجنوح إِلَى التَّسْلِيم وَمَعَهُ مَكْتُوب من الْأَمِير أَحْمد بن المتَوَكل على الله وَقد كَانَ يلوح من أَحْوَاله الْميل إِلَى جَانب الإِمَام من قبل وَإِنَّمَا رَاعى مقتضيات أَحْوَال بالتأني ثمَّ وصل إِلَى صنعاء الشريف صَالح بن عقبات بالأسراء وَفِيهِمْ الصارم
ثمَّ إِن الدَّاعِي عليه السلام استدعى السَّيِّد ضِيَاء الدّين زيد بن عَليّ جحاف إِلَى محروسة شهارة ليلقي إِلَيْهِ مَا فِي خاطره وَيرْفَع إِلَى الإِمَام مَا لَا يستودعه عَنهُ غَيره فطلع إِلَيْهِ وَأمر عِنْد ذَلِك بارتفاع رتب بِلَاد حجَّة وكحلان أشعارا بالميل إِلَى الْوِفَاق وَللَّه الْحَمد
وَفِي أثْنَاء هَذِه الْمدَّة نفذ الْأَمِير عَليّ بن الإِمَام الْمهْدي لدين الله مؤمرا ومجهزا لحفظ أَطْرَاف الْبِلَاد وباحثا عَمَّا كَانَ قد ذكر عَن أَخِيه الْعزي مُحَمَّد بن أَمِير الْمُؤمنِينَ من مُوالَاة الدَّاعِي علم الْإِسْلَام
وَكَانَت هَذِه الفعلة مظْهرا عَظِيما لفخر الثَّلَاث الْقَبَائِل بني حشيش وَبني الْحَارِث وهمدان فَإِنَّهُم تسنموا الْجبَال قَاصِدين للمنازلة بعد أَن حكم عَلَيْهِم أجناد الصارم من الْأَمَاكِن الشاهقة وَاتبعُوا الرَّمْي بالبنادق إرْسَال الْحِجَارَة عَلَيْهِم من أَعلَى إِلَى أَسْفَل مَعَ بسالة أهل الأهنوم وجودة رميهم وقيامهم مَعَ
الدَّاعِي بِالْقَلْبِ والقالب خلى أَنه كَانَ الْعجب قد داخلهم وغضوا من جَانب أَصْحَاب الإِمَام والذاهب فِي هَذِه الملامم أعظمها وقْعَة ذيبين والصلبة والأبرق نَحْو الممائين وَكَانَ الْأَمِير أَحْمد بن الْمُؤَيد بِاللَّه صنو الدَّاعِي أخذا بالأحوط وناظرا فِي آخر الْأَمر فَعِنْدَ أَن ظهر جَانب الإِمَام بالإستيلاء على الصارم الْمِقْدَام بَادر مبايعا وَأَقْبل مشايعا وَنزل علم الْإِسْلَام عَن حصنه المنيع وَقدره الرفيع إِلَى حَضْرَة أَخِيه الإِمَام ووقفا على قدر من الإتفاق تنحسم بِهِ مَادَّة الشقاق وترغم بِهِ أنوف أهل الْبغضَاء والنفاق وَوضع االإمام رسمه فِي إقطاع جَانب من الشرفين وَعَاد وَقد رزق التَّخْفِيف وأطراح جِلْبَاب التَّكْلِيف وثلجت بذلك صُدُور وسكنت أَفْئِدَة وصلحت أُمُور وَكَانَ قبل ذَلِك محرضا للْإِمَام الشَّيْخ إبر اهيم الْهِنْدِيّ
(هَل الرُّسُل الأذابل غراب
…
وَهل غير بيض الرهفات كتاب)
(وَهل خَاطب إِلَّا على مِنْبَر الطلى
…
غراراه فصل وَاضح وخطاب)
(صحيفَة مَاض لَا صحيفَة رَاقِم
…
تَلَاهَا وَهل يَتْلُوا السيوف قرَاب)
(أجبها أَمِير الْمُؤمنِينَ وأفتها
…
فقد سَأَلت والمشرفي جَوَاب) (ترى مَا عَسى الأقوام يَبْغُونَ دونما
…
دَعَوْت إِلَيْهِ إِن ذَا لعجاب)
(هَل الْقَصْد إِلَّا أَن تُقَام شَرِيعَة
…
وتأمن سبل للهدى وشعاب)
(وَهل غير فرقان النَّبِي مُحَمَّد
…
وسنته الغرا فَأَيْنَ ذهَاب)
(ترا وَجَبت بِالنَّصِّ فيهم لقاسم
…
وفرط إجتهاد عِنْد ذَاك يُجَاب)
(بلَى دون مَا ظنوه كل تنوفة
…
سمالق لم تعسل بِهن ذُبَاب)
(هَل االبر إِلَّا أَنهم وَسعوا بِهِ
…
مسالك مَا يرجون مِنْهُ فخابوا)
(وأطروا بِهِ إطرأ غير مشرع
…
وَمَا لَيْسَ يُرْضِي الشَّرْع فَهُوَ سباب)
(على أَنه الْبر الْخُشُوع تعبدا
…
أَمن بعد محراب يُقَال حراب)
(لقد خدعوه واستلانوا قناته
…
وَمَال بِهِ عي لَهُم وشياب)
(وَقد يخدع الْحر الْكَرِيم سلجية
…
إِذا رَوْعَته أسرة وصحاب)
(دَعوه إِلَى الدُّنْيَا بِمَا يظهرونه
…
إِلَى طلب الْأُخْرَى وَذَاكَ كذااب)
(وَهل عِنْد من يرجوا رضى الله فتْنَة
…
تثأر وَهل إِلَّا إِلَيْهِ إياب)
(فحقق ذَوي التقميص يَا قَاسم العلى
…
فثم ذئاب فوقهن ثِيَاب)
(أَجلك قدرا أَن تصيح لرأيهم
…
فقد وقدت حَرْب وثار شهَاب)
(لقد حسنوا أَمر االتفرق فِيكُم
…
وحالوا بَينهمَا وخابوا) (وشقوا عصى الْإِسْلَام وَالدّين جَامع
…
وَأَنْتُم على شرع النَّبِي صلاب)
(وَقد رقش الْأَقْوَال مِنْهُم مسسنهم عِصَابَة
…
وَللَّه دين مَا عَلَيْهِ حجاب)
(أعد نظرا فِي أَمرهم متيقضا
…
تَجِد قيعة فِيهَا الخليج سراب)
(فيا أَيهَا الْمهْدي الإِمَام أصخ لَهَا
…
فَمَا بعْدهَا للناصحين خطاب)
(واحرص على هذى الْخلَافَة أَنَّهَا
…
الْعَرُوس وَمَا غير الدِّمَاء خضاب)
(فيا طالما حاولت حقن دِمَائِهِمْ
…
وَلَكِن رُؤُوس أينعت ورقاب)
(تراموا على حب الرِّئَاسَة غرَّة
…
وَثمّ موام دونهَا وهضاب)
(مهالك لم يصحب بهَا الذِّئْب نَفسه
…
وَلَا طَار فِيهَا بالجناح غراب)
(بِهِ حاولوا نيل المزايا وأملوا
…
مَرَاتِب من دنياهم فأرابوا)
(وَلَو أَنهم أموا إِلَيْك لأدركوا
…
جَوَامِع مَا يبغونه وَأَصَابُوا)
(وملكوا الدُّنْيَا لديك وأحرزوا
…
بطاعتك الْأُخْرَى وَصَحَّ مثاب)
(دعوتهم نَحْو الْهِدَايَة مشفقا
…
عَلَيْهِم وَمَاء الود لَيْسَ يشاب)
(فظنوك سلما عِنْد ذَاك وَمَا دروا
…
روابض أَسد تتقا وتهاب)
(أَلا فادعهم بالرهقات معاتبا
…
فَمَا غَيرهَا للمارقين خطاب)
(على السَّيْف أسس مَا بنيت فَكلما
…
أشدت على أس الوداد خراب)
(دعى الْمُصْطَفى دهرا بِمَكَّة لم يجب
…
وَقد لَان مِنْهُ جَانب وخطاب)
(وَقَالُوا لَهُ أما خوارق آيَة
…
فسحر وَأما مَا تلى فكذاب)
(فَلَمَّا دعى وَالسيف صلت بكفه
…
بِهِ آمنُوا واستسلموا وأنابوا)
(على النَّصْر خيل الله سير رعيلها
…
وجهز جنود الْحق حَيْثُ تثاب)
(وسير ذَوي الرَّايَات أَعْلَام حاشد
…
فهيهات أَن ينسد دُونك بَاب)
(وصل ببكيل فتية الْحَرْب إِنَّهُم
…
على الْحق غَضبا والليوث غضاب)
(بهم فارم عرنين الْجبَال فَإِنَّهُم
…
عرانين أَسد ماجدون نجاب)
(إِمَام الْهدى أرز ذيول جيوشها
…
همام لَهُ السَّيْف المشطب نَاب)
(أَبَا حسن ضخم الدسيعة من لَهُ
…
مضاء إِلَى مَا يَبْتَغِي وغلاب)
(مُحَمَّد الريبال صفوة أَحْمد
…
أبي طَالب من لم ترعه صعاب)
(واعقد لِوَاء النَّصْر وَالطير عكف
…
كلا خافقيها فِي الْمَكْر عِقَاب)
(إِذا قدحت شهب الفوارس والظبا
…
جمارا وَقد أورى الزِّنَاد ضراب)
(هُنَالك تلق الْحق أَبْلَج وَاضحا
…
وللشمس من نسج العجاج نقاب)
(فصل ببني الْعم الَّذين دعوتهم
…
بداعيك فِي دين الْهدى فَأَجَابُوا)
(وَلم تقد الدُّنْيَا خرائم عيسهم
…
وَلَكِن طابوا مشرعا فأطابوا)
(من الصفوة إِسْمَاعِيل قدس سره
…
لَهُم جيئة نَحْو التقى وَذَهَاب)
(وحسبك عز المكرمات مُحَمَّد
…
فَتى لَيْسَ للدنيا لَدَيْهِ حِسَاب)
(على أَنه قَاض بِمَا يسْتَحق
…
إِلَى الدّين مِنْهَا لم يرعه مصاب)
(وصل بعلي مِنْهُم تلق سيدا
…
لَهُ نهج ملك فِي الفخار صَوَاب)
(هُوَ الْخَاطِب االمنطيق ذُو الْقَلَم الَّذِي
…
كمرهفه البتار لَيْسَ يعاب)
(ببأس يقد الصلب عِنْد نُفُوذه
…
وجيش لَهُ موج الحتوف شراب)
(وعجم حُسَيْنًا تلق قدح كنَانَة
…
ينَال بِهِ مرمى العلى ويصاب)
(هُوَ الْأسد الْمِقْدَام عِنْد مصاله
…
وَلَكِن عِنْد النوال عباب)
(سرا وهلال الْعِيد يهدي طرفه
…
من التبر سرجا والسماك ركاب)
(جواد كَانَ الشهب مِنْهَا قلائد
…
عَلَيْهِ وَمن جنح الظلام إهَاب)
(وَلَا تنس مِنْهُم أَحْمد بشهارة
…
فَذَلِك طود شامخ وهضاب)
(هُوَ المرهف الْمَاضِي الغرار وَإِنَّمَا
…
حواه من الْعلم الرسوخ قرَاب)
(وَللَّه من آل الْحُسَيْن بن قَاسم
…
موارد فِي الدّين الحنيف عَذَاب)
(وحسبك مِنْهُم أَحْمد بن مُحَمَّد
…
لَهُ نسب فِي المكرمات قرَاب)
(لَهُ الْعَسْكَر المجر المتين ببطشه
…
سعيرا بقطر الْعَرَب مِنْهُ لهاب)
(يسابق عيد الْفطر بالنحر ذابحا
…
كباش العدا مذ ناوشوه ونابوا)
(أَطَاعَتك أكناف الأقاليم عزيد
…
فَمَا حجر فِي هنوم وتراب)
(وَأَرْجُو لأبناء الْمُؤَيد فيئة
…
تكون لَهُم نَحْو السداد مثاب)
(وَلَا تنس يحيى بن الْحُسَيْن فَإِنَّهُ
…
هُوَ الْبَدْر إِن قُلْنَا سواهُ شهَاب)
(وصل ببني القادات من آل هَاشم
…
بِسيف يروع اللَّيْث مِنْهُ ذُبَاب)
(أجل وَبَيْنك الشامخين سيادة
…
لَهَا فَوق أفلاك النُّجُوم قباب)
(وناهيك سيف الله مِنْهُم مُحَمَّد
…
هزبر لَهُ السَّيْف المشطب نَاب)
(يحاذره المريخ بَأْسا وسطوة
…
بهَا نوب الدَّهْر الخؤون تناب)
(وَهل للحسين القسورى منابذ
…
وشم الصَّيَاصِي من سطاة تذاب)
(هزبر لَهُ كَهْف الْإِمَامَة غابة
…
وَفِي كل قطر من يَدَيْهِ سَحَاب)
(ورع بعلي مَا قذفت من الورى
…
فَفِيهِ لأقيال الْجبَال عَذَاب)
(يصرف رمحا للطعان كَأَنَّهُ
…
إِذا مار فِي موج الدلاص حباب)
(هُوَ الباز طورا والغضنفر تَارَة
…
تضل لَدَيْهِ الْأسد وَهِي سقاب)
(إِلَيْك أَمِير الْمُؤمنِينَ مغذة
…
لَهَا بَين مصر والصعيد ركاب)
(وَقد ثقفت من نبع عزمك أسهما
…
لَهُنَّ بأثناء الْعرَاق جعاب)
(وَمَا خصصت ترويعها بشهارة
…
فكم دَار مِنْهَا فِي الثغور لعاب)
(مزاياك هالتها لفرط ظُهُورهَا
…
وَهل يحمل االبحر الخضم بَاب)
(فدم وَأمر الأسياف تعْمل بحكمها
…
فقد طَال أعنات وطار عتاب)
وَفِي هَذِه اليام ظهر وَقت السحر نجم لَهُ شُعَاع من قدامه قدر نصف ذِرَاع من مجر الثريا وَمَكَان طُلُوعهَا بقى كَذَلِك قدر ثَلَاث أَيَّام ثمَّ اضمحل
ثمَّ سَار الإِمَام بعد ذَلِك إِلَى مَحل يُقَال لَهُ قرن الوعر مُتَوَجها فِي الْبَاطِن إِلَى صعدة الشَّام فسارع إِلَيْهِ قبائل العصيمات مواجهين ثمَّ سَار إِلَى الفقم من العمشية فاستقر بِهِ قدر نصف شهر ثمَّ سَار إِلَى بركَة مداعس وَسكن بعض أَيَّام وَأخذ فِيهَا على سُفْيَان تَأْمِين الطّرق وأحسنن إِلَى أكابرهم ووعدهمم بالمعتاد ثمَّ سَار مُتَوَجها إِلَى صعدة فَلَمَّا وصل إِلَى الْعُيُون وَكَانَ قد ضرب لَهُ الوطاق برحبان الْيَوْم الأول تقدم إِلَيْهِ امير الشَّام جمال الدّين عَليّ بن أَحْمد مهنئا ومواليا بِمن مَعَه من الْأَعْيَان ثمَّ تقدم إِلَى رحبان وَدخل بعد ذَلِك صعدة لصَلَاة الْجُمُعَة وَعَاد إِلَى رحبان ووصلت إِلَيْهِ قبائل صعدة من كل أَوب وَكَانَ استقراره برحبان فِي نصف ربيع الأول
وَفِي هَذِه الْأَيَّام جهز الإِمَام الْفَقِيه أَمِير الدّين الْقرشِي إِلَى تهَامَة وَأمره بإصلاح الطرقات والموارد وانْتهى إِلَى صَبيا وَتُوفِّي هُنَاكَ وَكَانَ قد ولي
للمتوكل على الله بالشحر وعدن وَعمر فِيهِ قريب السَّاحِل مَسْجِدا بإسطونتين وَثَلَاثَة عُقُود قَالُوا وَكَانَ الإِمَام قد كتب إِلَى الْبِلَاد النجدية وشريف مَكَّة بَرَكَات فِي شَأْن إِجَابَة دَعوته وَأَن لَهُ نِيَّة فِي الدُّخُول إِلَى مَكَّة والتجاوز إِلَى غَيرهَا من بِلَاد السُّلْطَان فَأَجَابَهُ بِمَا حَاصله إِنِّي وَاحِد مِنْكُم يَا أهل الْيمن وعَلى الرحب والسلامة خلى أَن الَّذِي نَقله الواصلون من حَضْرَة صَاحب التخت أَنه هَذِه الْمدَّة بِزِيَادَة الْقُوَّة وَزِيَادَة البسطة وَهُوَ الْآن سَاكِت عَن هَذِه الأقطار اليمنية وَمَعَ حركتكم الميمونة يرفع إِلَيْهِ ذَلِك على كف الرِّيَاح وَتَطير إِلَيْهِ بِهِ أعيانه بِلَا جنَاح فدونكم مَا يتَّفق بعد ذَلِك بَيْنكُم وَبَينه
(وَمَا أَنا مِمَّن غزيَّة إِن غوت
…
غويت وَإِن ترشد غزيَّة أرشد)
فعرج الإِمَام عَن ذَلِك الرَّأْي وصمد إِلَى إفتقاد خَاصَّة الْيمن واشتدت الأزمة هَذَا الْوَقْت سِيمَا فِي الْيمن الْأَسْفَل فَإِنَّهَا خلت فِيهِ عَن سكانها قرى من الْجُوع
قَالَ بعض آل الْقَاسِم أَخْبرنِي رجل انه دخل بَيْتا فَوجدَ فِيهِ سَبْعَة موتى ثمَّ دخل بَيْتا آخر فَوجدَ فِيهِ رجلا بِهِ آخر رَمق وإمرأة ميتَة وطفلا يرضعها فاستعبر ذَلِك الدَّاخِل وَحمل الطِّفْل إِلَى راعي غنم يرضعه مِنْهَا ثمَّ بَادر هَارِبا من تِلْكَ الْأَمَاكِن وَكَانَ جمال الْإِسْلَام عَليّ بن المتَوَكل على الله قد سَار إِلَى إب فشاهد من تِلْكَ الأزمة مَا يُوجب الْعود فَعَاد إِلَى ذمار وَفِي جُمَادَى الأولى مَاتَ بيفرس الْأَمِير جمال الدّين عَليّ بن الْمهْدي لدين الله وَدفن بجوار النَّقِيب عَليّ
وَفِي هَذَا الْوَقْت عَاد مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقَاسِم من خمر إِلَى عمرَان وَفتح هُنَالك دَار الضَّرْب فكاد سليقه إِلَى مَا يعتاده أهل السنتين وَغَيرهم من التَّشْبِيه فَتغير لذَلِك خاطر عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن المتَوَكل على الله
ثمَّ ان الإِمَام إنقلب رَاجعا إِلَى بَلْدَة عيان فِي شعْبَان وَاسْتقر بهَا رَمَضَان الْكَرِيم وَفِي هَذِه الْمدَّة تناوشت الْأَيْدِي بِلَاد يريم وَصَارَ التطلع إِلَيْهَا من جمَاعَة لَا تَبْرَح وَلَا تريم وَكَانَ الإِمَام قد وَجههَا كَمَا سبق إِلَى السَّيِّد الْعَارِف يحيى بن الْحُسَيْن بن الْمُؤَيد فاشترك فِي مد الْيَد إِلَيْهَا شرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن بن الْحسن وجمال الدّين عَليّ بن المتَوَكل وأخوة شرف الدّين الْحُسَيْن بن المتَوَكل
وَفِي غرَّة شعْبَان برز أَمر الإِمَام إِلَى الْعِزّ مُحَمَّد بن المتَوَكل على الله فِي إجلاء الْيَهُود وخراب كنائسهم فَخَاضَ بعد الْأَمر فِي ذَلِك مَعَ عُلَمَاء صنعاء فِي شَأْنهمْ وجنح إِلَى رَأْي الإِمَام مِنْهُم القَاضِي مُحَمَّد بن عَليّ قيس الثلائي وَمَعَهُ فِي ذَلِك القَاضِي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم وَالْقَاضِي أَحْمد بن صَالح بن أبي الرِّجَال وَنقل ذَلِك عَن القَاضِي زَكَرِيَّا من عُلَمَاء الشَّافِعِيَّة قَالَ بَعضهم وَلم يُوجد ذَلِك فِي مؤلفاته والإستناد فِي ذَلِك إِلَى الحَدِيث الَّذِي كَانَ آخر مَا تكلم بِهِ صلى الله عليه وسلم وَفِيه أخرجُوا الْيَهُود من جَزِيرَة الْعَرَب على ظَاهره وجنح جمَاعَة من عُلَمَاء الْوَقْت إِلَى مَا اتّفق من الصَّدْر الأول من إجلائهمم عَن الْحجاز فَقَط وَعدم التَّعَرُّض لمن فِي غَيره مِمَّن سَائِر بلدان الجزيرة بِمَثَابَة الحكم وَهُوَ لَا ينْقض إِلَّا بعلمي لِأَن المسئلة من المضطربات الإجتهادية وَهُوَ من بَاب إِطْلَاق إسم الْكل على الْجُزْء مجَازًا
قلت وَأما الإنتصار لَهُ بِمَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ أخرجُوا الْيَهُود من الْحجاز فر يُفِيد لِأَنَّهُ يكون شَبِيها بالتخصيص بموافق الْعَام وَهُوَ مَذْهَب مطرح وَإِنَّمَا قلت أَنه شَبيه بِهِ وَلم يكن عينه لِأَن مَجْمُوع لفظ جَزِيرَة الْعَرَب الْمُضَاف والمضاف إِلَيْهِ عبارَة عَن تِلْكَ الْأَمَاكِن المحدودة وَهُوَ بِهَذَا الإعتبار لَيْسَ من صِيغ العمموم الْمَعْرُوفَة وَإِذا كَانَ مُجَرّد إِضَافَة جَزِيرَة إِلَى الْعَرَب عِنْد عدم مُلَاحظَة العلمية عُمُوم إِضَافَة الْجِنْس إِلَى الْمعرفَة وَفِي تَعْرِيف الْعَرَب عوم آخر لكنه غير ملحوظ وَضَابِط أَمَاكِن جَزِيرَة الْعَرَب قولي
(جَزِيرَة الْعَرَب العربا يشملها
…
قولي الَّذِي مَا بِهِ نقد لمنتقد)
(فالطول من يمن يَا ذَا الذكاء إِلَى
…
ريف الْعرَاق فَلَا تنقص وَلَا تزد)
(وَالْعرض من سَالَ يعزا لجدتهمم
…
إِلَى الشَّام رَوَاهُ العالمم الصَّفَدِي)
وَالْقَوْل بِأَن الممراد بجزيرو الْعَرَب الْحجاز فِي الحَدِيث أطبق عَلَيْهِ مَا عدا الْمَالِكِيَّة من أهل الْمذَاهب الْأَرْبَعَة فبادر الإِمَام إِلَى هدم مَا وجده فِي بِلَاد البون من الْكَنَائِس وَلما جزم الْأَمر سفرهم الإِمَام إِلَى موزع فَهَلَك مِنْهُم عَالم ثمَّ بعد زممان عَادوا إِلَى أماكنهم وَقد بيع أَكْثَرهَا فاختير ليهود صنعاء محلهم الْمَعْرُوف الْيَوْم من قاع صنعاء
وَفِي هَذِه الْأَيَّام انْقَطع إِلَى الله الْفَقِيه الْعَارِف أَحْمد بن عبد الله الجربي نفع الله بسره وَترك علائق الإشتغال بالدنيا وسعى فِي خويصة نَفسه من إحْيَاء مَجْمُوع أوقاته بالنسك والتفكر الصَّادِق فِي أَمر الْآخِرَة مَعَ شمائل عنبرية وأخلاق نبوية من الإيثار على النَّفس وتفقد أَحْوَال ضعفة الْمُسلمين إِلَى أَبْوَاب بُيُوتهم بقد طاقته وَاسْتمرّ حَاله كَذَلِك وَانْفَرَدَ بسلوك هَذِه المسالك وَقد كَانَ درس من فروع الزيدية فِي شرح الأزهار والتذكرة وَغَيرهَا
وَفِي ثَانِي شَوَّال مَاتَ الشريف مُحَمَّد بن عبد الله بن عَامر بقصر صنعاء وَله مشارفة على بعض العلميات سِيمَا فِي العقائد على مَذْهَب الْمُحْتَرِقَة من الشِّيعَة رحمه الله وَكَانَ مَسْكَنه الدَّار الَّتِي فَوق بَاب الْقصر الْخَارِج الَّتِي كَانَت بدولة الأتراك لعَلي آغا وَفِي تَاسِع عشر شَوَّال مَاتَ الشريف الْعَلامَة عز الدّين بن عَليّ ابْن فَخر الدّين بن حسن بن عَليّ العبالي بِمَدِينَة صنعاء وَكَانَ متظلعا من فنون الْعَرَبيَّة سهل الْأَخْلَاق لطيف الْبَحْث مَعَ الطّلبَة سَلس القياد أَخْبرنِي شَيخنَا الْعَلامَة عَليّ بن يحيى البرطي حفظه الله أَنه قَرَأَ عَلَيْهِ من لَيْسَ عِنْده كل التَّمْيِيز وَكَانَ يَقُول للسَّيِّد فِي الجليات هَذَا مُشكل وَالسَّيِّد يُرِيد إقناعه لما عرف
أَن إرشاده إِلَى وَجه الصَّوَاب غير مُمكن فَيَقُول لَهُ عقيب ذَلِك وَأَنا أسمع ان هَهُنَا إشْكَالًا وَيُرِيد بذلك انه سمع من ذَلِك التلميذ فَيَقَع بِمُجَرَّد ذَلِك ويسرد بَقِيَّة الْكَلَام
وَفِي هَذِه الْمدَّة مَاتَ الْفَقِيه الأديب يحيى بن حُسَيْن الحيمي بعيان حَضْرَة الإِمَام بصكة وَقعت فِي جَبهته من جِهَة فرسه عِنْد رفع عنانه وَكَانَ مغوما وَله فِي الإِمَام وَغَيره غرر من القصائد وَفِي ذِي الْقعدَة ظهر نور بِمَسْجِد النهرين من صنعاء وَكَانَ قد ظهر قبل ذَلِك
وَفِي الْعَاشِر مِنْهُ اقْترن المُشْتَرِي والزهرة فِي الدَّلْو وَفِي هَذِه الْأَيَّام وصل على يَدي بعض الْأَعْرَاب إِلَى صنعاء مُصَنف الْعَلامَة بهاء الدّين العاملي االمسمي الزبدة وتناقلته إيدي الباحثين وَاخْتلفت الْعِنَايَة بِهِ على قدر العقائد وَالْكتاب من التَّحْقِيق فِي أصُول الإمامية بِمحل رفيع وآثاره تقضي لَهُ بالتقدم فِي جَمِيع الْفُنُون وَله فِي النّظم الْيَد الطولي وينسب إِلَيْهِ شَيْء من الخوارق الدَّالَّة على تصرفه فِي طَريقَة الْحَرْف وَقد طَغى عَلَيْهِ قلم االخفاجي فِي ريحانته على مَا هُوَ دأبه فِي كثير من الأفاضل وفيهَا سَار الإِمَام من عيان إِلَى الْغِرَاس فوصل إِلَيْهِ مستهل ذِي الْحجَّة وَفِي هَذِه الْأَيَّام عرضت مناقشة االفقيه الْعَلامَة الْحسن بن مُحَمَّد المغربي للإستدلال على إِجْمَاع العترة بقوله تَعَالَى {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت} الْآيَة وَأجَاب عَنهُ جمَاعَة من العصريين مِنْهُم السَّيِّد الْعَلامَة يحيى بن إِبْرَاهِيم الجحافي وفيهَا وَردت رِسَالَة السَّيِّد مُحَمَّد بن عَليّ الغرباني إِلَى صنعاء يتَكَلَّم فِيهَا على اسْتِحْقَاقه الْخلَافَة وإلزام النَّاس النّظر فِي أمره واستجماعه شَرَائِط الْإِمَامَة وعقبها بِأَبْيَات بليغة مِنْهَا
(يَا أَيهَا النَّاس فَاسْمَعُوا إيَّايَ
…
سَماع خاش لرَبه اذر) (هَا قد دعى خَمْسَة وَكلهمْ
…
قد أدعى أَن سَهْمه القامر)
والرسالة والأبيات مثبتة بكاملها فِي غير هَذَا التوقيع وَمَنَعَنِي عَن إيداعها فِيهِ مَا رَأَيْت مِمَّا يكلم ويثلم أسبل الله على الْجَمِيع ثوب ستره وَقيد قُلُوبنَا المستعصبة كَذَا بسلاسل قهره وَفِي هَذَا الشَّهْر توفّي الشريف الخطير الْحسن الْحرَّة الَّذِي كَانَ نَائِبا بعدن وَفِي غرَّة ذِي الْحجَّة جَاءَ الْخَبَر إِلَى صنعاء بِاتِّفَاق أَمر عَظِيم وحادث فِي الْحرم مقْعد مُقيم وَهُوَ التلطيخ بِالنَّجَاسَةِ لجدر الْكَعْبَة المشرفة وبابها وأركانها ومطافها وزمزم ومقام إِبْرَاهِيم عليه السلام وَسَائِر المقامات فَوَقع الْوَهم فِي ذَلِك على سِتَّة أَنْفَار من الْعَجم ففتك بهم الإنقشارية كَذَا للفور وَلَا يظنّ بهم ذَلِك إِلَّا أَن يَكُونُوا من القرامطة فهم فرقة من رافضة الْعَجم وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال
وَدخلت سنة تسع وَثَمَانِينَ وَألف
فِي غرَّة محرم جَاءَت الْأَخْبَار بصلاح شَأْن الْحَج وَأمر السُّلْطَان الشريف بَرَكَات بِالْخرُوجِ بأَهْله عَن مَكَّة لافتقاد أَحْوَال عنزة ووفاة الْوَزير الْأَعْظَم وَكَانَ الشَّيْخ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بِمَكَّة نَائِب المعاليم من قبل الْوَزير فَعِنْدَ توجه الوزارة إِلَى غَيره فَارق مَكَّة المشرفة إِلَى الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَفِيه طلع إِلَى حَضْرَة الإِمَام نَائِب العدين السَّيِّد رَضِي الدّين جَعْفَر بن المطهر الجرموزي وَقدم بَين يَدي وُصُوله ثَمَانِينَ جملا وَلم ينْفَصل إِلَى بلد ولَايَته بِسُرْعَة لشكوى وَقعت من أهل الْبِلَاد
وَفِي سادس وَعشْرين مِنْهُ وَقت الْغُرُوب توفّي الْأَمِير الْمِقْدَام بدر الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد بن الإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه عليه السلام بروضة حَاتِم من بِلَاد ولَايَته وَدفن عِنْد جَامعهَا الَّذِي من مآثر وَالِده وَكَانَ لَهُ عناية فِي الْعدْل وإطعام الطَّعَام وَحفظ التَّارِيخ مَعَ برارة وجدادة رحمه الله
وَكَانَ تَحْويل السّنة بِدُخُول الشَّمْس أول الْحمل فِي تَاسِع وَعشْرين والمريخ وَالْمُشْتَرِي وزحل بالجوزاء وَالْقَمَر وَعُطَارِد بِالْحملِ وَفِي هَذِه الْأَيَّام انهمك أهل العصيمات وسُفْيَان ودهمة فِي التخطف بطرِيق العمشية وَكَانَ قد سبق آخر هَذَا
الْعَام الْمَاضِي من ابْن الدمينة وَغَيره مثل ذَلِك واتصل ذَلِك بِبِلَاد البطنات وأطراف عذر وحول شهارة وَفِي نصف صفر نزل من نقم السَّيْل الْعَظِيم فَدفن الغيل غيل الرَّوْضَة الَّذِي يخرج من الصفاء وَسَائِر الغيول وأخرب عدَّة من بيُوت شعوب وَغَيرهَا
وَفِي هَذَا الشَّهْر حصل الشجار بَين أهل الدُّيُون وَمن تعلّقت بذممهم وطلبوا مَعَ تعذر النَّقْد وَإِمْكَان غَيره أَن تقطع لَهُم المنقولات والعقارات وَوَقع تنَازع بِحَضْرَة الإِمَام فَأمر بإنظارهم إِلَى غلَّة أَمْوَالهم وَكَأَنَّهُ فهم التعنت فِي صفة الْقَضَاء وتهزل مَا فِي ايدي المدينين من العقارات وَغَيرهَا وَعدم انْفِصَال الْأَمر على تِلْكَ الصّفة مَعَ مَا ذكره الواحدي عَن الْكَلْبِيّ بعد نزُول آيَة الرِّبَا أَنَّهَا قَالَت بَنو عمر وَابْن عُمَيْر لبني الْمُغيرَة هاتوا رُؤُوس أَمْوَالنَا وَلَكِن الرِّبَا ندعه لكم فَقَالَت بَنو الْمُغيرَة نَحن الْيَوْم أهل عسر فأخروا لنا إِلَى أَن ندرك الثّمن فَأَبَوا أَن يؤخروها وَأنزل الله تَعَالَى {وَإِن كَانَ ذُو عسرة فنظرة إِلَى ميسرَة} وَقد نُوقِشَ هَذَا بِضعْف الْكَلْبِيّ فِي الرِّوَايَة وَبِأَن الدَّلِيل يقْضِي بَان الْوَاجِب أَخذ مَا فِي أَيْديهم من غير النَّقْد الْمَعْدُوم وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي بن كَعْب بن مَالك أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم حجر لَا على معَاذ مَاله وَبَاعه فِي دين كَانَ عَلَيْهِ وَنَحْوه وَهُوَ الَّذِي فِي الْمِنْهَاج للنووي وادعا صاححب الْبَحْر الزخار وَغَيره أَنه إِجْمَاع وَإِلَى هَذَا جنح القَاضِي مُحَمَّد بن عَليّ قيس الثلائي وَكَانَ قد ألزم من عَلَيْهِم الدُّيُون وَكَأَنَّهُ وَقع مِنْهُ ذَلِك بطرِيق اللهج والحدة الَّتِي قد ورد فِي الحَدِيث أَنَّهَا تعتري خِيَار الْأمة فأوقع فِي خاطر الإِمَام عِنْد إِرَادَة التغليط فبرز الْأَمر بعزله عَن الْقَضَاء
وَفِي هَذَا الشَّهْر منع الإِمَام من إطلاع التتن من الْيمن الْأَسْفَل إِلَى هَذِه الْبِلَاد الْعليا وَفِي سادس عشر ربيع الأول طلع الْقَمَر خاسفا فِي برج الْعَقْرَب بحمرة طمست جرمه وتعقبها سَواد وَفِي سَابِع عشر اقْترن الزهرة والمريخ فِي
الْحمل وَفِي هَذِه الْأَيَّام جمع عز الْإِسْلَام كتب وَالِده المتَوَكل على الله فحصلت إِلَى قدر ثَلَاثَة عشر ألف كتاب وَفِي ربيع الثَّانِي أبطل عز الْإِسْلَام قبال الْأَسْوَاق بِصَنْعَاء الْيمن وَقد خرج الإِمَام إِلَى شرع بالرحبة مِمَّا يَلِي الْخشب فَبَاتَ فِيهِ وَأمر حَال الْخُرُوج بإحراق مَا وجد من التتن وَكسر آلاته فغيبه أهل صنعاء عَن الْأَسْوَاق حَتَّى بيع فِي الْقَرَاطِيس وغنى بذلك المفاليس وَفِي منتصف الشَّهْر مَاتَ بِصَنْعَاء حَكِيم الْيمن مُحَمَّد بن صَالح وَقد سلف لَهُ ذكر فِي الْجُزْء الأول وَفِي هَذِه الْأَيَّام أَمر الإِمَام صَاحب دَار الضَّرْب أَن يَجْعَل ضربه من الذَّهَب الْأَحْمَر فِي قدر الدِّرْهَم وَمن ضَرْبَة الْفضة قدر الربية الْهِنْدِيَّة وَفِي رَجَب توفّي ببير العزب الْعَارِف أَحْمد بن عَليّ الْعَنسِي وَكَانَ لَهُ معرفَة متوسطة فِي الْفُرُوع على قَوَاعِد الْمَذْهَب وَولي الْقَضَاء من الإِمَام المتَوَكل رحمه الله وَلم يثبت فِي منصبه فِي خلَافَة الإِمَام وَفِي جُمَادَى الْآخِرَة توفّي السَّيِّد الْعَارِف عَليّ بن لطف الله بن المطهر بالروضة وَكَانَ لَهُ يَد مباركة فِي تدريس الموشح وَلَا يَخْلُو عَن إِلْمَام بِكَثِير من الْفُنُون وَله شعر متوسط وَفِي هَذِه الْأَيَّام توجه جمال الْإِسْلَام عَليّ بن أَحْمد إِلَى نَجْرَان لاستخلاص مطَالب الْبِلَاد فتغلب أَهلهَا عَلَيْهَا فناجزهم كَمَا هُوَ الشَّرْع وَذهب من الْفَرِيقَيْنِ إِحْدَى عشر نَفرا
وَفِي شعْبَان مَاتَ بِصَنْعَاء القَاضِي الْعَارِف مُحَمَّد بن عَليّ الشظبي كَانَت مَعْرفَته فِي الْفِقْه وَحكم بدولة الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقَاسِم بكوكبان وَاسْتمرّ كَذَلِك شطر من دولة المتَوَكل على الله ثمَّ رفع عَن الْقَضَاء وانتقل إِلَى صنعاء وَلزِمَ بَيته وَكَانَ حَافِظًا لكتب أجداده وَهُوَ مِمَّن أَخذ عَن الْعَلامَة مُحَمَّد بن عز الدّين الْمُفْتِي بِصَنْعَاء فِي دولة جَعْفَر باشا
وَفِيه مَاتَ الْفَقِيه عبد الله بن حُسَيْن بن يُوسُف بظفير حجَّة كَانَ عَارِفًا للتصريف والنحو مدرسا فيهمَا وَأَصله من بلد الْقَذْف بِحجَّة لكنه دخل وَالِده
الظفير خوفًا من سطوة الْأَمِير عبد الرَّحِيم بن عبد الرَّحْمَن بن المطهر أَيَّام دولته بِحجَّة وَلما وصل الظفير أخرب بَيته الْأَمِير وفيآخر شعْبَان طلع الى حَضْرَة الإِمَام بمحصول دفع المخا السَّيِّد الْعَلامَة الْحسن بن المطهر الجرموزي وَفِي آخر رَمَضَان جَاءَت الْأَخْبَار بوصول متسلم جده للباشا الآخر وصحبته اثْنَي عشر مركبا من الطَّعَام وتبعها مثلهَا فِي أزواد الْعَسْكَر وَفِي آخر شَوَّال قبض الْأَمِير عَليّ بن حُسَيْن الجوفي بِصَنْعَاء عقيب طلوعه من الْجوف فقبر فِي حوطة جده المطهر ابْن الشويع بخزيمة غربي صنعاء وَكَانَ إِلَيْهِ الزَّاهِر وأعماله وَفِي ذِي الْقعدَة مَاتَ السَّيِّد الْعَالم يحيى بن أَحْمد بن صَلَاح الشرفي بالشاهل من بِلَاد الشّرف وَهُوَ مستقره وَأَهله وَهُوَ من محترقة الشِّيعَة وَله رسائل ومسائل تدل على أَنه من أهل الْإِدْرَاك والعرفان بِمحل رحمه الله وَفِي ذِي الْقعدَة أخذت دهمة من برط قافلة فِي الطَّرِيق الغربية من العمشية وَاتفقَ بَينهم وَبَين العصيمات قتال ذهب فِيهِ من العصيمات ثَلَاثَة أَنْفَار مَعَ جنايات فِي الْجَمِيع وشاركهم فِي ذَلِك بنورهم من سُفْيَان وَكَانَ قد تكَرر مِنْهُم نَظَائِر لهَذِهِ الفعلة كَمَا مضى فبرز عَلَيْهِم الإِمَام فِي آخر ذِي الْحجَّة.
وَدخلت سنة تسعين وَألف - فِي نصف محرم توفّي القَاضِي الْعَلامَة صَالح بن مُحَمَّد العياني الْعَنسِي بِصَنْعَاء أَخذ عَن عَمه القَاضِي أَحْمد بن صَالح والعلامة عبد الرَّحْمَن الحيمي وَغَيرهمَا ورحل الى مَكَّة فَسمع بهَا البُخَارِيّ والموطأ وَأكْثر صَحِيح مُسلم على الشَّيْخ الْعَلامَة مُحَمَّد بن عَليّ بن عَلان الشَّافِعِي الْمَكِّيّ وَله قرأة قديمَة على الْعَلامَة الْحُسَيْن ابْن الْقَاسِم والعلامة مُحَمَّد بن عز الدّين الْمُفْتِي وَكَانَ لطيف الطَّبْع سهل الْحَال كثير المباحثة فِي الْفُنُون وَلَو لمن هُوَ دونه ورأيته بآخر مدَّته يملي شرح غَايَة السول على الْفَقِيه الْعَلامَة الْحسن بن مُحَمَّد المغربي بِمَسْجِد دَاوُد وقبر بخزيمة غربي
صنعاء وَله شعر فِيهِ لطف وحلاوة وَمن شعره مَا كتب على ضريح شَيْخه القَاضِي أَحْمد بن صَالح
(إِذا غصت فِي لجج المشكلات
…
وباعي فِي السبح بَاعَ قصير)
(فَمن ذَا بِحَبل لَهُ التوي
…
إِلَى الله أَدْعُو وَنعم النصير)
(شيوخي مضوا وَاحِدًا وَاحِدًا
…
إِلَى دَار عدل وَنعم الْمصير)
(مضى أَحْمد قدوة العارفين
…
كريم النجاد عديم النَّضِير)
وَفِي هَذِه الْأَيَّام انْكَسَرت جلبة بِبَاب جدة فِيهَا حجاج وبضائع وتبعها أُخْرَى فَانْكَسَرت بِمَا فِيهَا وَمن فِيهَا وَهلك الْجَمِيع غير من كَانَ قد خرج عَنْهَا وَفِي الْعشْر الْآخِرَة من صفر توفّي السَّيِّد الْعَارِف عماد الدّين يحيى بن الْحُسَيْن بن الإِمَام الْمُؤَيد بشهارة بعد عوده من الْحَج وَكَانَ فِي الْحِفْظ آيَة باهرة وَفِي هَذَا الشَّهْر توفّي السَّيِّد الْفَاضِل الْعَارِف عبد الله بن مهْدي الكبسي فِي بَحر جدة أثْنَاء عوده من الْحَج والزيارة فَغسل وكفن وأرسب رحمه الله قَالُوا وَكَانَ فِي حَيَاته يذكر وَحْشَة الْقَبْر ويدعوا الله فِي ذَلِك وَكَانَ صَاحب ذكاء وَيَد قَوِيَّة فِي الْفُرُوع مشاركا فِي كثير من الْعُلُوم وَسمع حِصَّة من شرح الرضي على الْعَلامَة الْحسن بن مُحَمَّد المغربي فسح الله فِي مدَّته
وَفِي آخر ربيع الأول وصل أول المراكب الْهِنْدِيَّة إِلَى المخا وَكَانَ قد تلقاهم أَصْحَاب الْعمانِي بِبَاب المندب فعشروهم فِيهِ وَفِي تَاسِع ربيع الآخر وصل إِلَى عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن المتَوَكل على الله مَنْدُوب عَليّ باشا مَعَه هَدِيَّة سنية وَبعد ثَمَانِيَة أَيَّام أَعَادَهُ بِجَوَاب حسن ومكافأة أحسن
وَفِي نصف الشَّهْر جد الإِمَام على التَّجْهِيز إِلَى الْبِلَاد البرطية وَكَانَ قد ضربت أوطقته بالرحبة بمَكَان يُسمى ببير الدرج بحدود بني الْحَارِث وهمدان فَجهز بعد ذَلِك عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن الإِمَام المتَوَكل وَولده شرف الدّين الْحُسَيْن ابْن الْمهْدي وَولد ولد عَمه الْأَمِير أَحْمد بن مُحَمَّد صَاحب الْبُسْتَان فَسَارُوا إِلَى عيان ثمَّ استقروا هُنَالك وطالعوا الْمَشَايِخ مَعَ الْمُكَاتبَة إِلَى القَاضِي عَليّ الْعَنسِي
وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن عَليّ فوصل الْمَشَايِخ بوصول القَاضِي وَمَعَهُمْ ضِيَافَة الْأُمَرَاء وَتَأَخر السَّيِّد الدَّاعِي مُحَمَّد بن عَليّ وَبعد ذَلِك طالبهم بالحاصل فِيمَا مضى فاعتذروا بجهلهم للْفَاعِل فَتقدم إِلَى المراشي بِمن إِلَيْهِ من الْأُمَرَاء وَوصل السَّيِّد الدَّاعِي مُحَمَّد بن عَليّ وَاتفقَ عِنْد ذَلِك وَفَاة القَاضِي عَليّ بن قَاسم الْعَنسِي وَهُوَ حَاكم تِلْكَ الْجِهَة وَبعد أَيَّام نزل عز الْإِسْلَام إِلَى عيان وَفِي أول شعْبَان استدعاه الإِمَام وَقد حصل جُمْهُور المرام وَفِي عشْرين خلت من جمادي توفّي بالروضة السَّيِّد الْعَالم الذكي أَحْمد بن أَمِير الْمُؤمنِينَ المتَوَكل على الله وَكَانَ قد لَقِي عز الْإِسْلَام عِنْد عوده من البون خَارِجا من السودة وَبعد ايام تقدم إِلَى حَضْرَة الإِمَام فَأَصَابَهُ شبه البرسام وَله الْيَد الطُّولى فِي نصْرَة الإِمَام بَاطِنا وظاهرا وَفِي هَذِه الشَّهْر وصل الْخَبَر من عَامل عدن الشَّيْخ رَاجِح يَقُول فِيهِ بِأَنَّهُ وصل إِلَى سواحل عدن مركب من ماشلي فتان وَأَن أَهله تخوفوا جند الْعمانِي فبعثوا إِلَيْهِ فِي جَوف اللَّيْل فِي أَن يمدهُمْ بِالرِّجَالِ ويعضدهم بالأبطال فَفعل مَا قَالُوا فَلَمَّا اسْتَقر الْمركب بالهنود وَمن فِيهِ من الْجنُود لم يشعروا بعد الصَّباح إِلَّا بجند الْعمانِي وَقد وَثبُوا عَلَيْهِم فِي زِيّ عَجِيب وَأخذُوا يجرونَ الْمركب بالكلاليب فواثبهم عِنْد ذَلِك الويل وَلم يشعروا أَن الْأَمر قد قضي بلَيْل وتناوشتهم منايا الرصاص وَنَادَوْا ولات حِين مناص وانجلاء أَمرهم عَن قتل خَمْسَة وَعشْرين رجلا وانكسر الْبَاقُونَ وَلما عرف العمانيون عجزهم وطلعت الثريا فجرا وعادوا بِلَادهمْ اخْتِيَارا وقسرا وَللَّه الْحَمد
وَفِي ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى وصل خبر من شرف الدّين الْحسن بن المتَوَكل من بندر اللِّحْيَة يذكر فِيهِ وُصُول عَليّ باشا بِمن مَعَه من الْعَسْكَر والأتباع إِلَى بندر اللِّحْيَة فِي سنجق وخيول ونوبة وطبول وَهُوَ الَّذِي كَانَ مبوشا من صَاحب الْأَبْوَاب على الْحَبَشَة فَخرج عَنْهَا هَارِبا لأسباب اقْتَضَت ذَلِك
وَفِي هَذِه الْأَيَّام فتحت كَنِيسَة الْيَهُود بِصَنْعَاء بعد أَن كَانَ الإِمَام أَمر بسمرها وَأخرج مَا فِيهَا من كتبهمْ وأريق الْخمر الَّذِي كَانَ بمخزانها فِي مصالحها وَأمر بِخُرُوج الْيَهُود فَخَرجُوا أَرْسَالًا وَبَاعُوا مَا نفق من بُيُوتهم وخربوا مَا لم ينْفق وَخَربَتْ الْكَنِيسَة وراجع عز الْإِسْلَام مُحَمَّد بن المتَوَكل فِيهَا لتقدمها كَمَا فِي تَارِيخ الرَّازِيّ وَغَيره فصمم الإِمَام على ذَلِك المرام فهدمت وَعمر مَكَانهَا الْمَسْجِد الْمَعْرُوف الْيَوْم بِمَسْجِد الْجلاء وَكتب فِي طرازه للْقَاضِي الْعَلامَة مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم السحولي
(إمامنا الْمهْدي شمس الْهدى
…
أَحْمد سبط الْقَائِم الْقَاسِم)
(لَهُ كرامات سمت لم تكن
…
لَهَا دوِي قبل أَو قَاسم)
(لَو لم يكن مِنْهَا سوى نَفْيه
…
يهود صنعاء أَخبث الْعَالم)
(وَجعله بيعتهم مَسْجِدا
…
لساجد لله أَو قَائِم)
(قد فَازَ بِالْأَمر بِهِ غانما
…
وَاتفقَ التَّارِيخ فِي غَانِم)
وَفِي هَذِه الْأَيَّام نزل من السَّمَاء بِبِلَاد حجَّة برد وزن كل حَبَّة سِتَّة أَرْطَال وَفِي نصف رَجَب توفّي الْحَكِيم مُحَمَّد لطفي بن الْأَمِير الْحرار بِمَدِينَة صنعاء وَكَانَ من مَعْرفَته الْأَسْبَاب والعلامات بِمحل جيد وَفِي هَذِه الْأَيَّام وصل إِلَى صنعاء الشريف الْعَالم إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الرُّومِي الْحَنَفِيّ الْحُسَيْنِي فِي هيكل الدراويش وَترك كتبه بزبيد وَبحث مَعَه جمَاعَة من أهل الْعلم بِصَنْعَاء فوجدوه عَارِفًا فِي عَامَّة الْفُنُون وَفِي فقه الْحَنَفِيَّة وَهُوَ صنو وَزِير السُّلْطَان مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم
وَفِي عشْرين من شعْبَان انْتقل الإِمَام إِلَى بير زَاهِر ثمَّ سَار بعد ذَلِك إِلَى الْغِرَاس وَفِي عَاشر رَمَضَان توفّي بِصَنْعَاء الْفَقِيه الْعَارِف عَليّ بن مُحَمَّد سَلامَة
وَكَانَ فِي الْمدَّة السَّابِقَة موازرا للآغا عبد الله المعافا صَاحب سَوْدَة شظب ثمَّ لما زَالَت دولة الباشا حيدر عَن صنعاء أقبل على طلب الْعلم بهَا وَلزِمَ حَضْرَة الْمولى جمال الدّين عَليّ بن الْمُؤَيد بِاللَّه وَكتب لَهُ الْإِنْشَاء وَله مؤلفات فِي الْفِقْه وأصوله غالبها نقل وَلم يقْض لَهُ الْحَظ بتداول شَيْء مِنْهَا وَرَأَيْت لَهُ شرحا على الْفُصُول لَيْسَ هُنَاكَ رحمه الله
وَفِي النّصْف الآخر من شعْبَان ظَهرت نَار عَظِيمَة فِي الْجَبَل الْمُقَابل للمخا الْمُسَمّى سقار بِالسِّين الْمُهْملَة المضمومة وَالْقَاف الْمُعْجَمَة تلتهب بالجمر وَتَرْمِي بشررها إِلَى الْبَحْر وتصعد فِي السَّمَاء كالمنارة الْعَظِيمَة ويراها من فِي الْجبَال الْبَعِيدَة كاجبال وصاب وَفِي النَّهَار يرى دخانها كالسحاب وَتعقب ذَلِك زلازل بالمخا وأحرق قدر نصفه وَدخل عَامله السَّيِّد الْحسن وَأَوْلَاده الْبَحْر تخوفا من ذَلِك وَفِي أول شَوَّال أحدث الله مطر أطفأها وَكَانَ قد اتّفق فِي الْمِائَة الثَّامِنَة ظُهُور نَار عَظِيمَة فِي الْجبَال السَّبْعَة بَين كمران ودهلك ترى من جبل سردد كحفاش وملحان وتعقبها مَا حصل من الْقِتَال الْعَظِيم بِالْيمن ونار قرب الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة بالحجاز تَأْكُل الْحجر وَلَا تَأْكُل الشّجر وَقد وعد بهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم وتعقبها فتْنَة التتار وَفِي ثَانِي عشر شَوَّال توفّي بِصَنْعَاء السَّيِّد الْعَارِف غوث الدّين بن يحيى بن غوث الدّين بن مطهر بن الإِمَام شرف الدّين وَكَانَ ناسكا مشاركا لَا يخلوا عَن التدريس والإشتغال بِخَاصَّة نَفسه رحمه الله أَخذ عَن الْعَلامَة الْمُفْتِي والفقيد أَحْمد بن سعيد الهبل وَكَانَ قد لَقِي كثيرا من الْعلمَاء الْمُتَقَدِّمين مثل الْعَلامَة الحاضري وَالْقَاضِي إِبْرَاهِيم بن الْحُسَيْن السحولي وَغَيرهمَا وَجَاء خبر الْمَدِينَة المحمية هَذِه الْأَيَّام وَفِيه أَنه اتّفق افْتِرَاق بَين عَسْكَر السلطنة وَقتل بِسَبَب ذَلِك حَاكم الشَّرْع الأفندي فأطفى سعير الْفِتْنَة السنجق دَار بِحَضْرَة مصر وفتك بِبَعْض ومحا بَعْضًا عَن دفتر المعاليم السُّلْطَانِيَّة وَفِي هَذَا
الشَّهْر وصل الْخَبَر بِأَن سُلْطَان بن سيف ملك العمانيين قبض ببلاده وَقعد فِي كرْسِي ملكه بعض أَوْلَاده
قَالَ الْمُؤلف حفظه الله فِي نسخته المنقولة هَذِه مِنْهَا من خطه وَإِلَى هُنَا انْتهى الْجُزْء الثَّانِي من طبق الْحَلْوَى وصحاف الْمَنّ والسلوى بتاريخ خَامِس محرم من شهور سنة مائَة وَألف وَثَمَانِية عشر على يَد جَامعه الْفَقِير عبد الله بن عَليّ الْوَزير سامحه الله وَصلى الله وَسلم على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَسلم تَسْلِيمًا انْتهى كَمَا وجد فِي الْأُم بِلَفْظِهِ
عَلَيْهِ السَّلَام وَالْإِمَام أَحْمد بن سُلَيْمَان وَالْإِمَام الْمَنْصُور بِاللَّه وَالْإِمَام شرف الدّين عليهم السلام ودخله قرا جُمُعَة فِي دولة سِنَان باشا وَلما أجمع الصفي بالارتحال بِمن مَعَه خَاطب أهل برط فِي شَأْن الدَّاعِي السَّيِّد مُحَمَّد بن عَليّ الغرباني فَأَجَابُوا أَن لَا سَبِيل إِلَى إِخْرَاجه وَضمن كبارهم صغارهم فِي حفظه وَأَن لَا يتَّفق مِنْهُ شَيْء مِمَّا يتشوش مِنْهُ الخاطر وحرر الدَّاعِي عقيب ذَلِك قصيدة إِلَى وَالِده وَهُوَ بِصَنْعَاء مِنْهَا
(وعج ببني الْقَاسِم الأكرمين
…
وَمن لَهُم فِي العلى أوج)
(وأتحفهم بشريف السَّلَام
…
وعاتبهم إِن هم عرجوا)
(وَقل مَا لكم يَا بحور الحجا
…
أتيتم بِشَيْء بكم يسمجوا)
(جنودكم كلهَا أَقبلت
…
على رجل وَاحِد تزعج)
(وَلَيْسَ لَهُ ثروة لَا وَلَا
…
لَهُ ثمَّ أَوْس وَلَا خزرج)
(وَلم يأتكم مِنْهُ مَا تَكْرَهُونَ
…
سوا أَنه قَالَ ذَا المدرج)
(وَمَا قَالَ إِنِّي إِمَام وَلَا الْإِمَامَة
…
عَنْكُم لَهَا مخرج)
(وَلكنه قَالَ إِن كَانَ مَا
…
ذكرت هُوَ الْمنْهَج الأوهج)
(فهبوا إِلَيْهِ إِذا شِئْتُم
…
وَإِلَّا فَمَا شِئْتُم فانهجوا)
(ورد عَليّ إِذا شِئْتُم
…
مقالي إِن كَانَ يستسمج)
وَفِي هَذِه الْأَيَّام رَجَعَ مَنْدُوب شرف الْإِسْلَام الْحُسَيْن بن الْحسن إِلَى حَضرمَوْت